تصحيح اخطائنا التراثية – آية الولاية
كتبت بحثا حول آية الولاية كما أسموها وهو طويل نسبيا ولذلك أنشره في موقعي الفكري وفي موقع المودة وموقع تطوير الفقه الإسلامي. إنه يمثل رأيا آخر باعتبار أن أخي الكاتب حفظه الله تعالى أثار الموضوع. تحياتي
أحمد المُهري
6/3/2020
بسم الله الرحمن الرحيم
تصحيح أخطائنا التراثية
سابعا: الآية من سورة المائدة المعروفة بآية الولاية:
قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55). وهي جزء من مجموعة آيات وردت في سورة المائدة هكذا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59).
أظن بأن العاقل الحكيم لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح فلو يفكر الشخص فيما وضعت تحتها خط فسوف يعرف المقصود من الولاية في الآية الكريمة فلا يعبأ بالقصص. ينوي الذين يفندون القصص الروائية أن يثبتوا الإمامة لعلي بن أبي طالب بتلك القصة الكاذبة البعيدة عن إيمان الإمام علي وسلامة عبادته وخشوعه. فلو كانت الولاية تعني المحبة فقط فلا جدوى في الافتراء على الله تعالى. ولننظر إلى ما يقوله الزمخشري والطباطبائي ونكتفي بهما:
فالزمخشري يبدأ بالقول أن الله تعالى عقب النهي عن موالاة من تجب معاداتهم ذكر من تجب موالاتهم. إنه ذكر قصة زكاة الإمام علي في الصلاة ولم يستبعد ذلك ودافع عن الإشكالات النحوية في تطبيق الآية الكريمة على تلك القصة. إنه في النهاية لم يخرج عن مسألة الموالاة والمعاداة العامة ولم يذكر شيئا عن الولاية العامة كما نزعمه نحن الشيعة. ولعل هناك غيره من السنة ينقلون القصة ويقبلون الولاية العامة أيضا. ولكني أبحث عن الدليل فكل ما يقولونه نقل غير مسند إلى الكتاب. ولو قبلنا أي تفسير من هذا النوع فهو يعني بأننا نؤمن بأن القرآن غير مبين ومحتاج إلى من يكمله بالقصص وبأقوال الغير. وهو دحض صريح لتصريح القرآن الكريم بأنه كتاب واضح مبين وبأن آيات الله مفصلات في هذا الكتاب. ومن أعيب المعايب على المسلمين أن يفسروا كتابا يؤمنون بصحته بأخبار منقولة لا يمكن لهم الجزم بصحتها.
لكن الطباطبائي فقد ذهب بعيدا جدا في تفسير الآية وهو في طريق إثبات ولاية مشابهة لولاية الله تعالى للإمام علي. والفرق هو أن الأولى ولاية حقيقية والتالية ولاية بإذن من الله حسب تعبير العلامة. وسوف أذكر أهم ادعاءاته وأرد عليها بإذن الله تعالى. وكلما أنقله عنه فهو في تفسيره المعروف بالميزان عند سعيه لبيان الآية 55 من المائدة ولكني لا أذكر كلما قاله لأن العلامة كتب كثيرا في هذا الموضوع مما لا يسعني النقل بالكامل. وأنا مع احترامي للعلامة فإني أرى في أقواله خلطا كبيرا وتعارضا مع الكتاب الكريم ومع منطق العقل.
أولا: قوله التالي:
و يؤيد ذلك أيضا قوله في الآية التالية: “فإن حزب الله هم الغالبون” حيث يشعر أو يدل على كون المتولين جميعا حزبا لله لكونهم تحت ولايته فولاية الرسول و الذين آمنوا إنما هو من سنخ ولاية الله. و قد ذكر الله سبحانه لنفسه من الولاية، الولاية التكوينية التي تصحح له التصرف في كل شيء و تدبير أمر الخلق بما شاء، و كيف شاء فهذا ما ذكره الله تعالى من ولاية نفسه في كلامه، و يرجع محصلها إلى ولاية التكوين و ولاية التشريع، و إن شئت سميتهما بالولاية الحقيقية و الولاية الاعتبارية. انتهى النقل.
واضح لمن يمعن في كلام الطباطبائي بأنه ينوي ذكر مشاركة الرسول وعلي بن أبي طالب اللهَ تعالى في ولايته على الخلق. ولا أدري كيف تجَّرأ العلامة على سيد الكائنات جل جلاله فقال بأن الولاية في هذه الآية من سنخ ولاية الله تعالى في بعض القضايا!! يتعرض العلامة للكثير من المسائل الفلسفية وبدقة أحيانا ولكني حينما أقرأ قوله أعلاه أشك بأنه كان يعرف الله تعالى معرفة أكثر من السطحية، إلا أن أقول بأن الذين طبعوا كتابه قد خانوه وطبعوا شيئا آخر باسمه. أتمنى أن يكون كذلك وإلا فمصير العلامة في خطر عظيم أمام الديان العظيم جل جلاله. لا أدري وأنا أرد قولا ظاهر البطلان من أكبر مفسر من بني جلدتي أن أضحك أم أبكي؟ هل فكر العلامة في علةٍ معقولة لمنح الله تعالى ولايته التكوينية لبشر، وما حاجته إلى ذلك؟
إن الله تعالى حي قيوم قادر على إدارة كل أموره بنفسه وقد صرح كثيرا بأنه أحد لا شريك له في كتابه الكريم. ودعنا نفكر في كيفية إدارة الخالق العظيم لأمور الناس. بالطبع أن الله تعالى ليس مثل الملوك الذين يعينهم أو يتقبلهم بعض شعوبهم للحكم ويسندونهم ويمدونهم بالمال والجند. إنهم ضعفاء محتاجون في حياتهم الشخصية ولا يملكون شيئا في الحقيقة بل يملكون النظام فقط ويخافهم الناس والأتباع باعتبار أنهم يستعملون الناسَ ضد بعضهم البعض. إن كل فرد يخاف من صاحبه فلا يقف أمام ظلم الملك ولولا ذلك لما تمكن ملك من أن يظلم أحدا أبدا. أما الله تعالى فالقدرة كلها بيده وكلها مملوكة له. إنه بقوته الشخصية خلق الكائنات وبقوته الشخصية يديرها إدارة فيزيائية كما يديرها إدارة سلطانية. إنه سبحانه يصرح بأنه قادر على أن يدير كل شيء فيزيائيا لو أراد الشيء مخالفة أمره ونظامه. لكنه وضع نظاما دقيقا مرتبطا به وهو سبحانه محتفظ بالقدرة الكاملة لنفسه وغير مفرط فيه. قال تعالى في سورة فصلت:
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12).
