إن مشكلة العنف الأسري ما زالت دون حد الظاهرة الاجتماعية، لكنها تزايدت في السنوات الخمس الماضية، فإن نسبة قضايا العنف الأسري بواقع 22 في المائة من اجمالي الجرائم في المجتمع ، وما لم يتم إعطاء دور للمدرسة والمرأة في مواجهة جرائم العنف ضد الأطفال، فإن هذه الجريمة المستجدة على المجتمع ستتحول إلى ظاهرة لا يمكن الوقاية منها سوى بقانون صارم وصلاحيات واسعة للجهات التربوية، ولكل مَن يبلغه علم بوجود عنف ضد الطفل.
وإن من الواجب أن يتحرك كل فرد بدءا من ذاته ليواجه سلوك العنف المرفوض شرعا وخلقا، خصوصا داخل الأسرة لأن حالات العنف الأسري ضد المرأة وضد الطفل لم تكن لدى أذهاننا القدرة على تصورها،
فإن المكان الأخير الذي يمكن أن توجد فيه الجريمة هو البيت، ففي إطار الأسرة الواحدة المكونة من الأبوين والأبناء توجد العاطفة والحب والتضحية وكلها تقاوم؛ بل تنفي فكرة الإقدام على العنف، ولكن اليوم يحدث ما لم يكن متصورا، وأصبح لزاما على المجتمع أن يبحث عن حلول للتعامل مع حالات العنف الأسري.
إنه فيما يخص جرائم قتل الوالد بالولد فإن هذا مما يتنافى مع طبيعة الأبوة فهي قائمة على الحنان والشفقة على هذا الولد، فمن النادر أن يقتل الوالد ولده عمدا لكن قد يحدث القتل خطأ، وهنا لا يتلقى عقوبة الإعدام، لكن في بعض القضايا نستشف في بعض التحقيقات والظروف المحيطة بالجريمة أن هذا الوالد ارتقى بالفعل وقفز فوق الحنان والشفقة إلى دائرة العمد والقصد الذي يريد به بالفعل أن يقتل ولده.
أن قتل الأب أو الأم ابنه جريمة تستوجب أقصى العقوبة إذا اشترط التعمد، وتعامل كأي جريمة أخرى بالعكس يمكن أن تكون بحكم شديد العقوبة كي لا تتكرر في المجتمع، فهي قضية تهدد السلم الاجتماعي.
أن القاضي ينظر إلى التحقيقات وصحتها وظروف الحالة ويتخذ أشد العقوبة في ذلك. إن قتل أب لأولاده لا يكون إلا بسبب مرض عقلي أو وقوعه تحت تأثير المخدرات، أنه «قد يكون للمخدرات تأثير على السلوكيات وعليه قد يرتكب الشخص حوادث غير منطقية”. أنه «لدينا ما يسمى في الاكتئاب العقلي، وهي أن الشخص ونسله مسؤولين عن كل مشاكل العالم، وأن الشخص يقوم بحماية المجتمع والحفاظ عليه بقتل أولاده».
يعد الطفل معرضاً للخطر إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له وذلك في أي من الأحوال الآتية:
1-إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر.
2-إذا كانت ظروف تربيته في الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرضه للخطر أو كان معرضاً للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد
3-إذا حرم الطفل، بغير مسوغ، من حقه ولو بصفة جزئية في حضانة أو رؤية أحد والديه أو من له الحق في ذلك.
4-إذا تخلي عنه الملتزم بالإنفاق عليه أو تعرض لفقد والديه أو أحدهما أو تخليهما أو متولي أمره عن المسئولية قبله.
5-إذا حرم الطفل من التعليم الأساسي أو تعرض مستقبله التعليمي للخطر.
6-إذا تعرض داخل الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها للتحريض على العنف أو الأعمال المنافية للآداب أو الأعمال الإباحية أو الاستغلال التجاري أو التحرش أو الاستغلال الجنسي أو لاستعمال غير المشروع للكحوليات أو المواد المخدرة المؤثرة على الحالة العقلية
7-إذا وجد متسولاً، ويعد من أعمال التسول عرض سلع أو خدمات تافهة أو القيام بألعاب بهلوانية وغير ذلك مما لا يصلح مورداً جدياً للعيش.
8-إذا مارس جمع أعقاب السجاير أو غيرها من الفضلات والمهملات.
9-ذا لم يكن له محل إقامة مستقر أو كان يبيت عادة في الطرقات أو في أماكن أخري غير معدة للإقامة أو المبيت.
10-إذا خالط المنحرفين أو المشتبه فيهم أو الذين اشتهر عنهم سوء السيرة
11-إذا كان سيء السلوك ومارقاً من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو متولي أمره، أو من سلطة أمه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو عدم أهليته
12-إذا لم يكن للطفل وسيلة مشروعة للتعيش ولا عائل مؤتمن ولا يجوز في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء قبل الطفل ولو كان من إجراءات الاستدلال إلا بناء على شكوى من أبيه أو وليه أو وصيه أو أمه أو متولي أمره بحسب الأحوال
13-إذا لم يكن للطفل وسيلة مشروعة للتعيش ولا عائل مؤتمن
14-إذا كان مصاباً بمرض بدني أو عقلي أو نفسي أو ضعف عقلي وذلك على نحو يؤثر في قدرته على الإدراك أو الاختيار بحيث يخشى من هذا المرض أو الضعف على سلامته أو سلامة الغير.
