معهد تدريب الآلهة
معهد تدريب الآلهة
تابعوا مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
كتب د.كمال شاهين
انتهى بنا الحديث في رسالة الأمس إلى أن ” فكرة أن يضع الفقهاء الجدد أحكامًا جديدة بدلاً من أحكام الفقه السني القديم القديمة فكرة يلزم التخلص منها فالفقهاء الجدد ليسوا أكثر من فقهاء. أي ليسوا بـ”علماء” اجتماع, أو علم نفس, أو قانون, أو سياسة, أواقتصاد, أو تغذية, حتى يصدروا أحكامًا ملزمة بناءً على أسس “علمية”. وحتى لو كنوا علماء فلا يوجد هناك علماء يمكنها إصدار أحكام نهائية. العلم – كما يعلم كل من له صلة بالعلم – متغير, فما هو صحيح اليوم قد يكون صحيحًا غدًا أو قد لا يكون. ويبقى أن أي محاولة لوضع أحكام جديدة سوف ينظر إليها, مرة أخرى, على أنها شرع الله. وهذا كلام خطأ, وخاطيء, وخطير, فهي ليست شرع الله كما أنها ليست كلام علماء. هذا كلام جهلاء. ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.”
نشرت الرسالة وانتهى الأمر, أو هكذا ظننت, إلا أني تذكرت مجموعة رسائل سبق أن دار فيها الحوار حول ما إذا كان بإمكان الفقهاء الجدد القيام بإصدار أحكام “شرعية” مثلهم في ذلك مثل الأئمة العظام. كان سيادة المستشار أحمد ماهر واضحًا في موقفه تمام الوضوح إذ كتب أن “التشريعات البشرية هي جزء أصيل من شريعة الله”, كما لم يتردد في التصريح بأن القضاة في المحاكم المدنية التي تحكم بمقتضى قوانين وضعها البشر إنما هم قضاة “يحكمون بما أنزل الله ولا يكونوا أبدا يحكمون بغير ما أنزل الله”. التشريعات البشرية, إذن, هي جزء أصيل من شرع الله. وعليه, رأيت إضافة مجموعة الرسائل هذه إلى ما نتحاور حوله حيث إنها توضح, فعلاً, أن هناك تيارًا من الفقهاء الجدد يرون أن بإمكانهم مشاركة الله في كتابة شريعة الله مثلهم في ذلك مثل الأئمة العظام, شموس الإسلام, أسود السنة, وأحبار الأمة, رضي الله جلّ ثناؤه عنهم جميعًا وأرضاهم. وعليه:
معهد تدريب الآلهة
استمرارًا للحوار الدائر حول ما إذا كان يمكننا تحريم ما لم يحرم الله, كتب إلينا سيادة المستشار أحمد ماهر رسالتين حول هذا الموضوع, كما كتب إلينا كذلك سيادة الدكتور محمّد سلامه رسالة حول نفس الموضوع أيضًا. طوال قراءتي للرسائل التي أرسلها مفكريْنا الإسلامييْن الكبار كنت أشعر وكأني أستمع إلى محاضرة في “معهد تدريب الآلهة” بعنوان “أسباب التحريم” تبيِّن الأسباب التي بناءً عليها قام سبحانه وتعالى بتحريم الأشياء التي حرمها, بهدف مساعدة الحاضرين على اكتساب مهارات التحريم بحيث يقومون بعد تخرجهم من المعهد, إن شاء الله, بتحريم ما يشاؤون على أسس علمية سليمة.
يظهر هذا الأمر بوضوح في الفقرة الأولى من رسالة مفكرنا الإسلامي الكبير, سيادة الدكتور محمّد سلامه, التي يبيِّن فيها الأسس التي بناءً عليها قام سبحانه وتعالى بتحريم ما حرمه. يبين مفكرنا الإسلامي الكبير أن :
“الأساس في التحريم والتجريم من المنظور البشري هو مناقضة العقل, والمنطق, والعلم اليقيني, والفطرة, أي الأخلاق, والقيم, والمثل العلا, التي وضعها الله في نفوس البشر وليست التي تعاهد عليها البشر أو كانت وليدة المجتمع, وكذلك مناقضة إعمار الأرض, أي نعاقب كل ما أدى إلى فساد أو ضرر”.
رجاء ملاحظة أن مفكرنا الإسلامي الكبير لا يوضح لنا الأسس التي يقوم عليها “التحريم” وحسب وإنما يوضح لنا كذلك الأسس التي يقوم عليها “التجريم” أيضًا. أي أن سيادته لا يميز بين “التحريم” و”التجريم” وإنما يضم الإثنين معا, ويتحدث عنهما “معًا”, وكأن لا فرق بين التحريم والتجريم. وكأن التجريم ليس شيئًا تقوم به المجتمعات البشرية على حين أن التحريم شيء يقوم به الله وحده.
