الحكم الأخلاقي لدى الطفل 16

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

Collective responsibility of the child.jpg

الحكم الأخلاقي لدى الطفل   – 36

وينبغي أن يلاحظ أنه في بعض الحالات يقترب الطفل من فكرة المسؤولية الجماعية فهذا يحدث حتى تكون العقوبة المختارة مساعدة على امتداد هذه الفكرة وتقوم على أساس من الإهمال والضعف بحيث تلفت نظر الأطفال عمومًا لا الطفل المذنب وحده, فمن الصعب أن نتصور أن من العدل أن نحجز الجميع ساعة على حين أنه يمكن أن يوقع ذلك على المذنب وحده.  أما إذا عوقب الفصل كله حتى لا يعود فيستعير أدوات في المستقبل فإن هذا يبدو أكثر معقولية.  ومثل هذا المقياس لم يعد يلفت نظر الفرد البرئ ولكنه يعني الطفل كجنس (كما يقول علماء الجنس البشرى) فمادام هناك عضو في المجموعة قد دل على أنه سيء التصرف حين استخدم العربة فمن العدل أن تعتبر المجموعة ككل مسؤولة عن الإهمال، وبذلك تنتشر المسؤولية فتشمل الآخرين.

 

نوس Nuss (4) القصة 4 :  – ماذا ينبغي أن نفعل معهم؟  – ينبغي أن ننبه عليهم ألا يكسروا العربة.   – وهل عاقبهم المدرس أم لا؟  – نعم.  – وكيف؟  – لقد نبه عليهم ألا يكسروا شيئًا.  – نعم, ولكن هل عاقبهم؟  – نعم, لقد نبه عليهم ألا يمسوا الأدوات مرة أخرى.  – وهل رأى الأطفال أن ذلك عدل؟  – نعم.    – حتى هؤلاء الذين لم يرتكبوا أي خطأ؟  – نعم.

 

فهذه الحالات وحالة سكريب (الذي أراد أن يعاقب حتى التلميذ الغائب) هي التي كانت قريبة للرأي الكلاسيكي عن المسئولية الجماعية.  والواقع أنه حتى الراشدين يوافقون على عقاب المجموعة كما في حالة منع راكبي السيارات والدراجات من المرور في طريق ارتكب فيه بعض الأفراد المستهترين جرائم طيش.  ولكنه في هذه الحالة كما فى حالة نوس Nuss نجد أن العقوبة ليست تكفيرية ولكنها معيار وقائي فرض على الأفراد عمومًا لا على المجموعة كلها.

 

ولقد تفضلت علينا الآنسة . م. فلوديج Mlle A. M. Feldurg ببحث قيم يتمم بحثنا هذا فقامت باستجواب أربعين طفلاً بين 5 و 13 عن طريق قصص متصلة بالموقف، ولكنها أدخلت العقوبة الجماعية ظاهرة القياس الوقائي العام لا الظاهرة التكفيرية, إن صح هذا التعبير.   وها هما قصتان من هذه القصص :

القصة 5 :  كان هناك مدرسة من فصلين : فصل للكبار وآخر للصغار وبعد ظهر السبت حين لم يكن أحد يعمل عملاً جديًا طلب الصغار من الكبار أن يعيروهم أحد كتب الحيوانات المحبوبة فأعاروهم ما طلبوا وطلبوا منهم العناية بهذا الكتاب.  ولكن حدث أن اثنين من الصغار أرادوا في وقت واحد أن يعيدا تصفح الكتاب فتشاجرا وتمزقت بعض صفحاته, فلما رأى الكبار ما حدث للكتاب قرروا ألا يعيروهم شيئًا في المستقبل, فهل كانوا مصيبين في ذلك أم لا؟

القصة 6 :  أعطت أم أولادها الثلاثة صندوقًا جميلاً من الأقلام الملونة وطلبت منهم ألا يدعوه يسقط حتى لا ينكسر.  ولكن أحدهم – وكان رسمه رديئًا – وجد إخوته يرسمون أفضل منه مما أغضبه وأثار حنقه فألقى الأقلام على الأرض.   فلما رأت الأم ذلك أخذتها ولم ترجعها إلى الأطفال ثانية, فهل هي محقة في ذلك أم لا؟

 

وهاتان القصتان على خلاف القصة 1 و 4 سوف تعطيان ردودًا أقرب إلى المسؤولية الجماعية، ذلك أن حوالي نصف الأطفال وافقوا على العقوبة في القصة 5 وحوالى الخمس وافقوا على العقوبة في القصة 6 ولكن لو حاولنا أن نعرف سبب هذه الأحكام فسوف نجد أنها غريبة تمامًا عن المسئولية الجماعية الحقيقية.