فالذي يقدر أن يدير النجوم الضخمة كما يشاء لو أنها خرجت من ميزان ربها فهو سبحانه قادر على أن يدير بقية الأشياء التي انبثقت من هذه النجوم بكل سهولة.
إن أسلوب إدارته سبحانه هو أسلوب الإحاطة وليس أسلوب الأمر البعيد عن الموجود. هذا يعني بأن إشعاعات الربوبية مسيطرة ومحيطة بكل الكائنات من أعمق أعماقها فلا يحتاج إلى مساعدين. ولا يمكن أن يشاركه أحد لأن ذلك يتعارض مع إشعاعات الربوبية المحيطة. ولولا ذلك لما رأى اللهُ تعالى كلَّ شيء ولما علمَ بما تخفيه النفوس. إنه سبحانه حاضر على رأس كل شيء بغض النظر عن تفاهة ذلك الشيء أو نجاسته مثلا كما يتحاشى ذكره بعض قليلي العلم. حضوره حضور طاقوي محيط وليس حضوراً مشابها لحضورنا نحن ذوي الأجسام أو حضور الملائكة التي تحمل طاقات رقيقة ولكنها ليست برقة الطاقة الربوبية فلا تنفذ في كل شيء ولا تحيط بكل شيء بعكس الطاقة الإلهية الرقيقة جدا والقوية بالطبع. فهو سبحانه حينما يأمر شيئا فهو يقوم بعملٍ لتنفيذ أمره التكويني ولا يمكن أن يشاركه أحد أبدا. إن المشاركة تستلزم إحاطة طاقة أخرى بطاقة رب العالمين وإلا فهي غير قادرة على تحريك الصغائر التي تقع تحت كل الأشياء.
هذه المسائل يمكن تجربتها طاقويا ولسهولة الفهم فإني أضرب مثلا. لو أتيتُ بجسم مدور قابل للدوران ووضعته من وسطه على رأس إبرة ثم قمت بالنفخ على جانب منها لتدويرها. سيكون ظاهر الجسم تحت إحاطتي بكل تأكيد. فلو جاء أحد في المقابل أو بنفس الجهة التي أنا فيها وأراد أن ينفخ على ذلك الجسم الدوار فعلا تحت تأثير نفخي. فإنه إما أن يزيد من دورانه فيخرج الجسم من إحاطتي ولا يمكن له منفردا ولا لي منفردا أن يسيطر عليه. وإما أن يقف في المقابل لينفخ فهو إما أن يكون أكثر مني قوة فيحيط بالجسم ويخرجني من الإحاطة أو أنه يكون أقل مني قدرة فيقوم بنفخ غير منتج. هكذا تتجاوب الكائنات مع الإحاطة الطاقوية فلا يمكن المشاركة فيها. أظن بأن هذا المثال البسيط كاف ليفكر الناس في مغزى ادعاء العلامة الطباطبائي ويعلموا سخافة قوله غفر الله تعالى له ولنا.
وقد قال سبحانه في سورة الأنبياء: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22). مثالي البسيط يشير إلى هذه المسألة.
وحتى لا يخلو ادعاؤنا من دليل قرآني فإني أذكر الآيات التالية من سورة آل عمران: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123). فالله تعالى محيط بالأعمال علاوة على الأشخاص ولذلك يمسك كل شيء بيده. والنبي مع المسلمين كانوا أذلة يوم بدر فأين له التصرف التكويني في البشر؟ ويستدل العلامة ببعض الجمل القرآنية مقطعة عن أصولها لإثبات ادعائه وهي هذه:
قال الطباطبائي في الميزان:
و قد ذكر الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الولاية التي تخصه الولاية التشريعية و هي القيام بالتشريع و الدعوة و تربية الأمة و الحكم فيهم و القضاء في أمرهم، قال تعالى:
1.
“النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم”: “الأحزاب: 6″،
2.
و في معناه قوله تعالى: “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله”: “النساء: 105″،
3.
و قوله: “و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم”: الشورى: 52″،
4.
و قوله: “رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة”: “الجمعة: 2″،
5.
و قوله: “لتبين للناس ما نزل إليهم”: “النحل: 44”
6.
و قوله: “أطيعوا الله و أطيعوا الرسول”: “النساء: 59″،
7.
و قوله: “و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”: “الأحزاب: 36″،
8.
و قوله: “و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك”: “المائدة: 49″،
و قد تقدم أن الله لم يذكر ولاية النصرة عليه للأمة. انتهى النقل.
ودعنا ننظر إلى كل ما قطَّعه العلامة من آياتِ ربنا سبحانه وتعالى لنقف على سخافة قوله. وقبل أن نراجعها جميعا أحب أن أنقل للسامع رأي العلامة في التصرف التكويني للأئمة كما وضحه عند تفسيره للآية 73 من سورة الأنبياء:
و الذي يخص المقام أن هذه الهداية المجعولة من شئون الإمامة ليست هي بمعنى إراءة الطريق لأن الله سبحانه جعل إبراهيم (عليه السلام) إماما بعد ما جعله نبيا – كما أوضحناه في تفسير قوله: “إني جاعلك للناس إماما” فيما تقدم – و لا تنفك النبوة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق فلا يبقى للإمامة إلا الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب و هي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال و نقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر. و إذ كانت تصرفا تكوينيا و عملا باطنيا فالمراد بالأمر الذي تكون به الهداية ليس هو الأمر التشريعي الاعتباري بل ما يفسره في قوله: “إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء:” يس: 83 فهو الفيوضات المعنوية و المقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة و يتلبسون بها رحمة من ربهم.
و إذ كان الإمام يهدي بالأمر – و الباء للسببية أو الآلة فهو متلبس به أولا و منه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم فالإمام هو الرابط بين الناس و بين ربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية و أخذها كما أن النبي رابط بين الناس و بين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية و هي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي على النبي و تنتشر منه و بتوسطه إلى الناس و فيهم، و الإمام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الاعتقادات الحقة و الأعمال الصالحة، و ربما تجتمع النبوة و الإمامة كما في إبراهيم و ابنيه. انتهى النقل.
