قواعد النهضة 4: النموذج والمثال

???????????????????????????????????????????????????????????????
قواعد النهضة 4: الأنموذج والنموذج
أهلا بكم من جديد…
مازلنا نبحث في القواعد التي تسهم في النهضة للدول أو للأفراد …
وهي بحد ذاتها قد تكون قواعد سقوط دول وحضارات …وافراد
في آخر لقاء بيننا قد تحدثنا عن التدافع والاختلاف. وسعيت معكم لفهم اطارها…
وانتهيت معكم في الوصول بكم إلى قصة العجوز والشيطان … وقد رسمت في تلك الشخصيات ، معانٍ لعلكم التمستموها
والآن تعالوا معي في اطار جديد
الأسوة والمثال ..الأنموذج والنموذج ….
إن الحضارات والأمم .. المؤسسات والأفراد .. تلك جميعها يشكلها الإنسان ذلك الكائن المتعلم …
ولكي يتعلم فإنه دائماً ما يضع في ادراكه تصور لما ينبغي أن يكون … فهو يضع نموذجاً إدراكياً .. مبني على معرفة أو خيال …
فكأنه يقول في ادراكه مثل كذا ..
وهو يسير باحثاً عن أنموذج يحتذي به .. أسوة .. قدوة …فرداً أو مؤسسة أو حضارة .. ويقيم كل خطواته وحياته مستنداً على الأنموذج الذي تصوره حقيقة أو خيال …
إن الطفل في نشأته يقلد ما يراه ويسمعه حوله …قد يتخذ من والده .. أخيه … اخته … عمه … توم وجيري …!!! ما يبدأ في تقلديه ..دون ادراك كلي لما يفعله … ثم يبدأ يضع معاييراً ذاتيه لاستمرار ذلك التصور كلما زادت مداركه ,,, الكارثة هو استمرار تقليده حتى يصبح قرداً .. الإنسان يقلد ليدرك ثم يتشكل شخصية مستقلة ذات ادراك مقتبس لكنه يمثل ذاته .. أما التقليد للتقليد يتحول ذلك لإمعة .. أو تابع هامشي .. دول حالمة ..نائمة .. أو مثلما يقال في الأمثال (أقلب القدر على فمها تطلع البنت لامها) مثل دارج خطر في بالي ..مررها ..هدف!!
وما يساهم فيه إعلام الطفل اليوم في وضع نماذج إما حمقاء غبية … أو متردية ونطيحة … لأطفال اليوم … الله يرحم أيام أفتح ياسمسم .. وفلونة… ولبيبة ….مررها … جوووووول!!
المهم
إننا نحتاج لنبدأ التغيير لتخيل الأنموذج الذي سنقتبس منه ..وعندم تختار ذلك الأنموذج فأنت تختار معايير النجاح التي ساعدته ليصل… لا لتصبح نسخة منه … عندما تتحول إلى نسخة فأنت تسقط لا تنهض … وكذلك الدول ..
