اضلاع القوة حلقة 4 : #الاقتصاد …#الموارد 1

20310

اضلاع القوة : حلقة 4

#الاقتصاد .. #الموارد  ..1

 

مرحبا دائما

نلتقي وهناك رسائل تسال عن ما نسميه الجرعة السعرية في زيادة المحروقات ، …..ولكي لا يكون حديثي خارج نسق السلسة سيكون ضمنها … فتصبروا معي …

 

نعم اخوتي

نلتقي من جديد مع السلسة التي أرغب من خلالها معكم لفهم الاحداث التي تدور حولنا ،منطلقنا هو مثلث أضلاع القوة : الاقتصاد والسياسة والوعي ، بدأنا في الاسهاب في الاقتصاد لأنه الضلع الأهم والابرز ، لكنه ليس القاعدة ليس الضلع الأخطر … لن نسهب الان لان الحديث سيأتي تباعاً .

 

لما بدأنا الحديث عن الاقتصاد قلنا أن الاقتصاد علم يبحث ويتناول القدرة والوفرة والرغبة، أي جوانب الإنتاج والاستهلاك وتحقيق الثروة. وتعرفنا أن من يدير الاقتصاد يدير الحياة، ومن الصغير الى الكبير نجد ان من يمتلك إدارة الاقتصاد يمتلك القدرة على التحكم في حياة الناس.

 

تعرفنا ان للاقتصاد أدوات لأدارته، وأن تلك الأدوات في الاغلب تدار عبر دورة مكتملة يعبر عنها بالنقد، وأن المؤسسات النقدية والمالية هي التي تدير تلك العجلة بل وتتحكم بها، لكن تلك الدورة تقع في مصيدة الفساد، وتعرض الدورة للتوقف او تغيير المسار.

 

تتعرض الدورة الاقتصادية لانكماش وتوسع وتسعى كل دولة للحفاظ على الدورة في حالة استقرار والانتقال للتوسع، وتجنب مرحلة الانكماش او الانهيار،لكن هذا ليس بالإمكان دائما .

 

تدير الدولة الاقتصاد عبر :

  • سياسات مالية يعبر عنها بقوانين متعددة وإجراءات متعلقة بألية إدارة الأموال وإدارة الموازنة الإيرادات والنفقات و قوانين الوعاء الضريبي وووو .

  • وسياسات نقدية يعبر عنها بسياسات الاقتراض والاحتياطيات وغيرها مما يؤدي الى تحسين او ترتيب التدفقات النقدية وميزان المدفوعات.

 

ولكي تعمل مكينة الاقتصاد فهي بحاجة لموارد، التي من خلالها يدار الاقتصاد العالمي أو القومي أو الوطني أو الشخصي. تلك الموارد تعبر عن مصادر تأسيس الحياة الاقتصادية للدولة ، ومن أهمها موارد الدولة الطبيعية في جوف الأرض او على الأرض . وفي الاغلب نعبر عن الموارد بأنها موارد مالية نقدية أو موارد مادية غير طبيعية أو موارد بشرية، وهي ثلاثية الموارد، والتي يتبعها موارد ثانوية هي الموارد المعلوماتية والزمنية .

 

وتلك الموارد هي ما يحتاجها من يؤسس مشروعه الكبير أو الصغير والتي ألفنا في حياتنا بتسميتها رأس المال ، والمال هنا لا يقصد به النقد ، كل مصدر يسهم في خلق المشروع و تمكينه هو جزء من رأس المال، رأس المال النقدي (رأس المال العامل)،رأس المال المادي،ورأس المال البشري ، ويعبر عنها بالأصول .

 

ومن باب الخروج اللطيف يمكن أن أوضح بأن العرب يفرقون بوضوح بين المال والنقود و الاقتصاد اليوم يفهم ذلك. كان يعبر عن المال لدى العرب بمعنى الابل،فمن لا يملك الابل لا يملك المال….وتطور المفهوم ليشمل كل شيء يمتلكه الانسان ذا قيمة فهو ماله، ذهب وجواهر وعقارات وأفكار وووووو… و بالتالي كل ما له قيمة هو مال … وقد جاءت الآية الكريمة لتعبر عن هذا في قوله تعالى في سورة الكهف:

“الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا”

 

ومن الاستدلالات التي أراها في الآية انها جعلت من البنين ، الجيل التالي مقامهم مقام المال … و هذا يحتاج لوقفة ليس هذا مقامها . وأما الباقيات الصالحات فهو ذكر الله تعالى …هي ما تجنيه في الاخرة … !

