علمانيون وقرآنيون ونصوصيون 2

بسم الله الرحمن الرحيم

نعم للقرآن الكريم لا للسنة المنسوبة إلى حبيبنا المصطفى

ثم نعم للعقل لا للنقل

ثم نعم للتفكير لا للتقليد

وقبل أن يحاكمونا فنحن بأنفسنا سوف نحاكم أنفسنا. الذي قال الجمل الثلاث أعلاه فهو عاقل يعتبر القرآن كتابا عقلانيا لا يمكن أن يخالف السنن الطبيعية. إنه يؤمن بأن الله تعالى هو مالك كل ما في الطبيعة وهو خالقها أيضا ولذلك فقانون الطبيعة هو قانون الله تعالى عنده. ذلك مما يعني بأن الأولوية للعقل فهو بالعقل عرف الله تعالى وبالعقل توصل إلى كتاب الله تعالى ولذلك فإن عليه دوما أن يفكر في هذا الكتاب ويعرضه على عقله ليزداد اطمئنانا بأنه كتاب الخالق الحكيم جل جلاله. ولو أردنا أن نهتم بالنماذج الفعلية فإن الكاتب وزملاءه جميعا يؤمنون بأن العقل لا يمكن أن يخالف القرآن ولكن قد يكون البحث حول النص القرآني بحثا ناقصا. القرآن كتاب منزل على أساس اللغة التي يعرفها ويداولها الرسول الأمين محمد عليه السلام ليكون بفهمه نذيرا لقومه. والرسول عضو لا ينفك من المجتمع المكي أولا ثم الحجازي مكانيا مقيدا بالزمان الذي استلم فيه الوحي من ربه عز اسمه.

ولذلك فلا يمكن لمن يريد فهم القرآن أن يبتعد عن الشعر والنثر الجاهلي الذي وصلنا بصورة غير عادية برأيي. يقول المرحوم طه حسين بعد التحقيق الذي قام به بأن المدونة الوحيدة التي وصلتنا من أيام الرسالة المجيدة هو القرآن الكريم وهو كلام منطقي صحيح. ولكن الذين عاشوا في تلك الحقبة قاموا بفضل التقديرات الربوبية بحفظ الشعر وبعض النثر الجاهلي في صدورهم حتى بدأ عهد التدوين أيام الخلافة العباسية. هكذا صينت اللغة العربية لتساعدنا اليوم لنفهم إلى حد كبير كيف فهم رسولنا الموحى إليه آيات الوحي. أنا شخصيا أقوم بالتفسير على هذا الأساس وما واجهتني مشكلة ولكن العملية كانت ولا زالت في غاية الصعوبة.

وبعد أن عرفنا المعنى اللغوي للكلمات العربية نقوم بتطبيق المعاني المختلفة لبعض الكلمات على الآيات الكريمة. ولو حصلنا على معنيين للآية الواحدة فإننا نقوم بالبحث في القرآن الكريم على أساس المفاهيم وليس على أساس جذور الكلمات. هكذا نصل أو أصل إلى المعنى المقصود. هكذا تتم عملية التفسير في تجمعنا في لندن البريطانية منذ أكثر من خمسة عشر عاما. هناك أكثر من سبعة أجزاء كريمة من الكتاب المنزل، ونحن لا زلنا نسعى لفهمها بإذن الرحمن. وعلى هذه الأسس القويمة صححنا أفكارنا الدينية وعقائدنا وتركنا التقليد كاملة. هكذا نعيش وهكذا عاش الأستاذ الكبير المرحوم الدكتور كمال شاهين الذي فرح بعد أن ارتبطنا معا علميا فرأى بأن قرآنه فعلا كتاب عقلاني. ولذلك فإن أخانا الوادعي نسي أو غفل بأن هناك أناسا يهتمون بالقرآن باعتباره موافقا للعقل ولا يفسرونه بما ينسجم مع أفكارهم المسبقة إطلاقا. نحن نغير أنفسنا لتنسجم مع إرادة السماء ولا نفرض أمرا أو فكرة أو عقيدة شائعة على الكتاب الكريم. هكذا يمكننا أن نعلن للأمم البشرية بأن القرآن فعلا كتاب أنزله الذي خلقنا ومنحنا العقول ولا يمكن أن نرى القرآن مخالفا للعقول أو لبقية السنن الطبيعية. القرآن في واقعه يعلم البشر كيفية التجاوب مع الطبيعة ويعلمه ما يحتاج إليه من تلك القوانين لينظم حياته.

واقع الأمر هو أن البشرية تصل بطبيعتها إلى تلك القوانين وتغير مسيرتها العلمية على أساسها ليعيش حياة أكثر أمانا وأوفق مع السلام ولكن بعد أن يمر بالحروب والمشاحنات. فالقرآن عامل مساعد فقط ليساعد الناس ليصلوا إلى الحقائق التي ستُفرض عليهم بعد عن طريق الطبيعة حين قبل أن تُفرض عليهم بالأحكام والقوانين. وأما ما تفضل به الأخ من ذكر بعض النماذج التشريعية في القرآن فسوف أوضحها باختصار. لو ننظر اليوم إلى العالم المتحضر لنرى كيفية تطبيق القوانين المسنونة لمواجهة الجرائم والجنح لنراها إعلاميا تذكر العقاب الأشد الذي لا يُطبق عادة. يفعلون ذلك لأجل الردع لأن المقصود من سن تلك التشريعات هو الردع وليس العقاب. أتحدث عن الدول المتحضرة المنصفة مثل ألمانيا والدول الإسكندنافية وليس كل الغرب. هذه هي طبيعة البشر؛ فلننظر إلى القوانين القرآنية الصارمة الخطيرة على هذا الأساس وندرس المثالين المذكورين في المقالة المنتشرة في مركز تطوير الفقه الإسلامي.

