#هنا_عدن ….. قراءة في تاريخ اليمن والعالم .. الجزء الثاني

maxresdefault

#هنا_عدن

قراءة في تاريخ اليمن والعالم – الجزء الثاني

مرحبا بألم

مرحبا بأمل

لماذا نقرأ التاريخ ؟

بدون أن تأخذ من الماضي عبرة ، لن تفهم الحاضر الذي تعيشه ، ولن تبني المستقبل الذي تنشده .

لا يمكن أن تكون قائدا ، سياسيا أو اقتصاديا أو مجتمعيا ، وأنت لا تعرف عن ماضيك شيئاً.

وتلقائيا كن موضوعيا ، لا تقرأ وفي ذهنك اتجاه ، ولا تقرأ وأنت في وضع لا مع ولا ضد ، افهم كي لا تخدع .

واعلم ان الإنسانية مترابطة الأركان ، ما يحدث في الشرق سيؤثر في الغرب ، وما يحدث في الغرب سيؤثر في الشرق .

لذا أهلا بك من جديد ………

مررنا في الجزء الأول بعدة قرون حتى توقفنا مع القرن الثامن ومدخل القرن التاسع للميلاد ، ذكرنا في مسار قراءتنا انه لا اختلاف بارز حقيقة ظهرت في الآراء الفقهية في وقتها ، وخاصة بين ما نعرفه اليوم بالشيعة والسنة ، وأن الاختلاف البارز هو اختلاف سياسي حول الاحقية بالحكم ، بمعنى أوضح تشكيل الأحزاب القادرة على الوصول الى سدة الحكم ، ابرز المعارضة السياسية في العصر العباسي الأول كانت من العلويين المنتسبين لسبطي الامام علي بن ابي طالب ، وقد نجح احد هذه الأحزاب في تشكيل دولة في المغرب العربي في عهد هارون الرشيد ، رغم ان الرشيد كان رجل دولة قوي ، وتحت يده اقوى أجهزة الامن القومي أن احببنا تسميت ذلك ولذا فبعد حركة الطالبيين بيد المولى ادريس ، شددت الدولة الرقابة على البارزين من أئمة ال علي وخاصة الامام جعفر الصادق وبنيه ، ذكرنا ان الامامة بعد استشهاد الامام زيد انتقلت لأخيه الامام محمد الباقر ، وفي نفس الوقت شهدت فرقة في الرؤية حيث انفصل المؤيدون للأمام زيد عن المشهد الشيعي، لكن بقية الشيعة وجدوا ان ذلك لا يصح وان الامامة مستمرة ، عموما برز الامام جعفر فقيها عالما حكيما صادقا وهو احد اعلام الإسلام ومحدثيه الذي ينقاد له المسلمون جميعا ، عرف بغزارة انتاجه وكثرة رواده ، ولم يكتفي تلاميذه بالأقبال عليه في مدرسته بل صار بيته مدرسة ، ولذا برز كصاحب مذهب فقهي الذي عرف بالجعفري ، خوف العباسيون من التحول السياسي للعلويين جعل العلويون دائما تحت رقابة الامن ، في عهد الامام جعفر برز من بنيه الامام إسماعيل والامام موسى ، توفي الامام إسماعيل وابنه محمد في عهد والدهم الامام جعفر ، هنا برزت دعوة سياسية جديدة تعلن ان الامامة تنتهي في الامام إسماعيل ، وان ابنه محمد لم يمت بل اختفى وسيظهر قريبا وهو الامام المهدي ، هذه الدعوة السياسية برزت بقوة في القرن التاسع الميلادي وهي دعوة للوصول الى السلطة (حزب سياسي جديد ) ، عموما استمرت الامامة في الامام موسى الكاظم بعد وفاة ابيه لدى الجعفرية ، وتميز الامام جعفر بكريزما عالية ، وقدرة مميزة على الاقناع ، ودماثة اخلاق ، جعلت كل هذه الميزات القوى الأمنية في حالة قلق من هذا الرجل ، فلو طلب السلطة لخرج له من يؤيده ويدعمه ، رغم أنه  لم يكن له أي ميول سياسية أساسا مثل ابيه ، ولكنه تعرض للسجن اكثر من مرة ، وكل مرة كان يخرج مرفوع الرأس بل وكل سجانيه يوالونه ويحبونه ، آخر مرة سجن فيها تعرض لوعكة صحية وتوفي على اثرها ، كل محبيه رفضوا ان تكون هناك امامة بعد الكاظم وسمي مكان موته بالكاظمية ، وعرفت هذه الطائفة بالتوقيفية ، الا انها ذابت مع الوقت بين المذاهب الإسلامية الأخرى …. ولكي ننهي هذه المقدمة علينا العلم ان جميع هؤلاء هم من اعلام المسلمين وعلمائهم ، وعلينا ان نعي ان هؤلاء وغيرهم من علماء الامة ليسوا الا علماء اجتهدوا واعطوا وبذلوا ، ليس لاحد فيهم عصمة ، وكلهم يستنبط وينقل علمه معتمدا على فهمه لكتاب الله تعالى الذي هو كتاب كل المسلمين (القرآن الكريم ) ، هو الفيصل وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . 

  • القرنان التاسع والعاشر الميلادي :

تبرز في هذه المرحلة ان المأمون قد فتح شرا على دولته يوم ان ابرز للدولة مذهبا ، بل وسعى لنبذ ما سواه من مذاهب، وان مذهب الدولة هو الحق ، مع غياب تركيز الدولة ، جاء المعتصم ليحاول إعادة ترتيب الوضع ، وبدأ بتقريب اصهاره وانسابه الاتراك ليزيح الضغط الذي حدث نتيجة لانتشار الفرق والمذاهب ، وبالتأكيد صارت لهم صولة وجولة في الدولة . ولكنهم حافظوا نوعا ما على الاستقرار فيها ، بنهاية الفترة العباسية الأولى ودخول المرحلة العباسية الثانية التي تخلصت منها الدولة من عبء الاعتزال والقبول بمذاهب أخرى ، لكن تم تثبيت المذهب الشافعي للدولة، ودخول مرحلة الضعف العباسي الكامل وسيطرة الوزراء على مقاليد الدولة ، ضعف اليد الأمنية للدولة ، وزادت الانفصالات عن مركز الدولة ، حيث كل ولاية تعلن نفسها امارة مستقلة ، رغم انها لم تنزع او تنافس مركز الخلافة ، وكأننا في دول كونفدرالية كلها تعلن ان السلطة الشرعية للخليفة العباسي ، وكلها تبرز اعلامها وتنظم مسارها بشكل دول مستقلة ،كما هي كندا وأستراليا في تبعيتهم للتاج البريطاني اليوم …

نستطيع أن نصف ان هذه الفترة رغم ما فيها كانت غربالا كاملا لكل الأفكار والنظريات الفلسفية ، وللعم برز في هذه الفترة نظرية هي الاشبه بنظرية داروين .

ومع الصراع في العلوم الاجتماعي حيث وصلت لقمتها ، أيضا برزت العلوم التطبيقية ، في هذه الفترة المهمة برز عالم سيغير مجرى العلوم التطبيقية في العالم كله ، أنه العالم الجليل ثابت بن قرة عالم الرياضيات والفلك ، وهو أو من أسس مدرسة أو بالأصح جامعة متخصصة لتعليم الطب والفلك والرياضيات والفلسفة في الرقة ، وهو مؤصل للعلوم الهندسية والرياضيات .

نعم هناك إيجابيات كثيرة رغم ان الفوضى السياسية مازالت تعبث بالأمة .

 عموما في اليمن ، لم يكن المشهد مختلفا، فآل ابن زياد اعلنوا دولتهم وعاصمتها زبيد، انتقلت بعدهم لبني نجاح وهم موالي بني زياد  ، وكذا اليعفري وعاصمته صنعاء ، ومازالت الحركة الاقتصادية والإنتاجية في وضع طبيعي ويبدو انها تحت السيطرة ، وميناء عدن في استقرار ونشاطه المعتاد تحت ولاية اليعفريين ،اما الزياديون  انحصروا في جزء تهامة الشمالي الغربي  .