 

ومما ينبغي أن نضعه موضع الاعتبار أول الأمر أن العقوبة العامة قد لاقت موافقة أكبر (حوالي النصف) في حالة القصة 5 عنها في حالة القصة 6 (حوالي الخمس) ذلك أن العقوبة التي جاء وصفها في القصة 5 هي من النوع الرادع والوقائي أكثر منها عقوبة أصلية، أما العقوبة في القصة 6 فعلى العكس من ذلك تقوم على عنصر من الضغط يجعلها شبه تكفيرية.  ذلك هو المقصود بأخذ الأقلام من الطفل.  أما في الحالة الأولى فكل الذي نعمله هو أن نحرمه من كتاب كان قد استعاره ولم نعد نعيره له.  من جهة أخرى فإن التردد وتغير الرأي الذي ظهر على الأشخاص المنحازين إلى جانب العقوبة الجماعية كافيان لأن يوضحا لنا أنهم لم يفكروا تمامًا في الموضوع.  أكثر من ذلك, فإن المشكلة تبدو جديدة لديهم ولا ترتبط بفكرة مقبولة ومعروفة عندهم.  وأخيرًا فإن هذه الإجابات المحدودة لا تتضمن شيئًا أكثر من فكرة قيام مقياس رادع : وهو الذي كنا نؤكد قيامه منذ قليل.   وهاك بعض أمثلة هذا النوع من الإجابة :

 

رول Rol( 7 سنوات ، 6 أشهر ) القصة 5 :  – هل كان الكبار محقين أم لا؟  – كانوا على حق.          – لماذا؟  – لأن الصغار سيمزقونه مرة أخرى.  – إنه واحد أو اثنان اللذان تناولاه بالتمزيق.  – نعم, ولكن الآخرين قد يمزقونه أيضًا.   – أيمكن إعطاء الكتاب لأولئك الذين لم يفعلوا شيئًا؟  – نعم.  – أيهما أعدل: أن تعطيه لهم أم لا؟  – ألا تعطيه لهم لأنهم لن ينصتوا لما يقوله الكبار.  – افرض أنك كنت في فصل الصغار ولم تفعل شيئًا, فهل كنت تظن أن ذلك من العدل أم لا؟  – نعم.  – لماذا؟  – لأن في ذلك كل العدل, فمن العبث أن تمزق كتابًا قيمًا.

 

حقيقة أنه في بعض الحالات النادرة هناك اتجاه نحو روابط الجماعة فهنا أيضًا كما في حالة سكريب يميل نحو الأخذ بفكرة أن الطفل يقترب من المسؤولية الجماعية.   وهاك حالة من تلك الحالات :

هوك Hoch (9) 6 – هل كانت الأم على حق؟  – نعم.  – لماذا؟  – لأنها تخشى أن يلقوا بها على الأرض.   – من تعني بلفظ “هم”؟  – ربما كانوا هم الآخرين أيضًا.   – افرض أن لك أخوين, وألقى أحدهما الصندوق على الأرض فهل من العدل ألا تتمكن أنت ولا أخوك الآخر من الرسم بعد ذلك؟  – نعم.  ولكنهم لم يجدوا ألوانًا بسبب هذا الأخ وقد كان ينبغي أن يسمح للآخرين بالرسم.   – وهل يرى الولد الثالث أن هذا عدل أم لا؟  – لا؛ لأنه في الأسرة الواحدة المعتاد أن يستعير الأولاد الأقلام كل من الآخر.  – إذن ماذا ينبغي عمله؟  – أخذ الأقلام من الجميع.

 

وهنا نلاحظ أن الإحساس بوحدة المجموعة هو الدافع نحو العقوبة الجماعية ولكن هوك Hoch واضح أن رأيه غير مستقر تمامًا.   أكثر من ذلك, فقد قلنا قبلاً أن مثل هذه الآراء تبدو عند واحد بين كل عشرة أشخاص على الأكثر.  أما الأطفال الآخرون فيعارضون فكرة العقوبة الجماعية حتى بالنسبة للقصص 5-6.    وهاك بعض النتائج العامة التي حصلنا عليها :

هوف Huf (1.6) القصة 5 – ليس من حقهم.  – لماذا؟  – كان يجب أن يؤخذ الكتاب فقط من أولئك الذين مزقوه.  – إذا كنت أنت الذى مزقته فهل ترى من العدل أن يعطى الكتاب إلى الآخرين وأن تحرم أنت منه؟  – نعم عدل.  – ولماذا لا يؤخذ من الجميع؟  – ربما قال الآخرون إنه ليس من العدل.

