رهوينغيا اركان   …

رهوينغيا اركان   …

اراكان0.png

 

مرحبا

في فترة بسيطة خلال شهري أغسطس و سبتمبر ، تلقى اكثرنا الكثير من الرسائل ، تحفزنا دينيا ، وتوجهنا نحو احداث العنف التي اندلعت في إقليم اركان في بروما او ميانمار ، وصلتنا شعارات تحمل هاشتاج #بورما_قضيتي ، كثير من الصور العنيفة ، الفيديوهات الدموية ، المقالات الباكية  ، تصرخ كلها يا مسلمون انقذوا اخوانكم في بروما . الكثير من الرسائل تحمل التنديد ، والشجب للصمت العربي ، الدولي ، لماذا هذا الصمت أيها الانذال ؟ ، انظروا ماذا يرتكب البوذيون من مجازر بحق اخوانكم في بورما .  من هنا  كان اختياري الحديث عن هذه القضية بعد توقفي عن مقالاتي هنية .

أولا وقبل ان ابدأ أؤكد انني لن اتخذ من #بورما_قضيتي . دائما اكرر يجب ان نترفع عن النقاش العاطفي في قضايا إنسانية ، لان الاندفاع العاطفي سيؤدي الى اضرار بالقضية ، او  جعلها سهلة الاختراق ، ومتى اخترقت استطاع الطرف المضاد ان يستفيد منها لمصالحه ، وتضيع المصلحة الأساسية من هذه القضية ، هذا ما كان في اغلب قضايانا العربية والإسلامية ، وتستمر الحكاية . سأسعى معكم في خلال هذه المقال بالبحث في قضية بروما بالتحديد ، او بالأصح ماهي القضية التي يجب ان نقف معها ؟

في احدى ولايات الهند البريطانية على خليج البنغال ، منطقة تحدها الصين شرقا والهند وبنجلادش غربا ، تحدها أيضا لاوس وتايلند و خليج البنغال والمحيط الهندي ، عرفت في فترة الحكم البريطاني بـ (بورما ) وهي نفس اللفظ الذي يمثل الأغلبية العرقية من البوذيين (بوميين ) ، حتى اقر المجلس العسكري الحاكم لبروما في 1989 باللفظ البرومي لبورما بدلا من الإنجليزي فعرفت باسم (ميانمار ) وكلا اللفظين لنفس المنطقة.  تلك المنطقة لها تاريخ طويل ضمن ممالك متعددة شملت مناطق أوسع من مساحتها الحالية ، الا ان الشكل الحالي للمنطقة تشكلت تقريبا مع 1784 م مع حكم الملك باداوبيا الذي يعتبر موحد لميانمار ، من بين المناطق التي تم ضمها امارة اراكان وما تعرف اليوم بإقليم (راخين ) . تم ضم ميانمار للهند البريطانية باسم ولاية بورما 1886 م ، يمكن اعتبار هذه بداية المشكلة ، كما يراها الطرف الحاكم في ميانمار .