في هذه الفترة تنتقل عاصمة الخلافة من بغداد الى سامراء وتنتقل لدمشق وتعاد لسامراء ثم الى بغداد في نهاية الفترة…

في بداية الفترة مازال العباسيون يخشون بعد أئمة أبناء علي عن اعينهم لذا استدعى المتوكل الأول ، الامام الهادي وابنه الامام الحسن العسكري ليعيشا في سامراء وتحت عيني السلطة ، وبرز الامام الحسن في موقعه كرمانة الميزان ، حيث تقرب اليه وزراء العباسيين ،وكان عالما في الكيمياء إضافة لعلمه في الفقه ، لم يكن للأمام العسكري أي ولد ولذا فلن يخلفه احد من نسله ، وقيل ان لديه ولد سماه محمد وانه مات صغيرا …. عموما بموت الامام حسن العسكري ، وحيث لم يكن له وريث من بنيه يتوقف التركيز على الامامة ، وينتقل علماء الفقه الجعفري لنشر  فقه الامام كما نشر تلاميذ الشافعي فقهه ، وطبعا مركز فقه الامام الشافعي في مصر ، والامام مالك في الجزيرة واليمن والمغرب العربي حيث نقله أئمة الطالبيين معهم  …وينتشر فقه الامام جعفر في العراق ، وفي لبنان … الخ ….

بعد القرن الرابع عشر يبدو ان حكاية الامامة ستعود ولم تنته هنا ، حيث بدأ المبدعون في نشر دعوة ان المهدي ابن الامام العسكري ، اختفى في سرداب ، وهو سيأتي ليخلص العالم من الظلام ، عدا ذلك بدأوا يضيفون أمورا ستعقد المذهب الشيعي ، وهي عصمة الائمة وان كلامهم من الله تعالى ، وهذا وان جزمنا بصحة دعواهم فغياب المصدر يمكن للمبدعين إضافة ما يريدون ونسبته الى الائمة …. عموما سيأتي الخبر عن ذلك لاحقا….

في الجانب الاخر بدأت دعوة تتحرك ، بأن زمن الامام المهدي محمد بن إسماعيل اقبل ، وانه لا ولاية الا له ولبنيه ، وبدأت الدعوة تتحرك مع غياب الدولة العباسية  ، وانتشار الفوضى السياسية ، والانقسامات في الامة ، تحركت الدعوة لتنتشر في اكثر من مكان ، ابي عبدالله الشيعي في افريقية ، وابن الحوشب في اليمن ، وحمدان قرمط في العراق والحجاز ، وكان مؤسس الدعوة مختفيا في السلمية في الشام ، ومع يقظة لأمن العباسيين ، تم اخراج رئيس الحزب (الفاطمي ) ، وتهريبه الى افريقية ، التي مازالت تحت ولاية أبناء ابن الاغلب الذي استطاع واليهم القبض على مؤسس الدعوة ومرافقيه ، لكن تحركات سريعة من قبل الشيعي اطلقتهم ، ويبدو ان الدعوة الفاطمية ستنجح في انشاء خلافة تقيض خلافة العباسيين ….. وبدأت أفواج الناس تسأل عن الخليفة المستور .

في اليمن تحركات ابن الحوشب استقطبت رجلا سيكون المحرك الأقوى للدعوة انه علي بن الفضل ، وهو اديب وشاعر ، خطيب مفوه ، تحرك ليتعرف على الدعوة من مصدرها ، وقابل دعاة العراق ، وعاد الى اليمن ، وتستر متحركا في الأرياف البعيدة عن اعين اليعافرة في يافع واب تحديدا ومع تحركاته أيضا في ابين ولحج طبعا عرفه الناس بستار التقوى والزهد ، واستطاع في وقت قياسي ان يشكل (مليشيا ) جيش الامام من عدة مناطق وكلهم من رجال القبائل ، تحرك بجيشه ليدك أولا ولاية بن زياد في تهامة وبسط سيطرته على اغلب المناطق الوسطى والجنوبية ، واقترب من صنعاء ، وعقد سلما مع اليعفري في مقابل اعترافه بحكمه مقابل أن يظل في ولايته ، رغم انه برز كموحد لليمن وانها تحت سطوته الا انه لم يستطع البقاء في عاصمته صنعاء خوفا من الغدر ، عاد الى قرية المذيخرة ، عرف بقسوته بمعارضيه ، واستطع بناء قوة امنية حامية لشخصه ، فلم يكن بالإمكان الوصول اليه او قتله …

مع حركة بن الفضل هاجر كبار رجال المال والاعمال من اليمن ، وعدن خاصة ، وتحركوا في اتجاهين الغرب افريقيا ، والشرق اسيا ، والى مصر ايضا. (اكيد يتحركوا بسهولة لا تأشيرات ولا فيز! )

المفاجأة غير المتوقعة تحدت في تونس حيث يعلن مؤسس الحزب الفاطمي أنه عبيد الله بن الامام محمد بن إسماعيل أي انه هو الامام عبيدالله بن المهدي ، وأن منهم سلالة الخلافة والحق ينسب اليهم ، هذا الامر ، فاجأ دعاة الحزب في المشرق (العراق والجزيرة واليمن ) ، وكذا رجال ابوعبدالله الشيعي ، وكردة فعل اعلنوا ان الامام المهدي ظهر وابرزوا طفلا في الخامسة ، وقاتل الناس تحت راية دعوة عبيدالله ، استطاع ان ينهي هذا التهديد ، وكان التهديد الثاني في بقية من يتبع دولة الاغالبة ،المهم بسط عبيد الله الامر في المغرب كاملا وصارت عينه على مصر التي يحكمها الاخشيدي .

في الجانب الثاني رفض حمدان قرمط الدعوة واعلن ان المهدي مازالا مستورا ، وانهم لا يوالون الا المهدي ، واعلن تشكيل دولته التي سادت اغلب الجزيرة العربية وجعلوا مقر دولتهم البحرين (الاحساء )، اعلن ابن الفضل ولاءه لهم ، رغم ان له رغبة في الانفصال عنهم ، لذا قيل انه أدعى النبوة …. ربما صح ذلك او إشاعة نشرها عنه المتربصون بالقضاء عليه ….

انفصال القرامطة عن الخلافة الناشئة الفاطمية ، جعلها في مواجهة مع الفاطميين مباشرة ، ومن جهة مع العباسيين  … لكن الضعف العباسي مازال يسود ، واغلب قبائل الجزيرة صارت تحت امرة القرامطة …. وعموما لو نفض القرامطة الخرافات الدينية لاستطاعوا تشييد اول دولة بنظام اقتصادي فريد في وقته ، معتمدا على دورة النقود وادارتها من قبل الدولة وليس مفتوحة للجميع …. وبالفعل بدأوا في العمل على تطوير المدن ، وتحريك الاقتصاد فيها ، وكان تركيزهم على اسقاط الشام ليكون تحت ولايتهم أيضا ، وكذا العراق .

في تلك الفترة نزل الى اليمن والى صعدة تحديدا الامام يحيى الرسني قادما من المدينة المنورة ويعود نسبه لنسل  للأمام الحسن بن علي بن ابي طالب ، لقب بالأمام الهادي و دعا لنفسه ، وبايعه اهل صعدة ، وكان يحمل رؤية الامام زيد في الخروج على الحاكم الظالم ،  وأضاف ان البيعة لا تتم الا لمن يطلبها من ال بيت السبطين الحسن والحسين على ان يكون احق بها واقدر  ، طبعا فقه الامام الهادي لم يناقض كثيرا فقه المالكية المتبع في اليمن ، ولكنه بالتأكيد كعالم وفقيه عالج بعض القضايا وأضاف جوانب من فقه المعتزلة ، ربما تأثرا بما اقره المأمون في نشر فقه المعتزلة ، ولذا لا يمكن ان ينسب فقه الامام الهادي للأمام زيد خالصا ، وأعلن أنه جاء ليمنع فتنة القرامطة ، عموما سيفتح الامام هادي بابا على اليمن لقرون أن لا تبقى بلا امام ابدا ، وستنشتر أجيال الامام الهادي في اليمن عموما ، وفي صعدة خاصة ..

سعى الامام الهادي الى توحيد اليمن وازاحة حاكمها القوي اليعفري لكنه عجز ، بل والزمه اليعفري بالعهد على الا يخرج على الدولة … وكانت اول محاولة للائمة في الاستيلاء على الحكم ….