 

القصة 6 :   – هل كانت الأم على حق؟  – لا.  –  ماذا كنت تفعل؟  – كنت آخذها من الغاضب.  – إلى الأبد أم لا؟  – لوقت محدود.  – وإذا كنت أنت الذي كسرتها ولم يسمح لأحد أن يستعمل الصندوق فهل ترى ذلك عدلاً أم لا؟ – كنت أعتقد أن هذا ظلم وأن العدل هو في توقيع العقوبة علي.  – ألا ترى أن العدل يتحقق أكثر في حالة حرمان الجميع من استعمال الطباشير؟  – نعم في فترة غضبي لا بعدها.  فأنا أعرف أني الوحيد الذي يستحق أن يؤخذ منه الطباشير.

 

باختصار, فإن القصة 5-6 كالقصص الأخرى غير كافية للدلالة على قيام شعور تلقائي بالمسؤولية الجماعية عند الطفل.  ففي أحسن الحالات, أي في حالة العلاقات الجماعية القوية كما في حالة الأسرة, نجد حكم الطفل مثل هوك يتضمن آثارًا طفيفة للمسؤولية الجماعية.  وهناك إشارات قليلة هنا وهناك سنعود إليها بعد قليل, أما فيما يتعلق بالموقفين 2-3 فإنا نستطيع أن نميز نوعين من الإجابات الثابتة كل منها لو أخذ وحده يمكن ان يعتبر متجهًا نحو المسؤولية الانتقالية.

 

أولى هذه الإجابات هو الاعتقاد في الضرورة المطلقة للعقوبة, وهذه العقيدة يمكن ملاحظتها في صغار الأطفال, وهي تجعلهم يفضلون عقاب الكل على إفلات المذنب من جريمته.  وواضح أن مثل هذا الاتجاه ضروري لنمو أحكام المسؤولية الجماعية أو قبل أن تعتبر المجموعة كلها مشاركة في جريمة المذنب يجب أن تظهر ضرورة العقوبة التكفيرية.  فوسونيه Fauconnet في هذه النقطة يبدو أنه غير قابل للنقض فهو يقول إن الانفعال الذي تثيره الجريمة هو مصدر كل من الإجابة الجماعية التي تتضمن العقوبة ومن انتقال المسؤولية نفسها عن طريق الاقتران أو التشابه.  بمعنى آخر, فنحن نوافق فوسونيه على القول بأن المسؤولية تولد من العقوبة ولكن هذا الاعتقاد بالضرورة المطلقة للعقوبة التكفيرية عند الطفل لا يكفي لتحرير الحكم بالمسئولية الجماعية فهذا واضح في تحليلنا للموقف الثالث؛ ذلـك أن المذنب غير المعروف لا المجموعة هو الذى تتجه نحوه العقوبة الجماعية التى يقول بها الطفل.

 

من جهة أخرى فقد لاحظنا في الموقف (2) نوعًا من المسؤولية الجماعية ولكنه نوع مقبول بمحض الاختيار والحرية ويجعل الأطفال أكثر ميلاً إلى عدم التبليغ عن المذنب فرفاقه يتمسكون بروابطهم به. وهنا نقترب مرة أخرى من المسؤولية الجماعية ولكن الذى يعوز هذا الاتجاه لكي يتحد مع الموقف الكلاسيكي هو أن الأطفال يعتبرون هذا الارتباط بسيطًا ولا يمكن تجنبه.

