تصحيح أخطائنا التراثية – خمسون مسألة قد نجهلها

بسم الله الرحمن الرحيم

تصحيح أخطائنا التراثية – خمسون مسألة قد نجهلها

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

book303.jpg

تسير البشرية سيرا طبيعيا بأمر الله تعالى وهيمنته الكريمة نحو الأمام والحياة المفضلة والعلم والكمال. فللحياة سنة إلهية صاعدة لا يمكن أن نتصور توقفها لحظة واحدة. والناس جميعا بكل أشكالهم وأصنافهم وأديانهم مدعوون للسير والصعود ومن يتخلف فهو الخاسر مهما كثر عدد أنصاره أو تعالى نبرات دعاياته وأبواقه. هذا ما نراه وجدانا ونتألم من تأخرنا عنه فعلا وحقا. ولقد رأينا ولا زلنا نرى بأن الادعاءات الكبيرة لا تجدي نفعا وليس هناك لا نصر من الله تعالى ولا تأييد لمن يخالف السنن الطبيعية السائرة إلى الأمام. ليس هناك أسهل من الادعاء وليس هناك أمر أقل ثمنا من الوعود والتبريرات وإرجاع الأمور إلى الخرافات والأساطير والغيبيات التي يدعونها دون دليل. يدَّعون الكثير ويعِدون اليسر والتوفيق وحينما لا يصادفهم الحظ فإنهم ينسبون سبب الخذلان إلى غيرهم. وإنَّ كل حركة تؤدي إلى نتيجة في نظام الطبيعية ولكن تحركاتنا نحن المسلمين اليوم لا تنتج إيجابيا إلا قليلا. ولو أن شيئا ما حصل لنا فإن الأبواق تنادي بأننا كسبنا نصر رب العالمين وهو كذب فإننا كسبنا مكسبا طبيعيا متأخرا في الواقع. لكنهم يقولون ذلك ليسيطروا على الأمة ويستفيدوا من جناة يد الآخرين وينفردوا بثمار كفاحهم ونضالهم. والله تعالى يحب عبيده فيريهم في كل يوم أشخاصا جددا يتخاذلون أمام قوانين الطبيعة، و لكنهم بأبواقهم يصححون الخطأ ويخطئون الصحيح ولا تريد شعوبنا أن تتعلم وتترك هذه الثقة العمياء في أصحاب الملابس والألقاب الزائفة وتفيق من غفلتها المخزية.

وإني كغيري من أصحاب الهموم والآلام أعملت فكري لتصحيح أفكاري ومواقفي أولا ثم قمت بنقل تجربتي لمن يريد أن يخرج من مستنقعات الركود ويسير مع خلق الله تعالى في مصاعد التقدم والرقي. ولقد منَّ علي ربي بفهم وتفسير لكتابه الكريم قد يكون بعض تحقيقاتي مبتكرا وعميقا. و أنا أحب أن أشارك إخواني وأخواتي همومهم بل أشعر بالواجب وكنت إلى حد ما كاتبا بعض التعليقات بقدر علمي المتواضع على بعض ما أقرأه في كتبكم الالكترونية. ولكني لاحظت بأن كتابتي للتفسير الذي أقوم بتدريسه في محاضرتين أسبوعيتين قد تأثرت كثيرا مما سبب تساؤل نفر من إخواني وأخواتي الذين يمنون علي بحضور جلساتي ويكرمونني بانتقاداتهم البناءة التي تساعدني بسخاء في الاهتمام الواسع لفهم كتابنا السماوي العظيم. ولذلك قررت أن أترك الرد والتعليق على كل ما أراه وأكتفي باستزادة المعرفة والعلم من الحوادث التي لا مناص من التعرف عليها ليصدر من المرء ما يفيد وليس ما يبعث بالسخرية فيكون دليلا على التمذهب بما سار عليه آباؤنا الكرماء. والله تعالى منعنا من التقليد واعتبار بعضنا مراجع للبعض الآخر، وأمرنا بالتدبر والتفكر وترك الماضي فتلك أمة قد خلت ونحن اليوم أمة جديدة والمسلم ليس مقلدا للمراجع ولا متبعا لأصحاب الفتاوى الذين لا يملكون أي حق لإصدار فتوى واجب الاتباع كما يظن المقلدون المغفلون.

ولذلك فإني أخذت قراري ألا أرد ولا أعلق على أي حادث جديد بل أكتفي بالاطلاع بصورة جزئية على ما تتفضلون علي من رسائل الكترونية وغير الكترونية. هذا لا يعني أنني موافق مع كل ما أقرأ كما لا يعني أنني ضد كل ما أراه أمام الشاشة بل هو دليل على ضعفي كإنسان عاجز عن القيام بأكثر من عمل كبير واحد قد يكون مفيدا لأمتنا مستقبلا. ونحن أحبتي في حاجة ملحة لفهم القرآن. هذا الكتاب الذي حبانا الله تعالى به ليكون رائدا ومعلما لنا ولكنه أصبح كتابا موسيقيا جميلا نفتخر بجمال وعذوبة كلماته وجمله البديعة ولا نعلم عنه شيئا كثيرا حتى نستنير بما أودعه الله تعالى فيه من أوليات علمية ضرورية لكل من يريد تصحيح مسيره في قطع درب الحياة المفروش بغير البسط الناعمة. وسوف أشير فيما يلي إلى بعض المفاهيم التي أؤمن بها لعلها تكون مثيرة لكم لتشغلوا أفكاركم التي تفرق بيننا وبين بني جنسنا من الحيوانات فلا تعزلنا عنهم ولا تنسبنا إليهم. ولكن شرفنا بالتدبر والتعقل لا بشيء آخر. حتى التقوى دون تفكير وتدبر شخصي لا يفيد يوم القيامة ومنكم من يعرف السبب.

  1. أعتقد بأن أنبياء الله تعالى جميعا هم إخوان للناس وليسوا سادة عليهم فنبينا هو أخونا الكبير وليس سيدا علينا. هذا هو منطق القرآن. قال تعالى مخاطبا مشركي مكة الذين اتهموا رسولنا الحبيب بالجنون، في سورة التكوير : وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22). فالصحبة متبادلة بين الرسول وقومه جميعا مؤمنهم وفاسقهم. وقال تعالى في سورة محمد: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11). فمولانا هو الله تعالى وأخونا هو محمد عبد الله ورسوله. وقال تعالى في سورة الشعراء:

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (124)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (142)

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (161)

  1. كان رسول الله عليه السلام رجلا حضاريا تزوج بامرأة واحدة ولم يتزوج عليها حتى ماتت وسببت له أسفا شديدا وحزنا عميقا. وكما نعرفه من مقتداه وإمامه القرآن الكريم إنسانا محبا للسلام ساعيا لإسعاد الناس جميعا ومنهكا نفسه لإرضاء من حوله بغض النظر عن أفكارهم وعقائدهم. فهو يحبهم جميعا ويتألم لألمهم كما يتألم لما يمكن أن يحل بهم بعد الحشر أمام الرحمن. وكان كأهل مكة قبل الإسلام مهتما بالحال الذي هم فيه ومتبعا سنن التطور باعتبارها ضمن سياسة رب العالمين في إدارة البشر في الأرض، فكان يأمر بالمعروف بين الأمة وينهى عما تكرهه الأمة. وكان يستشير الناس قبل أخذ القرار بعد رئاسته على المدينة. فهو ضد الديكتاتورية ولا يوجد فاصلة كبيرة بينه وبين العَلمانية في أصولها الأولى وهي النظر إلى واقع الحال بعيدا عن الغيبيات والخرافات ولا تضاد بينه وبين الديمقراطية والشورى. وكان شديد الإيمان بالله يزداد كل يوم تمسكا به سبحانه وباللقاء مع الله تعالى وبالقرآن الكريم. وقد علمه القرآن أن يقول دائما: رب زدني علما. وقد أسس بفضل ربه مجتمعا مسلما قادرا على استقطاب اليهود والنصارى والمشركين والكافرين وأدار شؤونهم وساس بينهم ورعاهم وحافظ على مقوماتهم. كان بلده ومسجده مضيفا للمؤمن والكافر على حد سواء. وهذا يعني أنه غريب في البلدان المعروفة بالإسلامية وأكثر شبها بالمجتمعات الغربية اليوم. لم يفرض الرسول العقيدة ولا الصلاة ولا حجاب النساء على أهل مجتمعه المثالي. كما أنه لم يمنع الناس من صناعة وبيع الخمور ولم يعاقب أحدا على شرب الخمر ولكنه كان ينقل لهم أمر ربهم بالامتناع الشخصي عن هذه المادة الضارة بالأمة من تلقاء أنفسهم لا بأمر حكومي. هذا هو محمد بن عبد الله في القرآن وفي فهمنا ولكن محمد الشهواني المذكور في كتب التاريخ فهو ليس رسولنا الحبيب الذي نحبه جميعا ونتمنى أن يحشرنا ربنا معه ومع بقية الأنبياء إخوانا على سرر متقابلين في جنات النعيم.