ذكرت ذلك ليكون واضحا للجميع بأن العلامة يعتقد بنوع من القدرة التكوينية لدى نبينا وأئمة الشيعة ولم يكتف بادعاء العلم والقدرة على بيان المسائل لهم ليتيحوا للناس فرصة التفكير والتعلم. والإمامة عنده أهم من النبوة التي تقتصر على الفيوضات الظاهرية حسب تعبيره. فالإمام عنده قادر على التصرف في النفس وهو ما سماه الفيوضات الباطنية. ثم إنه يعتقد بأن الإمامة مرحلة تالية للنبوة باعتبار أن إبراهيم كان نبيا ثم جعله الله إماما. إنه يريد أن يوهمنا بأن رسولنا أصبح إماما أيضا ولكن لم يذكر القرآن أية إمامة لرسولنا الأمين.
كما أن القرآن جعل إمامة إبراهيم في الحج والواقع أن الإمامة عادة لا تكون عامة. فإمام الجماعة هو الذي يقف أمام المصلين وإمام الحج هو الذي يعد العدة للحج ويساعد الحجيج لأداء المناسك وإمامة الهدى لبني إسرائيل هم الذين يعلمون الناس أحكام الله تعالى ويوضحون لهم طرق الرضوان وأئمة النار هم الذين يهدون الناس إلى النار وهلم جرا.
مهما يكن من شيء فإياكم ردي على دلائله الثمانية أعلاه لإثبات القدرة الباطنية لنبينا عليه السلام وهو كعادته يضيف الأئمة إلى رسول الله بناء على أحاديث بشرية مع الأسف.
1.
أما آية سورة الأحزاب المقطعة فهي هكذا:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6). ذكر سبحانه في الآية بأن أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض، والجملة تعني بأن أولو الأرحام يضحون في سبيل أرحامهم بالتنازل عن وقتهم ومالهم وإمكاناتهم لهم. وذكر في نفس الآية أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وهي أيضا تعني بأن يضحي المؤمنون في سبيل إسعاد نبيهم كما يضحون في سبيل إسعاد أهليهم فيتنازلوا عن وقتهم ومالهم لصالح نبيهم. وليس في الآية ولاية تكوينية من الرسول على أحد. لكن العلامة أخفى عن أعين قارئيه كل الآية ليثبت ادعاءه مع الأسف.
2.
وأما آية النساء: 105 والتي قطع العلامة آخرها ليستدل به على مدعاه فهي هذه بالكامل وأنقلها مع ما تبعها ليعلم القارئ بأن العلامة لم يكن في حالة صحية جيدة حينما استدل بمقطع من الآية الكريمة:
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (106) وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (112) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113).
هل الحكم بين الناس الذين يسمعونه يعني الولاية التكوينية في هداية الناس؟ وهل هذا خاص برسولنا أم هو عام لغيره أيضا؟ وهل الذي يمنحه الله تعالى ولاية تكوينية مشابهة لولاية الله تعالى يمكن أن يكون خصيما للخائنين؟ وهل الدفاع عن الخائنين هو دفاع بعلم فيكون الرسول ظالما، أم هو دفاع عن جهل؟ وهل الرسول قادر على أن يحمي نفسه من الضلال حتى يحمي غيره؟ وفي نهاية الآيات الكريمة يخبره الله تعالى بأنه تعلم من القرآن وليس من غيره؛ فأين الولاية التكوينية للتصرف في القلوب يا أيها العلامة الطباطبائي؟ رحمك الله تعالى وغفر لك ذنبك ورحمنا وغفر لنا.
لقد أمر الله تعالى رسوله كما أمر الربانيين من بني إسرائيل أن يحكموا بما أنزل الله. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44). وآخر الآية تأمر كل الناس أن يحكموا بما أنزل الله.
ولنكمل الآيات لنرى بأنه سبحانه يأمر أهل الإنجيل أيضا: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47). ويؤكد سبحانه بعده على النبي أن يفعل كما أمر به مَن قبلَه بعطف الأمر على ما قبله، ويهدده أيضا إن لم يفعل ما أمره ربه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49).
وواضح من الآية الأخيرة أن نبينا معرض لأهواء المنافقين وأقاربه المشركين فيشد في تحذيره أكثر من بني إسرائيل. فأين الولاية التكوينية في هذه الآيات؟
3.
وأما آية الشورى 52 المقطعة المصحفة، فدعنا نقرأ كل المجموعة من الآيات ليثبت للقارئ زيف ادعاء صاحبنا العلامة غفر الله تعالى له ولنا. قال تعالى في سورة الشورى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإنسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ (53).
أرجو من القارئ أن يتلو الآيات فقط ويلاحظ ما تحتها خط قليلا ليرى ضلال العلامة. فالرسول وهو أعظم صفة لنبينا وأهم بكثير من إمامته عليه السلام، لا يملك أي شيء وليس حفيظا على الناس وما عليه إلا البلاغ. والله هو المالك وهو فعال لما يشاء بنفسه. وهناك رسل آخرون كلمهم الله تعالى دون الرسول وهناك رسل أوحى الله إليهم فقط دون أن يكلمهم ورسولنا من النوع الثاني طبعا وعليه أن يبلغ الناس بما يشاء الله تعالى وليس له إرادة أبدا في هذا السبيل. وكان الرسول جاهلا لا يعلم شيئا عن أوامر الله تعالى ولا عن الإيمان حتى جاءه القرآن له ولغيره ليهدي الله بالقرآن من يشاء من عباده. والرسول يهدي بالقرآن إلى صراط مستقيم كما يفعله أي مؤمن آخر. فأين ولاية الرسول؟
4.
وأما آية الجمعة: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (2).
فكل الأنبياء وكل الذين يقتدي بهم رسولنا كانوا يُعلِّمون الناس بأمر ربهم ويهدونهم ويزكونهم. والواقع أن الهدى والتزكية والعلم كلها بيد الله تعالى نفسه في النهاية ولكن الرسل والمعلمون ينقلون معلوماتهم إلى الناس فلو استحقوا زكّاهم اللهُ تعالى. وليس في الآية أي دليل على أن الرسول يقوى على تغيير النفوس أو التصرف فيها حسب تعبير العلامة.
وليتكم تقرؤون سورة الجمعة من بدايتها حتى الآية الخامسة فترون أن المسلمين الذين حملوا القرآن هم مثل اليهود الذين حملوا التوراة. والطريف أنهم لا يعرفون معنى الآية الأخيرة من سورة الجمعة وسوف لا أفسرها هنا. إنهم يقولون بأن الرسول كان يصلي فنادى أحد التجار خارج المسجد بوصول بضاعته فترك الصحابةُ رسولهم وذهبوا متسابقين على الأموال القادمة من الخارج حتى لا يفاجئهم بقية التجار بشراء كل ما دخل المدينة ويتحكمون في السعر عليهم. وأنا أسأل العلامة بأن الرسول الذي أراد الله تعالى أن يطاع كيف عجز عن إبقاء صحابته المخلصين له خلفه حتى ينتهي من صلاته ثم يذهبوا للتجارة؟ هل هذا معنى تصرفه المشابه لولاية الله تعالى في النفوس يا حضرة العلامة؟ وإليكم ما قاله العلامة نفسه في تفسير الآية الأخيرة لتقفوا على عدم وضوح الأمر له ولا لمن مثله من مفسري الأحاديث:
لقد اتفقت روايات الشيعة و أهل السنة على أنه ورد المدينة عيرٌ معها تجارة و ذلك يوم الجمعة و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم يخطب فضربوا بالطبل و الدف لإعلام الناس فانفض أهل المسجد إليهم و تركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما يخطب فنزلت الآية. انتهى النقل.