 

لنعد …

كما ذكرنا المال كل شيء ذا قيمة له قبول تجاري في التبادل او المقايضة يتحقق من خلاله الحصول على منفعة، والاقتصاد يوضح لنا اليوم أن النقد ليس قيمة في حد ذاته، فهو قيمة لمن يمتلكه للحصول على المنافع ، وبالتالي القيمة مقابل المنفعة … وهذا سيخرجنا عن موضوع هذه المقال، سيأتي التطرق اليه في مقال قادم عن القيمة والمنفعة ، وسبب تطرقي لهذا الامر الآن لغرض توضيح مفاهيم في المقال سيأتي تباعاً.

 

 …احبائي

 النقود هي احد الموارد التي نتحدث عنها، لكنها في الحقيقة ، ليست مورد ذا قيمة في ذاته وانما قيمة ناتجة عن القبول به كوسيلة لتسيير الدورة الاقتصادية ، وبدونه يحدث خلل كبير في الدورة الاقتصادية.

 

نعم ..سؤال خطر في بالكم ..كيف النقد ليس ذا قيمة في ذاته وهو مهم ؟

 

النقود هي وثائق تثبت أنك تمتلك قيمة معينة من خلالها تتحصل على منفعة ترغب بها ، فالنقدية بمئة ريال ، ستعطيك منتج بقيمة المئة ريال ، الطرف الثاني الذي استلم منك المئة ريال سيعطيها لطرف ثالث للحصول على منفعة يرغب بها ، نفترض دفع بها جزء من فاتورة الكهرباء ، المئة التي حصلت عليها مؤسسة الكهرباء من الطرف الثاني ستوجهها الى رصيدها في البنك المركزي والذي بدروه سيقدمها لمؤسسة ما والتي ستأخذها لتسيير عملها ومنها ستعود اليك في نهاية الشهر كجزء من مرتبك ، المئة في ذاتها ليست قيمة وانما وسيلة للحصول على المنفعة ، أما القيمة الفعلية هي في ثقة الأطراف ان هذه الورقة التي تدور بينهم تحمل قيمة مئة ريال ، لأنها صادرة عن البنك المركزي للدولة. ومصدر الثقة ان هذه النقود له قيمة بقبولها تجاريا للتعامل به بوجود الغطاء الذي يحصنها به البنك المركزي عبر الاحتياطي من الدولار الأمريكي المقبول عالميا كعملة مقبولة للتبادل التجاري … والدولار يمثل الغطاء للقيمة النقدية لأغلب دول العالم تقريبا وقد سبق الإشارة الى هذا في مقال سابق .

 

و بالتالي يحرص البنك على وجود احتياطي مناسب من العملة النقدية الدولار التي تحصن قيمة عملته في السوق المحلي من جهة وتتيح له التبادل التجاري مع الخارج من جهة أخرى .

 

فقدان الغطاء النقدي يفقد العملة النقدية قيمتها التبادلية لدى الأطراف في السوق المحلي والسوق الخارجي، مما يعرض الدولة للإفلاس، ولابد ان تمتلك الدولة ما يساعده للحفاظ على دورتها الاقتصادية الداخلية، ولو فقدت هذا فستحدث كارثة في الدولة تعرضها للانهيار. ولو اخذنا مثل قريب ، لما فقدت العراق قيمة عملتها بعد الحصار الجائر عليها ، استخدمت وسيلة مالية بديلة هي المقايضة ، أي الأطراف تحصل منك على ما تراه يحقق المنفعة لها في مقابل حصولك على المنفعة لديها ، فكانت سياسة (النفط مقابل الغذاء ) … لكن ماذا لو لم تمتلك العراق قيمة تقدمها كبديل للحصول على احتياجها من الغذاء والدواء …. !