  2. مما لا شك فيه أن بعض أزواج رسول الله كن غير محجبات ولذلك أمرهم الله تعالى في نهاية الدعوة النبوية بلبس الحجاب كما أمر الحرائر بذلك ليتميزن شكليا مع غيرهن فلا يتعرضن للدعوات المريبة من الرجال الباحثين عن المتعة دون التزام بقوانين الزواج. ولو كن محجبات جميعا لما كان هناك معنى لأن يأمره ربه بأن يقول لأزواجه أن يتحجبوا. بالطبع لم يأمره ربه أن يأمرهن بل يقول لهن. والأمر بالبقاء في البيوت خاص بأهل بيت رسول الله من أزواجه دون بناته في حادثة خاصة مذكورة في الكتاب كادت تدنس البيت الشريف. وفي المقابل وعدهن الله تعالى بتضعيف أجرهن لقاء تضعيف العذاب فقط. هذا يعني بأن الأمر لم يكن مولويا حكوميا بل كان إرشاديا موعودا بالجزاء الأخروي. يجب العلم بأن ليس لرسول الله أن يفرض أمرا على نسائه إذ أنهن حرائر كسائر النساء لكنه كان قوي الشخصية وكانت نساؤه تطعنه في كثير من أوامره الإرشادية القويمة.

  3. كان الرسول مأمورا باستشارة الذين انتخبوه رئيسا عليهم قبل أخذ القرار ولكن الله تعالى استثناه من غيره بأن أعطى قوة أكبر لصوته باعتبار الوحي وليس باعتبار الرئاسة. والذين يعتقدون بوجوب طاعة الذين أتوا من بعد الرسول كائنا من كانوا فهم لم يدققوا في القرآن أو لم يستندوا على الكتاب الأوحد. والاستشهاد بآية الطاعة لأولي الأمر الذين ينتخبهم الناس للرئاسة ليس صحيحا فلا توجد في الآية أمر بالطاعة ولكنها تحديد لطاعة أولي الأمر بعدم جواز الطاعة في ما يتجاوز أمر الله تعالى ورسوله والآية التالية توضح مفهوم الآية الأولى. والطاعة لا تتعدى حدود القبول ولا تصل حد التنفيذ.

  4. ليس في القرآن الكريم أي أمر بتقديم الطاعة للوالدين إلا أنه سبحانه أمر بألا يتأفف الابن من الأب أو الأم إذا ما بلغ أحدهما أو كلاهما الكبر ليرحمهما. وأما القول بأن الله تعالى قرن طاعته بالإحسان إلى الوالدين فهو ظن ساذج لا قيمة له. فلو نقرأ نفس الأمر في سورة النساء فسنعرف المقصود: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴿36. لو كان الاهتمام بالوالدين مقارنا لعبادة الله تعالى فقد أضاف إليهما المساكين وغيرهم أيضا. بل الحق أنه سبحانه يريد أن يمنع الناس من الطاعة للوالدين لأن الطاعة عبادة ولا يحرمهما من حقهما في الإحسان إليهما فيبدأ بالأمر بعبادته سبحانه ثم يقفل باب العبادة ويأمر بالاكتفاء بالإحسان إليهما وإلى بقية ذوي الحقوق. ولا ننس بأن الناس كانوا ولا زالوا يؤمنون بوجوب الطاعة للوالدين مع الأسف.

  5. لم يأمر الله تعالى النساء بتقديم الطاعة لأزواجهن وكلمة الطاعة الواردة في آية النساء ليست طاعة عامة تقدمها الزوجة له ولكنها طاعة الأمر الموافق لأمر الله تعالى من ألا تخرج المرأة من بيت زوجها إلى بيت شخص آخر لما في ذلك من تدنيس واضح لشرف الأسرة والأسر المرتبطة. وكان ذلك عادة جاهلية. والضرب هناك ليس ضربا حقيقيا إذ أن ذلك يعني السماح بإيقاع العذاب بعيدا عن أعين المجتمع وذلك يتعارض مع دأب القرآن الكريم الذي يأمر بأن يشهد العذاب طائفة من المؤمنين. إنما الضرب يعني إيقاع العذاب النفسي عليها بالهجرة في المضجع. فالإسلام دين حضاري وليس مجموعة عادات بربرية.

  6. يجب الاهتمام بالتعلم والتفقه ولا يجوز التقليد ولا يفيد أن نضع الوزر على من يتحمله. هناك سوف يتحمل المفتي والمرجع وغيرهما ممن يأمر بما يخالف دين الله تعالى وزرا جديدا هو وزر الكذب على الله تعالى كما يتحمل الفاعل وزره دون تنقيص.

  7. أرجو أن يعرف المقلدون والتابعون لأوامر أهل الفتوى بأن الذين فجروا أنفسهم اتكاء على هذه الفتاوى إنما كسبوا النار والإثم ويكفي ذلك لدخول النار والحرمان من رحمة الله تعالى. لقد أمر الله تعالى بحفظ النفس فصار واجبا ولم يأذن بقتل الإنسان نفسه فمن قال به فهو مطيع للبشر وليس لله. لم يقل الله تعالى بأن حفظ الوطن أو الأمة أو أي أمر طيب آخر يسمح للإنسان بقتل نفسه. وأما الذين قتلوا غيرهم بما فعلوه بأنفسهم فأمرهم صعب يوم الحساب ولا أرى في كتاب الله تعالى أي مخرج لهم غير عذاب النار. وأنا آسف لهذا القول باعتباره يمس بعض الذين قاموا بما قاموا به بأهداف صحيحة في رأي البعض ولكنه حقيقة لا يمكن تجاهله. كما أحذر من اتباع المفتين فإنهم يرسلوننا إلى النار وليس إلى الجنة .

  8. إن كسب النار سهل جدا ولكن كسب الجنة ليس في متناول اليد. يقول سبحانه في سورة الإسراء: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ﴿18 وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴿19. فنلاحظ بأنه تعالى لم يضع شروطا لمن يريد الدنيا عدا الإرادة ولكنه شرط على القسم الثاني الإرادة والسعي المشروط بالآخرة مع الإيمان، حينئذ سوف يشكر الله تعالى سعيه فالنتيجة أيضا ليست مضمونة بالكامل. ولنعرف بأن كل أهدافنا الجهادية اليوم هي أهداف دنيوية لا ارتباط لها بالآخرة. فنحن نريد أن ندافع عن أوطاننا وكياننا وهو أمر جميل ولكنه دنيوي محض.

  9. يجب العلم بأن القتال في سبيل شخص لا يتحقق إلا إذا طلب الشخص ذلك. فلا يجوز أن ننسب أي قتال في غياب الأنبياء قتالا في سبيل الله كائنا ما كان. لم يأذن الله تعالى لنبيه أن يأمر بالقتال في سبيله بصورة عامة فكيف يأذن لغيره؟ ولو نمعن في هذه الآية من سورة آل عمران فسوف نرى الحقيقة جهارا: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿246. قالوا للنبي أن يبعث لهم ملكا يقاتلون في سبيل الله ولكن النبي لم يأمر بشيء إلا أن الله تعالى كتب عليهم القتال. ذلك لأن القتال يحتاج إلى إذن صريح من الله تعالى ولا يمكن ذلك إلا بالوحي المباشر الموجود أيام الأنبياء. وما دون ذلك فدفاع عقلي مسموح به في حدود الضرورة، وليس قتالا في سبيل الله.

  10. وأما الفتوحات الإسلامية فهي غزوات غير مشروعة دون شك لأن الإسلام مرفوض بالإكراه ولا قيمة له عند الله تعالى. وأنا في شك من كل الفتوحات المنسوبة إلى الخلفاء الراشدين. أعتقد بأن الخليفة أبا بكر حارب الذين امتنعوا عن دفع ضريبة الزكاة ليدفعوا الزكاة وليس ليبقوا على الإسلام. لكن المفترين كذبوا على الخليفة المؤمن. ذلك من حق الدولة وإلا انهارت الدولة. وأما فتوحات عمر فهي فتوحات المجرمين من الصحابة الذين ورطوا عمرا لكن نصيب الخليفة الألم والتأوه والخوف من العواقب الخطيرة عند ربه ولا شيء غيره. فهل جمع عمر مالاً كما فعله بعض الصحابة الذين لا يخافون الله تعالى؟ لم يقل ذلك أحد حتى أعداء عمر ذلك الصحابي المؤمن. ولا ضير لو أنه أخطأ في اجتهاده إن كان ما يقولونه صحيحا من أنه قدم أقارب الرسول على غيرهم في العطاء. أنا لا أشك بأن عمرا كان يحب الرسول وأقاربه أكثر من أولاده لأنه كان مغرما بحب الرسول ولكني أشك بأن حبه للرسول يؤدي إلى هذا الخطإ الفاحش. ليس هناك أي فضل لذرية الرسول أو أهله على غيرهم ولا يجوز تخصيص مال لهم وما يقولونه محض افتراء على الله ولا أظن بأن أقرب صحابة الرسول وبحضور علي بن أبي طالب يأتون بذلك. لكننا ورثنا تاريخا خطته يد بني العباس الفاسقين.

  11. كان بنو العباس مهتمين بالإعلام أكثر من بني أمية وهم الذين غيروا الكثير من مفاهيم الكتاب الكريم لمصالحهم الدنيوية ثم ورثناها نحن الشيعة مع الأسف وظننا بأن رسول الله استعمل نبوته لذكر الفضائل لأهل بيته. حاشاه عليه السلام من ذلك. إنه ليس معاوية ولا قيصر ولا ملك الفرس ليهتم بالملك لذريته. وما كان اهتمامه بقرابته في بداية الدعوة إلا لحرصه الطبيعي على أن يُسلموا لله تعالى فينجوا من عذاب النار ولم يفلح الرسول في ذلك. لقد أسلم من كانت نفسه طيبة سواء من بني هاشم أو غيرهم وهو الحق الذي أراده الله تعالى. والرسول نفسه فيما بعد تخلى عن قرابته حينما ازداد علما وعرف بأن أهله وإخوانه الحقيقيين يوم القيامة هم المؤمنون وليس بنو هاشم ورأى بأن الله تعالى جعل أزواجه أمهات المؤمنين ليشعر المؤمنون بأنهم إخوان حقيقيون مع بعض ضد غير المؤمنين.

  12. لو كان الأنبياء إخوانا للناس فليس للآباء مولوية على الأبناء وليسوا أكثر من إخوان كبار لهم ولا يجوز لهم أن يأمروا أولادهم بما تعودوا عليه. هذا هو خلق الصحابة الكرام ولقد سمعنا عن الصحابي المؤمن علي بن أبي طالب أنه قال: لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم مولودون لزمان غير زمانكم. هذا هو منطق القرآن الذي يدعو إلى التطور ويخالف البقاء في مستنقع العادات الماضية التي لا فائدة فيها لمن يأتي بعدهم. وليس هناك فرق بين الآباء والأمهات بالنسبة للأولاد. وأما طاعة الزوجة لزوجها فهي هراء لا معنى لها في منطق القرآن الكريم، بل هي نوع من الشرك إذ لا يجب الطاعة إلا لله تعالى وحده ثم للرسول في حياته باعتبار الرسالة لا باعتباره الشخصي. وأما التقاليد الدينية في الصلاة والحج فهي واجبة أيضا إذ أنه عليه السلام هو شيخ الإسلام الحقيقي ولا يجوز مخالفة طقوسه العملية التي تميز المسلم عن غير المسلم والتي ورثناها من آبائنا وأجدادنا بدون تدخل المحدِّثين المريبين.

  13. لا يجوز مخالفة قوانين الطبيعة بحكم العقل فهي قوانين رب العالمين جل جلاله. هي هذه التي تسير الكون عليها ولكننا لا نعرف عنها إلا قليلا. والقرآن الكريم كغيره من الكتب السابقة يُعلِّم الناس كيفية التفاعل والتعامل مع الطبيعة. والإسلام دين طبيعي أمرنا ملك الطبيعة العظيم سبحانه وتعالى أن ندين به لنستفيد من الطبيعة ونتجنب مضار مخالفة الطبيعة. وأما الآخرة فهي للذين يضحون في سبيل الله تعالى وفي سبيل عبيده الذين خلقهم بيده وهو يحبهم لأنه يملكهم جميعا.

  14. ولذلك فلا يمكن أن نتصور بأن الثري القادر على السفر إلى بعض الأماكن الطاهرة فإنه يكسب الجنة لأنه صلى في مسجد يتطلب الدخول فيه تحمل التكاليف. كل هذه الادعاءات باطلة مخالفة للعقل السليم ولا فرق بأن يصلي المرء في مسجد المنطقة أو في المسجد الحرام أو الأقصى. تلك هي ادعاءات تجارية أطلقتها الحكومات لجلب المزيد من الزبائن إلى أماكن نفوذهم ليستفيدوا من أموالهم وليس في القرآن الكريم أي فضل للصلاة في الأماكن. وحينما نقل الله تعالى نبيه إلى المسجد الأقصى فهو ليريه بعض آيات الربوبية الضرورية لإقناعه بما يوحى إليه وليس لكسب فضيلة أو ثواب كما يتراءى لقليلي العلم. لقد أرى الله تعالى موسى ومحمداً نوره مرتين لكل منهما باعتبارهما حاملي رسالتين تشريعيتين كاملتين عامتين للجن والإنس ولكل أهل الأرض.

  15. قال تعالى في سورة فاطر: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28). ليس في القرآن أية دعوة لاتباع رجال الدين ولا يعتبر علم الدين علما كما يتراءى لإخواننا. إنه سبحانه يعتبر الحساب والفيزياء وعلم الألوان وما شابهها علوما. والآية التي تتحدث عن خوف العلماء وحدهم من الله تعالى فهي تأتي في سياق علم الألوان وإشعاعاتها وكل فروع الفيزياء، وليس علم الدين. وكل أنبياء السلف كانوا علماء في غير ما عُرف بالدين. والله تعالى يتحدث عن خلق السماوات والأرض الفعلية وليس عن الكراتين والتخيلات والادعاءات ويدعو إلى النظر إلى هذه الكواكب لمعرفة الله تعالى وليس إلى قراءة صحيح البخاري والكافي وما وراءهما. والقرآن ضد الشعر وهو ما يؤثر في النفس عن طريق الخيال. هذا ما يقوم به رجال الدين وقراء الزيارات والقراءات الحسينية وحفلات المولد النبوي وما شابهها مما تؤثر في النفس وليس لها حقيقة في الخارج. فما تأثير مولد النبي في الإسلام وما هو تأثير قتل الحسين في أصل الإسلام. فالله تعالى قد أكمل الإسلام أيام الرسول بإنزاله أحكام الذبائح والأكل وانتهى كل شيء. لو اعتبرنا الدين ناقصا يحتاج إلى تكميل فإن شهادة الصحابة غير صحيحة وهم لن يكونوا نماذج. وكيف نعتبر الرسالة المسندة بالوحي ناقصا ونضيف عليه من عندنا أناسا لهم سنن كخلفاء أو أئمة أو علماء وهم يكملون الدين؟

  16. الإنفاق عادة طيبة يمكن أن يكتسب بها المرء جنات النعيم، ولكن الإنفاق لا يعني التبرع ببعض المال فتكون هناك فضيلة لمن يتبرع بمال أكبر. الإنفاق يعني إيجاد النفق وبالنسبة للمال فالإنفاق يشير إلى إيراد التأثير البليغ في ما يملكه المرء فلا فرق بين فقير ينفق بنصف قوته على فقير آخر وبين غني ينفق كل ثروته فيضحى شخصا غير ثري على الأقل. فالإنفاق المفيد عند الله تعالى هو التضحية المالية المؤثرة في الإنسان ولا يعني التبرع ببعض المال وخاصة لو توقع المنفقُ المزيد من الخير الدنيوي. وبغير هذا فلعله يكسب المزيد دنيويا ولكنه سوف يخسر الآخرة دون ريب. ولذلك لا فرق بين مليونير ينفق بالملايين أو فقير ينفق بشق تمرة. ولطالما كان ذلك الفقير أكبر عند الله من المتبرع الكبير. فلا جنة بدون تضحية من النفس بالمال أوبالنفس، ولا يمكن شراء الجنة بالمال.

  17. إن معيار السعادة والشقاء هو النفس وليس العمل فلا عبرة بكثرة العمل لوحده ولكن العمل دليل على السعادة والشقاء. فالإنسان الطيب السعيد هو الذي يتأثر قلبيا بحالة الآخرين فيجود عليهم مثلا، ولا عبرة بمقدار عمله. ذلك لأن من كان عمره أكبر فسوف يكون أكثر عملا بطبيعة الحال وهكذا بالنسبة لمن كثر ماله، ولا يمكن أن يكون ذلك معيارا للقسط الموعود يوم القيامة.

  18. ليس لأحد أن يؤثر في محكمة رب العالمين يوم الحساب العظيم. إنه يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله فيه. كل أحاديث الشفاعة تخالف صريح القرآن فليس في القرآن آية واحدة تصرح بأن إنسانا يمكن أن يتشفع لإنسان آخر. وما يقوله غالبية أصحاب العمائم لا يدل إلا على قلة علمهم بالقرآن الكريم. وأما شفاعة الملائكة المذكورة في القرآن فهي ليست وساطة رجاء وطلب من المولى العزيز الحكيم. إنها وساطة التنفيذ باعتبارات معروفة لدى أهل العلم إضافة إلى الدفاع القانوني كمحامين يدافعون عن الخصوم باعتبارهم على علم بقوانين الربوبية والله تعالى يريد منح الجميع فرصا متساوية للدفاع ولذلك يقول سبحانه عنهم: فما تنفعهم شفاعة الشافعين، وكل تلك الشفاعة بأمر جازم من القاضي الديان نفسه عز وجل. ثم يؤكد سبحانه بأن المرء عليه أن يهتم بالتذكرة المقدمة له ولا يعتمد على أي دفاع أو شفاعة ملائكية.