في حضرموت البعيدة ومع فتنة القرامطة ، بدأت دعوة الاباضية تنتشر فيها ، والانقسامات لدرجة ان أي منطقة صغيرة تعد دولة او امارة ، فوضى عامة قبل ان يستقر الامر لعلي بن الفضل … يبدو ان ابن الفضل سيكون ديكتاتور هذا العصر .

يقدم الى اليمن والى حضرموت في هذه الفترة الامام احمد بن عيسى المهاجر وينتهي نسبه الى الامام الحسين بن علي ، قادما من البصرة في العراق ، ولكنه لم يدعو لنفسه بالإمامة او الحكم ، بل جاء بحركة تصحيحية ، ناظر بها الاباضية والقرامطة ، وتنتشر دعوته ، وتؤسس لجيل آخر من العلويين في اليمن ، بفقه شافعي ، مختلف عن علويي صعدة بفقه مالكي ثم زيدي .

لكن قصة بن الفضل تنتهي سريعا بعد 19 عاما من ظهوره ، حيث يقدم الى اليمن طبيب من بغداد يلتقي بالامير اليعفري ، ويعده بالتخلص من ابن الفضل ، فما جزاءه ؟ فيعده اليعفري ان يوليه على نصف اليمن …

ينتقل الطبيب البغدادي في ارجاء المناطق الوسطى القريبة من تحركات ابن الفضل، خلال فترة ربما زادت عن سنة او سنتين ينتشر اسمه وسيطه ، ويصل الى مسامع ابن الفضل والذي يعاني من بعض الآلام المزعجة ، ليطلب الطبيب ، ولان الطبيب على علم انه لا يقدر على ادخال أي أسلحة من أي نوع ، سوى ادواته الطبية وسيظل تحت عين الحراسة ، لذا فقد صبغ لحيته بسم قاتل ، ولما كان يجارح المريض كان يحرك أداته الجراحية بلحيته ، وهكذا … عموما ما ان شعر ابن الفضل بالتعب وانه تسمم ، طلب اليهم احضار الطبيب الذي لم تسعفه السرعة في الهرب ، وتم إعدامه …

بموت ابن الفضل عمت الفوضى التي كان اليعفري مستعدا لها فأعاد بسط يده مباشرة على الدولة ، وصارت ولاية تهامة في جزء بسيط منها تناقلت بين بني نجاح وبني زياد ، اما اغلب اليمن بيد اليعفري ..رغم انها لم تكن مستقرة تماما كما وضع الخلافة العباسية التي يتبعها ، عموما سقطت دولة ابن الفضل ، وتعتبر ضربة أولى للقرامطة في الجزيرة.

الضغط الشعبي على القرامطة في انتظار خروج الامام المهدي يجعلهم يرتكبون خطأين سيدمران دولتهم من الداخل ، الخطأ الأول اعتداءهم على الحجيج واعمالهم السيف وقتلهم آلاف الحجيج ثم سلبهم الحجر الأسود ، بدعوة ان الامام اقترب وانه هم من سيحمل الحجر ويعيده مكانه ، وظل الحجر في البحرين لفترة تقارب 22 سنة ، وظل الحرمين الشريفين تحت ولاية القرامطة …

التصرف السابق ، جعل الكثير من القبائل تتواصل مع الخليفة الفاطمي ،مما يمهد الطريق ان اغلب القبائل ستنقلب مع الفاطميين .

الدولة الفاطمية لم تكن متفرغة الان لهم بسبب  انشغالها بتسوية الامر لهم في المغرب وافريقية ، من جهة ومن جهة اعدادهم العدة للدخول الى مصر .

سنوات قليلة ودانت مصر للفاطميين، وامر المعز قائده و وزيره الصقلي ببناء عاصمته قبل وصوله لمصر ، حيث أسس فيها أولا الجامع والجامعة الكبرى (جامع وجامعة الازهر ) ،الذي هو ثاني اكبر جامعة بعد جامعة القرويين في تونس بافريقيا ، وينافس جامعات بغداد والاندلس ، ولأننا نتحدث عن المعز المفكر والمبحر في العلوم ورجل الدولة، فقد أسس عاصمته لتكون عاصمة للعالم وهي بالقرب من الفسطاط ، أنها القاهرة، حيث صممها ليسكنها القادمون من  من قبائل المغرب وافريقيا والاندلس وعدد من قبائل جزيرة العرب التي انضمت للدعوة الفاطمية ،طبعا عدا القادمون من جميع مصر اقباطا ومسلمين ،كما قدم اليها تجار من اليهود أيضا ، عدنا من جديد لإدارة التنوع والاختلاف …. القاهرة بدأت تنافس بقوة مجد بغداد ، ومدن الاندلس الكبرى .

شهدت مصر في وقتهم نقلة نوعية أيضا ، وبرز اهتمام أوائل الخلفاء الفاطميون بالتجارة ، والزراعة ، والصناعة والفنون والاعمار ،فاحدثوا نهضة في ذلك لا يمكن انكارها،

تفرغ بعدها المعز للقرامطة ، وطلب منهم إعادة الحجر الأسود ، وتم ذلك بل وأصبحت إدارة الحرم تحت امرة الفاطميين، وتحت اشرافهم يديرها شريف مكة من الهاشميين ، و خاصة تم ذلك بعد تقدمهم الى الشام مطلع القرن الحادي عشر الميلادي ، وارتكبوا خطأ يفقدهم حاضنتهم في الشام حيث يقدمون على الاعتداء و الاضرار بكنيسة القيامة . ربما هذه الخطوة ستجعل الكل يبدأ في النظر لعودة العباسيين الى الشام والتخلص من أبناء عمهم من الفاطميين .

في الجزيرة العربية خطأ ثان سيعلن نهاية القرامطة ، وسيكون وصمة يوصمون بها طوال العمر لم تكن فيهم من قبل ، حيث انشغالهم  بما يحدث في مصر ،والضغط الشعبي من جهة في المطالبة بالإعلان عن الامام المهدي او انضمامهم للفاطميين  ، وعدم قدرتهم على مواجهة القبائل دفعهم الى البحث عن المهدي ، التقط الجبالي والي القرامطة شابا أعجبه حسنه وادبه ، ورأى فيه وصف المهدي ، فدفعه للناس واعلن انه المهدي …

اختيار غير موفق ، كان الشاب (عربيد ، ماجن ،زير بنات) … رغم انه لم يظهر ذلك في البداية ، الا انه لم يستطع منع نفسه من السكر ، وبدأ يبيح كل ما يخطر في البال ، جعل والي القرامطة ومن حوله في حرج شديد ، حيث اشتد بهم الناس ، وخلال ثلاثة اشهر فقط هي الفترة التي بقي فيها هذا الارعن ، جعل القبائل المنضوية تحت القرامطة تتحرك ، للقضاء عليها ، وبالفعل رغم كل محاولاتهم الا ان دولتهم بدأت تنهار في سنوات قليلة من الداخل ،وتنتهي قصتهم الى الابد، رغم بقاء الدعوة الإسماعيلية ، واعلانها الخضوع للخليفة الفاطمي …. تفرقت نجد والاحساء الى دويلات صغيرة ، عدا الحجاز الذي بقى تحت اشراف الفاطميين…..

في اليمن ، بدأت اسرة اسماعيلية (الصليحية ) ، تستغل وجود حاضنة شعبية قوية للخلافة الفاطمية ، ومع الفوضى التي في البلد ، تحرك الصليحيون لتوحيد اليمن تحت الراية الفاطمية ، وبالفعل سادت لهم اليمن ، رغم ازعاج الائمة في صعدة .. الا انهم خضعوا لحكمهم …. ومع الولاية الصليحية لليمن اصبحت اليمن جزءا من الدولة الفاطمية اسميا…

ركز الصليحيون على الإصلاحات الاقتصادية ، والتجارية، واهتموا بتطوير الموانئ ، ولذا كانوا يعشقون عدن ، واستمرت العاصمة في صنعاء الى ولاية الملكة اروى التي نقلت العاصمة الى جبلة ، في الاغلب بعداً منها عن مضايقات الائمة بحكم انها امرأة … عموما … انتشر بناء المدارس والتركيز على الإصلاحات ، وتوسيع دائرة التعليم والتجارة .