 

لذا تحرص جميع الدول ان تحول النقود التي تمتلكها الى موارد يمكنها جني النقود من خلالها او جني المنافع الأخرى لها ، وهنا يكمن أهمية أدارة النقود وتوجيه السياسة النقدية للحصول على موارد مختلفة او تطوير الموارد في الدولة …. هنا تكن القيمة الحقيقية للنقود في خلق الموارد وتطوير الموارد ….

 

لو نظرنا لمثال قريب امارة دبي، امارة لا تمتلك الميزات التي تجعلها ميناء حيوي، أو قاعدة تجارية مستقرة ، هذه النظرة يعرفها من يدير دبي ، ويفهم ان موارد دبي الطبيعية محدودة ، لذا لابد من إيجاد قيمة جديدة مستقرة في دبي لجعلها مصدر مستمر لدورة النقد إيجاد موارد صناعية ، هنا توجهت إدارة دبي لتحويل امارة دبي لأكبر مركز تجاري على وجه الأرض ، كل إمارة دبي تتحول الى مركز عملاق يحوي العديد من المراكز …. يشمل كل ما تتوقعه من اطر اقتصادية وسياحية وووو …. بهذه الطريقة يمكن ان تصبح دبي مزارا دائما لكل الناس ومن أي مكان،وبالتالي الدورة النقدية تستمر … رغم ان هذه المشاريع العملاقة تحتاج لمبالغ نقدية كبيرة جداً .. لكن من يعمل في دبي يفهم قاعدة النقود وسيلة وليست غاية … هي نفس القاعدة التي تعمل بها اقتصاديات الدول الكبرى … النقود وسيلة وليست غاية … تذكرها جيدا

 

وليس بالضرورة ان دبي هي النموذج الأنسب لكل عمل ولكل دولة وانما مثال ندرس فيه القواعد …لان السر في إدارة الموارد هو اكتشاف الموارد التي يمكن ادارتها أولا والهدف من ادارتها .  

 

هناك كتاب عنوانه (ابي الغني –ابي الفقير ) لروبرت تي.كيوساكي، يتحدث فيه هذا المفهوم ، لا يهم ان تمتلك النقد المهم كيف تحول النقد الى موارد تديرها لتستمر دورة النقد ……

 

اذن أين يكمن الخطر ؟!

 

الدورة النقدية وهي المورد الذي يولد الموارد يحتاج لدورة مكتملة ، بحيث ان النقد الصادر من الجهة المالية المعنية في الدولة وهي البنك المركزي عندما يصدر في السوق المحلي 100 ريال يتوقع عودة المئة ريال نفسها ، أو …وهو الأهم يتوقع زيادة النقد من 100 ريال الى 200 ريال … ما يحدث ان هذا لا يتم بل تتشكل فجوة بين النقد الصادر والنقد الوارد وقد وضحتها في مقال الاقتصاد الخفي،…

 

يظن الناس ان الاحتياطي النقدي من الدولار هي أموال لاتتحرك، وهذا المفترض نظريا،لكن الذي يحدث ان الاحتياطي يتم اطلاقه في السوق في اتجاهات استثمارية وتنموية للحفاظ على مستوى الاستقرار او زيادة النمو ، عندما يحصل السوق المحلي على تلك العملة ينبغي ان يديرها داخليا ، لكنه في الحقيقة يقوم بتصديرها للحصول على البضائع من الخارج ..

 

تعال معي للمثال التالي للتوضيح : تقوم شركة سين بشراء موادها الخام من دولة صاد بمبلغ 100 الف دولار ، إذن هناك 100 الف دولار خرجت من الدورة النقدية لسين الى دورة نقدية لصاد ، ليحصل بها على مواد خام ، يصنعها للحصول على منتج معين أي منتج يبيعه في السوق المحلي ، وتستمر الدورة ، هذه الشركة لم تعوض المبلغ المصدر الى الخارج بمقابله من الخارج بل حصدت قيمته من الدورة النقدية الداخلية لدولتها ومن هنا تحدث فجوة كبيرة في النقود ، ومع الزمن تفقد الدورة النقدية القيمة العليا وتعود للانكماش ، مما يرفع نسبة التضخم ، وتلقائيا يؤدي الى الكساد .

