تصحيح اخطاءنا التراثية – الجزء 1

بسم الله الرحمن الرحيم

quaran2

 

أشعر بأن من واجبنا أن نصحح الأخطاء الشائعة بين المسلمين حول كتاب الله تعالى. هناك مسائل مذهبية غير صحيحة لدى فرق المسلمين وهم يفسرون بعض الآيات القرآنية بما يتناسب مع معتقداتهم المذهبية. يجب أن نعرف بأن الله تعالى منع من التمذهب ويريد من المسلمين أن يكونوا مسلمين فقط. هكذا سوف يحبوا بعضهم البعض وسوف يحبوا الناس جميعا وسوف تنتهي المناوشات والحروب وسوف يكون الدين كله لله تعالى. قال تعالى في سورة الروم: ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34).

وقد طلب مني أخي الدكتور حازم العبيدي جزاه الله تعالى خيرا، قبل عدة سنوات أن أوضح بعض الآيات المعروفة لدى بني جلدتي الشيعة فكتبتها في حينه. سوف أبدأ بنشر هذه المسائل تباعا ثم أسعى لأكتب المسائل المذهبية الأخرى التي تخص الفرق السنية والبهرة والإسماعيلية والزيدية إن ساعدني العمر وأسعفتني الصحة والسلامة. يهمني أن يتحول مركز تطوير الفقه الإسلامي إلى مركز علمي يحث على توحيد العقيدة لدى المسلمين بداية. وأظن بأننا سوف نرى بأن تطوير الفقه يصير أمرا سهلا بعد ذلك. سوف أبدأ وأتمنى أن يوافق أخي المبجل سيادة الأستاذ الدكتور كمال شاهين على نشرها في المركز وأما المودة فهي تنشر مباشرة. يبقى أن يوافق أخي الأستاذ الدكتور أحمد مبارك بشير على نشرها في صفحة المركز في الفيس بوك أيضا.  

آيات الشيعة وغالبيتها متفق عليها بين الشيعة والسنة:

أولا: آية سورة الشورى المعروفة بآية المودة:

قال تعالى في سورة الشورى: ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23).

لننظر نظرة سريعة إلى ما سبقها من آيات لنرى من هم الذين لا يسألهم الرسول أجرا. هل هم من الذين آمنوا به أم هم الذين رفضوا دعوته؟ فلنقرأ معا الآية الكريمة ضمن مجموعتها في سورة الشورى. بالطبع أنني لا أريد بل لا يمكنني الآن أن أفسر الآية كما عودت زملائي في التفسير. إن ذلك يستدعي الاستمرار في التفسير وبالنسبة لمثل هذه السورة التي تبدأ بالحروف فعلينا أن نعرف معنى الحروف أولا ونطبقها على السور السبع التي تبدأ بها. زملائي يعرفون معنى الحروف والحمد لله ولكننا جميعا لم نمارس التطبيق العلمي لمعانيها على السور السبع كعادتنا بالنسبة للسور المفسرة التي بدأت بالحروف المتقطعة. فالتفسير مختصر وبسيط لرد المعروف الخاطئ بين المفسرين الكرام فقط. وهذه هي الآيات:

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ (19) مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24).

المقطع المقصود هو ضمن الآية 23 وقد قرأنا معا آيات قبله وآية بعده ورأينا بأن الحديث حول الذين رفضوا دعوة الرسول من المشركين وليسوا من أهل الكتاب. إنه سبحانه تحدث عن أهل الكتاب قبل الآية 16 ثم عطف عليها قوله الكريم “والذين يحاجون في الله” وهم غير أهل الكتاب المؤمنين بالله تعالى وبرسله. وأقارب النبي عليه السلام هم من المشركين وقليل من أقاربه البعيدين كانوا يعتنقون النصرانية كأقارب زوجته الفاضلة خديجة. فلو كان تفسيرهم صحيحا فإنني أتساءل ما معنى أن يطلب النبي من المشركين أن يحبوا قرابته ويعتبر ذلك أجر نشره لرسالة ربه كما يدَّعون؟!