تميز الاسماعيليون فاطميون و صليحيون بعدم اجبار أحد على اتباع مذهبهم ، تاركين الامر للزمن والتعليم ، ولذا لا يمكن انكار توسعهم العمراني والاقتصادي . في المقابل انتشرت في هذه الفترة الطرق الصوفية التي ستظل مرتبطة بكل المذاهب الفقهية، ربما لان الإسماعيلية تعشق كثيرا جلسات الذكر وتعشق الزهد والتصوف  .

لكن العيب الذي يتكرر هو انتقال السلطة، فلم يكن هناك صورة واضحة لآلية انتقال السلطة وتزكية موقع الخلافة ، الالية الوراثية هي انتقال السلطة للوريث الشرعي ولو مازال في بطن امه !!!! … وهنا أتى على الخلافة أطفال لم يتجاوزوا حتى الخامسة كخليفة للعهد ، رغم بروز أمهات قويات للسلاطين اشهرهم ست الملك التي كانت تحكم الدولة من خلف وريث العرش ، الا ان هذا لم يكن الحاضر دائما وبالتالي تحكم في الدولة الوزراء وزوجات الوزراء ، ومن حولهم من أقارب واعيان ، مع عدم انكار بروز خلفاء أقوياء لكن الامر لم يستمر هكذا دائما ، لهذا ودائما الخراب يأتي من الداخل .

رغبة الائمة في حكم اليمن ، مازال قويا ، ورغبة في اسقاط الصليحين مستمر ، رغم ان محاولاتهم لم تنجح حتى الان .

الخلافة العباسية في اضعف قوته وقد اجبر الوزراء الخليفة على تحويل مذهب الدولة من الاعتزال الى الشافعية … وبرز ان النهاية حانت للدولة الضعيفة ، الا ان ولاة من ولاة العباسيين ، من الاتراك أيضا توسعوا في المناطق الكبرى ايران وطاجكستنان وكردستنا وماحولها ، توجهوا للعراق بغداد إنهم السلاجقة سيأتون رافعين راية انقاذ الدولة العباسية ، وتحت اسم حماة الخلافة ، يعيدون الخليفة العباسي رافع الرأس الى بغداد ، ويطلق الخليفة على ولاتهم لقب السلطان ، وهو يحكم تحت سلطة الخليفة العباسي .. وسيكون من الان حكم العباسيين ، مجرد حكم اسمي وشرفي  ولكنه شرعي دستوري .

في أوربا المنقسمة بين البيزنطيين ، وبعض امارات الشمال القوية ، وحكام الاقطاعيات في الوسط والجنوب  ، الوضع الاقتصادي غير الجيد ، تظهر دعوة في الكنائس ان القيامة اقتربت وان عصر المخلص اقترب ، فمن يريد النجاة عليه بشراء شهادة النجاة ، وثائق يتم بيعها بمبالغ غير عادية ستساعدك على دخول الجنة، وثيقة الغفران والنجاة من النيران  ….

 عموما …. هذه الدعوة ستكون مقدمة لحملة صليبية على العالم الإسلامي ، والقضاء على التهديد الإسلامي ، وبروز البرتغاليين في البحث عن آلية للتخلص من سيطرة المسلمين على طريق التجارة البري والبحري ، كان العرب قبلهم ثم المسلمين بعدهم .

يبدو في الصورة الان ان العالم القديم في مراكز القوة مقسم بين الخلافة العباسية في المشرق أصحاب الرايات السوداء ، والخلافة الاموية في الاندلس أصحاب الرايات البيضاء ، والفاطميون أصحاب الرايات الخضراء ، وسيبرز في المغرب أصحاب الرايات الحمراء قريبا .

 نهاية هذه الفترة  ومطلع القرن الحادي عشر الميلادي يظهر جليا انهيار في الخلافة الاموية ، وضعف سيطرة الخلافة الفاطمية على المناطق البعيدة منها المغرب تحديدا .. لكن قوة العباسيين تبرز مع السلاجقة ….

في هذه الفترة المضطربة ، تنتشر اللهجات العامية وتطغى ، وتصبح اللغة الفصحى لغة المتعلمين ، مع ضعف البنية التعليمية في اغلب بلدان الخلافة، انشغال العامة بالبحث عن الرزق ، يسيطر كابوس الفقر والجهل .

يبدأ الوزراء الجدد أو السلاطين الجدد في بغداد ببناء مدارس تحت اشراف الدولة ، اول من أسس لها الوزير نظام الدين ، لذا عرفت بالمدارس النظامية … عموما نتاج هذه المدارس ، معلم مهم من اعلام الإسلام ، سيحيي العلوم من جديد، صاحب المؤلف الشهير احياء علوم الدين ، أبو حامد الغزالي ، الذي يحيي في الامة الخير من جديد عندما يؤكد لنا ان كل الفرق ناجية من النار الا واحدة … وقانا الله واياكم من النار وادخلنا الجنة . وفي نهاية القرن العاشر والعقد الأول من القرن الحادي عشر الميلادي يبرز مسمى اهل السنة والجماعة في مقابل بقية الطوائف الإسلامية وعلى رأسها الشيعة.. برز هذا المسمى في اطار دراسة الفقه ومذاهبه في المدارس النظامية .

  • القرنان الحادي عشر والثاني عشر الميلادي :

من نهاية القرن العاشر وما يليه والى القرن العشرين سيبرز لنا تصديق قوله الله تعالى في سورة محمد 

( وان تولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم )

حيث سيخرج حاميا للاسلام مدافعا عنه وناقلا لتعاليمه في العالم قوميات عدة ، الفرس والاكراد ، والترك ، والامازيغ ، وحتى المغول .

في اقصى المغرب في موريتانيا ، يتحرك شيخ من قبائلها الامازيغ الشيخ الجبالي الى القيروان في تونس ، طالبا إياهم ان يرسلوا معه عالما ، ليعلم الناس دينهم ، فقد انتشر الفساد ، وزاغت اعين الناس عن الحق ، يتحرك معه عالم من علماء تونس عبدالله بن ياسين ، ليبدأ حركته التصحيحية ، وجد ان الامر معقد جدا لوحده ، فبنى خيمته ، واعلن انه مرابط في سبيل الله لمن يريد ان يعرف دين الله ، فتوالى الشباب اليه من قبائل الامازيغ  من خيمة واحدة لعدة خيمة لمئات الخيم  ، وتشكلت مجموعة سميت بالمرابطين ، قرروا نشر الحق ، وتوحيد البلد المنكسر في المغرب ، ومن اهم قراراتهم انقاذ الاندلس ، التي بدأت ضربات البرتغاليين والاسبان موجعة عليهم في الشمال ، وتشكلت قوة لا تستهان بها انهم المرابطون ، لينقوا الاندلس من السقوط ، ويسهموا في إعادة الأمور الى نصابها ، ويوحدوا اغلب المغرب تحت ادارتهم ، وسيتحركون في اتجاهين ، نشر الإسلام في افريقيا كاملة ، بيد ابوبكر اللنتوني الذي شنتقل جنوب الصحراء الكبرى ناشرا الإسلام في السنغال ونيجريا وتشاد ووووو ليتشكل بفضله ولايات إسلامية في غرب افريقيا وجنوبها  ، وفي اطار آخر يتحرك الشيخ ياسين الجزولي متحركا من المغرب عابرا للمحيط الأطلسي ، متوجها الى مكان سمي (بقارة اطلنتك ) هي في الحقيقة ما سيعرف بامريكا الجنوبية ، وصل الى شمال البرازيل ، مؤسسا لمدن ستحفظ له ذلك مثل فاس ومراكش ….. و ليؤسس لولايات إسلامية في أمريكا الجنوبية ….

في أوربا بدأ الضغط الشعبي على الكنيسة بعد مرور سنوات على العام 1000 ميلادي ، ولم يقدم المخلص ، ويطالبون بأموالهم ، الكنيسة الكاثوليكية تجتمع بحكام أوربا ، وتخرج بتوصية اعلان حرب الصليب على الكفرة المسلمين ، وجيشت الجيوش ، ولما استعصى قتال المرابطين ، تحركت القوات الصليبية متجهة للقدس من جهة ، وعابرة للبحر متوجهة لاختراق مصر .