 

هذه مشكلة … حاولت دول كثيرة في فترة ما الاعتماد الكلي على آلية المقايضة وحاصرت عملية تصدير العملة … لم تنجح لان المقايضة لا تلبي المطلب لكل المنافع التي تحتاجها الدولة وقد لا تجد كل الدول ما تقبله لديك لتقايض به ..

عالجتها آلية السوق ببساطة أن عليك إيجاد ما تنتجه وتخلق ما يمكن قبوله ، لتوليد دورة نقدية اكبر … لهذا حرصت دول كثيرة على أن تكون الخدمات هي وسيلة الحصول على النقد ، ومن تلك تطوير السياحة … لان السياحة تجذب أفواج من البشر سينفقون نقودهم في دولتك فلو افترضنا ان هناك مئة سائح صرف مئة دولار فقد ادخل في دورة الدولة نقوداً توازي عشرة آلاف دولار امريكي …ستدخل بعضها في الوعاء الضريبي للدولة مما يسهل ويساهم في تقديم الخدمات للمواطنين ..وهكذا …

 

المشكلة الأكبر هي في حجم النقد الذي يتسرب في جوف الدورة النقدية ذاتها ، هذه الأموال تسبب كارثة في الاقتصاد وتهدد عجلة النمو والاستقرار، لهذا تحرص كل دول العالم على تشجيع الادخار ، والدفع للناس بفتح حسابات في البنوك او المؤسسات المالية ومنها مؤسسة البريد العام ، هذه وسيلة لاستدعاء الأموال من السوق الخفي ،ولكن الادخار رغم أهميته في توفير النقد للمؤسسات المالية ويساعدها في تنفيذ عملها ن لكنه في جوهره هو عبارة عن تضخيم وهمي للنقد الذي لم يقدم أي مستجدات في الموارد للدولة ، وبالتالي يجب تفعيل دور النقد بتوجيهه نحو المشاريع الاستثمارية الحقيقية….

في الوقائع لم يتم تفعيل دور النقد وتحويله الى استثمارات وانما ، ينتظر المدخر ريعا من النقد المدخر في البنك دون ان يهمه كيف يمكنه ذلك ، وهنا يأتي الخطر الذي حرمه الإسلام وهو الربا ،أي الحصول من المال على المثيل وزيادة بدون سبب .. وهذه المشكلة سعت الدول الى تطوير منظومة مالية جديدة وهي أسواق الأسهم ، وتحويل الشركات الاستثمارية الى شركات مساهمة عامة ، مما يدفع أي فرد لشراء الأسهم وبالتالي يؤدي ذلك الى تحريك النقد في سبيل عمل حقيقي وليس افتراضي زز وقد نجحت هذه الفكرة في سحب دفع الناس من دخول سوق الأسهم ،

و جاءت التجربة التركية لتعطي وسيلة مميزة في تدوير النقد وادارته وهي الصكوك الإسلامية ، التي سهلت تدوير المال وتحويله لاستثمارات بارزة وعملاقة ….

 

ومع بقاء حاجة الدولة لتدوير النقد ، وسحب السيولة من السوق تتبع وسائل لدفع الناس لتسديد اكبر قيمة ممكنة من النقود من خلال سياسات اجبارية. منها الدمغة والضريبة والجمارك.

 

ومن بين تلك الوسائل السهلة رفع الدعم ….!!!

 

الحديث كثير عن الدعم ، جئنا اليه اذن ….

 

الدعم الحكومي ظاهرة بارزة في الدول النامية وهو في الحقيقة آلية لتوجيه تقديم امداد مالي لتخفيض أسعار السلع إما :

  • لصالح صناعة (وهو ما تقوم به بعض دول شرق آسيا كالصين لدعم التصدير منتجاتها ومواجهة التنافسية العالمية ومن ذلك خفض او الغاء الضريبة على السلع المصدرة أو تقديم خصومات في النقل للسلع المصدرة)

  • وإما لصالح المواطن لتخفيف الظروف المعيشية ومساندته في تسيير احتياجاته اليومية ( وهذا ما اعتمدته أغلب الدول النامية تقريبا او الدول ذات النهج الاشتراكي الشيوعي للسيطرة على السوق .. وقد تبنته خاصة بعد فترة الستينيات من القرن الماضي وكان نهجاً مؤقتا لكنه وفجأة اصبح عبئا على تلك الدول )