يظهر ذلك, كذلك, في بيان سيادة المستشار أحمد ماهر الذي يصرح بوضوح تام لا لبس فيه أن “التشريعات البشرية هي جزء أصيل من شريعة الله”. حقيقة الأمر, لا يتردد سيادته في التصريح بأن القضاة في المحاكم المدنية التي تحكم بمقتضى قوانين وضعها بشر إنما هم قضاة “يحكمون بما أنزل الله ولا يكونوا أبدا يحكمون بغير ما أنزل الله”. التشريعات البشرية, إذن, هي جزء أصيل من شرع الله, والقضاة في المحاكم المصرية التي تحكم بقانون مأخوذ “بالحرف” من القانون الفرنسي – المأخوذ أصلاً عن القانون الروماني – هم قضاة يحكمون بما أنزل الله. أفهم من ذلك, طبعًا, أن القانون الفرنسي هو قانون أنزله الله مثله في ذلك مثل القانون الروماني الذي أنزله الله.
المشكلة فيما يقوله سيادة المستشار أحمد ماهر أن القانون المصري – مثله في ذلك مثل القانون الفرنسي والروماني – ليس من عند الله والقضاة المصريون لا يحكمون بما أنزل الله وإنما يحكمون بمقتضى القانون المصري المأخوذ “بالجملة هكذا” من القانون الفرنسي المأخوذ عن القانون الروماني. حقيقة الأمر, لا يحتاج الأمر إلى طويل شرح “للبرهنة” على أن القانون المصري ليس منزلاً من عند الله. والمشكلة فيما يقوله سيادة الدكتور محمّد سلامه أن لا أحد منا – نحن البشر – يستطيع أن يحرم أي فعل أو أي شيء. يعود السبب في ذلك إلى أن “التحريم” يتضمن دائمًا عقوبة أخروية, وهذا شيء لا يستطيع البشر أن يقوموا به. لا أحد في هذا الكون يمكنه إصدار قانون يعاقب المخالفون له في الحياة الآخرة. وكأن المسألة, بهذا الشكل, هي أن فكرة إصدار قوانين “تحرّم” أعمالاً, أو أشياءً, لم يحرمها الله هي فكرة غير ممكنة. وعليه, يمكن إغلاق باب النقاش في هذا الموضوع. بمعنى أنه إذا كان الموضوع موضوع تحريم ما لم يحرم الله فالموضوع غير ممكن والسلام عليكم ورحمة الله. إلا أن الموضوع ليس موضوع ما إذا كان يمكن تحريم ما حرم الله وحسب وإنما هو أيضًا موضوع “لماذا”. لماذا يرى سيادة المستشار أحمد ماهر ضرورة إصدار قوانين “تحرم” ارتكاب أعمال معينة؟ لماذا لا يكتفي سيادته بـ”تجريم” هذه الأفعال؟ وإذا كان سيادته يرى أن هذه أفعال نكراء, سوداء, مشينة, لعينة, لماذا لا يجرمها ويجعل عقوبة مخالفيها الإعدام شنقًا, أو خنقًا, أو حتى حرقًا ؟ لماذا “التحريم” على الرغم من علم سيادته بأن القاعدة العامة في التحريم هي تطبيق العقوبة في الحياة الآخرة وهو أمر يخرج عن نطاق قدرة البشر تمامًا ؟
في دفاعه عن فكرة قيام “البشر” بتحريم ما لم يحرم الله, يسوق سيادة المستشار عددًا كبيرًا من الأمثلة المتعلقة بأعمال سيئة لم يحرمها الله إذ لم يأتِ نص واضح, صريح, مباشر بتحريمها في القرآن الكريم. من ذلك:
-
انتهاك إشارة المرور بما يعرض الأموال والأرواح للخطر, و
-
الإسراف في استخدام الأسمدة الكيماوية بما يضر بالصحة العامة, و
-
إجراء عمليات جراحية بلا ضوابط ولا ترخيصات, و
-
شرب الخمور بالطريق العام, و
-
دخول عابد البقر المسجد ليسجد لبقرته.