في المشرق ، يبرز ذكاء السلاجقة في اختيار الولاة ، ومن هؤلاء اختيار عماد الدين زنكي على حلب والشام ، وسيخلفه نور الدين زنكي الملك العادل ، الذي سيغير مجرى التاريخ من جديد .

تبدو اليمن هادئة رغم ازعاج الائمة في صعدة ، ولكن احداث العالم تبرز مؤثرة على الاعمال التجارية في الموانئ .

تسقط القدس بيد الحملة الصليبية 1099 ، وتدمر كثير من معالمها ويقتل عشرات الاف من أبنائها من المسلمين وكذا من اليهود ، وتؤسس مملكة القدس شاملة اغلب فلسطين ممتدة الى جزء من سيناء ، كل ذلك والتفكك في امارات الشام وضعف الخلافة الفاطمية ، وبعد الامارات الإسلامية الشرقية من الهند وفارس عن المشهد ، وانشغال مرابطي المغرب بصد الهجمات الصليبية هناك .

نور الدين زنكي (التركي) يتولى امارة الشام من حلب ، وكل محافظ يعلن استقلاله بمدينته ، بل وكثير منهم يدعم الصليبين طلبا ببقائه في السلطة ، يبرز ذكاء نور الدين في تأسيس جيش نظامي غير معتمد على القبائل ، ويعيد احياء فكرة المأمون ، فيقيم معسكرات تجنيد نظامية ، ويؤسس لتدريب الجنود من جهة فيما سيعرف دائما باسم المماليك ، وتأهيل الضباط والقيادات في معسكرات أخرى ، تدريب عسكري فريد في وقته ، واعداد قتالي عال ….. يبرز من بيد القادة اسد الدين عم القائد صلاح الدين ، واغلب القادة كانوا من الاكراد والأتراك وجنود من قبائل الطاجيك وخورسان وفارس والعرب ، الكل يجمعهم جامع وحيد هو الإسلام .

استطاع نور الدين ان يعيد ترتيب الصفوف ويوحد الشام من جديد ، ويكمل المشوار بعده احد اهم قواده يوسف بن أيوب (صلاح الدين ) … وينتصر في معركة استعادة القدس 1187م … لكن المعركة لم تنته هنا . ومازالت مملكة القدس ، متواجدة رغم انهيار قوتها وتتحول العاصمة الى عكا .

يتحرك اسد الدين وابن أخيه صلاح الدين تلبية لدعوة الفاطميين ، حيث يعين اسد الدين وزيرا للدفاع كما نسميه الان ويخلفه صلاح الدين ، ليواجهوا تمدد الحملة الصليبية ضد مصر .

مع انهيار الخلافة الفاطمية ، ولعدم وجود وريث للعرش ، يتولى صلاح الدين مصر مؤسسا لدولته الايوبية ، تحت اسم الخلافة العباسية ، وبذا تعود مصر للخلافة العباسية …. تلقائيا بانتهاء حكم الفاطميين ، تتحرك حملة لضم المناطق التابعة للخلافة الفاطمية ، ومنها اليمن ، وتضم اليمن لحكم الايوبيين ، ومن هذا القرن الثاني عشر وبنهاية الخلافة الفاطمية ، والدولة الصليحية في اليمن ، يعلن الاسماعيليون ابتعادهم عن درب السياسة ، حيث ان لديهم الخيار اما بالدفاع عن مجدهم السياسي أو الحفاظ على مجدهم الاقتصادي ، ففضلوا الاقتصاد على السياسة ، وأصبحت اسماعيلية اليمن (من نعرفهم بالبهرة ) منشغلة بتجارتها عن السياسة او حتى التفكير بتكوين حزب سياسي …. وكذا الوضع في اسماعيلية الاحساء والبحرين ، واسماعيلية جنوب المملكة جازان وعسير …. مع انهم حافظوا على مجموعة من قلاعهم في ايران والدول المحيطة بها .

يستمر صلاح الدين في إقامة معسكرات التجنيد وتطوير القدرة العسكرية الإسلامية ، وبلا منازع يبرز هذا القائد كمؤسس للجيوش النظامية خلفا لنور الدين ، ويضع الصناعة العسكرية وتطويرها جزءا من استراتيجية الدولة الدائمة ،ويتم تطوير عدد من الأسلحة الحديثة منها سلاح المدفعية ،وسيؤسس لجيش قوي سيعرف كما قلنا بالمماليك ….

في نهاية هذا القرن يخرج رجل سيهز العالم كله ، ويدك معاقل كل الامارات الإسلامية في شرق اسيا ، وسيغير من ديمغرافية السكان ، رجل تميز بقدرة علاية على الاقناع ، والخطابة ، شرس ومقاتل مخيف ، جاء من اقصى الأرض ، انه تيموجين (جنكيز خان ) ، مؤسس الإمبراطورية المغولية الفتية ، الذي نصب نفسه وال على الأرض باسم الله ، وان جنوده غضب الله على اهل الأرض .

وسيرث ابناءه واحفاده حكم الصين والهند وأجزاء كبيرة ممتدة من دول جنوب روسيا اليوم .

في اليمن يؤسس الايوبيون لأسرتهم الحاكمة فيها ، ويصدوا بقوة محاولات الائمة في بسط اليد على اليمن ، ويعيدوا تشكيل الدواوين والوزارات ، ويضعوا احد اهم وزرائهم على اعمال صك النقود ، وترتيب الدواوين الوزير عمر بن رسول .

يبرز الايوبيون كأقوى حام للخلافة العباسية تحت امرة السلاجقة ، وسيطهم الكبير يجعل لهم حاضنة شعبية كبيرة في المشرق ، كما كانت للمرابطين في المغرب والاندلس .

طبعا تظل إدارة الحرم تحت اشراف الايوبيين ثم يسلمونها لإدارة بني رسول ولاتهم في اليمن .

يتكرر الخطأ الدائم ، بموت صلاح الدين ، تنقسم امارته بين بنيه ، ويبرز اختلافهم في إدارة الدولة ، قائد عسكري قوي لكنه لم يعي بعد قواعد الحكم والسياسة .

الحملة الصليبية الثانية تتحرك من جديد ، ويبدو ان الكل في حالة ضعف امامها …وتسقط امارة المرابطين في الاندلس ، وتبرز قوة جديدة في المغرب لاستعادة الوضع ، الموحدون ، وتتقسم اغلب الاندلس الى امارات تزيد على عشرين امارة ، مما سيسهل قضمها من حملة الصليب ..

يبرز السلاجقة من جديد في المشرق ، ويصدون الحملة عن سوريا وانطاليا ، ويعقد الصليبيون صلحا معهم … ويبدأ السلاجقة في حماية مناطق الاناضول واغلب مناطق  (تركيا) والتخلص من الامراء والحكام الضعاف ، ويسقط المماليك مملكة القدس ، وتنكسر الحملة الصليبية الثانية .

كما يتوسع السلاجقة شرقا وبسط يدهم على الامارات الإسلامية الصغيرة وضمها الى حكمهم ، تحت ولاية الخلافة العباسية .

يعاود الائمة محاولاتهم في اليمن للسيطرة على الحكم ، وبسط نفوذهم ، ويبدو ان الوضع اليمني مرتبك ، بسبب انشغال الايوبيين بحماية مصر من الحملة الصليبية ، وبين صدهم للائمة في اليمن واستمرار سير الحياة في البلد .

  • القرن الثالث عشر الميلادي :

في هذا القرن  سيبرز بوضوح الاثر الشهير (اذا اشتدت الفتن فعليكم باليمن )  ، فتن هذه العصر ستجد الناس في انتظار شروق الشمس من مغربها ، بل ويعلن بعض فقهاء الفترة ان القيامة اقتربت والواقعة حلت وعلامات الساعة الكبرى ابتدأت  ….. كل ذلك فقط عندما تأتيهم الاخبار عن (يأجوج ومأجوج ) الغول المغولي وكيف تتحرك جنوده وتدك الحصون والمعاقل وتبيد الحرث والنسل .