  19. ليس الله تعالى مسلما ولا مسيحيا ولا يهوديا ولا يدين لأحد وليس له قرابة مع أحد من خلقه وهو متكبر جبار وكريم غفار. إن الكائنات برمتها تدين له سبحانه فهو رب العالمين جميعا ولا يمكن أن يبدي اهتماما بأمة أو أسرة أو أفراد أكثر من غيرهم. إنه سبحانه غني لا يحتاج للظلم فلماذا يظلم، فهو سبحانه ليس كالملوك الذين يهتمون بالعوائل ويعزفون عن القسط والعدل. إن لله تعالى حوالي 200 بليون نجمة في مجرتنا التي أسميناها درب اللبانة وهناك في الكون المهيب ما يربو على 100 بليون مجرة احتمالا. والله تعالى لم يخلق هذه الكواكب عبثا. والقرآن يهدينا إلى أن بقية السماوات تستفيد من جنس الشمس ومن جنس القمر. هذا يدل على أن كل شمس تستضيف نظاما شمسيا صالحا لحياة البشر. والسماوات تعني الأنظمة الشمسية. فلله تعالى بلايين البلايين من أمثال نبينا الحبيب محمد بن عبد الله. فأرجو أن يخجل أمثالي من البشر أمام عظمة ربهم ويرموا بهذه الأحاديث التي تغلو في إنسان عاش 63 سنة ثم مات كما يموت بقية الناس، أرجو أن يرموا بها في سلة المهملات.

  20. السيادة تعني ممارسة عمل يسمى في العرف الإنساني بالخدمة. فكيف يخدم نبينا الذين ماتوا من أنبياء السلف؟ ولم يقل الله تعالى بأنه سيد النبيين أو سيد المرسلين، معاذ الله تعالى من هذا الخطأ الفادح. فكيف نسميه سيد الأنبياء؟ إنه عليه السلام مثال الخلق الرفيع بشهادة القرآن فكيف يقول أنا سيد ولد آدم؟ والواقع أن لا سيادة لأحد على أحد بل الله تعالى هو سيد المؤمنين ومولاهم والكافرون لا مولى لهم، كما وضحته أعلاه. وهو عليه السلام عاجز اليوم أن يخدمنا نحن المسلمين الذين ولدنا بعد وفاة الحبيب أيضا فكيف بخدمة من ماتوا قبل ميلاده.

  21. إن محمد بن عبد الله عليه السلام نبي عظيم من سلالة إبراهيم عليه السلام ومأمور باتباع إبراهيم. وهو نبي يعرف القرآن ولقبه المعروف رسول الله. وهو ليس الدكتور محمد ولا المهندس محمد ولا الفيزيائي أو الكيميائي محمد. إنه ليس عالما بكل العلوم ولا يعرف شيئا عن مستقبل أمره أو أمر أتباعه. هو عليه السلام لا يرانا ولا يعرفنا ولا يعرف عن أحوالنا شيئا. ولو فرضنا أنه عاد إلينا كما كان عليه حين وفاته فسوف يتعجب من تطور البشر لكننا سوف نفرح بالنظر إلي محياه الحبيب بالطبع. فما فعله وقاله من أوامر حكومية ومؤقتة لا تفيدنا أبدا. نحن بأنفسنا نعين نسبة الزكاة بما يتناسب مع شؤون أمتنا كما نعين حد السرقة وشروط تحقق أية جريمة مصرحة بالحد لها في الكتاب الكريم. ولنا في معاملة خلفائه خير دليل على عدم جدوى مراجعة أحاديث الرسول العظيم عليه وآله الصلاة والسلام.

  22. كلنا نعرف بأن أقرب الصحابة إلى رسول الله هم الذين حكموا بعده حتى انتهى عهدهم بالإمام علي بن أبي طالب، أو بالحسن بن علي لفترة قصيرة. إنهم جميعا حضروا الرسالة العظيمة وتحملوا كل الصعاب مع رسول الله ورضي بهم بقيةُ الصحابة أمراءَ على المؤمنين. والله تعالى مدح المهاجرين الأولين وهم منهم فيجب علينا احترامهم وإكرامهم ولا يجوز مسهم بأي أمر يحط من كرامتهم كما يجب علينا احترام وإكرام كل أزواج رسول الله فذلك إكرام للرسول وطاعة لأمر الله تعالى الذي عينهن أمهات للمؤمنين. ولا ننس بأن أزواجه هن صحابته أيضا وأكثرهن من المهاجرين الأولين المشمولين بتكريم رب العالمين. ولا أقصد تقديس أي من الصحابة والأزواج أو أقرباء الرسول فليس في منطق الإسلام قدسي غير الله تعالى نفسه.

  23. ليس في الكرة الأرضية مكان مقدس عدا الوادي المقدس بطور سيناء والقدس المعروفة. أما مكة فهي أرض محرمة وليست مقدسة. والتحريم برأيي يعني أن المنطقة تحمل طابعا أثريا فلا يجوز تغيير معالمها الأصلية. إن التحريم يمثل الشروط التي ورثناها من آبائنا لدخولها سواء للزيارة أو للحياة فيها فلا يجوز نقل ترابها وحجارتها خارج مكة مثلا. ذلك لأن مكة هي المكان الذي اختارها الله تعالى بل هيأها لتطوير الإنسان والأنعام الثلاثة التي نأكلها ونشترك في أكلها مع اليهود عدا الجمل طبعا. وهذا المكان معد لكل الناس وليس للمسلمين ولكن المسلمين يخدمونه فحسب ولا يجوز منع أي إنسان من دخول مكة بنص القرآن الكريم. وكل من يمنع الناس من دخولها فهو لا يستجيب لأمر الله تعالى. إنه سبحانه أمر أبانا إبراهيم ليدعو الناس جميعا لزيارة مكة ولن تجد في القرآن الكريم أي مكان يذكر فيها الحج دون ذكر الناس. ولا ننس بأنه أول بيت وضع للناس وهذا يعني بأنه بيت أول إنسان. ذلك لأن أول إنسان هو من الناس أيضا. ويا ليت المسلمين لا يغفلون عن أهمية هذا المكان الشريف لدعوة الناس إلى الله تعالى كما كان يفعله الرسول عليه السلام. وبما أنه بيت أبيهم فلا يجوز لأحد أن يمنع إنسانا من الدخول في بيت أبيه.

  24. يصرح القرآن بأن آدم مولود من أبوين حينما يذكر قصة آدم وحواء في سورة السجدة. وأبوه الذي ليس بشرا مثلنا هو الوالد وهو الذي ولد ما ولد المقسوم به في القرآن احتمالا والعلم عند المولى عز اسمه. وقد بدأ تطوره من خلية نباتية لتصير إنسانا في المستقبل وذلك بعد انفصال الدرع العربي من الدرع النوبي ولقد سمى الله تعالى البلد أمينا لأنه حفظ مقومات التطور الإنساني حتى حبت مكة بآدم وحواء فقال تعالى: فقدرنا فنعم القادرون. ولقد سمى الله تعالى مكة بكة باعتبار تلك الانفصال المفتت للصخور احتمالا. وحينما صنعت أول خلية لتكوين بدن آدم وحواء فإن الله تعالى منحها الروح الإنسانية ليكون النتاج الجديد بشرا. كل ما أقوله ثابت قرآنيا ويعرفه جل تلاميذ القرآن الذين يحضرون جلسات التفسير في لندن. أنا لا أؤمن بأي مصدر خارج القرآن فقد يكون كاذبا ولكني واثق من صحة القرآن وأتعمق فيه مفكرا وهو كنز علمي عظيم. ولا يمس القرآن بنصيب يُذكر إلا الذي يطهر نفسه من كل شوائب الشرك فيزكيه ربه لمعرفة كتابه ولذلك فإني أدعو الذين أحبهم جميعا أن يتركوا التحدث باسم الله تعالى ولا ينسبوا أمرا غير قرآني إلى الذات القدسية جل جلاله؛ فلعلهم يستمتعون بما في كتابهم السماوي من معلومات تبعث بالبهجة والسرور كما تريحكم من الكثير من الجهل والعمى والضلال.

  25. إن الله تعالى قادر على أن يفعل كل شيء دون ريب. هذا يعني بأن كل شيء ممكنٍ فإن الله تعالى قادر على أن يأتي به. لكنه سبحانه لن يأتي بكل شيء إلا إذا تعلقت مشيئته بذلك الشيء. والمشيئة هي نظام رب العالمين وهي غير الإرادة. والإرادة لا تخالف المشيئة ولكنها ضمن نظام المشيئة تعمل أعمالا أخرى مثل خلق المسيح خلاف النظام العام أو توقيف الكون عن السير العام وقبل انتهاء الأمد الطبيعي لعدم وجود ضرورة لبقائه. لكن كل ذلك لا يعني بأن الله تعالى قادر على أن يأتي بالمستحيل. وهذا ليس نقصا فيه سبحانه ولكن النقص في الشيء الذي هو مستحيل. وحتى نعرف المسألة أكثر فيمكننا أن نفكر في قدرة الله تعالى على خلق إله مثله. هذا مستحيل لأن ذلك الإله سوف يكون مخلوقا آنذاك مثلا. ولأن الله تعالى يخلق كل شيء من الطاقة الربوبية فكيف يمكن خلق رب يحمل نفس الطاقات من طاقته دون أن ينتقص من الذات القدسية وما شابه ذلك من دلائل واضحة لمن يفكر. فلا نقول للمستحيل بأن الله تعالى قادر على أن يأتي به.