 

قامت أغلب الدول تلك مع الألفية الأولى بالتخلص من تلك الأعباء، ومنها اليمن التي تخلصت من الدعم في اغلب السلع الأساسية عدا دعم الكهرباء والمحروقات…وهذا الدعم مستمر في كثير من الدول كما ذكرت  ومن أكثر الدول العربية دعما للطاقة والمحروقات حيث يمثل ذلك الدعم 8% تقريبا من الدخل القومي لها هي المملكة العربية السعودية .. !!!

وفي أغلب الدول النامية لا تزيد الدعم عن 6%من الدخل القومي ،نعم نسبته قليلة ولكنه رقم بالملايين ..

 

هل الدعم صحي ؟

 

الدعم الثاني على السلع ليس دور الحكومة لأنه تخرج الحكومة عن دورها الأساسي لعمليات تجارية البيع والشراء بغرض الربح او تحقيق عائد لبيع والشراء لان مجالها تحقيق خدمة الناس والرفاه في المجتمع فهي ظاهرة اقتصادية غير صحية وتؤثر في سلامة الدورة الاقتصادية الطبيعية . وتدعم تشكيل الفساد الخفي .

 

فالدور الأساسي للحكومة هو في أنها الجهة التنفيذي القائمة على تنفيذ القانون ، وتنظيم القواعد السلوكية في المجتمع ، وممارسة السيادة والشرعية للدولة ، وتحقيق الرفاه للمجتمع عبر تطوير مصفوفة الخدمات العامة .

 

فالدعم على الخدمات جزء من اعمال الدولة التي قامت لتحقيقها ولكن عليها اتباع أدوات لرفع مستوى الخدمات وتحسين الدورة الاقتصادية في الخدمات . لان الخدمات لا تقدم مجانا ولا تصدق هذا هي تقدم للمواطنين لان هناك من يدفع تكلفتها عبر الضرائب والجبايات المختلفة..

 

هناك قاعدة بسيطة في العمل الإداري والاقتصادي لكي تستطيع التخلص من عبء عليك أولا ان تنشء البديل لتحقيق الهدف من التخلص منه والا صار عبئا إضافيا ..,,

 

لو جئنا لمثال ما تقوم به الحكومة اليمنية أو المصرية اليوم في رفع الدعم عن المحروقات بغرض تحسين الموازنة … الهدف الرئيس من هذا هو استعادة كمية من النقود واعادتها للدورة النقدية الطبيعية اذن …

بمعنى : لو ان هناك مليون سيارة تقوم بتعبئة يومية بعشر لتر بنزين بقيمة الف ريال فهناك مليار ريال يمني يدور في دورة النقد ، فبرفع الدعم ستصبح الدورة اكبر بزيادة مليار بمعنى ان الدورة استفادت من اثنين مليار ريال يمني …هذا من جهة ومن جهة أخرى سيعيد مبالغ مالية تم تسريبها من القيمة الحقيقية للمحروقات … لكن هل يحدث هذا فعلاً …

 

ليس بالضرورة لان ما يحدث بكل بساطة تبرز قاعدة اقتصادية جوهرية :

                عند الغلاء ابحث عن البدائل …

 

وعندما تنعدم البدائل … اذن القاعدة الأهم :

                مواجهة الغلاء بالاستغناء …………..

 

تلقائيا ما سيحدث ان هناك عدد من أصحاب السيارات ربما يستبدلون السيارات بالعجلات (سيكل بيدل) ….ههه!!!

لكن الأهم ان الجزء الأكبر وبسبب القدرة الشرائية سيستمر في دفع الف ريال فقط …رغم انه سيحصل على كمية اقل لكنه سيبدأ في ترتيب وضعه على هذا ..

 

سيحدث انكماش في الاقتصاد .. وكساد في الأسواق … حتى يأتي البديل ….

 

وبالتالي و تلقائيا تضطر الدولة لزيادة الأجور لتخفف من حدة الكساد الناتج في الدورة النقدية ….وسيمضي وقت نكتشف ان الرفع لم يحقق الهدف ..فتبدأ من جديد في دراسة سياسات مالية أخرى منها فرض ضرائب جديدة او رفع قيمة الضرائب الحالية ….اذا تستمر المشكلة ان لم تحل من الجذور ….

 

إذن وكأنك يا بو زيد ما غزيت ؟؟؟

 

لكن لنكون في الصورة الاوضح … نعم يجب رفع الدعم النقدي عن أي سلعة او خدمة وتحويل تلك النقود الى قيمة نفعية للوطن والمواطن ، بمعنى أن نحصل على خدمات صحية و تربوية وطرق ووووو …

 

قيل لنا في 2005 اننا سندفع ضريبة مضافة في سعر اللتر لتحسين الطرق و خدمات النقل ، وقيل وقيل وقيل …ثم تبين لنا ان هذا لم يحدث … ربما في وقتها حدث لان هذه المبالغ المالية التي تنفق هي مال الوطن و موارده للجميع وليس لفئة او حزب …

ولكي اتحلى بالمسئولية لست هنا لانتقد او اهاجم لأني لا اعلم ماذا كنت سأقرر ان كنت في موقع الحكومة وماهي الضغوط التي تمارس عليها ؟صحيح ان الغاء الدعم جزء من استراتيجية يتبناها البنك الدولي ويفرضها على كل الدول التي يعمل بها ؟ وهي رؤية مقبولة وهي البديل الاسهل والابسط لتنفيذه ولكنها ليست الخطوات الحيوية لأحداث التغيير …

 

ومن باب التحري ننظر لتكلفة الحصول على المحروقات بافتراض اننا نستوردها من الخارج وليست منتج ينتج في مصافي صافر او مصافي مأرب .. تكلفة اللتر البنزين 208 ريال وتبيعه الدولة قبل الرفع بـ 125 ريال و اليوم بعد الرفع بـ 200 ريال، وتكلفة اللتر الديزل 140 ريال تقريبا وتبيعه الدولة قبل الرفع 75 ريال وبعد الرفع بسعر 195 ريال ،تلقائيا فالدورة النقدية كانت فيها فجوة كبيرة تسبب العجز في الموازنة وفارق العجز قد تم تجاوزه وذلك أنها  وازنت في السعرين فعليا هي تبيع المنتجين بالتكلفة مع زيادة في سعر الديزل … إذن لن يخبرونا أن هناك مشكلة …سوى انهم سيضيفون ضرائب على المحروقات وهذا الامر الطبيعي ,,

لكان هذا هو سبب مشكلة اليمن فقط …. إذن السعودية يفترض انها الأكثر معاناة وبصورة اكبر من هذا بكثير لأنها تبيع اللتر بحوالي 35 ريال يمني … يعني فرق عن التكلفة بمبلغ 173 ريال …….

اذن ليست المشكلة في الدعم او الغاء الدعم ….فقط!!

 

فلنكن مثل تركيا ونحن سنقبل….

سعر اللتر في تركيا 535 ريال … لان فيه 238% ضريبة تقريبا …. لكن المواطن التركي لديه الكثير من بدائل في النقل (الميترو –الباص البحري …….)، هناك الخدمات المتميزة للمواطن التركيا …..الخ …إذن في تركيا لست مضطرا لشراء سيارة ،لأن السيارة وقيادتها رفاهية ….

 

لا يمكن معالجة المشكلة الناتجة عن الغاء الدعم بصورة كاملة بمجرد توصيات بخفض النفقات الحكومية ، أو أن المحافظة الفلانية ستدعم مواصلات طلاب الجامعة بمبلغ شهري قيمته كذا، كل هذه نسميها حبوب تهدئة مؤقت، ودائما اكرر الحلول المؤقتة تظل مؤقتة …

 

هل يمكن للدولة دعم تكوين شركات مساهمة عامة للنقل ؟

محافظة عدن قد لا يسعفها ذلك بسبب ضيق الطرق لكن ميزة المحافظة أن كل مديرياتها تشرف على البحر ، فهل يمكن أن نرى باصات بحرية تنقل الناس عبر البحر وتوفر الوقت والكلفة على المواطنين جراء هذه الجرعة السعرية ؟

 

مشكلة المواطن اليوم أنه محارب في كل احتياجاته ، مواصلاته ، ومواده الغذائية، ومدارس الأولاد ، وفواتير الكهرباء و ايجارات السكن … فوق هذا ..لا يوجد أي دعم في أي شيء مما سبق الان ..

فلو ان مرتب موظف عادي بلغ 40 الف ريال ، وهو يذهب الدوام لفترتين فهو سينفق قرابة 21000 ريال ، فلو كان يعيل اسرة بها ثلاثة فقط وهو رابعهم فهو يحتاج لتغذية يومية لا تقل عن الف ريال يعني انه سينفق في الشهر 30000 ، فهو بدون ان يقوم بشيء آخر كدفع الايجار او الكهرباء يحتاج لـ 51 الف فمن سيدفع له الفرق الا بالدين ، والمعنى اننا سنؤهل عدد اكبر من المواطنين للانضمام لفوج الفقراء والاقل دخلاً .. وسيزيد الغنى غنى والفقر فقرا …

 

لماذا أقول هذا الان؟

 

لان ما قرأته من استراتيجية الحكومة ،عبارة عن كلام عام لا يوجد نقاط واضحة تقول لي ان حكومة الرفاق والأحزاب لديها رؤية فعلية لخطة رفع الدعم ، ننتظر وضوح الرؤية والشفافية لنصدق ما سيجنيه الوطن من رفع الدعم …

 

أعلم جيدا أو وجود الدعم استراتيجية غير صحية للدولة،استراتيجية لم يخترها المواطن ،بل وجدها تنفذ على رأسه ، فلما تتم المعالجة يقع الحمل على رٍأسه ، لم نختر حكوماتنا السابقة بل فرضت علينا ، لوم نختر حكومة الرفاق اليوم … اليوم كل من يشارك في دائرة السلطة يحرق نفسه ، إن أصرت حكومة اليوم ان تعمل وفق انها حكومة تسيير اعمال وليست حكومة توافقية لفترة انتقالية أساس وجودها العبور الامن بالوطن والمواطنين ،نسأل الله الستر والعافية ,,وأن نخرج من هذه الازمة سالمين غانمين .

 

الموضوع في الموارد طويل ومازلنا سنلتقي لان هذه الصفحات التي اطلت عليكم فيها لم تنهي الكلام …

اخترت ان انهي هذا المقال بقصة نشرت في 2010 مع الحديث عن الجرعة بعنوان (أبو كوفيه والازمة المالية ) :

يحكى في زمننا هذا المسمى بزمن العولمة حكاية ترددها الأجيال النائمة عن صاحب محلات في السوق تعرف بمحلات السيد زعلان، وكان زعلان يبيع في الشهر بألف دينار كاملة، و لكنه يعاني أن عليه التزامات بثلاثة آلاف دينار شهرية ، ويمر الشهر و يتبعه الشهر، وزعلان يعاني والديون تزداد وقبضة الديانة قاتلة ، فالدين والالتزام هم الليل و ضيق النهار ، ولما ضاق به الحال استنجد بأشهر تجار السوق وكبيرها و هو معروف بأنه كبير المرابين ، و لكن في السوق هو المتحكم المتصرف ، المهم ماجاكم شر ، ذهب زعلان إلى السيد الشهير بأبي كوفيه وحكى له قصته ودار حديث طويل منه باختصار :

– كل اللي أنا محتاجه يابو كوفيه مئة الف دينار ، فبها تفك ضيقتي ، وأسدد ديني ,افتح باب رزق أكبر وأسدد لك منه مالك .

– أممممممممممممممممممم!!

– تعرفنا وتعرف مكاني وكل أمري عنك لا يخفى يا سيدي .

– اسمع سأعطيك ولكن عليك أن تنفذ ما سأقوله وسيكون بيننا عقد بذلك

– لك ما تريد .

– لديك بيت واسع ..

– أكيد ..

– ومن العيال أربعة

– الحمد لله .

– وكله بلا عمل

– الله يسهل العافية .

– ما ينفع يا زعلان

– والحل

– بيتك فيه غرف كثيرة

– تمام وهذا من فضل ربي .