في هذا القرن ، سيعين السلاجقة رجلا لأمارة الحدود ويلقبونه امير الحدود الغربية سيكون من ولده وريثا للخلافة العباسية انه ارطغرل، في محيط تركيا ، وينشغل السلاجقة بموجة المغول القادمة من شرق العالم ، تدك الحصون والامارات واغلبها الم نقل كلها إسلامية  ….

الغول المغولي ….. الذي حصد الصين وكوريا ثم انتقل الى أجزاء من الهند داكا امارتها الإسلامية ، وبلغ السند ، و وصل الى أفغانستان ، وتوقف بموت جنكير خان العظيم ، وانتقل لأقوى أبنائه مونكو خان الذي يعين اخاه هولاكو قائدا للجيش ، طالبا منه دك كبرى مدن العالم في وقتها ، بغداد ، دمشق ، القاهرة ، وان يقتل الخليفة العباسي دون سفك دمه لأنه دم ملكي لا يجوز ان يسقط دمه على الأرض ( آه والحنية !)

في اليمن يتسلم بني رسول من الايوبيين قيادة و ترتيب اليمن والحفاظ عليها  …

تميز بني رسول بالذكاء العسكري الذي توارثوه من الايوبيين ، وكذا بالذكاء السياسي لخدمته في بلاط الخليفة العباسي وخدمته في دواوين الدولة ، وتميزوا بالحب للعلم والادب فاغلبهم ، بين شاعر واديب ، استطاع هؤلاء التعرف على عيب في منظومة الائمة ، حيث لا يحق لأمام ان يورث امام ، فلا وراثة في الامر وانما على الأبرز منهم اثبات نفسه وعرض نفسه على نخبة من المجتمع (مشايخ او اعيان في اليمن من الزيدية ) ، فيقبلون به اماما لليمن ، هذه النقطة تبرز خلافا عندما يأتي شخصان او ثلاثة كل واحد يدعي ان الأولى بالإمامة وتنقسم النخبة بينهم ، وهنا يتدخل بني رسول في الوقوف مع احدهم ودعمه في مخلاف صعدة ، وتنتهي المشكلة دائما بهذا الحل …. والجزء الثاني في سيطرتهم على الدولة هو ان لكل مخلاف (محافظة ) يعين محافظ ، ويعينون في نفس الوقت ما نسميه ضابط اتصال ، من اهل المنطقة نفسها أو ممن يقبله الناس في المنطقة ، بحيث يكون مهمة ضابط الاتصال التعرف على مظالم الناس واحتياجاتهم ، وعرضها على المحافظ ورفع تقرير بها الى الملك حيث ستعلن اليمن مملكة تحت امرة بني رسول .

ركز بني رسول على تطوير التعليم بشكل كبير ، ولان مذهبهم شافعي فقد طوروا في مركزين لنشر الفقه الشافعي والعلوم الدينية والأدبية في زبيد بتهامة ، وتريم في حضرموت ، وهنا سيبرز احفاد الامام احمد بن عيسى المهاجر ، ويقربهم ملوك بني رسول ، وينتشرون في كل المناطق الوسطى والجنوبية وتهامة ، ويصلون صنعاء ، لكنهم يتجنبون مناطق الشمال من عمران وصعدة … وهذا من توازن ملوك بني رسول ، وكأنهم يعيدون سياسة (بيني وبين الناس شعرة ان شدوا ارخيت وان ارخوا شديت فلا تنقط ابدا ) …

ركزوا على تطوير الموانئ بشكل كبير ، وانتعشت موانئ اليمن ، وبرزت عدن ، تتصاعد قوتها كميناء مهم في العالم ، وتنتعش صنعاء في العمران والتوسع ، حتى يصل طول سورها الشهير لاكثر من 8 كيلومتر تقريبا او اكثر ، وكأنها تنافس في نموها عواصم العالم ، بغداد والقاهرة ، ومدن الاندلس …. حتى فاس عاصمة المغرب لا تنافس صنعاء في النمو ..وبرزت العاصمة تعز في تطوير المدارس والقلاع والاحياء ، وهذا التطور العمراني الملفت نال اغلب حواضر اليمن دون استثناء .

نستطيع ان نقول ان عصر اليمن الذهبي سيبدأ الان ، وفي سنوات قليلة ستصبح عدن الميناء الأول عالميا ، لهذا لا نستغرب ان يزيد عدد سكان مدينة الميناء عدن الى قرابة المئة الف نسمة…

هولاكو يقترب من بغداد ، بل يدك بغداد ، ويدمر اكبر مكتبة في العالم ، واكبر جامعة فيها دار الحكمة ، ومئات الالاف من الكتب بل ملايين الكتب تحرق وترمى في دجلة فيتلون باللون الأسود ، هول الكارثة ، يجعل الناس في حالة استسلام للموت بلا مقاومة عام 1258 م …. تتحول بغداد الى مدينة اشباح ، تشتم رائحة الموت المخيفة ، اكثر من مليون نسمة ، عدا مليون نسمة سيتم ابادتهم في الطريق من بغداد الى عين جالوت ….. بعد المرور بدمشق …..

في مصر يبرز العلامة المعز بن عبد السلام ، ليحرر المماليك من ملكية الدولة الى الحرية ، التي تبيح لهم استلام مواقع في الدولة ، وحاصة انهم الوزراء والقادة ، فهم ومنذ موت الصالح أيوب زوج شجرة الدر ، بسبب عدم قبول الخليفة العباسية بولاية شجرة الدر ، تزوجت شجرة الدر ايبك وبذا يمكن اعتبار هي بداية سلاطين المماليك ، وقد كانوا متخذي القرار ،وبالتالي لا يجوز لمتخذ القرار ان يكون عبدا لاحد حتى الدولة …. حرية المماليك  ، يضع المماليك قواعد لاختيار السلطان ، حتى ينهوا التوريث ومشاكله ، حيث يجتمع كبار قادة المماليك ، ويرشحون السلطان القادم .. وبالتالي يضعون قاعدة مهمة في اختيار الحكام …

في الغرب تتهاوى قوة الموحدين ، ويخلفهم المرينيين ومازال في انشغال بتوحيد أجزاء المغرب العربي…

في مصر اخبار القيامة تضعف النفوس ، ويبرز قائدين من المماليك يعيدون ترتيب الصفوف قطز وبيبرس  ، ويدعو الداع للجهاد ، فيقبل منضما الى قوة المماليك القبائل من الصعيد والمغرب والنوبة ، ومن فلسطين وسيناء ، وتتحرك القوة المدافعة عن الإسلام الى عين جالوت … وبتحركها تنهي يأجوج ومأجوج ….

في ديار أوروبا ، تصل الرسائل من هولاكو يطلبهم الانضمام اليه من جهة الغرب ، على ان يعيد لهم مملكة القدس ، لا استجابة لرسائله ، انهم كما بقية العالم ، في حالة ذهول وخوف من هؤلاء الجبابرة ، فظلوا جامدين خوافا ان ساعدوه ان يأتي ليدكهم لاحقا …

رغم قوة المغول وبأسهم ، لكنهم لم يواجهوا جيشا مدربا بهذا التكنيك العالي ، ولم يواجهوا موجة بشرية لا تخافهم بل ترغب في الموت شهادة ، هزيمة كاسرة لهولاكو … وسقوط مدو لقوة المغول التي اسقطت جبابرة من الأرض ، الهزيمة القاسية ، ستجعل المغول يسعون لاعادة المحاولة في مرحلة قادمة على يد عدد من قياداتهم الا انهم وفي كل مرة ينالون الهزيمة ، وفي احد ابرز محاولاتهم يبرز عالم جليل هو من يوحد صفوف الشام ضدهم وبدعم من المماليك أنه العالم الشهير بابن تيمية ، الذي يضع لمسات واضحة في مهاجمة المخالفين لمنهج اهل السنة والجامعة …. عموما الهزيمة النوعية تجعل الإسلام يخترق صفوف المغول ، ويتحولون الى اعتناق هذا الدين ، بل ويؤسسون امارتهم تحت راية الإسلام … في الهند وفي أفغانستان وعدد من الامارات في شمال شرق اسيا .