 1940 م استعان الرفاق او جيش تحرير بروما باليابان لمساعدتهم في التحرير ، هذا ما جعل من ميانمار منطقة التحام بين القوات المتحاربة في الحرب العالمية الثانية ،و لذا رغم ان بريطانيا كانت تعد العدة لتسليم السلطة في ميانمار 1938 م ، أدى هذا الحادث أدى الى استمرار ضمها كمستعمرة حتى 1948م ، خروج بريطانيا لا يعني ان الأمور سلمت للاستقرار ، فقد بدأت سلسة من الحروب الأهلية ، ابتداء من جماعات التأييد لبريطانيا ضد جماعات اتلأييد لليابان .  الدولة التي تم تشكيلها كانت (فيدرالية ) / الا انها كانت حمالة مشكلة عميقة عن المواطنة ومن يحق له ان يكون مواطنا برومياً ، هذه الإشكالية سببت تحول  الحروب الاهلية المتنوعة بين الأطراف الى حروب عرقية وعنصرية ودينية  ، مجموعات مسيحية ، مسلمة ، بوذية ، استمر الصراع الأهلي . في ظل غموض أي معلومات يمكن الاستناد اليها لتقرير ما الذي حدث، الا ان الصورة اتضحت مع استلام الحكم العسكري 1989 م، الذي اقر اسم ميانمار بدلا من بروما ، ثم بدأ يصف من لهم الحق في المواطنة ، وعندها برزت المشكلة بشكل أوضح ،اقر المجلس العسكري القومية البورمية وديانة تيرافادا البوذية للبلد ، وتعزز موقفه اكثر بعد الاحداث التي تعرض لها البوذيون في أفغانستان من قبل طالبان ، التالي لم يغير منهجه من ان كل اقلية لا تنتمي للبروميين دخيلة ، او مهاجرين غير شرعيين ، او بدون ! .  من أولئك الأقلية الصينية ، الا ان الصين الشعبية بما تمتلك من تدخل استطاعت أن تؤثر مع مصلحة القومية الصينية في ميانمار ، أيضا استطاع المسيحيون ان يكونوا جزءا من النسيج ،وحتى مسلمين من غير قومية الرهوينغيا ، لانهم من البورميين . بدأت إشكالية الأغلبية المسلمة في اراكان (الرهوينجا ) ، حيث لم يعترف المجلس الا بـ 4 % منهم باعتبار انهم من العرقية ، حيث يؤكد الرهوينغيا انهم يمثلون 20% من البلد ، واعتبر الراخين الأغلبية في (اراكان ) ولذا تم تغيير اسم اراكان الى راخين ، اغلبيتهم من البوذيين، فهو يعترف فقط باقل من المليون ونصف من المسلمين ، والبقية يعتبر انهم نقلوا الى البلد ابان الحكم البريطاني ، هذه الأغلبية المسماة (رهوينغيا ) او الرحمانيون حسب تفسير البعض لهذه الكلمة ، هذه الأغلبية حرموا من التعليم ، من الجنسية ،من كل حقوق المواطنة او الإقامة ،  واستمرت معاملتهم كـ (بدون ) . اذن صارت الصورة أوضح ،  هؤلاء لا يمتلكون تعليما جيدا ، وبالتالي لا يعرفون عن دينهم سوى كونهم مسلمين ، اذن الإشكالية الأساسية هنا ان الحكومة العسكرية صنعت (عنصرية ) نتنة ، ظلت تنمو حتى مرحلة الإصلاحات الدستورية ، والانتقال الديمقراطي 2010 م ، كان هناك امل بأن الأمور ستؤول الى تقدم ورخاء  . صيحة الراهب البورمي آشين ويراثو المتعصب ضد الإسلام و الرهوينغيا  ، أنه يعتبر المسلمين  كالاسماك التي تتكاثر بسرعة ، حيث يوما ما سيجد ان المسلمون هم الأكثرية وسيصبح البوذيون هم الأقلية وهم اهل البلد  ، وربط بأن كل المشاكل في العالم ناتجة عن عرقية وعقلية المسلمين .  جاءت العبارات بشكل صادم أيضا من حاصدة جائزة نوبل للسلام (1991) وهي تستحقها ذاك الوقت ، حيث اشارت الى أنها  لا تعلم ما إذا كان من الممكن اعتبار الروهينغيا مواطنين بورميين ؟ . اذن ما ان جاء العام 2012 حتى اندلعت موجة العنف،  من قبل القومية الراخين ضد القومية الرهوينغيا تطالبهم بمغادرة البلاد ، ولان موجة النزوح لم تكن الأولى ولم تكن الأخيرة ، كانت بانغلاديش الملجأ الأول ، منها من ناله نصيب الهجرة الى الخليج ، وامريكا وغيرها ، الا ان الأغلبية العظمى في بانجلادش . كالعادة العرب يتقدمون الميدان في العمل الخيري ، وصك الملك عبدالله رحمه الله تعالى خمسين مليون دولار لرعاية النازحين . الا انه لا احد اهتم كيف يعالج قضيتهم ، ربما محاولة غير مكتملة قادتها لجنة اممية شكلها كوفي عنان ، وما فعلته تهدئة. وما زال الجمر تحت الرماد ، فالحلول المؤقتة مؤقتة .