– وحوش واسع

– لله الحمد .

– عيالك ما يجلسون في الصالون ببلاش ..

– كيف ؟؟؟؟!!!!

– الغرف لابد أن تأجر يومياً …

– نعم !!! أيش ..

– زي ما اقولك ..

– والعيال ..

– هم اللي يدفعوا الايجار ..

– بمعنى

– ينزلوا  للعمل يستفيدوا من الحوش معك ويفتحوا مشاريع صغيرة ..

– ويزيد دخلك ودخلهم عبر سداد الإيجارات للغرف والجلوس في الصالون مش ببلاش …

– الله أكبر ..

– أكيد .. يعني اللي حابب يجلس لابد يدفع واللي حابب يتفرج تلفزيون لازم يدفع .. واللي يشتي الحمام لازم يدفع ..

– بس هذا كثير ..

– براحتك .. أنت تشتي نقد .. وأنا اشتي نقد … وعندك الباب مفتوح …

– لا ماو صلنا كذا .. لازم نتفاهم …

– طيب ..

– خلاص .. ممكن بس متى تعطينا النقود الله يرضا عليك …

– ويرضا عليك .. لما نوقع العقد …

– عقد ايش ..

– الاتفاقية …

– خلاص أنا ملزم .. ما تقبل كلمة الرجال …

– عقد وشهود … وإلا الباب مفتوح ..

– خلاص .. جهز عقدك ..

– العقد جاهز ,,, والآن يجي الشهود ..

وهكذا كان جاء الشهود وقاضي تجاري، وتم الاتفاق والتوقيع:

–  ( مبارك يازعلان ) ..

– طيب وقعنا هات الفلوس …

 – لن تستلم مني كل المبلغ دفعة واحدة بل سأعطيك المبلغ على خمس دفعات ,,

– بس اتفقنا على مئة ألف ..

– يا حبيبي هذه دفعة أولى تنفذ تجينا ما تنفذ…. يبقى كأن شيئا لم يكن …

– نعم ولكن !!
– تقبل !!
– لأمر لله ..نعم …………………….

وبالفعل تم توقيع العقد واستلم زعلان المبلغ وهو فرحات في يده 20 الف دينار .. توجه للبيت وجليس مع عياله الأربعة وابخرهم بالأمر ، وقال لهم أن عليهم السعي في طلب الرزق ، وسيعطيهم الدفعات موزعة بالتساوي ، وبالمرة عليهم الاستفادة من عمهم فرحان الذي اشتهر بالتجارة والحرفة والذكاء …

ومرت الأيام ، الشهر ، والثاني والثالث ، فلما اجتمع الاب والابناء ، وكلهم في استجداء لولدهم ان يسعفهم بالسيولة من ابي كوفيه فقد نفد ما لديهم و السوق لا يشجع احداً … وانهم يتعهدون بسداد جزء من القسط لأبيهم خلال شهرين …

   وراح زعلان إلى أبي كوفية …

– يا زعيم نحن والله نحتاج باقي الفلوس والضغط علينا كبير …

– ما شيء جديد …

– صدقنا لما نستلم المبلغ كامل يتغير الحال ..

– لا يمكن .. بسلمك خمسة عشر ألفاً .. وتجربة ثانية .. وخليك قدها

– قد ايش …

–  قد العمل و الكلمة .

– الأمر لله .

وخرج زعلان وهو يدير رأسه ، وفي الأفكار خاطرة لو سلم الفلوس للعيال . . أكيد سيضيعونها .. إذن لابد أن يبدأ هو … ويعمل صح ويستفيد من موارده ، وبعد تفكير مجهد وليلة شديدة الظلمة ، أشرق عليه الفجر وهو يعد العدة للبدء … لقد قرر أن يوجه استثماره بشكل فعلي وجدي ، وليخرج من كل أزماته ، سيستثمر معه ..سيذهب مع ابي كوفيه ليوجهه ويستثمر له !!!!!

لا تعليق ..

وإلى لقاء قريب … سنكمل معكم الجزء الثاني من الموارد …

شكرا

احمد مبارك بشير

4/8/2014

 

 

 

 

 

 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.