هأنت تسمع..مثل كذا .. وتجربة كذا تعتبر نموذجا لعملنا… ودولة كذا أنموذجاً يحتذى به بين الدول ..وسأصبح نجماً لامعاً مثل أحمد زكي عبقري السينما العربية … …إلخ
وبالتالي يحتاج كل منا أن يسير ويلتحق بركب النهضة .. وسيسعى للبحث عن قدوة يتخذها .. أو نموذج يتخذه مثلاً له … فيتم وضع المخططات على أساس تلك النماذج …
ويعتبر الماضي جزءاً من ذلك الوعاء الذي نغترف منه الأمثلة والعبر …
قال تعالى : ((لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ))(111) يوسف
ولو راجعت كل قصص القرآن لن تجد فيه توضيحاً بالمكان أو الزمان أو الأشخاص … لأن الهدف الرئيس هو المثال .. هو النموذج .. هو الاعتبار … فالبشرية كيان متعلم … ففرعون موسى هو صاحب سلطة مستبد .. رئيس .. زعيم …لا أحد يستطيع أن يحدد أو يجزم أو يؤكد أن الجثة في المتحف المصري هو فرعون موسى .. ولا يهم هذا لنا .. فالقصد العبرة وليس التاريخ والمكان والزمان …ففرعون موسى يتكرر… وبالتالي تعامل موسى معه هو النموذج الذي يجب التركيز عليه … وللتنويه الوحيد الذي ذكر اسمه كاملاً لأنه هو ذاته المعجزة هو سيدنا عيسى بن مريم ابنت عمران …. فذكره ذا قيمة ودلالة مختلفة …

وعندما يأتي الله عز وجل في وضع الأمثال للتوضيح والتقريب والتيسير لعقول البشر كقوله تعالى : ((ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 29 ) ) الزمر
ولما وضع الأنموذج المتكامل للبشر وضع لهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الوحيد من بين البشر الذي نعرف عنه كل صغيرة وكبيرة .. حياته ومعيشته في السوق وفي المسجد .. في الحرب والسلم .. في زواجه في اغتساله .. في أكله في شربه .. في فرحه في حزنه …
قال تعالى: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) الأحزاب
ثم ذكر أصحابه الكرام “رضي الله عنهم”
قال سبحانه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)) الممتحنة

ولن تجد زعيماً ولا رجلاً عادياً إلا وقد صمم في ذهنه النموذج الذي سيعمل عليه أو الأنموذج الذي سيقلده …
إننا أيها السادة نخزن كل ما نتلقاه حولنا من معلومات وبيانات … صور ..أصوات .. حركات..لمس … كل ذلك نتلقاه عبر ما نسميه مستقبلات الحواس … والتي نعرفها جميعا بالحواس الخمس ..رغم أن حواس الإنسان تزيد عن العشرين حاسة … و وسائل استقبالها هي ما يعرف بالحواس … إنها تغذي الأفكار التي بدورها تنمي المشاعر .. والتي من خلالها يتشكل الإدراك .. والتي من خلاله نشكل نماذجاً فكرية نبني عليها سلوكياتنا في الحياة …
هناك من يتساءل عن الإدراك ..
نعم هو تفسيرنا لما يحدث حولنا من مواقف وأحداث … من خلال حواسنا … والتي بدورها تتحول لقيم وقناعات وعقائد …
ياه ..موضوع شائك … بعدوا شوي من الأشواك..علشان نكمل !
إن العلوم الإنسانية مثل علم النفس وعلم الاجتماع يحاول تفسير تلك الأمور ..
فيعطينا بناء سمي بالنمذجة أو البارادايم… فنحن نشكل اطر نقيس من خلالها الأحداث والمواقف ونبني على أثرها السلوكيات التي يراه الناس نتيجة واقعة أمامهم ,,,
النماذج الإدراكية تلك كما ذكرت تنتج سلوكيات .. والسلوكيات تتجه نحو التكيف والاستقرار ..
ولنسمع البعض يقول : (( عادة في البدن ما يزيلها إلا الماء والكفن ))
فكأن السلوك الذي تحول لعادة لا يمكن محوه إلا بالموت .. وهذا غير صحيح …
نعم غير صحيح …
فبناء على قدرة الإنسان على التعلم والبناء .. فتلقائياً تتغير مع تغير المعطيات المحيطة حولها مداركه .. فالتراكمات الممنهجة علمية ومعرفية وخيالية .. تبني تكيفاً نحو إدراك جديد ومن خلاله يأتي سلوك مختلف عن السابق …