الحالة الدستورية للدولة مرتبك بسبب غياب الخليفة ، فتحرك الظاهر بيبرس باحثا عن الاسرة العباسية والتي انتقل جزء منها في حماية الاسرة الايوبية في حلب ، فأعادهم الى القاهرة وصارت القاهرة من 1261م هي عاصمة الخلافة العباسية ، وبذا أعلنت الامارات الإسلامية جميعها ولاءها لحكام القاهرة اسميا، اما الشام والعراق فسيضمها المماليك اليهم، والسلطة الاسمية والشرعية للخليفة العباسي ، والحكم لسلطان المماليك الذي يرشح من نخبة ضباط المماليك ، ويصدر به مرسوم من الخليفة بالتعيين … عموما لا يمكنه ان يرفض .

نهاية القرن الثالث عشر ….و في منطقة الاناضول ستنشأ قوة اسود الاناضول، وفي الحدود الغربية ومن انقرة  يتربع الوالي على الحدود من قبل السلاجقة ، عثمان الأسود ، الذي يعلن قيام دولته ، ويبدو في ضم المدن والولايات الشمالية الغربية ، والشمالية الشرقية ، مقتربا من حصون القسطنطينية ، منذرا العالم الغربي بميلاد قوة جديدة مختلفة عن السابقة .. يركز عثمان الأسود (بمعنى العظيم ) على تكوين قوة عسكرية نظامية مستفيدا مما صنعه نور الدين زنكي ، ومؤسسا لطريقة جديدة في العمل هو وضع قواعد مكتوبة ومسجلة لكل القواعد والبرتوكولات ، مؤسسا لنظام قائم على القوانين والاحكام المكتوبة.

في أذربيجان ، يؤسس الشيخ صفي الدين الشافعي الاردبيلي ، منهجا سياسيا لبسط نفوذه على المناطق التي تهاوت مع ضربات المغول ، ويبدأ في بسط النفوذ في تلك المناطق  ،… عموما المذاهب المسيطرة كانت الفقه الشافعي يليه الحنفي ….. يؤسس الشيخ لملوك ايران الجدد .

  • القرنان الرابع عشر والخامس عشر الميلادي :

بعد سقوط بغداد ، والفوضى التي عمت العراق وماحولها ، وتتالت الهجرات الى اليمن ، ومصر والمغرب ، ويصل لمسامع الناس سقوط أجزاء من ممالك الاندلس بيد البرتغاليين والاسبان، وبدأ البرتغاليون السعي للسيطرة على طريق التجارة ، والاوربيون الجدد بدأوا يضعون منهجا في قادم الأيام خلاصة القول فيه :

(انظر اين انتهى خصمك ، ابدأ من حيث انتهى ، انتقل الى مربع لم يصل اليه ، اكسب ما تستطيع من خصمك فتجربته فريدة ، لا تحاول ان تعيد التجربة الفاشلة، تعلم منها فقط ، لا تبكي على ما مضى ، واستعد للخطوة التالية )

فأخذ تركيز البرتغال على نقل العلوم الفلكية والبحرية ، بل والاستعانة بعلماء الفلك والبحر المسلمين ، واجزال العطاء لهم ، العلوم التي وصلتهم والخرائط التي حصلوا عليها ، سيجعلهم يمتلكون القدرة على التفوق في البحر .

ترتبط اليمن بعلاقات مميزة تجارية ، مع جنوب شرق اسيا والصين والهند ، ويتعامل هؤلاء مع ملك اليمن الذي اتخذ من تعز عاصمته باعتباره خليفة المسلمين والم يقل ذلك ، فمن يدير الحرمين هو ملك المسلمين …. وكانت إدارة الحرمين تحت ولاية الرسوليين …

في المقابل تحركات التجار اليمنيين ، وخاصة الحضارم منهم تحديدا احفاد الامام احمد المهاجر ، الذين بتحركاتهم التجارية نشروا الإسلام في شرق اسيا وجنوبها ، اندونيسيا ، الفلبين ، ماليزيا، وغيرها ، بل ويستوطنون تلك البلاد مع أهلها ، ويتحركون أيضا في شرق افريقيا أيضا القرن الافريقي وزنجبار … وكأن اليمن تعيد مجد سبأ وحمير في زمن الرسوليين .

العصر الذهبي لليمن ولعدن ، انطلق ويستمر ، ويبدو ان هذا الزمان لن يغادر اليمن ، اكثر الأمور التي تربك الدولة ، بعض محاولات الانفصال في المناطق البعيدة من العاصمة ، في اطراف حضرموت بيد افراد من قبائل تنتسب لحاشد همدان ، وتكررت المحاولة في بروز أئمة جدد في صعدة ، ما يجعل الدولة متماسكة هي النظام العسكري الموروث عن الايوبيين ، ويبدوا ان ولاية العهد تنتقل الى الأقوى من بني رسول ، وفلم يظهر خلل خلال تلك الفترة … حتى القرن الخامس عشر ، حيث بدأ نزاع واضح في الاسرة الرسولية ، مما يرهق الدولة ، وجعل اهم اقوى ولاة الرسوليين وهم بني طاهر من رداع ، وهم مقربون للجيش اليمني ، يتحركون في محاولة لمنع سقوط الدولة ، استغل الائمة هذه الفوضى ليتحركوا للوصول الى السلطة …. قرار ذكي يتخذه الرسوليون بتسليم السلطة لبني طاهر سلميا ، حماية لمكتسبات اكثر من قرنين من الزمن ، وبالفعل يتسلمها بني طاهر ويرتبون الأمور سريعا معتمدين على ارث قويا للدولة الرسولية ، ويعيدون أئمة الزيدية الى صعدة ويحصرونهم فيها ، كأن الحظ ينادي الى طاهر حيث ترتقي  مداخيل ميناء عدن وتزدهر تجارة البن والبهارات، وترتفع مداخيل اليمن ويزدهر عصر التجارة فيه عبر اهم موانيه ميناء عدن .

في تونس الفتية يبرز عالم جليل سيغير الفكر من جديد للعالم ، حيث يقرر منهجا مختلفا في كتابة وتناول التاريخ ، ويضع الاضلاع الرئيسية في الحكم والدولة ، انه عالم الاقتصاد والسياسة والمجتمع العلامة ابن خلدون …….

خطأ في اوربا في رحلات للبرتغاليين ، تنقل لهم عبر البحر ، مرض الطاعون ليعم اوربا ذلك المرض الفتاك ، ليبيد اكثر من ثلث سكانها تقريبا ، حيث لا مستشفيات ولامستوصفات ولا أطباء زي الناس !!! …..

الموت الأسود هذا ما عرفت به هذه الفترة من القرن الرابع عشر ، ولمدة عاميين ، يتخيل الاوربيون ان قيامتهم قامت ، وتزداد نسبة الإحباط والكربة بين الناس … لا امل في الحياة ……

تتفجر ازمة اقتصادية وسياسية في الغرب الأوربي ، بين إنجلترا وفرنسا ، إنجلترا ترغب في بسط نفوذها على فرنسا المحكومة من ملك ضعيف شديد الترف والعبث بالمال ، وبذا تتخلص إنجلترا من التبعية الاقتصادية لتلك الدولة ، وتبدأ حرب طويلة بين الدولتين تستمر لأكثر من مئة عام …

في إيطاليا التي تعيش وكأنها بعيدة عن تلك الاحداث ، ومدنها موزعة بين امراء الاقطاعيات، تبرز فلورنسا التي تتحرك فيها التجارة بين المشرق والمغرب ، ويصلها القادمون من النزاعات في منطقة البلقان ، يبدأ المفكرون والادباء في النظر الى تلك الأحوال المزرية لعالمهم ، وينظرون متفكرين في الموت ، ويعيدون النظر في الحياة ، فتخرج من مخيلاتهم وافكارهم ادبيات وفنون ، تؤسس لعصر جديد في اوربا نعرفه بعصر النهضة . وكأن اولائك يقولون للجميع :

( ما فات فات ، وماهو آت آت …. الحياة متجددة، تريدها فاعمل لها وكن صانعا فيها ، كن رقما او ترتمي تحت التراب حجرا لا يتذكره احد …… )

تلك الأفكار التي ولدت هناك ستنتقل الى كل اوربا محدثة دويا ، يصنع تصميما جديدا على الحياة والعمل .