ولعل من يقول مستشكلا علي بورود ذكرٍ للمؤمنين في نفس الآية وقبل مقطع المودة المعروف فالمقصود هم المؤمنون وليسوا المشركين. والواقع أن قرباه المتحدَّث عنهم في هذه الآيات هم ضمن المشركين. قلت بأن الحديث كان حول أهل الكتاب ثم المشركين وأكثر أقارب النبي هم من المشركين. لم يقل الله تعالى بأنه يسألهم أجرا في المودة بالنسبة للمؤمنين من قرباه بل قال القربى بصورة عامة. لو كان تفسيرهم صحيحا فيكون المعنى بأن الله تعالى حينما تحدث عن المشركين الذين يضمون عددا كبيرا من أقارب النبي فإنه أمر المؤمنين الذين وصفهم بأنهم أهل الجنة وأكثرهم ليسوا من قرابة النبي أن يحبوا قرابة النبي ولو كانوا مشركين. هل هذا مقبول لديهم؟ إذن تفسيرهم ليس بليغا ولم يقوموا بالتعمق في الآية و لم يسبروا أغوارها أبدا. وقبل أن أختصر لكم التفسير فإني أذكر الذين يقرأون مكتوبي هذا بأن الله تعالى مهتم جدا بأن يبعث من بين الأمم شخصا قريبا من أشراف وعيون الأمة ليسهل عليه التفاهم معهم. ثم إنه سبحانه يريد بجدية أن ينال أنبياؤه قسطا من المحبة والألفة مع غير المؤمنين من قومهم. لولا ذلك لما أمكن الإصرار غدا يوم القسط بأن النبي لم يمارس أي نوع من التمايز بين الذين دعاهم إلى الله تعالى. ولما أمكن القول بأن الناس قد دخلوا في دين الله تعالى بمحض إرادتهم ودون أي تحريك عاطفي أو إرعاب أو مواعيد دنيوية غير صادقة. فكان الناس جميعا يحبون أنبياءهم ويسعون لإرضائهم جهد الإمكان كما كان الأنبياء يسعون لإقناع القوم بترك مواريثهم واتباع منطق العقل. على هذا السياق اختار الله تعالى القرون واختار منهم أنبياءه ليكمل بهم عناوين الأمة.

وأما تفسير المقطع المطلوب باختصار، فهو أن الله تعالى بعد أن فرغ من الرد على أهل الكتاب حول حجية البشر لينفي تلك الحجية، وبعد أن أمر نبيه في هذه السورة وفي كل السور التي تبدأ بـــ حم أن يتمسك بالقرآن الذي هو حجة من الله تعالى على جميع خلقه فليس لله حجج بشرية إطلاقا؛ بعد ذلك شرع بالرد على المشركين الذين كانوا يقولون بأن هناك بشر أقوى من محمد فلما ذا لما ينزل الله القرآن عليهم. وقد وضح الله تعالى قولهم في سورة الزخرف التالية بقوله: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31).

فرد عليهم الله تعالى في كل سورة بما يتناسب مع شأن تلك السورة. وفي الشورى كان الرد بأن الله تعالى قد فعل فعلا وأراكم الآيات التي تدل على أنه فعلها فإن حجتكم داحضة، إذ ليس لكم أن تحتجوا على ربكم. بعد ذلك هددهم بالوعيد وبأن الجنة للذين يعملون الصالحات بغض النظر عن الأنساب. لكنه سبحانه لا يريد أن يقفل باب العودة على عبيده فلا يريد لنبيه أن يبتعد عنهم ويتركهم بل يريده أن يذكرهم بقرباه منهم لئلا يتركوه. ولذلك أخبر نبيه بأن الذي يعمل حسنة ولو قليلة فإنه مؤهل لأن ينال رحمة الله وغفرانه لأنه سبحانه غفور شكور. ونعرف من سورة النساء بأن الله تعالى شاكر قبل أن نعمل. إنه سبحانه يشكر عبيده قبل أن يستعمل علمه ضدهم لأنه شديد الغفران وشديد الشكر، عظمت نعماؤه. فلو أنهم يراعون قرابتهم من رسول الله عليه السلام فلا يبادرونه بالسوءى فلعل نظام الألوهية يساعدهم ويهديهم، وهذا ما كان يتمناه الرسول عليه السلام. ولذلك أمر نبيه أن يطالبهم بمراعاة القربى بينهم وبينه ليبقى باب التواصل مفتوحا بينهم بعد أن وصد الشيطان كل أبواب التقارب بين الفريقين. فالاستثناء في الآية استثناء منفصل وليس متصلا كما تصوروا.