يتساءل سيادته في كل حالة من الحالات عما إذا كان الفعل المشار إليه حرامًا, أم مكروهًا, أم مباحًا. الفكرة هنا أن سيادة المستشار يحاول أن يبين لنا أن قصر التحريم على الأفعال والأشياء الواردة بكتاب الله فقط سوف يؤدي إلى النظر إلى الأفعال التي رصدها سيادته على أنها ليست حرامًا وبالتالي مباحة. لا يحتاج الأمر, مرة أخرى, إلى طويل شرح لبيان أن عدم الإشارة إلى تحريم عمل بعينه “لا يعني” أنه مباح. يعود ذلك إلى أن قاعدة “الأصل في الأشياء الإباحة” ليست قاعدة قرآنية وإنما هي “قاعدة أصولية” من قواعد الفقه السني القديم. يعني ذلك أنها ليست من كلام الله وأن من الممكن أن تكون خطأ. وهي خطأ. والدليل على ذلك ليس الأمثلة الخمس التي أتى بها سيادة المستشار وإنما ملايين الأمثلة الممكنة لأعمال تسيء إلى مصالح الناس ومشاعرهم, أي أعمال غير صالحة, لم يأت بتحريمها نص صريح في القرآن. من ذلك:
-
عدم ذكر الإطار العام للبحث الذي يقوم به طالب الماجستير, و
-
عدم ذكر مراجع البحث, و
-
عدم احتواء مصادر البحث على المصادر الأساسية في موضوع البحث, و
-
عدم احتواء مصادر البحث على أحدث أبحاث في موضوع البحث, و
-
عدم الإشارة إلى المصدر الأصلي في حالة النقل عنه, و
-
عدم الالتزام بكود البناء المصري, و
-
إفشاء أسرار عسكرية للعدو أثناء حالة الحرب.
رجاء الانتباه إلى أن الهدف من القائمة أعلاه هو بيان استحالة وضع قائمة تحوي “كل الأعمال غير الصالحة”. يعني ذلك, بالتالي, استحالة أن يشير القرآن إلى “كل الأعمال غير الصالحة”. كيف يمكن أن يحوي القرآن إشارات إلى كل الأعمال غير الصالحة إذا كان من المستحيل أصلاً وضع قائمة بكل الأعمال غير الصالحة. عدم ورود نص, واضح, مباشر, صريح بتحريم عمل ما لا يعني, بهذا الشكل, أنه مباح وإنما يعني أنه عمل غير صالح لم يأتِ ذكره في كتاب الله. لا يشير القرآن الكريم إلى كل الأعمال غير الصالحة. هناك ملايين بلايين زلايين الأعمال غير الصالحة التي لم يأتِ لها ذكر في كتاب الله. فكرة أن عدم تحريم عمل في القرآن معناها أنه عمل صالح فكرة خاطئة. القول بأن “الأصل في الأشياء الإباحة” قول لم يقله الله. هذا قول قاله الأئمة العظام, وهو قول خاطيء. الأصل في الأشياء هو أن العمل غير الصالح غير مباح. هذا هو الأصل في الأشياء.
كتب أحمد ماهر
الفساد والمفسدون في الأرض
“ما هو الفساد والمفسدون في الأرض؟ هل الفساد حرام؟ لم يرد بالقرءان نص يبيّن للناس ماهية ذلك الفساد، وما ذلك إلا لأن الفساد أمر متغير ومتطور وفقا للعصور والأزمنة. فكسر إشارة المرور إنما هو فساد، ومن يفعلها كان فاسدًا، والإسراف في وضع الأسمدة الكيماوية بالزراعات إنما هو عين الفساد *وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ* البقرة : 205. وغير ذلك كثير. فهل يا ترى لأن الله لا يحب الفساد يصبح الفساد مكروها وليس حراما؟ هل يا ترى يجب علينا أن نمتنع تمامًا عن الفساد أم ننتهي عنه تنزيها وليس تحريما؟ هل نهي الله لك بقوله تعالى: *وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ* الأعراف : 142 أتراه نهي تحريم أم تنزيه؟ وما هو سبيل المفسدين؟ أيكون في انتهاك تلك التحريمات الواردة بكتاب الله فقط أم تلحق بها كل التشريعات البشرية التي تنهاك عن أفعال محددة بذاتها وفق كل عصر؟
-
أيكون انتهاك إشارة المرور بما يعرض الأموال والأرواح للخطر حرامًا, أم مكروهًا, أم مباحًا شرعًا؟
-
أيكون الإسراف في استخدام الأسمدة الكيماوية بما يضر بالصحة العامة حرامًا, أم مكروهًا, أم مباحًا؟
-
أيكون إجراء العمليات الجراحية بلا ضوابط ولا ترخيصات من الفساد في الأرض أم من المكروهات؟
-
أيكون شرب الخمور بالطريق العام من الحريات العامة أم ممارسة للرذيلة؟
-
هل يمكن لعابد البقرة أن يدخل بها المسجد ليسجد لها وفقا للحريات في ممارسة الأديان والشعائر؟