تبرز في اوربا ملكة قوية ، ملكة قشتالة (اسبانيا لاحقا ) ، ستضع لمساتها الأخيرة لاسقاط آخر ممالك الاندلس الإسلامية ، وتصدر القوانين التي تمارسها الكنيسة فيما عرف بمحاكم التفتيش ، ومن ابرز اعمالها تأسيس تطوير اللغة القشتالية (الاسبانية ) ، وامرت بترجمة كل المؤلفات الإسلامية العربية الى اللاتينية ، واحراق الكتب العربية ، نقل المعارف الإسلامية ، سيكون له الأثر في العالم كله وفي اوربا خاصة ، حتى احكام القوانين في المحاكم الاندلسية وهي على فقه المالكي تنتقل الى اوربا ، أهم ما حصلت عليه الملكة ، هي الخرائط الجغرافية للعالم ، التي تدل على وجود امارات إسلامية بعيدة عن يد الخلافة ، وبالتالي الوصول اليها ذا أولوية قصوى ..

بعد موت مؤسس الدولة العثمانية العلية أو الدولة العلية ، ينتقل الامر لأولاده ويبرز الخلاف على الولايات ، فينقذ تهاوي الدولة مراد الأول ، الذي سيضع بروتكولات وقواعد صارمة لتربية الامراء والسلاطين وتهيئتهم للحكم دينيا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا ، يأتي من بعده مؤسس الدولة الأقوى محمد مراد والمعروف بمحمد الفاتح ، الذي يؤسس لقوة عسكرية بحرية ، وقوة عسكرية برية ، وينشأ عددا من الأقسام في الجيش الانكشاري ، ويأتي الفتح العظيم على يديه فتح القسطنطينية 1453 م ….. هذا الفتح سيجعل اوربا كلها تنظر للوراء الى شرقها ، القادم اليها من بعيد ، من يهددها الان من شرقها … ولكن الحروب في الداخلية شغلتها ، والحروب في الاندلس أيضا ….

محمد أبو الفتوح او محمد الفاتح رجل الدولة والعلم ، يؤسس عاصمته إسطنبول على أساس إدارة التعايش والاختلاف ، ويفتح المجال للمسلمين وغير المسلمين ، ويعتني بإعادة تطوير عاصمته ، لتكون عاصمة للعالم .

ويستطيع جيشه قتل احد اشهر واقسى حكام البلقان ، والمقاوم للقوة العثمانية المشهور بالمخزوق ، الذي أسس لهذا التعذيب القاسي في اوربا ، والذي ستشهره روايات الرعب ، الأمير فيلاد الثالث دراكوليشتي … الاسم معروف جدا دراكولا .

فتح القطنطينية يجعل العالم الإسلامي كله ينظر الى أولئك الرجال اسود الاناضول بفخر وينتظرون منهم ان يتزعموا العالم الإسلامي كله ….

وحقيقة لم تكن لمحمد الفاتح النية في الدخول ضد الخلافة العباسية ، احتراما لها كذا للتبعية الاسمية للخلافة من زمن جده في عهد السلاجقة .

الجيش البحري الذي اسسه محمد الفاتح يضع من أهدافه السيطرة على الموانئ الكبرى في العامل ، ويركز جهده على ذلك …

في المانيا ، يبرز المفكر والكنسي الشهير مارتن لوثر الذي يبدأ في حملة تصحيحية واصلاحية للكنيسة ، معلنا ان المغفرة لا تطلب شراء أوراق او وثائق بل العبد يتقرب الى الرب والى اليسوع المسيح دون وساطة من احد ، وغيرها من الإصلاحات ، هذه الإصلاحات ستطلق عصر ا لانشقاق الكنيسة الكاثوليكية وتؤسس للمنهج التصحيحي والاصلاحي البروتوستانت …

تعم أفكار لوثر اغلب اوربا ، وتنتقل الى بريطانيا التي يؤخذ بجزء منها ملكها هنري الثامن.. ويؤسس لانفصال الكنيسة الانجليكانية عن الكاثوليكية .

تعلن الملكة ايزابيلا اطلاق رحلة للسيطرة على البحار ، وتبتعد عن مناطق سطوة المسلمين ، ويتم الوصول الى شمال البرازيل 1492 ، معلنة بدأ الحملات الصليبية على العالم الجديد … الى أمريكا الجنوبية …..

في الاندلس تقبع آخر ممالك الاندلس تحت الحصار ، وتسقط مملكة غرناطة ويستسلم آخر ملوكها أبو عبدالله الأحمر بعقد صلح للحفاظ على المسلمين وإقرار التعايش في الدولة الجديدة .

من بداية القرن الخامس عشر ومع سقوط آخر ممالك الاندلس ، وضعت ملكة قشتالة قوانينها الصارمة (فيما نسميه اليوم إبادة جماعية وتطهير عرقي ) :

  • على السكان مسلمين ويهود التحول الى المسيحية او الاختيار بين محاكم التفتيش أو الهجرة من الأرض .
  • على السكان تعلم اللغة القشتالية او الاسبانية ومنع التعلم بالعربية او ترويجها .

ولكي تحافظ على بقاء السكان ، وضعت شروطا للراغبين في الهجرة حيث يسلموا للدولة مبالغ خيالية ، وبالتالي سيعجز عنها اكثر السكان …..

ومن قرر الهجرة وجد صعوبة فيها لان السفن ترفض نقلهم ، وكأنهم يعرضونهم للموت ، جاء الإنقاذ من السفن العلية (الدولة العثمانية ) التي نقلت الراغبين في الهجرة من مسلمين ويهود الى المغرب وافريقيا …

سيبرز كتاب آخر يخرج من فلونسا ، سيعيد النظر في الحاكمية في اوربا بل ودول العالم ، كتاب الأمير ، لميكافلي ….

قلق المماليك من المتغيرات التي تحدث في العالم ، يجبرها على التحرك ، في السيطرة على الموانئ ، وبنظام عسكري….. في عدن مع الطاهريين يقوم الممالك باعداد مدينة عدن عسكريا ، ويتم بناء قلعة صيرة الشهيرة ، كل ذلك لمواجهة التحركات البرتغالية ….

يستطيع البرتغاليون اكتشاف الطريق الجديد التي تجنبهم الاصطدام بالمماليك والعثمانيين في البحر المتوسط والاحمر ، وعبر الرجاء الصالح يتحركون في اتجاه البحر العربي والهند …. ويساعدهم في اكتشاف الرجاء الصالح العلامة البحري احمد بن ماجد ….

في ايران وفي بلد الصفويين يصل للحكم إسماعيل الصفوي الذي يقرر اتباع المذهب الجعفري ، ويبسط يده على كل بلاد فارس وتمتد يده على العراق ، وتبدأ مشاكله مع العثمانيين في محاولته للتمدد في أراضيهم … ودائما ما يتعرض للهزيمة …. لكن إسماعيل الصفوي سيقرر قرارا في جعل المذهب الجعفري مذهبا للدولة والعامة ، ولعدم وجود علماء في الفقه الجعفري فقد فتح الباب لعلماء الجعفرية من جبل العامر في لبنان وعلى رأسهم الشيخ علي الكركي ، ويعلن ان على فقهاء المذاهب التحول الى المذهب الجعفري او مواجهة العقوبات … ولكي يستقر الامر للولاة من بعده برز ، حل لبقاء سلالته في الحكم بما عرف بولاية الفقيه … وعدد الاحكام الفقهية التي ستبرز الان .. لا اعلم سبب هذا التحول من اسرة دينية شافعية الى اسرة جعفرية ، هل هو الندية التي وضعها إسماعيل الصفوي في مواجهة الدولة الحنفية العثمانية …. ام لكي يكسب ود الناس بالتقرب اليهم بحزب يوالي ال بيت الامام علي …. ليس لدي تصور ….

في اليمن يبدو ان العصر الذهبي بدأ يأفل ، في مواجهة التمدد البرتغالي والاسباني ، يتم تحويل مدينة الميناء عدن الى قاعدة عسكرية ، يبدو ان الأمور لا ينتهي مع متغيرات العالم التي برزت بقوة ان الصراعات على موقع قيادة العالم بدأ الان من جديد وبقوة ….

و الحديث أحبتي مازال طويلا … واللقاء بإذن الله يتجدد ان كان في العمر بقية

شكرا

احمد مبارك بشير

28\7\2015

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.