  26. إن الله تعالى عالم بكل شيء ويعلم ما نأتي به قبل أن نأتي به قطعا وإلا فقد هيمنته على الأفعال. لكن ذلك لا يعني بأنه سبحانه كان يعرف ما سيأتي به أفرادنا قبل أن نُخلق. لو كان ذلك ممكنا لعرفه الله تعالى ولكنه غير ممكن لأنه سبحانه أراد لنا أن نكون أحرارا في اختياراتنا وإراداتنا إلى حد معقول ليختبرنا. لو كان الله تعالى عالما بأن هيتلر سوف يأتي ضمن أفراد البشر ويسبب قتل الملايين من الناس لكان هيتلر مجبورا أن يقوم بما قام به ولم يستحق النار. يجب أن يكون هيتلر مختارا قادرا على أن يفعل المنكر أو يستنكف عنه ثم يفعله من تلقاء نفسه ليتبين خبث باطنه ثم يستحق جهنم. ويجب أن يكون النبي قادرا على أن يأتي بالخير أو بالشر ثم يختار الخير فيستحق الجنة. لولا ذلك لبطل الثواب والعقاب.

فليس الأنبياء معصومين في كل أعمالهم وليس الأشرار مضطرين لأن ينفذوا نواياهم الشريرة. فنقول بأن الله تعالى لا يمكن أن يعلم شيئا أراد هو بنفسه ألا يعلمه كما أن كل شيء لا يمكن أن يُعلم فهو باعتبار ذلك الشيء وليس باعتبار نقص في ربوبية القادر المتعالي، ولا نقول بأنه سبحانه لا يعلم أفعال عباده. وأما علمه قبل العمل فهو لأننا نمهد لأعمالنا ثم نريدها قبل أن نأتي بها وهو عالم بسرائر القلوب فيعلم ما نريد أن نعمله قبل أن ننفذه وسوف يستعمل هيمنته فيسمح لنا أو يمنع. إنه سبحانه قادر على أن يسلب منا حتى الإرادة حينما يريد أن يمنعنا من عمل. هكذا يدير الله تعالى شؤوننا ويسوس بيننا.

  1. يستحيل على أبداننا أن تتجاوز حدا معينا من السرعة فلا يمكن لبشر أن يصعد في السماوات العلا لسببين أساسيين. وهما أن سرعة ابتعاد الكواكب عن بعضها البعض أكثر من السرعة التي يتحملها الإنسان ببدنه الضعيف ولا يمكن للإنسان أن يتحول إلى موجود آخر قادر على أن يتحمل تلك السرعة فلا يمكن لبشر أن يخرج من النظام الشمسي وهو بشر. وأما أحاديث المعراج فهي مخالفة لكتاب الله تعالى ولعلها تمثل سعيا أموياً لتفخيم شأن ملوكهم الذين اعتبروا أنفسهم خلفاء الرسول. والواقع أن أبابكر وحده هو خليفة رسول الله وعمر كان خليفة لأبي بكر ولذلك قام الصحابة المكرمون بتغيير اسم خليفة خليفة رسول الله إلى أمير المؤمنين. لكن بني أمية سموا أنفسهم خلفاء الرسول لأنهم فقراء في كل شيء عدا القوة البدنية والمكر الشديد.

ثم إنهم اخترعوا المعراج وبنوا مسجد الصخرة في مواجهة ابن الزبير احتمالا الذي سيطر على مكة والكعبة. والمعراج من المسائل التي يضحك بها علينا غيُر المسلمين، ومن حقهم ذلك ولم يُذكر ذلك في القرآن. فمن الخير للمسلمين أن يتخلوا عن هذه الادعاءات ويرموا بها في سلة المنسيات الباطلة. ولمزيد من العلم يمكن للمسلمين أن يفكروا في الآية 93 من سورة الإسراء التي يفند فيها الله تعالى إمكانية صعود الرسول إلى السماء فيا عجبا من بني جلدتي الذين ينسبون ما يشاؤون إلى الله  تعالى مستندين على سورة يستنكر الله تعالى فيها صعود الرسول إلى السماء! وأعتذر منكم إخواني وأخواتي من صراحتي الشديدة فأنا مضطر لأن أكون جريئا وأبتعد عن الهلع فلا أتأثر بالألقاب والملابس ضد الواقع والحقيقة. إنني أحب البشرية جميعا بمن فيهم إخواني المعممين ولكني مضطر أن أكسر الحواجز التي حالت دون خروج الأمة من الجهل طيلة قرون لعلهم يفكروا في تراثنا المليء بالخرافات والأساطير والمفتريات مع بالغ الأسف. وأنا على علم بأن كل ذلك لا يفيدنا يوم الحساب.

  1.  يجب ألا نُدخل الذات القدسية جل جلاله وملائكتَه وكتبَه ورسلَه في مزاحنا وقصصنا المضحكة فذلك استهزاء يسبب دخول النار حتما. ليس لنا إلا أن نأخذ كل أولئك مأخذ الجد ونبدي كل احترام ووقار حينما نذكر هؤلاء. ولا سيما القدوس جل جلاله فلا يحتمل ذكره إلا الخشوع والتهيب. كان أنبياؤه يخرون للأذقان سجدا يبكون ويزيدهم خشوعا حينما يُذكر اسم الله العظيم عز اسمه. أتمنى ألا ننسى بأنه سبحانه محيط بكل شيء وإشعاعاته الرقيقة القوية تمسك كل الكائنات قويها وضعيفها، كبيرها وصغيرها، بمن فيهم الجن والملائكة الكرام بكل أنواعهم التي هي أكبر بكثير منا نحن البشر حيث أننا في الواقع نوع واحد فقط. فلا نغفل بأنه معنا دائما ويمكننا معرفة ذلك علميا فأنا لا أواطن ولا أحب المبالغة. لنكن على ثقة بعدم إمكانية المبالغة في العزيز الحكيم إذ أن كائنا ممكنا لا يمكن أن يصل إلى كنه وجوده العظيم وليس لكل الكائنات إلا أن تقول دائما وأبدا: الله أكبر. فهو أكبر من كل ما ترسمه في خيالك من عظمة تفسر لك سيد الكائنات جل جلاله. واعلم بأن هذه هي حال كل الملائكة وكل الأرواح القدسية فليس لهم أن يعرفوه لأنه محيط بكل شيء ولا يمكن أن يحيط به أحد حتى يتعرف عليه. نحن كلما نعرف عنه هو الوجود ولا يمكن أن نعرف ماهيته جل جلاله. بالطبع ليس ممنوعا أن نفكر في كنه ذاته ولكننا بالتأكيد لن نصل إلى نتيجة مرضية وكلما نزداد علما ومعرفة فهو بخلقه وليس بذاته. إنه سر الوجود وموجد كل الكون بقوته وطاقته وليس له من يساعده ولا يحتاج إلى أي شيء لعمل أي شيء، سبحانه وتعالى.

  2. لا يمكن تصور غير العدالة في تعامل الجبار العظيم مع خلقه. ولولا ذلك لما استقرت الكائنات طيلة بلايين السنين دون اضطراب وتراجع. فهو يعطي كل كائن ما يحتاج إليه للوجود والبقاء واستمرار الحياة ولا يعيَ في أن يمد النجوم بطاقات حرارية مختلفة تعادل عشرات الملايين من الدرجات المئوية كما يمد أبداننا الضعيفة في نفس الوقت بطاقة لا يمكن أن تزيد على 37 درجة ونصف وإلا اضطربت أبداننا من الحمى. ولذلك لا يمكن أن نتصور فرقا بين قومية وقومية أخرى أو نبي وغير نبي أو ملك وإنسان أمامه سبحانه وتعالى. وهو غني عن كلِّ خلقه وكلُّ خلقه فقراء إليه جل جلاله. هذه حقيقة وليست تعبيرا ولا شعرا.

  3. الإمام يعني الذي يؤم الناس في عمل من الأعمال سواء كان تدريساً أو تحقيقاً علمياً أو إقامة جماعة أو إمارة حج أو إدارة أمة. ولا معنى لإمامة ميت على الأحياء فإمامة علي بن أبي طالب تحقق فعلا على الذين انتخبوه وحينما كان حيا بينهم، ولما مات انتخب أصحابه السابقون ابنه الحسن فأصبح إماما بينهم حتى تنازل عن إمامته لصالح معاوية ضمن معاهدة صلح لم يلتزم معاوية بكل بنودها كما قرأناه على مؤرخي المسلمين. فعلي والحسن ليسا إمامين لنا نحن إذ لا ارتباط بيننا وبينهما اليوم لأنهما ميتان بحق وقد وزعت أموالهما بين ورثتهما وتزوجت بعض نسائهما بعدهما بعد أن مررن بعدة الوفاة.

  4. ليس المسيح حيا بل قد مات بنص القرآن الكريم لكنه لم يمت قتلا لأن الله تعالى لا يمكن أن يقدر القتل لرسله باعتبار أنه سبحانه منحهم جميعا السلام. قال تعالى في سورة النساء: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157 بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158. وقال سبحانه في سورة آل عمران: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿55. فالله تعالى قد توفاه ثم رفعه إليه فهو اليوم متوفّىً.

  5. ليس في القرآن الكريم أي ذكر للحكومة الإسلامية ولا للنظام الاقتصادي الإسلامي ولا للخلافة الإسلامية. إنما يدعو الله تعالى عبيده للإيمان به وللتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ذلك لأن البشرية في تطور بتقدير الرحمان جل شأنه فلا يمكن أن يتمسك الإنسان العاقل بنظام واحد قد يضر بمجتمعه. لكن ما نسمعه عما أضافوا الإسلام إليه من أنظمة فهي مجرد ادعاءات بشرية لا ارتباط لها بالسماء ولا وزن لها في قاموس العلم. بالطبع أن هذه التسميات تفيد كثيراً الذين يحكمون ليُدخلوا بها الخوف في قلوب الناس ويوحوا إلى أتباعهم بأن لهم ارتباطا خاصا برب السماوات والأرض وبأن على الناس أن يطيعوهم. هداهم الله تعالى وإيانا للاستغفار وترك خداع الأمة.