مرت احداث 2012 الا ان العنف والعنصرية ضد الرهوينغيا لم ينته ابدا ، وجاءت رسالة الظواهري 2014 ( لم ننس ميانمار ) ، ليبرز اسم جماعة اليقين او جيش تحرير اراكان ، ظهوره كان  في بلاغات الحكومة ، ضد من تسميهم جماعات إرهابية تستغل الوضع المضطرب في الولاية  .  حادث جديد يؤكد القضية العنصرية 2015 اندلعت مواجهات كادت ان تؤدي لاضطراب الحدود الصينية الميانمارية ، انفجر الصراع بين القوات الحكومية وجماعة “كوكانج” العرقية الصينية في ولاية شان ، فر على اثرها اكثر من  40 الفا الى الحدود الصينية . ربما هذا الملف تم معالجتها كما يبدو سريعا مع الصين ، الا ان  العنصرية لم تعالج بعد . ها هي الاحداث تندلع من جديد 2017 ضد الرهوينغيا ، وموجات النزوح تتضاعف بلا توقف .

للترويج لهذه القضية ، يستخدم شيوخ وافراد ومجموعات، صورا تعرف بحجم المأساة في هذا البلد ضد المسلمين ، للأسف كل او اغلب الصور ليس لها علاقة بالموقع او القضية ، ولا افهم ماذا نستفيد من تناقل مجموعة من الصور الدموية والمستفزة ، هل يعتقد من ينشر الصور ان (العرب ) سينشدون (وامعتصماه ) وتتحرك جيوشهم لنصرة المسلمين في ميانمار . بالتأكيد لن يحدث ، واذن من يستفيد من تشويه صورة القضية لأبناء الروهينغيا . لن يستفيد منها الا عدوهم .  دعوني امر على بعض التساؤلات التي مرت معي في تلك المراسلات  :

  • اين القاعدة وداعش من كل هذا ؟

  • اصبح الموضع للقاعدة وداعش واضحا للجميع ، انها جماعات بغض النظر عن خفايا أعضائها ، يحصلون على تسهيلات من حكومات ومخابرات كبرى للتحرك واجتياز الحدود ، ليس لهم ان يتحركوا الا بتصريح ، ربما البعض يتذكر او يعرف عن حرب الشيشان وهي احدى الدول التي سعت للاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، الا ان موسكو لم ترغب في استقلال هذا البلد عن الاتحاد ، واستمرت الحرب ، وظهر رجال القاعدة في صفوف مقاتلي الشيشان ، وفجأة اختفوا عن المشهد ، واستقرت الشيشان محافظة على ارثها وقوتها كدولة ضمن الاتحاد الروسي وانتهى الصراع . رغم ان السوفيت في فترات مضت ، سعوا الى الغاء الميراث الشيشاني او اذابته الا انه صمد وبرز وازدان ، ها هي اليوم  لم تغير حتى مذهبها الصوفي التي تعتز به ، وتدافع عنه ضد أي مذاهب قادمة اليها من الجزيرة العربية . ربما تشبه القضية الشيشانية القضية الرهوينغيا ، الا انها تختلف في ذات الوقت فليست نقطة تقارب ، فانتشار الجهل ، والفقر ، والمرض ، يجعل من الوضع في رهوينغيا حالة عصية ومستعصية .

  • تحركات العالم الغربي تجاه القضية ؟

  • أولا (غير المسلمين ) من المجاهدين الصحفيين الذين بدأوا في نقل الصورة الظلامية ، والتي بهم صنعوا قضية رأي عالمي ، ومن خلالهم وصلنا خبر ما يحدث في اراكان ، هذا التحرك الأول ، الثاني السياسي الغربي ، لن يتحرك الا ان كانت هناك مصالح تمسه او تتعلق بدولته او شعبه ، الا انه يخشى غضب الرأي العام ، لذا تحرك الغرب اول من تحرك ضد هذه القضية ، وسعيا للوصول الى حلول مؤقتة ، ربما الاطالة ، المساومة ، الا انهم لن يصنعوا حلولا كاملة بدون ان يكون هناك من يتحمل كلفة الحل ، فلكل حل كلفته ، بالتالي علينا إعادة النظر في الامر بدقة ، الإشكالية ليست لديهم وانما لدينا . من يتحمل كلفة الحل .