انظروا التناقض في أقوالهم وآرائهم!!
5. ِ
وأما آية النحل فلنقرأها مع آية قبلها فقط: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44). فالله تعالى أرسل من قبلِ رسولِنا رسلا وأمر الصحابة بأن يسألوا أهل الذكر السابقين وهم علماء اليهود والنصارى إن كانوا يجهلون كتبهم وبيناتهم. كما أنه سبحانه أرسل إلى نبينا ذكرا ليبين للناس ما أنزله الله تعالى إلى الناس كما يفعله بنو إسرائيل. فأين الولاية التكوينية وأين الامتياز لرسولنا ومن بعده لمن أضفت إليه من أقاربه وذريته يا أخي الطباطبائي؟
6.
وأما آية الأمر بطاعة الله والرسول وأولي الأمر من سورة النساء، فإنني أدعو الإخوة والأخوات أن يقرئوا آيات النساء من 44 إلى 70 ويفكروا فيها ليعلموا أن الحديث فيها جميعا يدور مدار الكتب السماوية وتفسيرها وليس أمرا آخر. ولكني أكتفي هنا بذكر الآية نفسها وآيتين بعدها ليعلم القارئ بأن المقصود هو قبول الصحابة لتفسير نبيهم للقرآن وعدم التوسل بالغرباء لتفسير كتاب أنزل على صاحبهم محمد بن عبد الله عليه السلام. قال تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61).
الذين آمنوا في القرآن يصدق على صحابة رسول الله المؤمنين ويميزهم عن صحابته الذين لم يؤمنوا من المشركين ومن أهل الكتاب. ذلك لأن كل إنسان مدرك حضر الرسالة فهو صاحب للرسول بنص القرآن. أنا وكثير من زملائي في التفسير لم نجد آية تخاطب الذين آمنوا ويقصد بها جميع المسلمين بل يقصد بها صحابة الرسول. بالطبع أننا نستفيد منها كمسلمين ويمكن لنا أن نعتبر بعضها موجهة لنا أيضا ولكن الكثير منها لا يمكن توجيهها إلى عامة المسلمين وخاصة آيات القتال وآيات التجاوب مع الرسول فإن الرسول غائب اليوم ولا يمكن لنا العمل بمثل تلك الآيات. وعلى أي حال فالآية الأولى تنتهي بهذه الجملة الكريمة: ذلك خير وأحسن تأويلا. فما معنى التأويل غير التفسير الدقيق وإعادة الشيء إلى أوله ليعلم الشخص مقصود الذي أنزله حد الإمكان؟ فالطاعة هنا تعني قبول التأويل وطاعة الرسول في تفسيره للقرآن خير تأويل للقرآن باعتبار أن القرآن أنزله الله تعالى على قلبه الشريف، فستكون الجمل المكوِّنة للقرآن أقرب إلى فهم الرسول من غيره. ولذلك فهو أسرع فهما للقرآن من غيره من الذين اشتهروا أيام الرسالة بالعلماء وخاصة علماء بني إسرائيل. ولو نقرأ الآية التي تلي الآيات السابقة فسوف نتأكد من صحة تفسيري وخطإ تفسيرهم. قال تعالى بعد ذلك في سورة النساء نفسها: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65).
فالآية الأخيرة وما قبلها تابعة لنفس آية الطاعة ويفسرونها بأن المسلمين يجب أن يقبلوا قضاء الرسول في الخصام بينهم. لننظر إلى قولهم. دعنا نتصور شخصين تشاجرا في مسألة وذهبا إلى القاضي رسول الله عليه السلام. قدَّم أحدهما الذي كان أقوى استدلالا وأكثر حكمة من صاحبه، قدم دلائل واضحة ضد خصمه ولم يتمكن الخصم الذي لم يفكر في جمع الدلائل على مواجهة خصمه في تقديم دلائل أخرى تفند مزاعمه. فما هو واجب القاضي هناك وهو لا يعلم الغيب طبعا؟ إن واجبه أن يحكم لصالح من قدم الدليل. ثم ما هو واجب الذي خسر الدعوى؟ إن واجبه أن يتقبل القضاء بالضرورة ولكن هل من واجبه أن لا يجد في نفسه حرجا من قضاء الرسول؟ لو قلنا ذلك فقد ظلمنا وخالفنا الحقيقة. إن الحقيقة أنه خسر الدعوى لأنه لم يفكر في جمع الدلائل وليس لأن الحق مع خصمه، فمن حقه أن يجد في نفسه كل حرج من القضاء حتى لو كان القاضي رسول الله عليه السلام. إذن مفهوم الآية غير ما قالوه بل هي تابعة لبقية الآيات التي تتحدث جميعها عن تفسير القرآن. إن من واجب الذين استمعوا إلى تفسير الرسول نفسه وإلى تفسير غيره من العلماء زمن الرسول أن يرفضوا تأويل الجميع ويتقبلوا تفسير الرسول وحده مسلمين أمرهم إليه لأنه رسول الله.