  6. ليس في القرآن الكريم أي أمر بإقامة حكومة عالمية ولا أي وعد بذلك. إن ذلك يخالف هدف هذه النشأة وهو الاختبار فما هي فائدة الحكومة العالمية؟ لكنهم يقولون بأن فائدتها هي فرض الإسلام والله تعالى لم يقل ذلك. إنه سبحانه وبعد أن ذكر حكومته المحيطة بكل شيء في آية الكرسي  فإنه قرر الحرية في الاعتقاد هكذا في سورة البقرة: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿256 اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿257.

ثم إنه سبحانه وعد كل من آمن بأن يُخرجه من الظلمات إلى النور. وهذا يعني بأنه سبحانه قد تكفل هداية الذين آمنوا به وهو بيان صريح لعدم جواز فرض الهدى الخاص على أحد. إن الهدى الموصل للهدف من مستحقات الذين آمنوا وليس من مستحقات الناس جميعا. لكن الذين يؤمنون بفرض العقيدة فهم يريدون فرض الهدى على الناس أو يقتلونهم كما يقولون. هذه هي مقولة الوهابية الذين يمارسون القتل فعلا كما هي مقولة الذين يؤمنون بالمهدي المنتظر ويظنون بأن شخصا يأتي ويفرض الدين على البشرية غافلين أن الله تعالى لم يقدِّر ذلك. إن هؤلاء جميعا يخلطون بين الدنيا المعدة للاختبار والآخرة التي وعد الله تعالى فيها القسط والحق. وإنه سبحانه وعد بأن يقيم القسط بنفسه ولم يفوض أحدا من خلقه بذلك. لطالما قرأنا في القرآن وهو سبحانه يخاطب نبيه كما في سورة هود: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴿12.

  1. لقد مرت البشرية بنص القرآن الكريم حوالي ستة قرون بلا أنبياء فالقول بأن الأرض سوف تسيخ بأهلها لو خُليت من حجج السماء لهي قول غير بليغ. قال تعالى في سورة المائدة: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿19. ثم إن الرسول ليس حافظا للناس ولا مانعا من سيخان الأرض بأهلها بل هو بشير ونذير فقط. وهذه العقيدة الخاطئة كانت إمام سلفنا نحن الشيعة (الجغرافيون طبعا) مع بالغ الأسف. فكيف نقول بأن الشيطان لا يوحي إلينا؟!

  2. لم يعتبر القرآن البشر حججا إلهيين. إنه اعتبر نفسه (القرآن) حجة على الناس وأمر بالتمسك بالقرآن ولم يأمر الله تعالى في كتابه بالتمسك بالأنبياء والرسل. بل نرى أن الإيمان بالملائكة والكتاب يسبق الإيمان بالرسل. قال تعالى في سورة البقرة الآية 177: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ…. إن الإيمان بالله تعالى قبل كل شيء لأنه الحق المبين واليوم الآخر حق لا يمكن أن يتأثر الإيمان به سلبيا أبدا. إن هدف سورتي البقرة وآل عمران هو ترسيخ التمسك بالله تعالى واليوم الآخر والإيمان بهما ضروري يسبق التمسك بأي شيء آخر. ثم يأتي من بعدهما الإيمان بالملائكة باعتبار أنهم موجودات طاقوية أشبه بالإلكترونات التي تسير وفق نظام معين بأمر ربها ولا يمكن أن تخطئ أبدا. وقد ذكر الله سبحانه الكتاب وهو بالنسبة لنا القرآن بعد الملائكة لإمكانية تفسيره بما لا يتوافق مع الحقيقة. ذلك لأن الكتب السماوية تنزل بلغة البشر واللغة مطاطية لا مناص من التلون فيها عمدا أو سهوا. فالكتاب أقل شأنا من الملائكة من حيث الصلاحية للإيمان به. ثم يأتي دور النبيين في نهاية المطاف لأن النبيين بشر يخطئون ويصيبون ويموتون فيُنسب إليهم الأقوال دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وتصحيح ما نقل عنهم سواء بالسهو أو بالعمد. فالنبيون أقل رتبة من الكتاب باعتبار وجود الكتاب بين الناس وإمكانية المراجعة إليه والاستدلال الصحيح على أساسه وهذا غير وارد بالنسبة للأنبياء الكرام عليهم جميعا سلام الله تعالى الذين أصابهم جميعا مصيبة الموت.

  3. استدلال الإخوة أصحاب الملابس والألقاب المميزة بالآية التالية من سورة الحشر لإثبات لزوم العمل بالحديث غير صحيح كما سنقول: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿7 لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴿8. لا يمكن فصل هذا المقطع من الآية عن الآية الأم ولا يمكن الغض عن السياق فهو دأب غير قرآني. والمفسرون الكرام برمتهم يعرفون بأنها نزلت في فيء بني النضير وبأن الله تعالى أمر النبي بأن يوزعه بين المهاجرين دون الأنصار باعتبار عدم تأثيرهم عسكريا في طرد المحاربين من اليهود إلى الشام. وهم يفسرون الآية بأنها تأمر الأنصار أن يقتنعوا بما آتاهم الرسول ولا يطالبوه بما نهاهم عنه من الفيء. و يكتفي الزمخشري في الكشاف عليه ولكن زمرة كبيرة من بقية المفسرين السنة والشيعة يحشرون معنى عاما لمقطع من آية مسبوقة بفيء الغزوة وبآية تالية تكمل مسائل نفس الفيء أيضا. وهو دليل واضح على فقر الإخوة المفسرين في العثور على آية تأمر الناس بالعمل بالحديث.

وقد غاب عنهم بأن الإيتاء تعني الإيصال فكيف يوصل الرسول أحاديثه إلينا وهو ميت. وغاب عنهم أيضا بأن المخاطبين هم الصحابة الذين لم يكتبوا الحديث ليصل إلينا وإنما بدأت الحكومات تكتب الحديث أيام العباسيين لحماية السلطة وليس لإكمال الدين كما تراءى لبعض قليلي العلم.

  1. نقرأ في أحوال الخلفاء الراشدين الأربعة بأنهم كانوا يخالفون أوامر الرسول مع شدة حبهم له وإيمانهم به. وهذا هو الصحيح لأن الواجب هو العلم بالقرآن فقط. بالطبع أن هذا لا يشمل السنة العملية التي علمنا الرسول عن طريق آبائنا مثل الصلوات اليومية وصلاة الميت ومناسك الحج. وأما أحكام الطهارة والنجاسة فعلينا الاستعانة بالأطباء وليس بالموسومين برجال الدين. وكذلك الأحكام التخصصية الأخرى.

  2. القرآن كتاب معرفة وعلم وأوامر تشريعية للعمل المرضي عند الجبار عز وجل. وما يقوم به الإخوة المتصوفة من الإحصاءات العددية للآيات والكلمات والحروف لا تمثل حقيقة قرآنية. إنهم مغرمون بهذا النوع من التعامل مع معتقداتهم وهو تعامل فاسد مع كتاب عظيم بمعانيه أكثر من كلماته وجمله. دعهم يأتوني وأعلِّمهم حقيقة القرآن وأثبت لهم بأنه كتاب الله تعالى. نحن لا نحتاج إلى الأعداد وإلى إضافة معلومات للكتاب المبين. واليوم أرى الكثيرين من الإخوة والأخوات مغرمين بالعدد 19 وهو عدد أصحاب النار، وكأنه شاخص للتعرف على كتاب ربنا. ويستند الأخ الذي بدأ قبل عقود بهذا النوع من المحاسبات التعسفية إلى آية وردت بعد ذكر العدد في سورة المدثر وهي: إنها لإحدى الكُبر. عدة الملائكة الخازنين للنار هي إحدى الكبر فما علاقة عدة الملائكة بتقسيم الحروف والكلمات على العدد 19؟ ليس التفسير العددي إلا مجرد عمل تخرصي هجو وسخيف ولا دليل عليه من القرآن الكريم.

  3. إن أحكام القرآن تتميز بالسهولة واليسر وما عدا ذلك فليس بأهمية أحكام القرآن. مثالها مثال أحكام الزكاة الواردة عن الرسول عليه السلام، فهي أحكام إرشادية يمكن الاستعانة ببعضها لنزداد معرفة بتطور الأحكام ولسنا مجبورين للعمل بها. وهكذا مسائل الصلاة والطهارة والنجاسة وما عبئوا بها الكتب الفقهية عدا ما أمر الله تعالى به في القرآن الكريم بعيدا عن السنة النبوية كما هي المعروف بيننا.