15-إذا كان الطفل دون سن السابعة وصدرت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة وفيما عدا الحالات المنصوص عليها في البندين (3) و (4)، يعاقب كل من عرض طفلاً لأحدي حالات الخطر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تجاوز خمسة الاف جنيه أو بأحدي هاتين العقوبتين.
في عام 2018، شهدت وقوع 29 جريمة قتل للأبناء على يد أحد الأبوين أو شركائهما الحميميين، وينبغي التمييز هنا بين نوعين من جرائم قتل الأبناء: الأول، جرائم قتل غير مقصودة؛ بمعنى ضرب الطفل أو الابن بغرض تأديبه وخروج الأمر عن السيطرة ووفاته. أمّا الثاني، وهو أكثر انتشارًا، فيتمثل في قتل الأطفال عقب رحلة مروعة من التعذيب، أو حتى التمثيل بالجثث عقب القتل، وهو الأمر الذي ينبغي التحذير منه لئلا تتفاقم الأمور. من خلال رصدنا لجرائم قتل الأطفال على أيدي أحد الأبوين أو كليهما، نفذ الآباء 17 من بين هذه الجرائم؛ مقابل 4 جرائم نفذتها الأمهات، و4 جرائم نفذتها زوجة الأب، وجريمتين ارتكابهما عشيق الأم، وجريمتين للأب وزوجة الأب.
أسباب جرائم قتل الأبناء
من بين أغرب أسباب هذه الجرائم؛ قتل أم لطفلتها -13 عامًا-أثناء تعليمها الأعمال المنزلية، وجريمة أخرى قتل فيها الأب طفلته -5 سنوات-بماسورة مياه بداعي انخفاض مستواها التعليمي في الحضانة، كما قتل رجل طفلته -9 سنوات-في أسوان لكثرة لهوها في المنزل. سبق أن تحدثنا عن تأثير الأزمات الاقتصادية على استقرار الأسرة وانتشار الجريمة بها في موضوع سابق، لكن في رصدنا هذا نحن بصدد أمر مختلف أو أكثر تعقيدًا؛ فثلاث جرائم ارتُكبت بدافع ضيق ذات اليد أو الخوف من المستقبل، لكن بدرجة مبالغ بها، فقد أقدم عامل في مصر القديمة على قتل ابنته -9 سنوات-بعصا حديدية لطلبها «كيس شيبسي»، واعترف بفعلته من دون إبداء ندم؛ معللًا ذلك بأنها «ارتاحت من الفقر».
وعلى جانب آخر، وبدلًا عن نزاع الآباء على من يحتفظ بالأطفال عند حدوث خلافات زوجية قديمًا، رصدنا ارتكاب 6 جرائم قتل للأبناء بسبب الخلافات الزوجية أو الشك في سلوك الزوجة أو الرغبة من الانتقام من الشريك أو التخلص من أي رابط معه؛ حيث أقدم رجل على ذبح ابنه انتقامًا من زوجته التي طلبت الطلاق منه، وعذب آخر طفلته -3 سنوات-بإطفاء السجائر في جسدها حتى الموت انتقامًا من طليقته.
وقتل مصري آخر طفلته بسبب شكه في سلوك زوجته، وأقدم رابع على قتل زوجته وأبنائه الثلاثة حرقًا في المنيا بسبب الخلافات الزوجية، وأشعل أخير النار في شقة الزوجية للتخلص من زوجته وأبنائه وأهل الزوجة، ما أدى لوفاة اثنين منهم وإصابة 11 آخرين، كما ذبح سائق توكتوك زوجته وسمم أبناءه الأربعة وانتحر بسبب الشك في سلوك الزوجة.
ووقفت العلاقات غير المشروعة وراء 4 جرائم؛ فاشتركت أم مع ابنتها وخطيبها في قتل طفلها – 5 سنوات-بعد أن رآهم في علاقة جنسية آثمة. كما أقدمت أخرى على قتل طفلها -5 سنوات أيضًا-لكثرة بكائه أثناء ممارستها الرذيلة مع عشيقها، وللسبب نفسه أقدم رجل على ضرب ابنة عشيقته -3 سنوات-حتى الموت، فيما قتلت أرملة رضيعها من سفاح خشية افتضاح أمرها.
بالطبع في كل جريمة قتل يرتكبها أحد الأبوين في حق طفل يقف المرض النفسي وراءها بدرجة ما، وإن لم يكن سببًا رئيسًا، إلا أن جريمة واحدة فقط مما رصدنا كان السبب المباشر فيها هو المرض النفسي أو العقلي؛ وذلك حينما ألقى عامل رضيعته -5 أيام-أرضًا لتصاب بكسور ونزيف متعدد وتتوفى في الحال.
