يوسف أيها الصديق ح9 – في قصر العزيز

تواصلا مع تفسير سورة يوسف :

يوسف أيها الصديق ح9 – في قصر العزيز

لم نسمع طيلة وجود يوسف في القصر أي رؤيا أو منام. إنه بدأ بتأويل الأحلام بعد أن ترك القصر مُكرها إلى السجن. وسنرى أن الحديث في القصر كان حول شخصية يوسف وقدرته على البيان إضافة إلى عفته وسماحته وأمانته.

فكيف نتصور مدرسة لتأويل الاحلام دون أن يذكروا فيها الرؤى والمنامات؟ فهي مثل مدرسة للموسيقى و مدرسوها حرفيون يصنعون الأحذية الجلدية؟!

والحقيقة أن قصر الوزير الفرعوني كان مجمعا للوزراء والأدباء وأهل اللغة وكبار موظفي الدولة ومدرسيها. ولذلك كان مكانا مناسبا ليتعلم يوسف تأويل الكلمات اللغوية من مصدرها. ثم إنه في ذلك القصر اشتهر بين المرموقين وعرفوه شابا مهذبا عفيفا. ومن ذلك القصر انتقل إلى سجن خاص بالشخصيات وليس سجنا عاديا. ولذلك وضح الله تعالى النتيجة المتوخاة بقوله الكريم:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿22﴾

لنعد إلى نهاية الآية السابقة التي تركناها دون أن نتعرف على مغزاها قبل أن نفهم حقيقة الآية الكريمة في أعلاه.

وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.

الواقع بأننا لو لم نلاحظهما معا فسيكون فهمنا للآيتين فهما مرتبكا ضعيفا. بل من الأفضل أن نلتفت إلى آية أخرى داخل السورة بعد أن قابل يوسف الملك وأخذ منه المنصب الوزاري الهام، وهي قوله تعالى :

وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56).

وواضح أن التمكين الثاني في الآية 56 هو فعلية التمكين وأما التمكين الأول فهو باعتبار إعداده ليكون قادرا على تسلم المنصب. فمدرسة الوزارة ليوسف كانت في بيت أحد الوزراء. وبكل بساطة فإن الله تعالى في الآية 21 أراد أن يعلم يوسف كيف يتمكن من الأرض وكيف يتعلم الحديث مع الناس.

ولما بلغ أشده أكمل له الحكم الذي يفيده للتمكن من الأرض وأكمل علمه لتأويل أحاديث الناس. ولقد سمى التمكن في الأرض حكما وسمى تأويل الأحاديث علما.

بالطبع معرفة الأمر الثاني أهون من الأول بعد أن فهمنا معنى التأويل المذكور. ذلك لأنه سبحانه قال: (ولنعلمه) ثم أشار سبحانه إليه في الآية التالية: (وعلما). فتكون الجملة الكاملة علمناه علما. والعلم كان معلوما في الآية السابقة بأنه علم تأويل الأحاديث وهو علم كشف المدلولات اللغوية الدارجة بين الناس وبين العلماء.

وكما وعدنا فسنتحدث في نهاية شرحنا لهذه الآيات حول عدم مشاركة نبينا التواجد في بيوت الحاكمين كما كان عليه إخوانه الأنبياء من قبل.

فلنعد مرة أخرى إلى الآية 21:

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.

لقد وفق الله تعالى بين حاجة الوزير إلى ولد وبين عرض أصحاب القوافل يوسف للبيع وبين خروج الوزير من مكتبه أو أيِّ سيناريو آخر ليرى يوسف المعروض للبيع، ثم أدخل حب يوسف في قلبه ليقول لامرأته ما قال.

ولقد وفّق سبحانه بين ما فعله الإخوة وبين ورود السيارة في الوقت المناسب وبأن تكون القافلة متجهة إلى مصر وبأن يفكروا في عرضه في مكان يمر فيه الوزير. وهناك الكثير من التوفيقات الأخرى حتى أدخل يوسف بالشكل الذي يريده ربه الكريم في قصر الوزير المصري. هكذا مكَّن ليوسف في الأرض.

بالتأكيد أن من كانوا في قصر العزيز كانوا في خدمة العزيز وزوجته وليس في خدمة يوسف بدليل أنهم حينما رأوا إرساله إلى السجن فعلوا ذلك، فلم يكن يوسف ذا مكنة في القصر. إنما كان القصر وكل ما مر به من حوادث مَدرسةً له ليعرف كيف يتمكن في الأرض.

ونعرف جميعا بأن يوسف وحين تفعيل هذا التمكين قام ببناء أبراج تخزين الحنطة كما برمج لتجميع الحبوب ثم نظم البيع على العائلات بأسلوب فني يتناسب مع إمكانات عصره.

فما ارتباط موارد تمكينه مع ما رآه في سفرته إلى الجب وإلى مصر وإلى قصر الوزير وما واجهه في القصر؟

يمكننا تحليل كل ما أتى به يوسف من تجاوب مع القضايا التي واجهها حتى وصل إلى سدة الحكم وأصبح وليا لخزائن الأرض لنرى آثار التطور العلمي واضحة في المسيرة ونرجو أن يكون في مناسبة أخرى.

إلا أن كل محقِّق يمكنه أن يقوم بالإمعان فيما ذكرت ويتدبر في الوقائع ويشعر بأن يوسف كان فعلا في مدرسة علمية يتعلم من خلق الله تعالى ثم يطبع الله في قلبه الحكمة من كل حركة يراها أو يقوم بها.

هناك تعلم يوسف بفهمه لحكم الأفعال أن يحكم بما يجب أن يفعله في المستقبل. وواضح أن حكمة الشيء هو ما يمكن لنا معرفته بالتحليل للفعل ولأسبابه ولكن الفعل قد مضى وقوعه، وأما الحكم فهو لِما نريد أن نفعله في المستقبل. فالحكم الصحيح هو ما يصدر ممن أمعن في كل ما واجهه في ما مضى من عمره وكشف موارد الخطأ والإصابة فصار خبيرا في تعيين العواقب. هناك يمكنه أن يحكم بما يجب أن يفعله مستقبلا.

فالذي تعلمه يوسف هو طريقة أخذ القرار ليكون مديرا قويا قادرا على إنجاز مهمته بدقة ودراية حتى لو كانت المهمة جديدة عليه. المدراء العصريون لا يبالون كثيرا بتغير مناطق عملهم فهم يستفيدون من الخبراء ومن الموظفين والعمال لفهم كل فنون العمل ولكنهم يحتاجون إلى خبرة كبيرة ليكملوا مسيرة أخذ القرار بعناية ودقة ويصدروا قرارات قابلة للتنفيذ. خاصة وأن المدير يصدر قرارا لينفذه غيره فيجب أن يكون القرار في منتهى الدقة والصلاحية والتكافؤ مع الإمكانات البشرية وغير البشرية الموجودة في مؤسسته.

هذا هو الحكم الذي تعلمه يوسف في حضرة وزير والوزير لا يعلم بأنه يُعلِّم وزيرا للمستقبل العام للبلاد بل يظن بأنه يُعلِّم ابنا يتبناه لمستقبله هو وأسرته.

وحتى لا ننسى يعقوب الذي أشار إلى ابنه يوسف بأن الله سوف يعلمه من تأويل الأحاديث، فكيف نرد على سؤال من يسأل عن يعقوب الذي فهم ذلك بمجرد أن سمع المنام من فم ابنه، فكيف عرف ذلك؟

إنه أمر سهل جدا فهو بالإضافة إلى معرفته السابقة بابنه فإنه رأى بأن ابنه لم يسرع إليه في نقل رؤياه بل فكر في كيفية عرض الرؤيا على أبيه بحيث لا ينزعج أبوه منه وبحيث لا يكون قد أساء الأدب مع أبيه، ثم إنه فكر مع غرابة المنام نفسه بأن ينقله لأبيه مهما كان ذكره محرجا.

عرف يعقوب بأن ابنه قادر على أن يدبر الامور ويديرها كما كان هو بنفسه مدبرا.

لو ننظر إلى يعقوب وهو يدير هذه الأمة الصغيرة المختلفة في رؤاها بكل هدوء ويفرض عليها حبه وسلطانه، فسنعرف بأنه كان مديرا غير عادي.

إن أبناءه على سذاجة تفكيرهم الأحمق في أن يخلو لهم وجه أبيهم كانوا يجلون هذا الأب ويركبون الإثم الكبير لأجل كسب وده. إنه رجل عجوز وغير موسر احتمالا ولكنه مدير قوي يعرف كيف يتعامل مع الناس وبتحليل بسيط لعلاقاته مع أولاده نعرف قدرته العلمية وحكمته التي غطت على كل مكر أبنائه الذين هم جيل جديد يُفترض أن يكونوا أكثر من أبيهم دراية بحكم التطور.

ثم لو نفكر في إبقائه لهؤلاء الأبناء الآثمين تحت سلطته بعد أن عرف بكل دقة ما قاموا به أكثر من عقد من الزمان ثم سخرهم ليذهبوا إلى يوسف في السفرة الثانية والثالثة بالطريقة التي فرضها عليهم؛ كل ذلك يبين قوة يعقوب في الإدارة والحكم بما يجب أن يفعل.

لما بلغ أشده

بقي أن نعرف معنى قوله تعالى (فلما بلغ أشده).

بلوغ الأشد في القرآن ورد في عدة أعمار. فحينما يبلغ اليتيم سن الرشد وحينما يبلغ المرء أربعين سنة وحينما يصل حد الإدراك العلمي. ولذلك لا يمكن توصيف هذا التعبير بسن معين فعلا.

مما لا شك فيه بأن يوسف كان أقل من أربعين سنة إذ أنه كان غلاما حين دخوله بيت العزيز فلا معنى لأن تصبر امرأة العزيز خمسا وعشرين سنة أو أكثر حتى تبدأ بعرض نفسها عليه. فأظن بأن بلوغ الأشد هنا يعني بلوغ الرشد العلمي وهو يبدأ من سن الدخول في الجامعة عندنا وينتهي بابتداء المرحلة التعليمية العالية الثانية بعد ما لا يقل عن أربع سنوات حينما يسعى للماجستير أو الدكتوراه.

فبلوغ هذا الأشد حتى يتمكن يوسف من استيعاب العلم والحكم يطول أربع سنوات على الأقل إن لم يكن أكثر من ذلك. هناك يشتد احتماله للضربات الفكرية الكبيرة اللازمة لدفع الريب وبلوغ عين الحقيقة.

حتى العباقرة يحتاجون إلى زمان كبير ليتمكنوا من الحكم ويحصلوا على اليقين في المسائل العلمية المعقدة. ناهيك عن أن كل المتعلمين يحتاجون إلى الخبرة العلمية ليصلوا حد الحكم في المسائل. والخبرة تحتاج إلى زمان طويل.

وحينما دخل يوسف بيت العزيز وعلى الرغم من نبوغه الفكري كما رأيناه يتحدث لأبيه النبي العظيم يعقوب فإنه لم يكن بالغا أشده العلمي. إلا أنه هناك في بيت العزيز وبعد مرور زمن غير قصير بلغ أشده كما نعرف من الآية الكريمة.

وأما قوله الكريم:

 وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.

فباختصار فإن الأمر هو فعل يصدر من الله تعالى ولو لم يكن الله تعالى غالبا عليه لما أخذ الفعل مسارا دقيقا يبلغ بعده الهدف المنشود بكل عناية. وغلبته واضحة من إحاطته بالحاضر والغائب علميا وكذلك إحاطته بالإمكانات المتاحة إضافة إلى قدرته على إتاحة الفرص وإضافة الإمكانات متى ما شاء أو أراد جل جلاله.

وأما اهتمامه سبحانه بذكر المقطع الأخير الدال على جهل أكثر الناس بغلبة ربهم على أمره هو ما نراه من قيام الكثير من أصحاب الرسل الكرام والكثير من ذوي العلم ومن حملة التوراة والقرآن بالإثم والبغي. ذلك لأنهم لا يشعرون بتلك القوة القاهرة المحيطة بهم.

فلنفرض أن الله تعالى كان يُري الناس قدرته فهل يمكن أن نتصور أحدا يعصيه؟ إن الناس كل الناس يخافون من ملك أو زعيم قوي يدير شؤونهم فلا يعصونه لعلمهم بالمواجهة الصعبة والقاسية ولكنهم بكل سهولة يعصون الله تعالى وهو بنفسه لا بملائكته محيط بكل شيء ومحيط بالملائكة ويتتبع كل أفعال وحركات خلقه بصورة عرضية وليست بصورة طولية. فهو فعلا معنا أينما كنا وهو فعلا الأول والآخر والظاهر والباطن وهو فعلا على كل شيء قدير. ولكن أكثرنا لا يعلم.

ولنكمل فهمنا للآية التالية:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22).

بلوغ الاشدّ هنا مقصود منه الأشد العلمي وليس الأشد البدني. لأن الحديث عن الحكم والعلم وليس عن الفروسية أو المقارعة بالسيوف.