  4. حينما يحمل إنسان رسالة ربه فهو يحمل رسالة رب العالمين وحينئذ لا يجوز له أن يفضل أهل بيته على غيرهم لأنه يتعارض مع رسالة رب الناس جميعا. يتعلم الرسول من أوامر ربه أن يعامل الناس جميعا معاملة واحدة ولا يفرق بينهم إلا بالتقوى إحقاقا للحق. وأما أحاديث التمسك بأهل البيت فهي كلها من صنع بني العباس وبني عمومتهم من أولاد الحسنين عليهما السلام مع الأسف. وكتب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، ولو أنها جميعا مع كتب أهل البيت ظهرت أيام العباسيين ولكن بني أمية اهتموا بالصحابة فروى وكتب أتباعهم من السنة العباسيين ذلك في مقابل الشيعة من العباسيين احتمالا. وقد بقيت حكومة بني أمية في الأندلس طيلة حكم بني العباس. ولا يخفى بأن الله تعالى اهتم بالمهاجرين والأنصار ومدحهم ولم يمدح الصحابة. ذلك لأن صحبة رسول الله عليه السلام، تعم المشركين أيضا. قال سبحانه في سورة التكوير: وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ﴿22. وكلنا نعرف بأن المشركين نسبوا الجنون إلى نبينا وليس المؤمنين ولكن الله تعالى قال بأن النبي صاحبهم. ولست أول من يقول ذلك فقد سبقني غيري بملاحظة هذه المسألة الأساسية في تسميات الصحابة. أتطلع إلى اليوم الذي يزول فيه هذه التعابير الضارة بالإسلام: صحابة، أهل البيت وما شابه ذلك. ويحتمل الكثيرون بأن معاوية هو الذي اختلق مسألة الصحابة ليحل محل المهاجرين والأنصار فيعم كل أسرته التي كانت غالبيتها مشركة حتى نهايات الدعوة ودخلت في الإسلام خوفا وليس إيمانا.

  5. كل المنافقين كانوا ضمن صحابة الرسول وهو لم يمنعهم من حضور مجالسه كما لم يحرمهم من المشاركة في المشورات بأمر الله تعالى. تلك هي الديمقراطية الحقيقية التي نحتاج إليها ولم نلتفت لها مع الأسف. ولو نقرأ آيات غزوة أحد في سورة آل عمران لنرى الإسلام كيف يتعامل مع الذين يرفضون أمر القيادة ويسببون خسارة المعركة ولكن الله تعالى لا يحرمهم من حقوقهم المدنية والسياسية على الرغم من أنهم كانوا السبب الأساسي في تعرض الكثير من إخوانهم للقتل على يد المشركين. إن المعروفين بأبطال العرب يقتلون الجندي الذي لا يطيع أمر القيادة ونحن نفتخر بهم مع بالغ الأسف. هذا ما يمكن أن يكون سببا لدخول كثير منا نحن المسلمين النار إذ لا يجوز بأي حال أن نحب أعمال المجرمين فقد نحشر معهم عندئذ.

  6. لقد اعتبر الله تعالى كل الذين رضوا بقتل المسيح حتى بعد وفاته بقرون، لقد اعتبرهم قاتلي الأنبياء ليدخلهم الجحيم. ذلك لأنهم كانوا راضين بما حاوله سلفهم لقتل نبي عظيم مثل المسيح عليه السلام. قال تعالى في سورة آل عمران: الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183). لم يكن أي شخص من الحاضرين أمام رسولنا من بني إسرائيل قاتلا لأي رسول ولكن الله اعتبرهم قتلة لأنهم كانوا راضين بما اشتهر بينهم من أن آباءهم سعوا لقتل المسيح.

  7. ليس هناك رسول من الله تعالى وقد تعرض للقتل. قال تعالى في سورة الصافات: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182). هذا السلام ليس مقولة إنسان بل هو مقولة رب العالمين عز اسمه. كيف يمكن أن يقول ربنا سلام على المرسلين ثم يقوى أحد أن يقتل أيا من المرسلين؟ فالأحاديث التي تروي مقتل أي من الرسل، لهي مفتريات وليست مقولة رسولنا عليه السلام. لا يمكن أن يكون يحيى بن زكريا مقتولا كما لا يمكن أن يُصلب المسيح. وبعض الجاهلين يظنون بأن رسولنا قتل مسموما. لا يمكن ذلك لو آمنا بالله تعالى وبقدرته على تفعيل كل ما يأمر به سبحانه وتعالى.

  8. ليس الإسلام دينا بشريا وضعه أناس ليتناسب مع تجمعاتهم وأهدافهم وعاداتهم وتقاليدهم. البوذية والمجوسية والهندوسية وما أشبهها تمثل أديانا بشرية وضعها أناس لتجميع أقوامهم على أسس دينية تساعدهم على التعاون والبقاء وتفويض كل ما يعجزون عن تحقيقه إلى قوة خارقة وراء الطبيعة. إنهم مضطرون على الاهتمام بالملابس والألقاب وبعض الحركات الرياضية والطقوس الدينية التي تجمعهم. نحن لا نخالف أصل الطقوس فهي ضرورية لتجميع البشر و لا دين بلا طقوس. لكن الطقوس التي أمر بها رسل الله تعالى اهتمت بتجميع الناس ليقوموا بحركة واحدة دون تفريق بينهم. يمكنكم ملاحظة كل الطقوس الدينية لتروها تنطوي على ملابس مميزة للقائمين عليها كما أن هناك من يتبرك به الناس بتقبيل يده أو مس ملابسه أو بدنه.

اقرأوا تاريخ موسى وعيسى من نفس الكتب التي ورثناها من المؤرخين الذين غالبا ما كانوا يكذبون. هل قال أحد بأن أيا منهما قام بتتويج نفسه وبوضع شارات وعلامات على رأسه وعلى ملابسه؟ هل قال أحد بأن محمدا كان يحمل شكلا مميزا عن قومه؟ كان الرسل إخوانا لأقوامهم يلبسون مثل بعض ويأكلون مثل بعض ويقومون بالكثير من الأعمال والحركات الإنسانية على نمط واحد.

لاحظوا حركاتنا وطقوسنا في الحج لتروا عدم إمكانية أن يتقدم أحد على الآخرين. هل يمكن أن تقف المرأة خلف الرجل في الصلاة حول الكعبة أو أن تطوف المرأة خلف الرجل؟ هل يجوز أن يلبس الرجال غير إزارين لتغطية النصف الأعلى والنصف الأسفل من البدن، سواء في ذلك الرسول أو أي من الصحابة أو أي مسلم أتى بعدهم ؟ هل أجاز الرسول أن تلبس النساء النقاب في الطواف؟

لكننا نرى اليوم ملامح وملابس وألقابا وأوصافا للزعماء الدينين كما نرى الخضوع وتقبيل اليد والركوع أحيانا من العامة للموسومين برجال الدين. نرى ذلك بين أتباع كل الأديان السماوية الثلاث. أضحت العمائم بمختلف ألوانها وأشكالها ضرورة من ضروريات الدين لدى غالبية أتباع الديانات الثلاث. كان موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام يلبسون ملابس قومهم دون تفريق. لو لبس رسولنا العمامة فإن أبا جهل وأبا لهب لبسا العمامة أيضا. كل الصحابة بلا استثناء كانوا يلبسون العمامة. دعنا نفترض بأن الله تعالى بعث رسولنا إلى بريطانيا اليوم فهل سيلبس العمامة أم سيلبس البدلة الغربية ويتزين بالكرفتة؟ قال تعالى في سورة الفرقان:

وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9). أتدرون لماذا قالوا له ذلك؟ رأوا بأن رجال دينهم يلبسون ملابس مميزة ولا يأكلون الطعام حال مشيهم في الأسواق تكبرا. لكن رسولنا يمشي مع الناس في كل عاداتهم وتقاليدهم ولا يميز بينه وبين أصغر شخص في الأمة. لو كانت السندويتشات موفورة في أسواق مكة لكان رسولنا يأخذ السندويتشة ويأكلها وهو يسير في الأسواق كما نفعل نحن اليوم.

 يُقال بأن غريبا دخل المسجد الحرام أو مسجد النبي في المدينة فرأى الناس مجتمعين في حلقات ولم يجد الرسول. بحث عنه فوجد حلقة فيها أحد المشاهير وأظن بأنه الصحابي الجليل عمر وكان الغريب يعرفه، فاقترب منه وسأله عن رسولهم فأشار إلى أحد الجالسين في الحلقة. تعجب الغريب بأن يرى رسولا يلبس مثل الناس ويجلس في حلقة معهم دون تمييز. أنقل هذه الحكاية من الذاكرة ولا أتذكر المصدر. لم أقرأ في أي كتاب بأن المسيح كان يضع التاج على رأسه كما يفعل البابوات اليوم كما لم أقرأ أي شيء عن ملابس خاصة بموسى وهارون. كانوا جميعا يعيشون حياة متشابهة في الظاهر دون تمييز.

فالدين السماوي لا يبدي اهتماما بالملامح الشخصية للناس بمن فيهم رسل الله تعالى. كما أرى في القرآن القدرة الكاملة على احتواء كل البشر بلا  استثناء. يمكن لكل الناس أن يعيشوا معا تحت راية القرآن دون أي فرق بينهم ولكن الفروق التي نراها فهي فروق صنعتها أيادي البشر وليست من الله تعالى رب العالمين.

  1. لا يوجد أي فرق بين المرأة والرجل إلا من حيث الضرورات الفسيولوجية وما يتبعها من أحكام. لم يحرم الله تعالى الحكم ولا القضاء ولا النيابة في البرلمان على المرأة. لا يوجد أي أمر بالنقاب وبأن تسير المرأة خلف الرجل أو تصلي خلفه. لا توجد طاعة في القرآن الكريم لغير الله تعالى. ولكن الطاعات بين البشر تعني القبول ولا تمثل الخضوع. أرجو من الإخوة والأخوات أن يلاحظوا هاتين الآيتين: قال تعالى في سورة الأنعام مخاطبا نبينا عليه السلام: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116). ما معنى تطع أكثر من في الأرض؟ أليس معناها قبول ما يقوله له عامة الناس؟

وقال تعالى في سورة النساء: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34). معنى الطاعة هنا أيضا هو قبول رغبة الزوج في أن لا تخرج زوجته ناشزة إلى بيوت الغرباء لما فيها من خطر على شرفه. كما أن الضرب لا يعني مس بدنها بما يوجعها بل يعني مس قلبها بما يوجعها وهو إظهار عدم الرضا بالهجر في المضجع وهو نفسه الموعظة. الضرب العقابي يسمى جلدا في القرآن ويجب أن يتم بحضور طائفة من المؤمنين وليس في معزل عن الناس. لو كان هدف الرحمن من إطلاق كلمة الضرب هو ما نعرفه اليوم بما يوجع البدن فلا معنى للآية التالية لها وهي: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35). لو ضربها بالمعنى المعروف بيننا فقد حصل الشقاق فلا معنى لقوله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما.

فليست المرأة مشكلة في الإسلام والقرآن لا يفرق بينها وبين الرجل في الحقوق ولا فضل لرجل على امرأة. لكن الفضل المذكور في آية النساء أعلاه هو إذا أنفق الرجل على المرأة فكسب فضلا ماليا وإذا كان أقوى منها بدنيا فتحقق له فضل بدني من حيث القوة وهلم جرا. قال تعالى في سورة النحل: وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ (71). فهل أولئك الأثرياء أصحاب الثروات البليونية هم أفضل عند الله تعالى من العلماء الصالحين المؤمنين لأن الله تعالى فضلهم على المؤمنين بالرزق المالي؟ أم أن قوله تعالى في سورة البقرة يثبت فضلا لرؤساء إسرائيل المجرمين اليوم على علي بن أبي طالب لأنهم من بني إسرائيل والإمام ليس من بني إسرائيل:يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)؟

  1. تختلف الآخرة عن الدنيا حتى في الفيزياء. يكفي بأن نعرف بأننا سنبقى إلى الأبد ومثل هذه الأبدان الدنيوية عاجزة عن البقاء الأبدي. وحينما نقرأ في كتب التراث اليهودي والمسيحي والمسلم فإنهم يشعروننا بأن الآخرة نسخة طبق الأصل من الدنيا وبعضهم يقول بأن الآخرة تعني أن يخرج الناس من القبور الفعلية أحياء من جديد. هذه القبور التي نراها تندرس بعد فترة من الزمن ولا نجد فيها جسدا. لقد تحولت الأجسام إلى تراب أو انتقلت إلى أجسام الحيوانات وانتهت، فكيف تقوم من قبرها؟ ألم يقل الله تعالى في سورة القمر: كَلاّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)؟ وقال تعالى في سورة الأنبياء: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105). ويستند بعض المسلمين وخاصة الشيعة بأن الآية الثانية تدل على ظهور المهدي. كيف يظهر المهدي وقد طويت السماء طيا؟ الشمس سماء وهي تطوى وهي تتحول إلى دخان ولا يمكن أن نتصور الحياة في كوكب الأرض. قال تعالى في سورة الدخان: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ (16). والقيامة تأتي بعد تلك الحادثتين. حادثة احتراق الشمس ثم البطشة الكبرى وهي الدمار الكوني الشامل. سيبني الله تعالى كونا جديدا قابلا للبقاء الأبدي ثم يقيم القيامة في الكواكب المسكونة في أرجاء ملكه العظيم. وهذا معنى إعادة الخلق. فالأرض التي يرثها المؤمنون هي الأرض الجديدة وليست هذه الأرض. هذه الأرض ليست قابلة للبقاء الأبدي والأرض الجديدة تستند إلى مكونات فيزيائية مغايرة لأرضنا الفعلية مما تعطيها القدرة على الخلود والبقاء الأبدي بإذن الله تعالى. لا يوجد شيء اسمه المهدي المنتظر في منطق القرآن فلا يغرنكم الجاهلون. كما لا يمكن أن يعود المسيح الميت إلى هذه الأرض ولا يوجد مسيح آخر كما يظن اليهود وهم والمسيحيون يعيشون الخيال بل الوهم مع الأسف.

سنقف جميعا مع أنبيائنا وآبائنا الأولين بمن فيهم آدم وحواء ومع أبنائنا الذين لم يأتوا بعد أمام رب واحد وسوف ينال كل أفرادنا قسطه من ربه في التعامل وفي الدفاع وسوف نخرج من حضرته وقد اقتنعنا بما حكمه بيننا فلنتقِينَّ ذلك اليوم الخطير. قال تعالى في سورة طه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا (108). تلك هي جبال أرض جهنم التي نقف فيها جميعا للحساب كما أظن. هناك يريد ربنا أن يراعي العدالة الكاملة والقسط الدقيق بين عبيده فيجعل أرض الوقوف كلها قاعا مستويا وهو سبحانه يأتي على شكل سحاب فوق رأسنا لننال منه تعالى نيلا متساويا سواء كنا مؤمنين أو فاسقين أو أنبياء أو غير أنبياء أو إنسا أو جنا. وسوف لا نستعمل اللغات إطلاقا بل تكون التجاوبات كلها عن طريق الهمس القلبي وهي لغة النفس. وقال تعالى في سورة البقرة: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (210).

  1. دعنا نفكر قليلا لنرى من الذي يقدر على الفصل بين مختلف أنواع البشر ومعهم الجن أيضا غير الله تعالى فلنترك الأوهام ولا نعر اهتماما بما قالوه لنا من الوساطات البشرية. إن القرآن يصرح بأن نبينا مع صحابته سوف يتخاصمون أمام ربهم فهل نحن أقرب إليه من صحابته الذين عاشوا معه ليشفع لنا؟ وأما القول بأن أهل بيته أو صحابته أو بقية المؤمنين سوف يتشفعون فهو أشبه بالأسطورة ولا يمكن توصيفه بغير الافتراء والكذب الواضح. قال تعالى في سورة الحج: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17). وقال تعالى في سورة الزمر: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31). فالفصل بين الكائنات لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الله تعالى وحده لا شريك له الذي يعلم حقائق كل خلقه. سيقف الجميع أمام ربهم جنا وإنسا وملائكة وسيفصل الله تعالى بين كل الكائنات المدركة بلا استثناء.

  2. لنعلم بأن القرآن هو الذي يوحد المسلمين ويسعى لأن يجمعهم مع اليهود والنصارى الذين يؤمنون بالله تعالى والذين هم جميعا بمن فيهم المسلمون يمثلون اليوم أهل الكتاب. لكن الذين يفرق الناس هو الكتاب الموسوم بالمقدس وكتب الحديث المنتشرة بيننا والتي ورثناها من جدودنا الذين لا يعلمون إلا قليلا. قال تعالى في سورة آل عمران مخاطبا رسوله الأمين: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64). يلتزم الرسول الأمين بالحياد حينما يتولوا عن دعوته المخلصة للتوحد ضد المشركين بالله. بل يسعى ليبقي كلمته الخالدة باقية بين أهل الكتاب وهي في آخر الآية الكريمة: اشهدوا بأنا مسلمون. هذا ما يقوله الرسول والمسلمون للذين يرفضون الدعوة وليس أمرا وراء ذلك. فأرجو أن نقرأ توصيات ربنا بغيرنا من أهل الكتاب ونسعى للتفاهم معهم ولا نعاديهم ولا نستعمل أية قوة ضدهم. كان رسولنا محبا لهم وكان يتألم من عدم تجاوبهم مع دعوته الكريمة. قال تعالى في سورة الكهف: وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا ِلآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6).

  3. وأخيرا فإن الإسلام يعني التسليم لله تعالى والتسليم لله يتطلب السلام مع كل أهل الأرض. ذلك لأن المسلم يقول للناس جميعا بأنه أسلم لرب العالمين الذي هو ربه وربهم جميعا فالحكم لله ولا حكم للبشر على البشر في عقائدهم. ليس الإسلام بمعنى السلام ولكن نتيجته السلام فأرجو ألا نخطئ كما يخطؤون. وكل من أسلم لله فهو مسلم عند الله تعالى ولو جاء قبل الإسلام أو عاش ولم يسمع شيئا عن الدين الإسلامي؛  ثم إن كل من أسلم لشهواته فهو كافر في منطق الرحمن. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44).

وقال تعالى في سورة النساء: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142). هؤلاء هم مسلمون بالشهادتين ولكن الله تعالى يعتبرهم كافرين لأنهم قاموا إلى الصلاة كسالى فيقول بعدها: مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145). فهم منافقون وهم كافرون وهم من أهل النار وهم أيضا شهدوا الشهادتين!

أعاذنا الله تعالى من الجهل ومن شرور أنفسنا

أحمد المُهري

16/4/2017

كتبت الأصل في 22/1/2009 وقمت ببعض التغييرات الطفيفة هنا، للعلم.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.