1. حكم جلد الزاني والزانية 100 جلدة. بالطبع هذا هو الحكم الوحيد ضد من يقوم بفاحشة الزنا ويخلو القرآن من أي حكم للعلاقات الفاسدة مع الجنس المماثل عدا إيذائهم ليتركوا عملهم لو كانوا ذكورا ثم حبس الإناث حتى تتغير أحوالهم كأن يتقدم أشخاص للزواج معهن. نحتاج إلى مناقشة مطولة طبعا ولكنني أريد الاختصار هنا. حكم الرجم الظالم هو حكم بشري دوَّنه الذين حرفوا بعض آيات التوراة وقام المحدثون المسلمون بتقليدهم بأمر السلطات الحاكمة كما نظن.

هذا الحكم المنحصر في الجلد غير قابل للتطبيق إلا في حالة واحدة وهي أن يقوم رجل وامرأة بالقيام بالعملية أمام أعين الناس في الشارع العام. هناك لا يمكن للقاضي إلا الإذعان للشهادات والحكم بتنفيذ الجلد. فلو أن العملية تمت في البيوت وقام أربعة من الشهود برؤية العملية ثم ذهبوا إلى القضاء شاهدين على القصة فإن القاضي كالعادة سوف يطلبهم واحدا واحدا ويقوم قاضي التحقيق بتوجيه أسئلة لذلك الشخص في غيابة الثلاثة الآخرين. ثم يطبق القاضي الشهادات على بعضها فلو اختلفوا فإن حكم جلد الزاني تُدرأ ولكن الشهود الأربعة سوف يُجلدون على أساس 80 جلدة لكل واحد منهم. وهكذا لو أن شهودا دخلوا ناديا من أندية العراة وشاهدوا الحكاية فإن القاضي قبل أن يحكم لهم فسوف يحكم عليهم لأنهم دخلوا مركزا للفساد فهم فاسقون ولكنه سوف يحكم عليهم حكم الرمي ويجلد كل واحد منهم 80 جلدة.

فحكم جلد الزاني في واقعه غير قابل للتطبيق بصورة عامة ولكن حكم الذي يتهم أحدا بالزنا فهو يثبت بسهولة. فالحكم إذن لصالح الآثمين الخاطئين وضد الذين يرمونهم. فكأنما يريد الله تعالى أن يقول لدينا حكم للزاني والزانية ولكنه لا يفتح المجال لتطبيق الحكم لأنه سبحانه رؤوف بعباده ويريد أن يعطيهم الفرصة للتوبة.

2. حكم قطع يد السارق والسارقة: بما أن الحكم ثنائي لا يمكن تطبيقه إلا إذا كان هناك سارق وسارقة معا. فهذه أول عقبة قد تعني أمرا آخر لا ينطبق إلا على السرقات المنزلية حيث أنها سرقات خطيرة قد تؤدي إلى غير السرقة فيما إذا كان أصحاب البيت موجودين أو تواجدوا حين السرقة. فقد يكون الحكم لحماية الأسرة. ثم نأتي إلى كيفية التطبيق. المشرع يأمر بقطع يديهما بمعنى عدم الاكتفاء بيد واحدة لكنه سبحانه لم يحكم عليهما بالموت. فمن واجب الدولة قبل أن ينفذ الحكم أن يكتري لهما مجموعة من المساعدين ليساعدوهما على الاستمرار في الحياة. كيف يطهر المقطوع يده بدنه وكيف يقوم بالأكل والشرب والطهي. هناك عبئ كبير على الدولة إذا ما أرادت تنفيذ الحكم الشرعي. ولذلك فإن هذا الحكم أيضا غير قابل للتطبيق بل هو مجرد تشريع رادع.

أطلب من القارئ الكريم ومن الذي كتب المقالة أن ينظرا إلى ما قدمتُه بعين الفحص والإنصاف. هل أضفت شيئا من عندي أم أنني لاحظت كل جوانب الحكم بدقة بقدر إمكاناتي المتواضعة؟ فلا يجوز اتهامي بأنني أحمل فكرة مسبقة ولكنني بكل إخلاص فكرت في الحكم وتوصلت إلى الأسباب والأهداف لأرى التشريع ردعي محض وليس تشريعا يمكن تطبيقه فعلا على كل حالات السرقة والزنا.

3. حكم القتل. لا يوجد في القرآن أي حكم بقتل أحد إطلاقا بمن في ذلك الكفار والمرتدون الذين لم يشهروا السيف على المسلمين إلا في حالة واحدة. قال تعالى في سورة الإسراء: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33). فلا يجوز قتل أحد إطلاقا إلا الذي يقتل مظلوما دون وجه حق. والقاتل الذي قتل مظلوما سواء كان المقتول مسلما أو غير مسلم فإن من حق ولي المقتول أن يقتل القاتل دون أن يتوسع في القتل. بمعنى أن من حقه أن يقتل واحدا مقابل واحد وإلا فهو مسرف. هذا الحكم يمكن تطبيقه ويدل على أتم وأكمل التشريعات الحضارية. ذلك لأن المشرع متعاطف مع المظلوم ولكن التشريعات التي تمنع قتل القاتل المجرم فهي متعاطفة مع الظالم.

أكتفي بهذه الأمثلة وأتمنى للجميع فهما صحيحا لكتاب ربنا.

أحمد المُهري

2/12/2018

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.