ولننظر إلى آية أخرى بعدها بعدة آيات تشير إلى تفسير آيات القتال. قال تعالى في نفس سورة النساء: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83). المقصود هو الآية الثانية ولقد نقلت الأولى ليستيقن القارئ بأن الهدف هو تفسير آيات القتال في القرآن وليس شيئا غيره. فالواو في “وإذا جاءهم” معطوف على ما سبقها وهو الأمر العام بتدبر القرآن. وأذاعوا به تعني أنهم أذاعوا بالأمر بين علماء المخالفين ليجدوا تفسيرا آخر لكلام ربهم. والله تعالى يقول لهم بأنهم لو ردوا الأمر إلى من لهم خبرة بذلك الأمر وهم الرسول وأهل الأمر وهم قواد الجيش والذين من بينهم بعض من يتدبر القرآن أيضا. ولذلك استخلص سبحانه بقوله: لعلمه الذين يستنبطونه منهم. وهم الذين يستنبطون مفاهيم الأمر من أولي الأمر وهم قواد العسكر. واستعمل ربنا فعلا الإذاعة ليشير إلى خطورة نقل أوامر القتال إلى غير الذين آمنوا كما أظن. فأين الولاية التكوينية والطاعة في كل شيء، وأين الأئمة الاثني عشر من آية أو آيات نزلت لتوجيه صحابة الرسول إلى المنهل الحق؟؟؟ وأين الحكام الذين يحكموننا اليوم وهم يتشبثون بهذه الآية لفرض سلطانهم على الرقاب من الآية الكريمة التي تخص المحاربين أيام الرسالة فقط؟؟؟
أنا مضطر دائما أن أدعو على قومي وأهلي ومن يدعي هذه التفاسير التي تقلب آيات الله تعالى؛ أدعو لهم بأن يكونوا جاهلين وإلا فالمسألة صعبة يوم الحساب!!
7.
وأما استدلال الطباطبائي بآية الأحزاب الثانية وهي هذه كما ذكره في تفسيره: و قوله: “و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”: “الأحزاب: 36″،. فأقول:
لم يأمر الله تعالى أن نطيع الله والنبي بل يأمر دائما بطاعة الله والرسول. نعم أمر بالإيمان بالنبي وهو مختلف عن مسألة الطاعة. ذلك لأن النبوة منصب علمي يصير صاحبه مؤهلا للرسالة متى ما شاء الله تعالى ذلك. ومن شروط الرسالة أن يكون الرسول منبثقا من نفس القوم الذين أرسل إليهم، ولذلك كان إبراهيم نبيا ورسولا حينما كان في بيته في العراق (كما نحتمل) ثم بقي نبيا ولم يكن رسولا حينما انتقل إلى أراضي كنعان (كما هو المعروف). وكلما أراد الله تعالى أن يرسل نبيا إلى قوم من بلد آخر فإنه ينقل النبي إليهم في الطفولة أو في بدايات الصبا ليتعلم لغتهم أو ما يسمى قرآنيا بتأويل الأحاديث. فإذا بعثه ربه رسولا، جعلَ الملائكة مترصدين له ليعلم أن قد أبلغ رسالة ربه. هناك يكون الرسول في حال تبليغ الرسالة سفيرا حقيقيا لله تعالى وتحت مجهر الألوهية فيكون طاعته هناك طاعة لله. ولو نلاحظ آيات نساء النبي في سورة الأحزاب فنرى النبي يأمر نساءه بأن يطيعوا الرسول وهو نفسه ولكن في حالة أخرى. لنقرأ الآيات التالية من نفس السورة لنميز بين النبي والرسول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34).
يأمر الله تعالى النبي أن يقول لأزواجه… ثم يقول نفس النبي لهن: إن كنتن تردن الله ورسوله….. كل الآيات التي تليها تمثل أمراً من الله تعالى موجها إلى النبي ليقول لأزواجه أن يطيعوا الله ورسوله وما شابه ذلك. يقول لهن النبي: وأطعن الله ورسوله…. يمكن لك أن تقول قال الله تعالى حينما تتحدث عن هذه الآيات أو قال رسول الله أو قال الروح القدس الذي نقل الكلام إلى رسولنا. كل ذلك صحيح إذ أن الرسول هناك شخص آخر اسمه محمد بن عبد الله وهو ليس زوجا للزوجات إنما النبي محمد زوجهن. لكن الله تعالى منع الناس من أن يتزوجوا زوجات الرسول محمد في نفس السورة. وهو سبحانه يتحدث عن طلاق النبي لزوجاته وتحريرهن من قيد زوجية النبي في سورة التحريم. ذلك لأن السر في تحريم زوجاته هو كون هذا النبي رسولا ولو لم يكن كذلك لما حرم الله تعالى التزوج مع نسائه كما يبدو لي. هناك مسائل أخرى في هذا المجال تؤيد احتمالي ولا مجال لذكرها هنا. المهم أن نعرف بأن طاعة الرسول واجبة باعتبار أنها طاعة لله حين يتحدث الشخص المرسل عن رسالة الله تعالى. هناك قضاؤه قضاء الله تعالى. ذلك لأنه ينقل قضاء ربه وليس قاضيا حقيقيا. كما أن الإيمان بالأنبياء واجب لأن ذلك يعني بأن الله تعالى أعد لهداية الناس أنبياء يمكن أن يعينهم رسلا أو يكتفي بأن يستضيء الناس بنور علمهم.
لنقرأ الآية التي استند إليها العلامة مع ما بعدها من الآيات لنعرف الحقيقة:
قال سبحانه في سورة الأحزاب: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39). يمكن ملاحظة أن النبي سوف يكون محرجا لو أن الله تعالى لم يفرض عليه أن يتزوج مع زوجة متبنيه السابق. لكنه أذعن لقضاء الله تعالى ورسوله. وقد وضح الله تعالى معنى قضاء الرسول في مثل هذه الحالات في الآية الأخيرة بأنه تبليغ لرسالات الله تعالى وخشية من الله وحده دون غيره. هذان الأمران هما يخرجان النبي تماما من الحالة العادية فيصير النبي إنسانا آخر. والخشية غير الخوف طبعا وخشية غير الرسل مغاير لخشية الرسل. خشية الرسل مشابه لخشية الملائكة أو خيفتهم لربهم. خيفة الملائكة هي التي تساعدهم على الانتباه الشديد حتى لا يخطئوا في تنفيذ أوامر الله تعالى.
فتسبح الملائكة ربها وهي في حال الخوف كما يبلغ الرسول رسالته وهو في حال الخشية. ونقول الخشية لأن الخوف لحاله قد لا يكون مستوجبا للجزاء ولكن الخشية وهي خوف مشوب بالتعظيم فهي تستحق الجزاء باعتبار اقترانه بالتعظيم وهو ما يقوم به الرسول كما أظن والعلم عند المولى عز اسمه.
والواقع أن الله لو قضى أمرا فما هو دور الرسول أن يقضي ذلك الأمر غير إبلاغ الأمر المقضي إذ أن الله تعالى لا يحتاج إلى شريك يشاركه في صناعة الأمر أو تدبيره. حال الرسول هناك هو حال مأمور التنفيذ الذي يقف أمام المتهم حينما يعثر عليه فيمنعه الشرطة من التحرك ويفرضوا عليه الاستماع إلى مأمور المحكمة. هناك يلقي المأمور حكم المحكمة على المتهم الهارب فيكون التعامل مع المأمور مشابها للتعامل مع القاضي نفسه.
