يوسف أيها الصديق ح 44 – قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

تواصلا مع شرح سورة يوسف :

يوسف أيها الصديق ح 44 – قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

لنعد إلى يعقوب النبي العظيم وننظر إلى تجاوبه مع طلب أبنائه.

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿98﴾

وبعيداً عن المجاملات والتعاطف أجَّل يعقوب الاستغفار لسبب علمي غاب على كثير من المفسرين مع الأسف.

قال بعضهم بأن يوسف رضي عنهم فورا لأنه شاب وبأن يعقوب لم يبد رضاه السريع لأنه عجوز لا يقبل الاعتذار بسرعة.

وقال بعضهم انه أخر الاستغفار لوقت السحر وهو كلام أكثر حكمة من القول الأول.

وأظن بأن النبي العظيم كان يعرف بأن الاستغفار دعاء ولا يجوز الدعاء أمام غير الله لأننا عبيده وعلينا أن نخفي سيئاتنا كعبيد عن أعين غير الله تعالى.

والاستغفار شهادة على النفس بالسوءى. ويعرف النبي أيضا، بأن كمال توقيره لله تعالى ألا يجهر بالقول لأنه يسمع همسات القلوب فسيكون الدعاء بالجهر قلة أدب أمام الديان العظيم.

ويعرف بأن العبد حينما يقف أمام ربه سائلا طالبا الرحمة فعليه أن يكون على يقين بأن الكريم لن يرد طلب عبده فيحتاج إلى أن ينعزل عن أبنائه ليستجلي اليقين والقطع قبل الشروع بإرسال الدعاء القلبي إلى ربه.

ويعرف بأن الصبر هو مفتاح الفرج فعليه وعليهم أن يصبروا قبل أن يثقوا بأن دعوتهم قد استجيبت فلا داعي للاستعجال. دعهم يتعلموا على الصبر، والعلم عند الله تعالى.

وقد أعقب وعده بتذكير أولاده بأن ربه غفور رحيم تطييبا لخواطرهم وإعدادا لقلوبهم لئلا ينتظروا من ربهم غير المغفرة والرحمة.

إن انتظار المحتاج من سيده مرحلة مهمة من مراحل الاستجابة لدى المولى الكريم عز اسمه. والعلم عند المتعالي الكريم.

لكن يوسف لم يتحدث عن المغفرة في الآخرة بل وعدهم بأن لا يقرّعهم في الدنيا، والعلم عند الله تعالى.

لقد تحققت آمال يعقوب فابنه يوسف حي وقد رزقه الله تعالى النبوة وها هو يقوم بجلب أسرته إلى مصر تمهيدا لبناء أمة يمكنها أن تستقبل أعظم كتاب سماوي للإنس والجن قبل القرآن العظيم.

عاد أبناؤه إلى رشدهم ورضخوا للحقيقة وتقبلوا أخاهم يوسف بقلوب راضية. ستكون هجرتهم سهلة لأن ابنه قد سبقهم لإعداد كل التسهيلات للهجرة الكبرى.

عاد ولده الصغير وابنه الكبير إليه سالمين. اعترفت له الأسرة بأنه صادق في تنبؤاته واعترفوا بأنه يعلم من الله ما لا يعلمون.

استعدت الأسرة الكريمة للهجرة إلى أرض مصر بقيادة الأب العجوز يعقوب. لقد استعدوا جميعا وجاء يوم الرحيل ليرحلوا قاصدين أرض الأهرام ضيوفا على ابنهم الوزير المرموق في مصر.

لم يفكر أحد من بني يعقوب بهذا الأمر ولم يدر في خلدهم اي احتمال لتلك الهجرة المشرفة بتمهيد من العليم سبحانه وتعالى.

ليست الهجرة دعاء استجابه الله تعالى، ولكنها تقدير ربوبي لأمر كبير قد يجهله أبناء يعقوب وكل أسرته. لكن يعقوب ينتظر ذلك ولو أنه لم يعلم مكان الهجرة برأيي القاصر.

ذلك لأن من متطلبات العواطف الأبوية أن يبحث عن ابنه فبمجرد ما أرسل أبناءه إلى مصر بحثا عن يوسف فهو يعني بأنه استيقن يومها بأن يوسف مستقر في مصر. ولعله استيقن بأن الميعاد هو مصر، بل لا يبدو هناك كثيرُ شك في ذلك.

ومن جانبه فإن يوسف أعد العدة لاستقبال أسرة النبوة في أرض الميعاد المؤقت. ولا أظن بأن يوسف ويعقوب كانا يعلمان بأن مصر ليست مكانا دائما لبني إسرائيل أو بأن التوراة سوف لا تنزل في مصر.