بعد كل ما سبق تجدر الإشارة إلى وجود عوار قانوني يساعد على تفاقم مثل هذه الجرائم البشعة؛ إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 263 من قانون العقوبات المصري والمعدلة بالقانون رقم 95 لسنة 2003، على أنه: كل من جرح أو ضرب أحدًا أو أعطاه مواد ضارة، ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكنه أفضى إلى موته، يُعاقب بالسجن المشدد أو السجن مدة تتراوح بين 3 و7 سنوات. وهي المادة المعتمد عليها غالبًا في قضايا قتل الأبناء.
جريمة الاهمال الاسري
الجريمة الأولى: تتمثل بشكل واضح في الفقرة الأولى من الفصل 479 من القانون الجنائي التي تنص الحرف على ان: (الأب أو الأم إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة).
وعليه ومن خلال استقراء ما تضمنته هذه الفقرة من الفصل المذكور تكون الجريمة التي نحن بصددها هي ذلك الترك لبيت الأسرة من طرف الأب أو الأم، ولقيام هذه الجريمة لابد من توافر ركنين أساسيين هما:
1) الركن المادي أو ما نسميه بالفعل وهو يتجلى في ترك الأب أو الأم لبيت الأسرة لمدة تزيد على شهرين بدون موجب قاهر تحت شرط مصاحبة هذا الترك للبيت الأسروي تملص المهمل الأب والأم من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة.
2) القصد الجنائي (العمدي) وهو يعني أن يكون الترك جاء بصورة عمدية ومقصودة، منها تملص وتهرب المهمل من كل أو بعض واجباته المادية والمعنوية الناشئة عن رابطة الأسرة.
وهذه الجريمة تعتبر جنحة معاقب عليها قانونيا بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
الجريمة الثانية: هي الأخرى تدخل تحت مقتضيات الفصل 479 من القانون الجنائي وعلى الخصوص الفقرة الثانية منه ونصها كالتالي:
(الزوج الذي يترك عمدا لأكثر من شهرين ودون موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل).
ويفهم من هذا النص القانوني أن هذه الجريمة لا ترتكب إلا من طرف الزوج وأنها بالإضافة إلى هذا تتطلب من حيث قيامها وجود أركان وهي كما يلي:
الركن المادي: ومقتضاه ترك الزوجة من طرف الزوج لمدة تفوق شهرين.
وجود الزوجة في حالة حمل.
علم الزوج بحملها.
القصد الجنائي: أن يكون ترك الزوج لزوجته جاء عمدا ليس نتيجة ظرف قاهر/.ومن الملاحظ أن تخلف إحدى هذه الأركان التي جاء بها النص يؤدي حتما إلى انتفاء الجريمة من حيث وجودها القانوني، أما من حيث الوصف التي تأخذه والعقاب المخصص لها فهي تدخل في نفس السياق مع الجريمة الأولى.
الجريمة الثالثة: ويشملها الفصل 480 الذي جاء على الصيغة التالية:
(يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المؤقت بدفع نفقه إلى زوجة أو أحد أصوله أو فروعه وامسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد…).
ويمكن تلخيص هذه الجريمة في الامتناع عن أداء النفقة للزوجة أو أحد الأصول أو الفروع تحت ضرورة قيام أركان متكاملة وهو:
1) فعل مادي قوامه الامتناع عن دفع نفقة.
2) أن تكون النفقة جاءت بمقتضى حكم قضائي.
3) ان يتصف هذا الحكم بكونه نهائيا أو يستلزم التنفيذ المؤقت.
4) القصد الجنائي عمدي وهو يعني كون من امتنع عالما بالحكم وامتناعه على الرغم من ذلك من تنفيذه وبدون مبرر ومقبول.
5) وهذه الجريمة مماثلة بالسالف الذكر من الجريمتين مع فارق دقيق وملحوظ وهو تشديد العقوبة على الشخص الذي يوجد في حالة العود، حيث يكون الحبس حتما.
– الجريمة الرابعة: نص عليها الفصل 482 الذي جاء فيه بالحرف: «يعتبر أحد الأبوين مرتكبا لجريمة الأسرة إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم وذلك نتيجة سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق يعاقب….». ويمكن ذكر هذه الجريمة في تلخيص بأضرار أحد الوالدين بأطفاله ولقيامها لابد من الأركان الآتية:
1) أن يكون الفعل الجرمي قد أتاه أحد الأبوين أي الأب أو الأم.
2) أن يتسبب في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم.
3) أن يكون هذا الضرر جاء نتيجة حالة من الحالات المشار إليها في الفصل المذكور أعلاه. وتعد هذه الجريمة هي الأخرى جنحة ويعاقب عليها بالحبس والغرامة سواء جاء الحكم بالحرمان من السلطة الأبوية أو لم يأت بذلك، إضافة إلى إمكانية الحكم على مقترف الفعل الجرمي أو الجريمة بحرمانه من واحد أو أكثر من الحقوق التي جاء ذكرها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر.