القصة الحقيقة للثورة المصرية 7



 ( مدخل : حقًا, لم تصدر كلمة واحدة من الشيخ حسن يمكن أن يفهم منها, ولو من بعيد, أن له أدنى علاقة بترك سيادة الرئيس محمد حسني مبارك للحكم إلا أن هذا أمر طبيعي إذ أن الحديث عن ذلك كان سيعني الإعدام في حالة فشل الشيخ حسن في خلع سيادة الرئيس محمد حسني مبارك) 

إذا كان الطريق من مصر إلى الإسكندرية قد أخذ أقل من أربع ساعات فإن الطريق من مدخل الإسكندرية إلى رشدي أخذ أكثر من ساعتين.  وصل الشيخ حسن إلى مبنى الجماعة قبل صلاة العشاء بقليل واتجه مباشرة إلى مكتب سيادة المهندس خيري.  سأله المهندس خيري عن حالة الطريق وعما إذا كانت قد قابلته أي مشاكل.  سأله كذلك عن حال الإخوة في مصر.  كانت إجابة الشيخ حسن عن السؤال الأول, باختصار, أن الحمد لله وعن السؤال الثاني, باختصار كذلك, أن الحمد لله.  ابتسم المهندس خيري من “اختصارات” الشيخ حسن.  كأي إداري تشغل باله عشرات المشاكل, لم يكن سيادة المهندس خيري يطيق الإطالة في أي موضوع. 

مد الشيخ حسن يده في جيب معطفه وأخرج مظروفًا ناوله إلى سيادة المهندس خيري.  قال الشيخ حسن إنه من سيادة الدكتور محمد.  تناول المهندس خيري المظروف شاكرًا الشيخ حسن على جميله.  قال إنه يود أن يعلم الشيخ حسن أن هذه الخدمة التي قدمها لا علاقة لها بعمله في الجمعية من قريب ولا بعيد وإنما هي خدمة لوجه الله تعالى.  أي أنها خدمة مأجورة عند الله وحسب وليس عند الجمعية.  قال كذلك إنه يعلم أن الشيخ حسن عريس جديد وأن عروسه لها حق فيه وأن هذا الحق يأتي أولا, وعليه فسوف يتفهم تماما لو أن الشيخ حسن اكتفى بما قدمه من خدمات.  لم يزد الشيخ حسن عن أن هز رأسه مؤمِّنا على ما قاله سيادة المهندس خيري.  أي أنه يعلم.   مد المهندس خيري يده وتناول مظروفًا أعطاه للشيخ حسن قائلاً إنه خاص بالدكتور محمد في المقطم, ثم أعطاه مظروفًا آخر قائلاً إنه للحاج محمود شاهين.  قال سيادة المهندس خيري أيضا إن بالإمكان توفير دليل يصحبهم إلى المقطم.

دخل الشيخ حسن في السيارة, وناول الحاج محمود المظروف الذي أرسله إليه سيادة المهندس خيري, وسأله عما إذا كان يحتاج إلى دليل ليصحبهم إلى المقطم.  فتح الحاج محمود المظروف ليرى “المحتويات” ثم أغلقه على الفور.  هذه محتويات لا يجب أن تراها أي عيون خلاف عيون الحاج محمود.  اطمأن قلب الحاج محمود إلى أن العمل مع الشيخ حسن سيطول.  هذه ليست محتويات يوم, أو يومين, أو حتى أسبوع.  هذه محتويات شهر.  نظر الحاج محمود إلى الشيخ حسن وقال له “دليل؟  أي دليل يا شيخ حسن؟  إلى أين العزم إن شاء الله؟”.  “إلى كفر نفرة إن شاء الله”.  وانطلقت السيارة في الطريق إلى كفر نفرة.

كان واضحًا للشيخ حسن أن السفر إلى القاهرة الآن هو أمر غير مطلوب, مهما كانت أهمية الرسالة.  فالساعة تقترب من الثامنة مساءً وعليه فلن يصلوا إلى القاهرة قبل الواحدة صباحًا إن لم يكن الثانية صباحًا.  مسألة أن يكون الدكتور محمد على مكتبه في الثانية صباحًا مسألة مستبعدة.  وعليه قرر الشيخ حسن الذهاب إلى كفر نفرة وطمأنة الحاجة كريمة وزينب على أن الأمور بخير, ثم الانطلاق إلى القاهرة مع صلاة الفجر, وهو ما يعني أنهم سيكونون في القاهرة بإذن الله في حدود الساعة التاسعة إن لم يكن الثامنة.  لن يحضر الدكتور محمد قبل الثامنة.  أضف إلى ذلك أن هذا الحل سيعطيه الفرصة لتناول طعام العشاء في كفر نفرة بدلا من مطعم الجمعية في رشدي أو مطعم المقطم.  أين أكل المطاعم من أكل الحاجة كريمة؟  أضف إلى ذلك أيضًا أن هذا الحل سيعطيه الفرصة كذلك للاطمئنان على زينب.

كان الذي يشغل بال الحاج محمود هو كيف يرد جميل الشيخ حسن.  كان الحاج محمود رجلا “عجوزًا” و”ابن سوق”.  أي كان يعلم أنه كان بإمكان الشيخ حسن أن يضع “المظروف” في جيبه وبهذا ينتهي الأمر.  في وسط هذا الهيجان من كان سيسأل ومن كان سيهتم؟ بل ويهتم بماذا؟  الوحيد الذي يعرف الأمر هو الشيخ حسن الذي كان بإمكانه أن يعطيه أي مبلغ لإرضائه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   مرت بحياته أسماء كبيرة فعلت أكثر من هذا في حالة مبالغ أقل من هذا.  الشيخ حسن لم يفتح المظروف أصلاً.

لم يعطِ المظروف الحاج محمود شعورًا “بالرضا” وحسب, وإنما أعطاه كذلك شعورًا طاغيًا بأهمية العمل الذي يقوم به.  هذه مبالغ لا يتم إعطاؤها إلا مقابل أعمال بالغة الأهمية.  أدرك الحاج محمود ساعتها أن العمل الذي يقوم به الشيخ حسن ليس هو ما يظهر على السطح.  المسألة ليست مسألة توصيل رسائل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.  المسألة أكبر بكثير.  وأكبر دليل على ذلك هو أن الشيخ حسن لا يتحدث عنها على الإطلاق.

توقفت السيارة أمام دار الشيخ حسن.  لم يكن هناك أحد في الساحة أمام المسجد ولا في الشوارع المتفرعة.  كانت الساعة تقترب من الثانية عشر بعد منتصف الليل.   كان كل أهل البلد يتابعون التغطية المباشرة التي تقدمها قناة الجزيرة.  فتح حسين الباب وخرج ليرى الأمر.  وصاح ينادي أمه عندما رأى الشيخ حسن.  جاءت الحاجة كريمة جريا ووراءها زينب.  شكر الشيخ حسن الحاج محمود على جميله وكرر الاتفاق على الانطلاق إلى القاهرة بعد صلاة الفجر مباشرة. 

دخل الشيخ حسن إلى الدار وعيون الحاجة كريمة وزينب تتبعان كل حركة يقوم بها.  كان هناك إحساس بفضل الله وكرم الله الذي أعاد الشيخ حسن سالمًا من القاهرة ومن الإسكندرية.  وكالعادة سارعت الحاجة كريمة إلى تحضير العشاء, إلا أن الشيخ حسن أعلن عن رغبته في أخذ حمام قبل تناول العشاء.   بعد يوم طويل من السفر إلى القاهرة, ومن القاهرة إلى الإسكندرية, ومن الإسكندرية إلى كفر نفرة, يحتاج المرء إلى أخذ حمام.  أعطى هذا الطلب الحاجة كريمة الفرصة لإعداد كل ما تريد إعداده لعشاء الشيخ حسن. 

جلس الشيخ حسن إلى أحب طبلية في حياته.  طبلية الحاجة كريمة, بفطيرها, وقشدتها, وجبنها, وبيضها, وعسلها, ورائبها, وبنينها.  الله أكبر يا كفر نفرة.  أين من موائدك موائد القاهرة والإسكندرية.  أين منك مطعم الجمعية أو حتى مطعم المقطم.  طبعًا, كله نعمة, وكله خير.  ندعو الله أن يصل هذا الخير إلى عموم بر مصر بما في ذلك القاهرة والإسكندرية وليس فقط كفر نفرة.  إلا أنه لا يوجد فطير مشلتت في مصر كلها مثل فطير المنوفية.

توالت الأسئلة على الشيخ حسن حول الأوضاع في القاهرة والإسكندرية.  قال الشيخ حسن إنه لم يتألم في حياته مثلما تألم يوم خرج من الإسكندرية وهي تحترق ليدخل القاهرة وهي تحترق, إلا أنه أكد أن الله لطيف بعباده وأن الأزمة مهما طالت فهي أزمة مؤقتة.  كان موقف الشيخ حسن أن البلد كلها بخير طالما كان فيها عبد واحد صالح.   والبلد, والحمد لله, لا تخلو من العباد الصالحين.  هز الجميع رؤوسهم بالموافقة.  قالت الحاجة كريمة إن مصر مذكورة في القرآن وإنها محروسة بإذن الله إلى يوم الدين.  قبلت الحاجة كريمة ابنها الكبير وتركته لينام ولو ساعة قبل أن يتحرك إلى القاهرة مع الفجر. 

صلى الشيخ حسن صلاة الفجر في المسجد وركب السيارة وانطلق إلى القاهرة.  وصلت السيارة إلى المقطم قبل التاسعة بقليل.  قابل الشيخ حسن الدكتور محمد الذي شكره على ما يقوم به وطلب منه تناول الإفطار والانتظار إلى صلاة الظهر ليحمل رسالة إلى المهندس خيري في الإسكندرية.  تناول الشيخ حسن والحاج محمود طعام الإفطار وناما في المسجد إلى قبيل الظهر ثم توضآ وصليا ركعتي سنة وجلسا بانتظار آذان الظهر.  أذن الظهر وجاء الدكتور محمد الذي أم المصلين وسلم على الشيخ حسن وذهب معه إلى مكتبه حيث أعطاه مظروفًا ليوصله إلى المهندس خيري كما طلب منه أن يتناول طعام الغداء قبل السفر إلى الإسكندرية.  تناول الشيخ حسن والحاج محمود طعام الغداء ثم انطلقا إلى الإسكندرية التي وصلاها بعد صلاة المغرب.  سلم الشيخ حسن الظرف الذي معه إلى المهندس خيري وأخذ منه ظرفًا آخر لتوصيله إلى الدكتور محمد, وانطلق هو والحاج محمود إلى كفر نفرة. 

في كفر نفرة حيث يعرف كل إنسان ما يفعله كل إنسان آخر – كانت عمتي نبوية رحمها الله تسألني كل يوم عن الطبيخ الذي أكلناه ذاك اليوم – لم يكن عجيبًا أن يتساءل الناس عما يفعله الشيخ حسن.  حقيقة الأمر, كان الأمر يبدو شديد الغرابة.  كيف يسافر إنسان يوميا إلى القاهرة, ومن القاهرة إلى الإسكندرية, ومن الإسكندرية إلى كفر نفرة, ومن كفر نفرة إلى القاهرة؟  من أين لأي شركة بهذه المصاريف؟  وأين هي الشركة التي ما زالت أبوابها مفتوحة إلى الآن؟  كل الشركات في البلد أقفلت أبوابها.  لا أحد يشتري ولا أحد يبيع.  إلا أن أهل كفر نفرة كانوا يعلمون كذلك أن سؤال الشيخ حسن عن هذا الأمر هو من رابع المستحيلات.  لا أحد يجرؤ على سؤال الشيخ حسن عما يفعله الشيخ حسن.  وعليه, لم يكن أمامهم سوى الحاج محمود.

كان الحاج محمود مستمتعًا تمام الاستمتاع بكل هذا الاهتمام, فما أن يركن سيارته أمام المسجد في ناحية شاهين ويتجه إلى الدار حتى يأتي أبوك الحاج إبراهيم شاهين,  يليه أبوك الحاج عبد العاطي شاهين, ثم أبوك الحاج أحمد شاهين, ويبدأ سؤال الحاج محمود عن أخبار القاهرة والإسكندرية, ومدى صحة ما يشاهدونه على التليفزيون.  وعليه, يبدأ الحاج محمود في سرد جميع الأخبار التي سمعها من الراديو في ذلك اليوم خلال الرحلة من كفر نفرة إلى القاهرة, ومن القاهرة إلى الإسكندرية, ومن الإسكندرية إلى كفر نفرة.  أي خلال خمسة عشرة ساعة تقريبًا.  حقًا, كان تلخيص خمسة عشرة ساعة في ساعة أو ساعتين فقط أمرًا صعبًا إلا أنه ليس للإنسان إلا ما سعى. 

إذا كان الحاج محمود قد استمتع بكل هذا الاهتمام الذي أبداه أهل الناحية بكلامه, فقد كان أهل ناحية شاهين مستمتعين هم أيضًا بأنهم يستمعون إلى الأخبار من مصادرها الأصليه.  على عكس كل القرى في المنوفية – إن لم يكن في مصر كلها – كان أهالي كفر نفرة – وناحية شاهين بالذات – هم الوحيدين الذين لا يستمدون معلوماتهم عن الوضع الحالي من التلفزيون أو الراديو فقط وإنما أيضًا من صانعي الأحداث أنفسهم. 

كان الاستماع إلى الحاج محمود, للحق, متعة.  فالرجل كان كمن ينتقل من محطة إلى محطة حسب درجة إثارة الخبر, كما كان يطعم شريط الأخبار الذي يقصه بقصص حية عما فعله في الإسكندرية, أو ما رآه في القاهرة, أو ما حدث على الطريق الزراعي.  لم تكن الأخبار هنا أخبارًا صادرة عن “مراسل الجزيرة في القاهرة”, أو “مراسل البي بي سي في الإسكندرية” وإنما صادرة عن الحاج محمود شخصيا.   تحكي ما رآه بعينيه شخصيا.  إلا أن الحاج محمود كان حريصًا طوال كل هذه الساعات التي قضاها في سرد كل هذه الأخبار على تجنب الإشارة نهائيًا إلى ما كان يفعله الشيخ حسن. 

كان الحاج محمود يعلم أن على الإنسان أن يحافظ على رزقه, وأن عليه هو بالذات إذا أراد الحفاظ على رزقه ألا يشير بكلمة واحدة إلى ما يفعله الشيخ حسن.  أضف إلى ذلك أنه كان, حقيقة الأمر, لا يدري ما يفعله الشيخ حسن سوى أنهم يذهبون إلى المقطم لتناول طعام الإفطار ثم الغداء, ثم يذهبون إلى الإسكندرية حيث يركن سيارته لبضع دقائق في شارع المعسكر الروماني إلى أن  يعود الشيخ حسن, ومنها إلى كفر نفرة.  وهكذا وصلت الرسالة إلى أهالي كفر نفرة أن ما يفعله الشيخ حسن أمر بالغ الأهمية يلزم تجنب الكلام عنه.  يعلم الجميع في كفر نفرة, إن لم يكن في عموم بر مصر, أن هناك أشياء لا يسمح “الأمن القومي” بالكلام عنها.  وقد كان, على الأقل إلى يوم 11 فبراير.

كان تنحي سيادة الرئيس محمد حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية زلزالاً ضرب كفر نفرة.  فكرة أن يترك رئيس الجمهورية الحكم بناءً على “طلب الجماهير” كانت فكرة خيالية لا تختلف كثيرًا, أو قليلًا, عن فكرة أن يترك رئيس الجمهورية الحكم بناءً على “طلب المستمعين”, أو فكرة أن يطلب أولاد الحاج محمود منه أن يغادر الدار.  أين يذهب الحاج محمود إذا ترك الدار, وأين يذهب سيادة الرئيس إذا ترك الحكم؟   ألم يقل الشيخ الشعراوي لسيادته “إذا كنت قدرنا فليوفقك الله, وإذا كنا قدرك فليعينك الله على ما تتحمل”.  كيف لنا أن “نتخلص” من قدرنا؟  كيف لنا أن ندعو الله أن يعينه على تحملنا ثم ندعوه هو إلى أن يرحل؟   كيف الحياة بدون حسن بك شاهين, وعبد الرحمن بك لاشين, وأحمد بك قرطام؟  وكل لواءات الشرطة الذين يحرسون البلد من اللصوص, والقتلة, وقطاع الطرق؟  من الذي سيحمي الشباب من تجار المخدرات؟  من الذي سيحمي بناتنا في شوارع البلد؟  كيف يتخلص شعب من رئيس الجمهورية؟  كيف يقتل الأولاد أباهم؟  إلا أن السؤال الأهم, والأهم بكثير, هو ماذا سيحدث الآن بالنسبة لمشاوير القاهرة والإسكندرية؟ 

لم يكن الحاج محمود غبيًا ولا أعمى بحيث لا يرى أن كل هذا الهيجان في المقطم ورشدي له علاقة بما يحدث في ميدان التحرير وميدان القائد إبراهيم.  كان واضحًا تماما أن الشيخ حسن يتحرك بين هذين المركزين لتنسيق العمل.  حقًا, لم تصدر كلمة واحدة من الشيخ حسن يمكن أن يفهم منها, ولو من بعيد, أن له أدنى علاقة بترك سيادة الرئيس محمد حسني مبارك للحكم – أو سُدّة الحكم كما تسميها محطات الأخبار – إلا أن هذا أمر طبيعي, إذ أن الحديث عن ذلك كان سيعني الإعدام في حالة فشل الشيخ حسن في خلع سيادة الرئيس محمد حسني مبارك.

  أيضًا, لم يكن الحاج محمود غبيًا بحيث لا يدرك أن “لكل زمن دولة ورجال”.  كان للسادات دولته ورجاله, ولحسني مبارك دولته ورجاله كذلك, والآن جاء زمن الشيخ حسن, وعلى الحاج محمود أن يبيِّن بوضوح تام موقفه من دولة الشيخ حسن.  حان وقت المصارحة والإعلان, بكل وضوح, عن المكان الذي يقف فيه كل رجل في كفر نفرة تجاه الدولة الجديدة.

لم ينم الحاج محمود ليلتها.  اجتمع رجال الناحية في المندرة الفوقانية في دار الحاج محمود, وجلس الجميع يستمعون إلى القصة الحقيقية لثورة 25 يناير.   كيف وضع الشيخ حسن رأسه على كفيه من أجل نجاح الثورة المصرية.  كيف بذل الشيخ حسن كل جهد ممكن من أجل التنسيق بين القاهرة والإسكندرية.  ليس من السهل أن تقود ثورة شارك فيها ملايين لم يسبق لأي منهم أن التقى بأي منهم.  كيف أقنع الشيخ حسن هذه الملايين من أجل العمل على قلب رجل واحد, وكيف نجح, في نهاية الأمر, في خلع الرئيس السابق. 

حقًا, وكما يعرف الجميع, لم يفتح الشيخ حسن فمه بكلمة واحدة في هذا الموضوع, فالرجل كتوم بطبعه, ومتواضع بطبعه, إلا أن التاريخ سوف يذكر يوما, بعُدَ ذلك اليوم أم قرُب, أن الشيخ حسن كان على رأس ثورة غيرت وجه التاريخ.  والحاج محمود شاهد على هذا.  المهم أن يعلم أهالي كفر نفرة أن هذه الثورة هي ثورتهم, وأن القائمين عليها هم منهم, وأن من واجب كل فرد في كفر نفرة تقديم العون, كل العون, والمساعدة, كل المساعدة, والتأييد, كل التأييد, إلى القائمين على هذه الثورة وعلى رأسهم الشيخ حسن. 

أكد الحاج محمود أن الثورة لها أعداء على الرغم من أنها قامت من أجل خير الجميع, كما أكد أن الخير لن يقتصر على كفر نفرة بل سيعم البلاد جميعها.  هذه ثورة لم تقم من أجل كفر نفرة بل قامت من أجل مصر.  حقًا, هي ثورة قام على رأسها رموز كفر نفرة إلا أن هذا لم يكن ليحدث لولا أن رموز كفر نفرة كانوا دائمًا وأبدا على صلة وثيقة بنبض الجماهير.  يعلم الجميع أن المنوفية قد تحملت عبء قيادة هذا البلد وكانت قريبة من نبض الجماهير خلال الأربعين سنة الماضية. هذا ما فعلته ميت أبو الكوم أيام السادات, وهذا ما فعلته كفر مصيلحة أيام حسني مبارك, وهذا ما ستفعله كفر نفرة إن شاء الله في أيام الشيخ حسن.  

لم يتوقف الحاج محمود ثانية عن الكلام.  ولم تتوقف أكواب الشاي المنوفي عن الدوران.  ولم تتوقف العيون عن النظر إلى وجه الحاج محمود ولا الآذان عن سماع صوته إلا عندما انطلق آذان الفجر.  كان على الحاج محمود, كما يعلم الجميع, الذهاب إلى القاهرة من أجل استكمال ما بدأوا العمل فيه.  العمل على نجاح الثورة والوصول بمصر إلى بر الأمان.  

توضأ الحاج محمود وركب السيارة وانطلق إلى ناحية العكابري حيث لحق بالمصلين في الركعة الثانية.  ختم الحاج محمود صلاته وخرج إلى الساحة.  كان الشيخ حسن واقفًا أمام السيارة يتحدث مع الأستاذ حسين.  ألقى الحاج محمود السلام على الشيخ حسن والأستاذ حسين ودخل السيارة وأدار المحرك.  دخل الشيخ حسن السيارة وتأكد من إغلاق الباب وانطلقت السيارة في الطريق إلى القاهرة.

يتبع

كمال شاهين

#تطوير_الفقه_الاسلامي 


https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.