على أنهم مع الأسف لما يراعوا القرابة بعد أن دخلوا الحروب بخلاف كل الأعراف العربية؛ لكن الله تعالى أمر رسوله بأن يبقى على حبه ومساعدته لهم. إنه عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم وحق أن يكون كذلك. قال تعالى في سورة التوبة:وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10). والإلّ تعني القرابة باعتبارها حلفا طبيعيا في ذمة الإنسان دون سابق عقد مكتوب.

وأما ما يقوله بعض المفسرين الكرام سنة وشيعة من أنه تعالى أمر نبيه بأن يطلب من المؤمنين أن يحبوا قرابته كأجر للرسالة فهي تخالف القرآن واللغة العربية في الموارد التالية:

  1. لا يجوز للنبي أن يطلب أي أجر لقاء تبليغه للرسالة أو تعليمه القرآن ولو طلب ذلك فهو كما يقولون أجر. قال تعالى في سورة الأنعام: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90).والآية تدل على أن رسل السلف لم يكونوا ليطلبوا أجرا من قومهم فعلى الرسول العربي أن يقتفي أثرهم فلا يطلب أجرا من أحد أيضا.
  2. ليس لهم دليل على أن القربى تعني أولي القربى. ذلك لأن القربى تعني القرابة وهي مصدر لا يمكن الإيعاز إليه معنى. فلا يمكن أن نقول القربى ونعني به الأقرباء إلا إذا أضفنا ذو أو ذووا أو أولوا وما شابهها. ولم يرد في كتاب الله تعالى القربى بمعنى ذوي القربى أبدا. اللهم إلا ما يدعيه المفسرون في هذه الآية بطريقة شاذة بعيدة عن منطق القرآن وعن سياق الآيات.
  3. ليس لهم أي دليل على أن المقصود هو أقارب الرسول من صلبه حتى لو تمكنوا من إضمار “أولي” على أنه لا يجوز طبعا. فالمودة في القربى لو كان أولي القربى كما يقولون فالمقصود هم الأقربون فعلا وهم نفس المشركين الذين كانوا من أقاربه عليه السلام وكان يتحدث إليهم بتعليم من رسالة السماء وليس أولاده وخاصةً غير الموجودين منهم آنذاك.
  4. أمر الله تعالى النبي بأن يخاطب المشركين وهم أقاربه البعيدون أو القريبون من أهل مكة كما هو ظاهر الآية ولكننا نناقش الأمر مع احتمال أن يكون الخطاب للمؤمنين أيضا بعد هذا. وهذا الأمر كان جاريا بين أنبياء السلف أن يقولوا لأتباعهم بأنهم لا يطلبون منهم أجرا. إنهم في الواقع يتنصلون من الأجر ولا يطلبونه. ذلك لأن الأمم البشرية اعتادت أن تكرم الواعظين بأجر كما نحن عليه اليوم أيضا. إن كل واعظ أو مرجع ديني يأخذ من الناس أجرا ليعيش عليه ولكن الأنبياء منعوا منه. راجع يونس:72 والشعراء:  109، 127، 145، 164، 180 وكذلك يوسف 104 والفرقان 57 و سورة ص 86 وهود 51 ويس 21. أما سورة سبأ فإن النبي أمرهم بالإنفاق بأمر ربه في الآية 39 ثم وضح لهم في الآية 47 بأن ذلك الإنفاق لهم وليس له فأجره على الله تعالى. يتنصل الأنبياء في كل هذه الآيات من المطالبة بأي أجر مقابل الوعظ وتعليم حكم السماء والدعوة إلى الله تعالى. فكيف يمكن أن يطلب نبينا من المشركين أجرا وهو أن يحبوا أقرباءه.
  5. ولو فرضنا أن المقصود هم المؤمنون وهو أمر غريب أن يطالب النبي المؤمنين بأن يحبوا أقاربه وهو في حال التحدث إلى المشركين ليرد على احتجاجاتهم. ولكن الآية تتحدث عن أن الله تعالى يبشر المؤمنين وليس الرسول هو المبشر، حتى يطالبهم بالأجر. لعلهم لم يقرؤوا الآية بدقة فهي هكذا: ذَلِكَ الَّذِييُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى…..هناك بشارة أكرم الله تعالى بها عباده المؤمنين ومنهم الرسول نفسه فما دور الرسول فيها حتى يطالبهم بأجر وهو أن يحبوا أقاربه. وأقاربه سواء الموجودين آنذاك أو الذين أتوا وخلقوا فيما بعد فهم ليسوا جميعا مؤمنين. والآية لا تحدد نوع الأقارب ولا تسمي أفراده. إذن من حق بني العباس أن يرفعوا علم المودة وهم الذين اختلقوا هذا التفسير المفترى كما نقرأه في التاريخ والعهدة على المؤرخين، فهم من حقهم أن يرفعوا العلم ويطالبوا الناس بحبهم. ومن حق الأسر الملكية التي تنتمي إلى الرسول اليوم أن ترفع راية أهل البيت على رأسها وتطالب الشعوب بطاعتها كما يفعلون اليوم. كيف نحصر هذه الآية بهذا التفسير المفتوح في 12 إماما مضافا إليهم ابنة الرسول؟ إن القربى المتحركة إلى الأمام وإلى ما بعد وفاة النبي فهم كل من ينتمي إليه بالنسب حتى يوم القيامة. ثم ما فائدة أن نحب نحن جعفر الصادق الذي لم يره النبي ولم يسمع عنه، للنبي الذي مات قبل ميلاده بأكثر من قرن؟
  6. هذا التفسير يعارض الآية 14 من نفس السورة: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَاوَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15). فأين العدل الذي أمر الله تعالى نبيه أن يجريه بينه وبين صحابته. وما معنى أن يضيف حب أولاده لأعمال الناس؟ وهل حب أحد عمل يدخل الله تعالى صاحبه الجنة؟ أين قال الله تعالى ذلك في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وواقع الأمر أن هذا من عمل الشيطان الذي أقنع اليهود والمسيحيين والمسلمين أن يحبوا أنبياءهم ليدخلوا الجنة. أقنعهم الشيطان بأن الإنسان بطبيعته عاجز على أن يتكامل فمن الأفضل له أن يبحث عن وسيلة سهلة لإرضاء ربه وهي حب الأنبياء والأولياء وذكر فضائلهم. لكن الله تعالى لم يقل ذلك أبدا فسوف يخيب هؤلاء أمامه يوم القيامة دون أدنى شك. إنني على يقين مما أقوله وأذكر إخواني وأخواتي بأن الله تعالى قد أخبرنا:
  7. بأن لا عودة أبدا إلى الدنيا ولا يمكن أن يعدل المرء أحواله بعد الموت والحكم هناك نهائي ولا يوجد وعد من الله تعالى بأن يدخل أحداً النار لأيام معدودة ثم يخرجه منها. كل ما يقولونه في هذا المجال كذب وافتراء على الله تعالى. كل من دخل النار فلن يخرج منها أبدا وكل من دخل الجنة فلن يُحرم منها أبدا.
  8. لنقرأ الآية مرة أخرى بغية إيجاد مخرج لختام الآية يتناسب مع تفسيرهم. ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ(23). والسؤال هو كيف نفسر المقطع الأخير من آية المودة المزعومة؟ هل حب أهل البيت حسنة يقترفها الإنسان وخاصة بعد وفاة النبي؟ ثم هل هذه الحسنة ذنب يغفره الله تعالى لنا لأنه غفور؟ ثم ما معنى الشكور في هذه الآية بتفسيرهم الغريب؟ إن تفسيرهم يستتبع أن نقول بأن حب أهل البيت حسنة يغفرها الله تعالى لنا لأنه غفور شكور!