وهذا من غرائب هذه الأسرة الكريمة. فأبوهم إبراهيم عجز عن أن يهدي أهله في العراق كما عجز موسى فيما بعد أن يهدي قومه من الأقباط في مصر.

لقد اضطر إبراهيم للهجرة كما اضطر موسى للهجرة.

وهل بقي محمد في منزله؟ كلا بل اضطر هو أيضا للهجرة. كل أصحاب الدعوات الكبرى هاجروا أو بقوا بين أقوامهم حتى عذب الله تعالى أولئك الأقوام إلا يوسف ويونس.

أما يونس فقد جاء قومه العذاب ولكنه لسبب قد يعود إلى مستواهم الفكري والعقلي، رفع الله تعالى عنهم العذاب في آخر لحظة، وهي قصة تستحق أن يفرد لها كتاب آخر. نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى إنجاز ذلك في المستقبل القريب 74.

يبتع …..

 (هامش 74:    كتب الله تعالى على نفسه الرحمة فهو يراعي كل حالات خلقه ولا يمكن أن يحاسبهم أو يجازيهم فيما لا يملكون عمله بكل حرية وإرادة ولذلك لا يحاسب الأطفال ولا المجانين. بالطبع أن هذا لا يعني بأنه سبحانه يكتفي في إثبات الجهل أو الضعف أو الجنون بما يدعيه الفاعلون أنفسهم، بل ينظر سبحانه إلى خفايا صدورهم ويحسب حقيقة قدراتهم وأعذارهم دون شك. فمثلا لم يقبل من بني إسرائيل ادعائهم بأنهم اشتركوا مع السامري في صناعة العجل دون إرادة. قال تعالى في سورة طه: قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87). فرد عليهم الله تعالى بقوله: أَفَلا يَرَوْنَ أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا (89). فاعتبرهم أشركوا بالله تعالى فأمرهم موسى بأن يقتلوا رغبات نفوسهم لعل الله تعالى أن يغفر لهم. 

فبنو إسرائيل من أسرة قوية عريقة في المعارف الدينية وهم أذكياء من منبتهم وأولئك النفر منهم قد عاشوا فترة طويلة مع موسى بعد الرسالة وكانوا في قمة القوة فلا يمكن أن يقبل الله تعالى منهم الاضطرار أو الجهل. 

ثم إنه تعالى رفض اعتذار كل الأمم الرسالية السابقة التي أنكرت دعوات رسلها ولم يصرف عنهم العذاب بعد أن رأوا مقدمات العذاب. لكنه سبحانه ميز قوم يونس عن غيرهم. قال تعالى في سورة يونس: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (97) فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98). كما ميز يونس بنفسه من قبل. فيونس من قبل أن يصير رسولا بل لعله لم يكن نبيا بعد بالفعل بل كان نبيا بالقوة، فإنه ظن أن لن يقدر الله تعالى عليه. قال تعالى في سورة الأنبياء: وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاّ إِلَهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88). لا مجال لأن أشرح الواقعة كما أعرفها في هذا المكان ولكن يكفي بأن نعرف بأنه عليه السلام دخل ظلمات العاصفة واحتمل بأنها مقدمات العذاب حيث لا فائدة في التوبة ولكنه تاب وقبل الله تعالى توبته ورفع عنه الغم. أرجو أن يعلم القارئ بأن الله تعالى رفع عنه الغم ولكنه رأى العذاب مؤقتا في قصة غريبة سأشرحها بإذنه تعالى في ما بعد. إنه مرشح للرسالة وحاله كان كحال يوسف في السجن المؤقت حيث قدر الله تعالى أن يبقى عدة سنوات لتتغير بعض أفكاره فيستعد لتلقي رسالة ربه. 

لقد تجاسر المعدُّ للرسالة تجاسرا كبيرا على سيد الكائنات حيث لم أجد في القرآن نبيا قام بما قام به يونس فكان عذابه أليما جدا ولكن الله تعالى أعاده إلى الحياة من جديد واكتفى بما رآه من العذاب وبعثه رسولا. ذلك دليل واضح بأنه سبحانه لم يعتبر يونس مجرما مع هول إثمه وفداحة ذنبه. لقد أعطي الفرصة مرة أخرى ليكمل اختباره رسولا إلى قوم من امثاله بالطبع. هذه هي عدالة السماء التي لا تقبل الإفراط ولا تقبل التفريط. إن عدالة الرحمن تقتضي الموازنة بين ما يمنح للممتحَنين وما ينتظره منهم. هذا البحث طويل نمر عليه بسهولة خوفا من الإطناب.

وههنا بحث آخر بأن الله تعالى لا يبعث الرسل إلا لأقوامهم الذين انحدروا منهم كنوح وإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام جميعا أو يرسلهم اليهم في الصبا ليتربى الرسول بينهم ويتزوج منهم أحيانا فيصير واحدا منهم كإسماعيل ويوسف وموسى عليهم السلام، فكيف أرسل يونس إلى قوم بعيدين عنه؟ ولنعرف ذلك أولا دعنا نقرأ القصة من سورة الصافات: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)  فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148).

لقد التقمه الحوت فمات دون شك بل تقطعت أوصاله ثم إن الله تعالى بعثه مرة أخرى بأن أدخل نفسه دون بدنه المأكول إلى الأرض كما يفعل بنا قبل يوم القيامة. نبذه بالعراء قبل أن يبرأ من سقمه حتى لا يدخل عالم البرزخ فيستحيل إعادته. ثم أنبت عليه شجرة من يقطين ليخلق لنفسه من خلية اليقطين بدنا حيوانيا يناسب نفسه كما سيكون عليه الناس في العالم الآخر. حوّل هو الخلية النباتية فنبت إنسانا يناسب النفس التي خُلق لها البدن تماما بعكس العملية الأولى عند تكون الجنين في بطن امه حيث يخلق الله تعالى للبدن المتكون نفساً تناسبه. إنها عملية طويلة تحتاج إلى زمان تتجاوز عشرات السنين لأنه نوع من النشوء والارتقاء السريع. هذا هو الفرق بين الإنسان الدنيوي والإنسان نفسه في الآخرة. وهكذا نكون بلا آباء ولا أمهات هناك فلا أنساب بيننا إطلاقا ولنترك الأساطير جانبا. ولذلك حينما أراد الله تعالى ليونس أن يمر بمرحلة مشابهة للمراحل الأخروية في الدنيا بعد أن خسر الجينات الموروثة من أبويه وصنع لنفسه جينات حيوانية سريعة داخل اليقطين فإنه خسر كل ارتباط بالبشر المنحدرين من آدم وحواء فلم يكن له قوم ولم يكن له أقارب بعد ذلك. 

هذا البحث نتركه أيضا لوقت آخر ونكتفي هنا ببيان وحدة التعامل مع يونس وقومه لنعرف السر في إرساله إلى اولئك القوم الذين لم يكن ليعرفهم فضلا عن أن يكون منبثقا منهم. لقد آمن يونس حينما رأى الظلمات وآمن قومه حينما رأوا العذاب كما أشارت إليه الآيات التي أوردناها قبل قليل. لا نريد المقارنة مع قوم محمد (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا في قمة التطور الفكري زمانيا ولكن دعنا نقارنهم بقوم نوح (عليه السلام). ليس في قصة يونس مع قومه أية إشارة إلى التدبر والتفكر وإلى أية مناقشة مع نبيهم كما ليس في القرآن أي حديث عن علم قوم يونس أو احتجاجهم على يونس أو أي اختلاف بينهم كأن يؤمن بعض ويبقى الآخرون في شركهم. لكن قوم نوح مارسوا أنواع الضغط الإعلامي ضد نوح وناقشوه كثيرا كما تحدث نوح معهم عن التطور وعن تشابه الأنظمة الشمسية وقد آمن فريق وبقي فريق في شركهم. كل هذا يدل على أن يونس وقومه لم يكونوا بالمستوى الفكري لبقية الأقوام والقرى الرسالية لكنهم كانوا يشكلون تجمعا قويا سماهم الله تعالى قرية وهي تعني المكان باعتبار ساكنيه القادرين على الاكتفاء الذاتي وعلى ضيافة الغير. 

أظن بأن ما قلناه يدل على تمايز طبيعي بين الأمة اليونسية وبين الأمم الرسالية الأخرى. هذا التمايز مرتبط بالقدرات العقلية التي تدل على أن الله تعالى الذي يعمل ضمن نظام الطبيعة التي يملكها جل جلاله، قد حسب الممنوحات لديهم فرآها أقل مما هو لدى غيرهم من الأمم ولذلك خفف عليهم الواجبات والعقوبات تبعا لحقائقهم الذاتية. إن القوة العقلية هي التي تخول الإنسان الكامل للتمييز بين الصحيح والسقيم فكلما تجلت القوة لدى فرد أو أمة كلما ازداد التزامهم فيشتد تبعا لذلك عقابهم إن خالفوا سنن الله تعالى. بالطبع هذا الموضوع ليس بسيطا بل يتطلب بحثا علميا واسعا فنتركه أيضا لزمان آخر ومناسبة أخرى بتوفيق من ربنا الرحيم.  لكنني سعيا لإشباع فضول القارئ الكريم أشير إلى بعض الأمور الوجدانية التي يسهل قبولها: 