أو مثل حكم القاضي نفسه الذي يصدر الحكم باسم رئيس الدولة ثم نقول قضى فلان بيننا مثلا والذي قضى فعلا هو رئيس الدولة الذي صدر الحكم باسمه ولذلك تخضع كل دواوين الدولة للحكم القضائي ويلتزمون بتنفيذه كائنا ما كان.
لنضرب مثالا آخر ليسهل على القارئ الكريم قبول الموضوع. يقول سبحانه في سورة الحاقة: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) َلأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45). فهل القرآن هو قول الرسول أم قول الله تعالى، وهل للرسول أي دور في صنع القرآن الكريم؟ إنه قول الله تعالى وكلماته سبحانه ولكن الرسول ناقل واعتبر الله تعالى القرآن هو قول الناقل الأمين. والمقصود هو محمد وليس جبريل لأن محمدا هو الذي اتهم بالشعر وبالاستماع للكهنة وليس لجبريل أن يتقول على الله تعالى باعتباره فاقدا للإرادة. فالرسول في الآية الكريمة ينقل قضاء الله تعالى إلى زوجاته وإلى المؤمنين ويُعتبر قضاء منه أيضا باعتباره رسولا لا باعتباره نبيا ولا باعتباره زوجا لأزواجه ولا باعتباره محمد بن عبد الله.
ولذلك فإنه سبحانه حينما يأمر النبي في الآية 28 فهو يأمر محمدا عليه السلام باعتبار علمه ببعض مفاهيم النبوة وحينما يقول لأزواجه بأمر الله تعالى في الآية 29: وإن كنتن تردن الله ورسوله؛ فإنه لا يقصد النبي محمد بل يقصد الرسول محمد الذي لا يملك أمرا مطلقا من حيث الرسالة بل كله أمر الله تعالى. وكذلك حينما يقول تعالى في الآية 36: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا؛ فإن النبي محمد هو من أولئك المؤمنين الذين يفقدون الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرا. ولذلك حينما نتلو بعدها الآية 37 لنرى الذي يجب قبول قضائه باعتباره رسولا فهو بنفسه يخفي ما الله مبديه. إنه يخفي ما الله مبديه في حال آخر غير حال الرسالة. عند الرسالة فهو مجرد ناقل تحت مجهر الربوبية وتحت رصد الملائكة كما وضح سبحانه وتعالى الأمر لنا في نهاية سورة الجن. يمكن لأي مفكر أن يلاحظ الآيتين 36 و37 من سورة الأحزاب ليرى البون الشاسع بين الرسول محمد الذي لا يملك أحد (بمن فيهم محمد نفسه) خيارا أمام قضائه وبين المخاطب محمد بن عبد الله الذي لا يملك إرادة تشريعية أمام إرادة ربه حينما يأمره بأن يتزوج مع مطلقة ربيبه. عليه بأن يقاوم نفسه ليخرج الحرج من قلبه ويتقبل حكم الله ورسوله بدون حرج!!
8.
ونأتي إلى آخر آية استشهد بها الطباطبائي لإثبات الولاية التكوينية للرسول وهي في سورة المائدة وقد نقلها هكذا: و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك”: “المائدة: 49”. وأنا لا أخوض كما خاض العلامة أكثر من أن أنقل لمن يطلع على هذا، أنقل له الآيات السابقة ليحكم من يقرأ على الطباطبائي بعد أن يرى بأن نفس الكلام مقول لكل أهل الإنجيل ولأتباع نبينا. قال تعالى في سورة المائدة: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49).
بالله عليكم هل ميز الله تعالى نبينا الحبيب عن أهل الإنجيل حتى نقول بأنه منحه التصرف في التكويني في النفوس بهذه الآية أم أن العلامة …….؟
وينتهي العلامة قولَه غير المستدل بما يلي:
و يجمع الجميع أن له (صلى الله عليه وآله وسلم) الولاية على الأمة في سوقهم إلى الله و الحكم فيهم و القضاء عليهم في جميع شئونهم فله عليهم الإطاعة المطلقة فترجع ولايته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ولاية الله سبحانه بالولاية التشريعية، و نعني بذلك أن له (صلى الله عليه وآله وسلم) التقدم عليهم بافتراض الطاعة لأن طاعته طاعة الله، فولايته ولاية الله كما يدل عليه بعض الآيات السابقة كقوله: “أطيعوا الله و أطيعوا الرسول” الآية و قوله: “و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا” الآية و غير ذلك. و هذا المعنى من الولاية لله و رسوله هو الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله و رسوله في قوله: “إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا” على ما عرفت من دلالة السياق على كون هذه الولاية ولاية واحدة هي لله سبحانه بالأصالة و لرسوله و الذين آمنوا بالتبع و بإذن منه تعالى.
و الحزب على ما ذكره الراغب جماعة فيها غلظ، و قد ذكر الله سبحانه حزبه في موضع آخر من كلامه قريب المضمون من هذا الموضع، و وسمهم بالفلاح فقال: “لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه – إلى أن قال: – أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون”: “المجادلة – 22”. انتهى النقل.
إن العلامة بنفسه يعترف بأن يديه خاويتان ولذلك يتشبث بما قاله الجمع. وما ضير أن نقول بأن الجمع قد أخطأ. نحن خاضعون للحقيقة ولا نخشى أحدا إلا الله تعالى ونقول بكل سهولة بأن الجمع قد أخطأوا كثيرا والجمع سواء كانوا من المسلمين أو من أصحاب الديانات الثلاث أو من الأمم الأخرى أو من البشرية عامة فهناك أخطاء كبيرة وقع فيها الإنسانية بكل مشاهيرها ثم جاء العلم الحديث وأثبت بطلانها. وهل هذا هو استدلال عقلي؟!
المطلوب من العلامة أن يأتي بآية واحدة تدل على ولاية النبي وليس المطلوب منه أن يحيلنا إلى كلام الناس فليس لكل الإنس والجن أي دور في مثل هذا الادعاء الكبير والخطير. هذا هو شرك بالله جل جلاله وتكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض. هل هناك ولاية تكوينية للروح القدس حتى يكون للبشر مثله؟ وما قيمة ما يقوله المفترون؟ إنهم يقولون بأن الله تعالى والعياذ بالله قال في حديث قدسي مفترى على الله: عبدي أطعني أجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون!! هل يقبل العقل ذلك وهل في القرآن شيء مثله؟ إنهم بكل صراحة يكذبون على الله تعالى ولا يخافونه ويفترون عليه باسم الحديث القدسي وهو مجموعة أكاذيب مخلوطة ببعض الحقائق ولا يمكن أن يكون كلام الله تعالى. المهم أن القرآن العظيم خال من هذه المفتريات الباطلة. لكن الكتاب المقدس المعروف الذي كتبه البشر ليبدل به مفاهيم التنزيل السماوي ينطوي على مثل هذه المقولات الفاسدة.