  9. يصرح الجبار في هذه الآية بأن العبرة في عمل الصالحات. لكن الإخوة يقولون بأن حب أهل البيت يعوض عن عمل الصالحات أو أنه في حد ذاته عمل صالح. لنرى إمكانية تطبيق موضوع إحلال الحب محل العمل في حياتنا اليومية قبل كل شيء. فلو أن أبا قال لابنه كل يوم إنني أحبك كثيرا يا بني ومن يوم ما قال له ذلك امتنع عن إحضار الأكل والشرب والملاعيب له كما أنه امتنع عن تنظيفه و أخذه معه للسياحة والسباحة والسفر. فكيف نتصور موقف الابن غير أنه سوف يكره أباه ويلعنه ويبحث عن جار أو قريب يساعده. لكنه لو فعل كل شيء ثم أضاف جمل الحب لعمله فإنه سوف يكسب مزيدا من الحب من ابنه. هذا يعني بأن الحب وكلماته ليست إلا مجاملات تجلي العمل وتظهره فهو في الواقع عمل إعلامي لإبلاغ الطرف بأنك تحبه. فهل يحتاج الله تعالى أن نبلغه بأننا نحب بعض عبيده؟ أو أن نقول له بأننا نحبه ونكرر ذلك كل يوم ألف مرة كما تفعله طبقات الصوفية منا؟! ولذلك لم يقل الله تعالى أبدا: أحبوني أدخلكم الجنة فضلا عن أن يقول أحبوا بشرا مثلكم أدخلكم الجنة، ولا يمكن أن يقول ذلك.
  10. أنظروا إليه سبحانه كيف يتحدث عن حب الله تعالى لعبيده في سورة آل عمران ونذكر الآيات المفصِّلة كلِّها لعلها تفيدنا: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (30) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33). تحدث عن لزوم التوادد بين المؤمنين ولكنه لم يقل بأن هذا التوادد يدخلهم الجنة بل قال سبحانه بأن عدم التوادد يضرهم. ثم قال بأن ما نفعله من خير نجده عند الله تعالى كما سنجد ما نفعله من سوء. فكراهة المؤمن سوء ولكن حبه ليس خيرا ولا حسنة. ولذلك أعقبها الله تعالى بأن أمر النبي أن يقول للناس بأن الله تعالى يحب الذين يتبعون النبي ولم يقل بأنه يحب الذين يظهرون الحب للنبي أو له أو لأي أحد. ثم قال لهم بأن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ولسان حال القدوس أن هذه الاصطفاءات السماوية لا تفيد أحدا فهناك الكثير من الفاسقين بين آل عمران وآل إبراهيم. إن القتلة من الصهاينة اليوم كلهم من آل عمران ومن آل إبراهيم كما أن آباءهم الذين سعوا لقتل المسيح كانوا أيضا من نفس الأسرة الكريمة ولكنهم قتلة.
  11. وتأكيدا لما قلناه أعلاه لننظر إلى الآية التالية من سورة فاطر: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِوَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32). لننظر كيف يأمرنا ربنا الكريم أن نتلو كتابه ونقيم الصلاة وننفق حتى يوفينا أجورنا. ثم يذكر سبحانه بأنه أورث المصطفين من عباده الكتاب، فمنهم ظالم لنفسه… هذا يعني بأن اصطفاء الله تعالى لا يفيد أحدا يوم القيامة فضلا عن حب المصطفين. على الجميع أن يفعلوا الخير ويضحوا بالإنفاق مما آتاهم الله تعالى من قوة علمية ومالية وسياسية وبدنية وغيرها، حتى يكسبوا رضوان ربهم وليس شيئا آخر. فاعتبروا يا أولي الأبصار ولا تذهبوا وراء الادعاءات الباطلة فالحكم يوم القيامة لله وحده. ليس لهؤلاء الإخوة أي دور يوم القيامة وليس للأنبياء والأولياء أي دور أيضا.

فآية المودة في واقعها لا تعني وجوب أو استحباب حب قرابة النبي بل تعني بأن الله تعالى أمر نبيه بأن يطلب من أقاربه من المشركين أن يصونوا التوادد الطبيعي في القربى بينهم. هذا أمر لا يمكن أن يأمر به الله تعالى لأن حب أحد لا يعني إيمانا ولا يعني التزاما دينيا.

 

أحمد المُهري

24/9/2016 

#تطويرالفقهالاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.