1.       إن الله تعالى يخلق الكائنات كلها ضمن نظام الطبيعة فليست الكائنات التي نراها ونعيش معها بما فيها أبداننا صناعات تركيبية كصناعات البشر التي يعالجها الصناعيون ضمن خطوات تحويلية سريعة مستخدمين الحرارة المحددة المصنوعة والتركيب الكيماوي باليد والمعايير وكذلك التفريغ والحمل المتوالي بمساعدة الآلات المصنوعة والمخازن المدروسة المبنية بصورة خاصة وغير ذلك من مستلزمات الصناعة والعلاج الفني. 

2.       .   بناء على ذلك ليس الإنسان دمية مصنوعة من مواد أرضية بحتة نفخ الله تعالى فيها النفس الإنسانية فهي حينئذ لا تحمل شخصية ذاتية ولا يمكن وصفها بالسلالة المتطورة عن طريق النشوء والارتقاء. 

3.       .   لو كان الإنسان دمية نشطها الله تعالى بالنفس الإنسانية كما تصوره المعروفون برجال الدين اليهود والمسيحيين والمسلمين لكان لزاما وضمن العدالة التي نسميها في الصناعات وحدة المعايير (Standard)، أن نحمل نفوسا متشابهة في الإدراك ونحن لسنا كذلك. ولذلك لا يمكن توظيف مقياس الدزينات وما شابهها لبيان القوة البشرية كما نفعل لبيان القوة الحيوانية. على أن أفراد الحيوانات أيضا تحمل شخصيات مميزة ولكن الإنسان كل إنسان يحمل شخصية فردية لا يشاركه فيها أخوه وأبوه وابنه. الفروق بيننا أكثر بكثير من المشتركات، كما أن الفروق بين أممنا وأقوامنا البشرية أكثر بكثير من مشتركات الأمم البشرية. 

4.       .   هذا هو السر في خلافة كل منا بأمر الله تعالى في الأرض. قال تعالى في سورة الشمس: ونفس وما سواها. فكل نفس يسويها الله تعالى مع البدن الذي يختلف عن البدن الآخر كثيرا. والمؤثرات أكثر من أن نعدها ونحصيها وكل فرد بنفسه يتأثر بها بنسب متفاوتة جدا تفوق الحصر فلا نرى بنان أحد يشابه بنان شخص آخر في هذه الأرض التي تستضيف بلايين الأفراد. وقال تعالى في سورة فاطر: . إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إلاّ مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إلاّ خَسَارًا (39). 

5.       .   بناء على ما قلناه نعرف بأن الإصالة هنا للبدن وبأن النفس مقدرة للتعايش مع البدن المختلف ونرى بعد ذلك وجدانا بأن كل إنسان منا يتغير بنفسه طيلة حياته الدنيوية التي نعيشها. لو نمعن في ذلك فسنعرف الفروق الكبيرة بين نفوسنا التي تفوق الفروق البدنية لدينا. والله تعالى يتعامل مع الأبدان لنقضي بها دنيانا ويتعامل مع النفوس ليقيمنا ويوزننا ويعطي كلاً منا حقه العادل في الحياة الأبدية. 

6.       .   فكان ضروريا أن يذكر الله تعالى لنا قصة يونس ليبرهن على عدالته وملاحظته الدقيقة لكل ما منحنا في مقابل ما ينتظره منا من تجاوب. وليقول لنا بأنه لا يمكن أن يعطي أحدا أكثر مما يستحقه ملاحظا حدة الإدراك النفسي عنده كما لا يمكن أن يؤاخذ أحدا بجريرة إلا بعد إجراء كل مقاييس العدالة عليه دون تفريق بين الناس في المنح التي لا يد لهم فيها كالوطن والسلالة والموروثات الدينية والحضارية.

سبحانه من خالق قوي عادل عزيز و يا ليتنا نعرفه ولو قليلا فنفتخر به ربا غفورا رحيما كريما لا ينسانا فلا ننساه ولا يهملنا فنعشقه ولا يقطع رحمته عنا ولو عصيناه فلا نتخلى عن العبودية والرق له لنكون من أنصار الحقيقة ومن محبي العدالة والقسط.     نهاية الهامش 74.)

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/groups/Islamijurisprudence/

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.