  • اين المسلمون والعرب ؟

  • لن يرفع المسلمون صوتهم و صياتهم الا على بعضهم البعض للأسف ، لن يغيب عن البال قضية (فلسطين ) التي يستخدمها سياسيو العرب في كل شاردة و واردة ، الا انهم لن يقدموا حلا ، او يفرضوا حلا ، كل قضية جديدة سيتم بهرجتها لصناعة رأي عام في بلدانهم فقط ، وللأسف يعتقد حكام العرب تحديدا ، ان شعوبهم مغفلة او لا تقرأ ، ولا تعلم (عبيطة!)  او ربما لا يعنيهم الامر، لذا يستمرون في الكذب فقط ، حتى اذا حلت القضية ، تصايحت قنوات الدولة الغنية منهم ،  بأن مولانا حفظه الله كان الداعم الأول ، بل الوحيد في حسم القضية وإعادة الحقوق لأهلها ، لن ادندن كثيرا ، قضايانا كثيرة ، ان استطاعوا حسم واحدة منها فسنقول لهم اليكم التالية ، انهم مشغلون بقضية أعظم اهي خلافة قريش ام غدير الإمام  . ولا حول ولا قوة الا بالله .  الامر الآخر ان كان العرب انفسهم، الذين يعيش بينهم البدون ، بل لا يعترفون بعرب عاشوا بينهم سنوات ، وسنوات ، منهم من لا يعرف انتماءه الا الأرض التي ولد فيها ، فجأة يقال له (انت مغترب – ارحل ) ، فاقلها لا نقول  يعطى الجنسية وهي حق ، بل إقامة دائمة له ولبنيه . احبتي  لا زالت دول عربية تتعامل بنظام العبودية تحت مسميات كالكفيل ،   الوجع عظيم …

دعونا من هذا ولنعد للقضية (رهوينغيا اراكان ) ليست لأنها قضية مسلمين وكما ذكرت معرفتهم عن الإسلام، لا تتعدى الطفل الامي الذي يعرف من ابويه انه مسلم ، فهي قضية إنسانية يتعرض فيها مجموعة من الناس للتنكيل والاذلال والطرد ، من بلادهم التي لا يعرفون غيرها الى بلاد يقال لهم هذه بلادكم عودوا اليها ، اننا نحتاج الى الادراك الذي وصل اليه نيلسون مانديلا في حربه ضد المحتل الأبيض بدلا من محتل الى شريك وطن الى  :  نحن شركاء في الوطن فأوقفوا التمييز العنصري .

 في الصفحة الرسمية للاركانيين  (http://www.arakanonline.com )    هم لا يتحدثون عن رغبتهم في الاستقلال ، قدر تحدثهم عن رغبتهم في الحصول على الانتماء للوطن ، انه حق يبحثون عنه ، انه الانتماء وهو حق من حقوق الانسان التي اقرتها الأمم المتحدة :

( الحق في الجنسية حق من حقوق الإنسان الأساسية. وهو يعني حق كل فرد في اكتساب جنسية وتغييرها والاحتفاظ بها.)

لذا قلت في بداية مقالي لست مع #بورما_قضيتي ، فالقضية ليست بورما ، وانما ، حق رهوينغيا اراكان في المواطنة والأرض والانتماء  ، فقضيتهم تتمحور حول حرمانهم من الحق في المواطنة ،وكل النقاشات اليوم تدور مع الحكومة في عودة النازحين الا ان الحكومة تقول انها ستقبل عودة من يحملون بطاقات هوية ، وبالتالي فلن يعود الا من منحتهم الحكومة الجنسية من قبل ، وبالتالي لن يعود احد،  فمن يحمل الجنسية قد غادر الى دول أخرى ليعمل بها بعيدا عن التعصب في بلده ، لن تكفيهم المعونات ، ولا ينبغي ان تكرر مأساة، التغريبة الفلسطينية  ، لا تصنعوا مأساة تستمر عشرات السنين ، الحل اما بمواطنة لكل أبناء اراكان ، او توطين أبناء الرهوينيغيا ، او تأسيس دولة على حدود إقليم اراكان . اما اليوم يطلب او يستجدى غدا ، واغنية حدود 67 وعودة اللاجئين .

 خلاصة  كل ماساتهم انهم بحاجة لوطن ، فهل من المانيا ثانية تستقبل أبناء الرهوينغيا ، ام ان الفقراء لا مأوى لهم .

#اصلح_الله_بالكم

محبتي الدائمة

احمد مبارك بشير

9/9/2017

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.