وهناك من يظن بأن الرسول والأئمة قادرون على التصرف في الكون كله ويأمرون الملائكة ويظنون بأن الروح القدس خادم لرسولنا. كلها تخرصات وأوهام شيطانية أعاذنا الله منها. كما أن البعض يظن بأن الخلفاء الراشدين وبعض أقطاب الصوفية وبعض الفقهاء لهم نفس القدرات التكوينية. كلهم متوهمون وكلهم ظنوا بأن هناك آلهة أخرى غير الله تعالى وأظن بأنهم لم يتفطنوا لخطورة ادعاءاتهم الفاسدة.
والمسألة ليست خاصة بالمسلمين فقد أمر بني إسرائيل بذلك أيضا. قال تعالى في سورة البقرة: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44).
فحينما أمرهم بالصلاة فقد أمرهم بالركوع المفروض فيها ثم أضاف إليها إيتاء الزكاة لأن الصلاة بلا زكاة غير مفيدة عند الله تعالى كما أنها غير مفيدة في الدنيا أيضا. ولذلك فإن الركوع يعني الركوع حال دفع الزكاة والواو في واركعوا للحال يعني وأنتم تركعون مع الراكعين. والواقع أن الركوع مع الراكعين يشمل الصلاة والزكاة لمن يتعمق في الآية ولكني لا أريد التوسع الممل.
والغريب المضحك أنهم ينقلون لنا قصة الإمام علي عليه السلام حينما رُمي بسهم في ساقه فلم يتمكنوا من إخراج السهم من الساق لشدة الألم. فيشير ابنه الحسن أن يصبروا حتى يدخل أبوه الصلاة، هناك ينسى نفسه ولا يلتفت إلى أي شيء خارج الصلاة. ولذلك صبروا وأخرجوا السهم من ساقه حين الصلاة. فكيف به عليه السلام يلتفت إلى الفقير وهو في الصلاة. يقولون كل ما يروق لهم ولا يفكرون في دفع التناقض في ادعاءاتهم!!
والآن دعنا نشرح الآية شرحا بسيطا لمن يريد أن يعرف الحقيقة بإذن الله تعالى وبعد الاستعانة منه وحده. قال تعالى في سورة المائدة: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55). وهي كما وضحت في بداية البحث واقعة ضمن مجموعة آيات تتحدث عن المحبة بين المؤمنين وبينهم وبين ربهم والهدف منها إقناع المسلمين الجدد بأن دينهم الجديد جدير بأن يجمعهم تحت غطاء واحد وبأن يلم شملهم ويجعلهم قوة قادرة على حماية نفسها وحماية نفوس وأموال أفرادها. والحصر في إنما بهذا الاعتبار أن يكتفي المسلمون بالقوة الجمعية التي يكسبونها من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بخضوع ودون ترفع على من يستحق الزكاة بينهم. وليشعروا بأن ما يدفعونه للفقراء فهو ليس تكرما منهم بل تزكية لنفوسهم وأموالهم ونماء لإيمانهم ولقلوبهم وهم يقرضون الله تعالى بأن يساعدوا عبيده من مال الله تعالى نفسه ليكسبوا الأجر عند ربهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وهكذا يكسبون عناية الرحمن أيضا فيجنون قوة جمعية وقوة إلهية. فمن فوائد الزكاة أن تتقوى سواعد الأمة كلها فقيرها مع غنيها ليكونوا قوة بشرية تمنع عنهم كيد الأعادي. كما أنهم يضمنون عدم لجوء بعض ضعاف النفوس من الفقراء إلى السطو والسرقة وما يربك السلامة في أوطانهم.
فالمسلمون حملة القرآن وبنو إسرائيل حملة التوراة ومن بينهم حملة التوراة والإنجيل، مدعوون جميعا للصلاة الخاضعة لربهم وللزكاة بركوع وخضوع لله تعالى قلبيا وفيزيائيا أمام من يأخذ الزكاة حتى لا يتكبروا عليه وحتى لا يعرف المستلم من أكرمه بالمال فلا يشعر بالحرج أمام من دفع له المال. هكذا يتم التوادد والتحابب بين المؤمنين بالله تعالى. بالطبع أن هذه الدعوة لا تعني أن يرفض أهل الكتاب كتاب ربهم المحدث كما لا تعني أن رفض بعض اليهود للإنجيل كان صحيحا. ولذلك بدأ الله تعالى الآيات هكذا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59).
يلاحظ الباحث المفكر بأن الله تعالى بقي بالتزامه دعوة كل أهل الكتاب لتقبل الدين الجديد ولكن الإصرار على صحة المعتقدات القديمة يتضمن رفضا ضمنيا للإرادة الربوبية التشريعية لدفع البشرية خطوة أخرى نحو المزيد من التطور العقائدي الملائم لتطورهم الفكري. فنراه سبحانه وفي هذا المكان بالذات لم يسمِّهم أهل الكتاب بل سماهم اليهود والنصارى. ذلك ليفرق بين الذين آمنوا منهم والذين لم يؤمنوا. كما أنه لم يسمِّ المشركين مشركين بل سماهم الكافرين ليفرق بين الذين آمنوا منهم والذين جحدوا بآيات ربهم. ونحن نعرف بأن الذي جمعهم مشركين ويهودا ونصارى هو الإيمان بالخالق. لكن الله تعالى وبعد نزول القرآن وظهور آياته أكمل المعرفة بأن الألوهية والإيمان بالرب يجب أن يكون خاليا من ريب الشرك سواء فيه الشرك بكتاب أو الشرك بلا كتاب. إنه سبحانه يعرف بأن المسلمين أنفسهم في خطر إظهار التمسك بموسيقى كتابهم بعد وفاة الرسول لتشكيل مجموعة غير فكرية بعيدة عن روح القرآن ومشابهة تماما للمجموعة اليهودية أو النصرانية كما عليه المسلمون اليوم. إن أكبر وأخطر سمة للتمسك بظاهر العقيدة هي الظن السيئ بالله تعالى الذي يمسك كل التقديرات بيده والعودة إلى القبيلة والعصبة ولكن بصورة دينية. فالمسيحي يقول بأنه حق لأنه مسيحي والله معهم. واليهودي يقول نفس الشيء كما يقول المسلم نفس الشيء. لقد أصبح الدين عصبة حل محل العصبة القومية ولا شيء غيره. هذا ما يرفضه منطق السماء جل جلاله. إنه يريد أن يبقى الفكر والبحث سائدا كل المستمسكات العصبية.