فالرجل أو المرأة قبل الزواج ليس هو بنفس تلك السلوكيات بعد الزواج .. وليس هو ذاك الشخص مع وجود الأبناء … وليس هو وهو يعيش بين أهله عندما يغادرهم في الغربة ..التجربة و المعطيات تجعله تلقائي التكيف بسلوكيات لا يمكن أن نصدق أن يمارسها قبلاً
فالسلوك الحالي لفلان من الناس هو يمثل أحسن التصرفات التي يمكنه ممارسته بناء على ادراكه للأمور .. وإدراكه يتغير بناء على مدخلا جديدة …
ولو ابتعدت معكم قليلاً وتوجهت نحو المؤسسات والدول لوجدنا علوماً تدرس ما يعرف باسم نماذج القدرة المؤسسية CMM والتي تدرس في اطارها ما نتكلم عنه في الأفراد لكن في تصور المؤسسات التي تنمو وتتعلم من خلال الممارسة والنقل والتكيف … والبناء والتقليد .. أو المبادرة وبناء النمذجة الخاصة … وهكذا …
إن البارادايم كما ذكرنا يعرفه علماء النفس بما يعرف بناء النموذج الإدراكي والذي سبق وأن وضحته لكم وهو يأتي ليخبرنا : كيف يمكن القيام بتجربة ما ؟ وماهي تلك الأدوات التي تنفذ بها التجربة ؟ وأين ومتى تحدث؟ ولماذا؟
ربما تهنا .. طيب دعوني انتقل بصورة سريعة نحو طرافة منقولة لتيسير الفهم :
دولة وضعت جمارك عالية على أغلب السلع الكمالية ، وفي أتفاق تفاهم مع دولة مجاورة تم إلغاء الجمارك على البرسيم لتغذية المواشي .. بعد سريان القرار بدأ تاجر بتوريد البرسيم يومياً من الدولة المجاورة وإلى دولته يحملها دباب نقل صغير ….. ومرت الأيام والشهور.. بعد مدة تبين أن التاجر كان يهرب دباباً صغيراً بشكل يومي عبر الجمارك دون مشاكل ويدخل بصورة رسمية … لماذا حدث هذا ؟؟؟؟؟؟
هل فهمتم ما الذي حدث ؟
صحيح : لقد استفاد الرجل من أن رجال الجمارك سيركزون على البرسيم .. والذي يمثل بضاعة معفية من الجمرك لصالح مواشي البلاد وسيغيب عنهم وسيلة حمل البرسيم والتي تأتي يوميا ً عبر الحدود تدخل ولم ينتبهوا أنها لم تخرج مرة أخرى …
لقد بنى رجال الجمارك نموذجاً ادراكياً تكيفت مع القانون … وكأنهم وضعوا في صندوق مغلق .. لم ينظروا خارجه ..
وهذه هي مشكلة النماذج الإدراكية التي يقوم البشر بتثبيتها دون مراجعة لعناصر معلوماتية جديدة … وهنا تأتي أهمية البناء والانتباه والتكيف .. واختيار الأنموذج الأكثر مرونة ..
أيها السادة أذكركم بطرافة أخرى شهيرة :
رجل يقود سيارة عاد من اتجاه تأتي نحوه سيارة تقودها سيدة ، فأخرج يده مشيراً للاتجاه الذي جاء منه ويصيح بقرة .. بقرة …
صاحت المرأة مباشرة : أنت البقرة وحمار وحقير و……….
ابتسمت وهو يبتعد لأنها لم ترتكه يسبها وتسكت … فوجئت أن الطريق مغلق ببقرة ميتة كبيرة يحاولون جرها … !!!
لقد فهمتم … نعم … إنها سمعت ..فكرة ….شعرت بالغضب … ادركت أنها تهان … استجابت بدافع حماية الذات .. فتصرفت سلوك طبيعي …
لكن ذلك الإدراك لم يسعفها في التركيز على اشارته هو لم يشر إليها بل بالاتجاه الذي جاء منه … إنها لم تدرك أنه يحاول مساعدتها
والآن :
إننا لكي نبدأ خطوة نحو التغيير نحتاج لبناء رؤية تمثل النموذج الذي نعمل على تنفيذه مع اخذ النماذج التي نجحت وتشابه تجاربنا نستخدمها كأطر نجاح … وننظر كيف وصلت وتطورت ….
أيها الأحباب
كثير منا يريد أن يعود للوراء وتناسى أننا لسنا في الأمس … ولن يعود الماضي … ولكنه يبني حياته وحياة الآخرين المحيطين به على هذا الأساس … وبلا شعور هو يعود لنقطة الصفر …
سلام عليكم
ألقاكم على خير إن شاء الله ..فالمسيرة مستمرة ..والتيار لا يتراجع
أحمد مبارك بشير
5/5/2013

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.