 

ويمكن أن نضع المشكلة على النحو الآتي : هل الرأي الكلاسيكي عن المسؤولية الجماعية من مثل الضرورة التي تقوم عند المجموعة كلها لكي تكفر عن أخطاء أحد أعضائها أكثر ارتباطًا بالإجابات الأولى أو الثانية؟ وهل هي أكثر ارتباطًا بالضرورة المطلقة للعقوبة أو بالارتباط الاختياري للجماعة؟ وهذا السؤال في غاية الأهمية نظرًا إلى أن الاتجاه الأول هو اتجاه الصغار من الأطفال ممن تقوم أخلاقهم على القسر (المسؤولية الموضوعية – العقوبة التكفيرية …. إلخ) ونظرًا إلى أن الاتجاه الثاني هو اتجاه الكبار من الأطفال ممن تقوم أخلاقهم على التعاون (المسؤولية الشخصية – العقوبة التبادلية – إلى آخره) فمن الضروري أن نحدد ما إذا كانت العقيدة الأخلاقية التي يراها الكثيرون “بدائية” قد ظهرت في واحد من هذين النوعين من الأخلاق.   والنتائج التي نحاول تحليلها هنا مزدوجة التناقض في الظاهر.   فمن جهة فإن المسئولية الجماعية الوحيدة التي يعتقد فيها الأطفال (المسؤولية التي تقبلها المجموعة التي تريد أن تبين روابطها) تظهر بين الكبار لا الصغار؛ ومن جهة أخرى فإن الاعتقاد في العقوبة التكفيرية الإجبارية أقوى بين الصغار ويأخذ في الاختفاء بالتدريج منذ اللحظة التي تبدأ فيها الروابط الاختيارية في النمو.

 

ولكن كل شيء يتضح حين نأخذ بفكرة أن المسؤولية الجماعية في الجماعات البدائية تستلزم اتحاد حالتين يفصل بينهما الطفل دائمًا؛ وهما الاعتقاد الغامض في ضرورة العقوبة والشعور بالاتحاد والترابط داخل المجموعة.  “البدائي” هو راشد يعيش في مجموعة منظمة وربما احتفظ بتأثير الحالة الاستبدادية القائمة على أساس أخلاق القسر بما فيها الآراء الشديدة في موضوع العدل الجزائي.  ولكن رغم هذا, أو نظرًا للتركيب القوي الذي عليه المجموعة التي ينتمي إليها, فإن شعوره بمشاركة الفرد في المسؤولية الجماعية في غاية القوة ولذلك كانت المسئولية جماعية كما أنها في الوقت نفسه موضوعية كما أن العقوبة تكفيرية.  أما عند الطفل فعلى العكس من ذلك يجب أن نلاحظ مرحلتين, ففي البداية نجد أن قسر الراشد يؤدي إلى نمو الآراء الخاصة بالمسؤولية الموضوعية والعقوبة التكفيرية إلى آخره.   فالحاالة الأولى لقيام المسؤولية الموضوعية تكون قائمة إذن، أما في الحالة الثانية فما زالت ناقصة؛ ذلك أنه في هذه المرحلة ما زال الطفل مركزي الذات وإذا حدث أن قام عنده إحساس بالاشتراك فى الجماعة (فتعريف مركزية الذات هي الحالة التي تختلط فيها الذات بغير الذات) فإن هذا يقوم أولاً وقبل كل شيء على أساس الارتباط بالراشد أو بالكبار من الأطفال أكثر منه مشاركة بمعناها الصحيح.  فليس هناك إذن موضع للتساؤل عن المسؤولية الجماعية.    أما في المرحلة الثانية فإنا نجد الطفل على العكس من ذلك يدخل بالتدريج في مجتمع يتألف من نظراء له وبذلك يكون جماعات منتظمة داخل المدرسة وخارجها.

 

ولذلـك يمكن أن نتوقع هنا احتمال قيام المسؤولية الجماعية، والجماعة في الواقع يمكن أن تبين عن ارتباطها مع المذنب في الحالات التي يدخل فيها الأخير في نزاع مع سلطة الراشد.  ولكن في نفس الوقت نجد أن الحالة الأولى لم تعد تتحقق؛ فأخلاق التعاون قد تلت أخلاق القسر ولم تعد هناك مسؤولية موضوعية ولا اعتقاد في ضرورة العقوبة التكفيرية ولذلك فإنا لا نستطيع أن نتحدث عن المسؤولية الجماعية بمعناها الحقيقي. وفي مجتمعاتنا نجد الطفل كلما نما فإنه يحرر نفسه بالتدريج من سلطة الراشد، بينما في الجماعات المتأخرة من حيث الحضارة نجد أن سن البلوغ تتميز ببداية خضوع الفرد المتزايد والواضح للمسنين ولتقاليد القبيلة وهذا هو السبب في أن المسئولية الموضوعية تبدو ناقصة فيما يتعلق بالتربية الأخلاقية للأطفال على حين أنها فكرة أساسية في القانون الأخلاقي للبدائيين.

 

#كمال_شاهين

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.