قال تعالى في سورة الزمر: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19).
هذا هو الفرق الكبير بين التسليم إلى الله تعالى باعتباره الحق المطلق وبين التسليم إلى دين الآباء والأجداد والإيمان بالله باعتبار أن المجتمع والأسرة والسلف آمنت به. فالرسول يخاف الله تعالى إن عصاه وهو عليه أن يفكر لأن التذكر محصور بأولي الألباب ولا يجوز له أن يقلد أحدا. إنه أول من يعمل بالقرآن ولا يكتفي بأنه رسول الله وهو مخلص لدينه ولا يكتفي بالإخلاص لمجتمعه. إنه يجتنب الطاغوت وهم الذين يأمرون الناس بالتبعية لهم سواء فيهم الشياطين أو البشر الذين يدعون إلى أنفسهم. إنه عليه الصلاة والسلام يستمع القول فيتبع أحسنه ولا يؤمن بأن المسلم يجب أن يبتعد عن كتب الضلال بل المؤمن هو الذي يقرأ كتب الضلال مع القرآن ويفكر فيها جميعا ثم يتبع القرآن بدراية وعلم لا بتقليد وتوارث.
هؤلاء المفكرون المؤمنون يُكوِّنون لأنفسهم مجتمعا مثاليا يحبون أنفسهم باعتبار أن الله تعالى يجمعهم مفكرين ومدبرين فيحبون الله تعالى وهو يحبهم. والآن لنقرأ الآيات مرة أخرى وهي في سورة المائدة كما عرفنا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59).
واضح بأن الآيات ليست ضمن التي فتح الله تعالى بها الدعوة إلى الإسلام بل هي آيات متأخرة أتت لتصحيح مسار الذين آمنوا بالرسالة الجديدة ولكنهم لم يدركوا حقيقة الدعوة بأنها ليست دعوة حزبية بشرية لتكوين مجتمع بشري جديد بل دعوة لتكوين مجتمع فكري يؤمن بالحقيقة فيرفض المنافق والمريض نفسيا، ويسعى لجمع الأصحاء والمفكرين الذين يؤمنون بأن الخالق العظيم هو مدبر يدبر أمور خلقه ولا يمكن أن ينساهم بالقدر الذي يتبعون أوامره وبالقدر الذي يسعون للتعرف على ربهم. هذا الدين مبني على الحب الصادق وعلى حب الصادقين. فالله تعالى صادق يحب الصادقين والمؤمنون صادقون يحبون الله تعالى. ذلك لأن المؤمن يحتاج إلى حب ربه والله تعالى مدبر لا يمكن أن يحب من يقلد ولا يتدبر الحقيقة بنفسه.
لقد بنى الرسول مجتمعا فكريا على أساس إعمال الفكر في كل شيء وهو الدين الحقيقي فمن ينحرف عن الفكر والتدبير فهو مرتد عن دينه وسوف لا يحبه الله تعالى ولا يقدر له العلو على من كفر بالله. سوف يقوي الله تعالى مجموعات أخرى من البشر مستعدين لحب الحقيقة وهي الله تعالى فيحبهم الله تعالى لأنهم فعلا يبادلونه الحب. هذا يعني بأن الإسلام ليس في حكر جغرافي ولا في حكر عائلي ولا في حكر قومي. إنه دين مفتوح لكل البشر والله تعالى يداول القوة بين الأمم بقدر صدقها واتباعها للحق. وإلا فسوف يكتفي باختبارهم بالقوة والضعف. يجب الانضمام إلى حزب الله تعالى وهو ليس حزبا قوميا ولا حزبا دينيا بل هو حزب مفتوح لكل من يدخل مفكرا مدبرا مثل الأنبياء ومثل الذين نصروا الأنبياء في دعوتهم إلى الحق.
يجب أن نسعى لنتحول جميعا في العمل إلى أنبياء وإلى أصحاب أنبياء ولا نكتفي بالتبعية والخضوع للميراث وللسلفية الممقوتة عند الله تعالى. ومعنى الاستهزاء في الحقيقة هو عدم العمل بالحقيقة. ليس الاستهزاء بمعنى الرفض اللساني. لنقرأ هذه الآيات معا وهي في سورة الكهف: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107).
الحديث في هذه الآيات عن المسلمين الذين يعملون ويظنون أن سعيهم مقبول عند الله تعالى وأنهم يحسنون صنعا. إنهم اتخذوا آيات الله ورسله هزوا، فكيف تم ذلك إن كانوا مؤمنين بالله وبالرسل ويتخذون خاصة عباد الله أولياء. ونقول خاصة عباد الله تعالى لأنه أضافهم إلى نفسه بلفظ المتكلم وحده كما قال سبحانه في سورة الفجر: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30).
فكيف استهزأوا بآيات الله تعالى وهم مؤمنون مسلمون؟ إنهم في الواقع لا يتبعون القرآن ويتبعون أحكام علمائهم ولكنهم يقرؤون القرآن أو التوراة، أو التوراة والإنجيل للتغني والترنم وليس للعمل بها. فهم عمليا يستهزؤون بآيات الله تعالى بأنهم يدعون العلم بالآيات وهم لا يعملون بها. ثم إنهم يستهزؤون برسل الله تعالى إذ يدعون بأنهم يعملون بأوامر الرسول وهم يكذبون بل يعملون بأوامر رجال الدين والمعروفين بالعلماء. إن الرسل كانوا يعملون بالكتب المنزلة عليهم وليس لهم أي متبوع تشريعي آخر. فمن يدعي بأنه يتبع محمدا وهو لا يتبع القرآن فهو مستهزئ بمحمد. ولقد وضحت لتلاميذ القرآن عندي بدقة الموضوع عند تفسير الآية 140 من سورة النساء والحمد لله على ذلك. ويمكن لمن يشاء مراجعة المحاضرة المذكورة.
فالمجموعة المتكاملة من آيات سورة المائدة تهدينا إلى أن نعمل بالقرآن وحده لئلا نكون من المستهزئين بآيات الله ورسله وبأن يحب بعضنا بعضا ولا نفضل الذين يتحزبون باسم الدين على الذين يعملون بالقرآن ليحبنا الله تعالى فيفيض علينا من رحمته الوافرة في الدنيا ويتقبل خضوعنا له في الآخرة.
أحمد المُهري
5/11/2016
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/groups/Islamijurisprudence/