بالطبع أنه كان احتمالا في سن العشرين وليس سن البلوغ ولا سن الأربعين. والمحسن هو الذي يحسن التعلم برأيي والعلم عند الله تعالى. وقد اشتهر بيننا مثلا ولعله من أقوال الإمام علي بن أبي طالب: قيمة كل امرئ ما يحسنه. ويقصد به ما يحسنه علميا وتطبيقيا. فيوسف كان يتعلم وكان يطبق علمه ما أتيحت له الفرصة كما سنراه في رحلتنا معه إن شاء الله تعالى .9

( هامش 9 : والآن لنعرف ما هو السر في عدم تعرض خاتم الأنبياء للتواجد في حضرة السلاطين؟.

بكل بساطة يمكن القول بأنه لم يكن محتاجا إلى ذلك. إنه كان فوق كل شيء أميا لا يعرف القراءة والكتابة وحمَلَ رسالة أكبر من رسالة سلفه.

إن الأمر لا يتعلق بمحمد بقدر ما يتعلق بأهل مكة. قال الله تعالى في شأنهم في سورة آل عمران:

 كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110).

ولولاهم لما أنزل الله تعالى القرآن عليهم. إنهم من المهاجرين الأولين مع رسول الله. ولو ننظر إلى مواثيقهم مثل عهد الفضول وإلى قوانينهم مثل الأشهر الحرم لأدركنا بأنهم متطورون على كل أهل الأرض فعلا. نحن لم نسمع من الصينيين ولا من اليونانيين أي نوع من هذا التطور الاجتماعي الكبير المنبثق من مكة.

ويقول سبحانه في شأنهم في سورة آل عمران :

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ ِلأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195).

هؤلاء كانوا قبل رسول الله ولذلك قبلوا دعوته واعتبروه مناديا ينادي للإيمان. هذا يعني بأنهم شعروا بأن الرسول يتحدث بما يؤمنون به ويعلمونه ولكن بلغة رسالية أقوى من لغتهم. إنهم اعتبروه مناديا لا معلما لأنهم يعلمون الكثير.

وللمزيد فهم ليسوا رجالا فقط بل هم مجموعة من الرجال والنساء. إنه تطور أسبق بكثير من التطور الغربي الذي وصل إلى أن المرأة إنسانة قبل عدة مئات من السنين فقط.

ثم لو ننظر فإن المكيين كانوا بجانب كل صفاتهم الطيبة يقيمون أسواق الشعر وهو عمل إيجابي كبير لنشر العلم ولنشر اللغة بين مختلف طبقات المجتمع. إنهم آمنوا بأن التفاهم باللغة يفتح أمامهم طرق السلام وهو ما يريده الله تعالى لحمل القرآن.

لكن الحكومات التي حكمت مصر والعراق وغيرها ممن سبقوهم كانوا يؤمنون باحتكار العلم في قصورهم ودواوينهم حتى لا تطغى عليهم الشعوب. ولنا في قصة المشائين اليونانيين دليلا واضحا على ذلك. فأرسطو كان أول من قام بنشر المعلومات الفلسفية بين الناس بإيعاز من المقدونيين طبعا لأنهم أرادوا أن يُكوِّنوا جيشا قادرا على سحق أكبر الحكومات فكان لزاما عليهم أن يزودوهم بالعلم والمعرفة ليتفوقوا على جيوش الحكومات الكبرى وقد نجحوا في خططهم.

وأما الإيرانيون فحتى بعد طردهم لليونانيين وقبل ظهور الإسلام فقد كانوا يحتكرون العلم في القصور الملكية. كان أنوشيروان المعروف بالعادل وهو من أكبر الظالمين يحتكر العلم لأبنائه وأهله.

إن محمد بن عبد الله لم يكن بحاجة إلى أن يتعلم ثقافة كانت في متناول يده ولا يحتاج أن يتعلم قوانين اجتماعية متاحة لكل أهله على السواء. وأخيرا سلام الله على نوح وإبراهم وموسى وعيسى ومحمد وعلى إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وعلى كل الأنبياء والصالحين. والسلام على أهل مكة الذين آزروا رسولنا الحبيب وعلينا جميعا إن اتبعنا الرسول الأمين واتبعنا رسالته الحكيمة في القرآن العظيم.    نهاية الهامش 9.)

يتبع …

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.