تصحيح أخطائنا التراثية – ساعات الصيام
تصحيح أخطائنا التراثية – ساعات الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence
فرض الله تعالى علينا الصيام في شهر رمضان وعين السبب في الصيام وفي شهر الصيام فقال عز من قائل في سورة البقرة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187).
ففلسفة الصيام كما نفهمها من الآيات الكريمة هي أن نقترب من التقوى الذي بدونه لن ندخل الجنة. وفلسفة صيام شهر رمضان هو أن القرآن الكريم أنزل في شهر رمضان ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فوجب علينا الشكر لربنا الذي أكرمنا بالهدى الدائم الباقي بيننا. بهذه النظرة البسيطة ندرك التالي:
-
الصيام مما حرمه الله تعالى في نهار رمضان هو الذي يمكن أن يجعلنا متقين فلا يمكن شراء الصيام بالمال ولا يمكن تعويضه بالقربات الأخرى. فللإمساك عن بعض الطيبات أثر في تربية نفوسنا لتتقوى ضد الشهوات ثم تتعالى على السيئات فتكسب الرضوان والجنان. يجب التنازل عن الشهوات وما يريح النفس ولا يكفي التنازل عن المال كما ظن قليلو العلم.
-
ذكر القرآن الكريم حكاية إنزال التوراة على بني إسرائيل تحت الرعب والخوف من سقوط الجبل المدمر عليهم حينما رأوه فوق رؤوسهم كأنه ظلة. هناك أخذ عليهم العهد إذ لا عهد إلا عند الخوف وفقدان الأمان. ولكن القرآن مختلف عن التوراة بأنه كتاب يتجدد فهم الناس له في كل زمان بتجدد الثقافات والحضارات والتقدم العلمي؛ فيريد ربنا أن يأخذ منا العهد بتعلمه تحت وطأة الصيام. والصيام يمثل حالة الكفاح ضد شهوات الأكل والشرب والجنس.
-
لم يذكر القرآن أية عبرة بتلاوة القرآن في رمضان فالتلاوة تؤدي إلى الاستمتاع بجمال الجمل والآيات القرآنية البديعة ولكنها لا تؤدي إلى فهم القرآن ليهتدي به الإنسان. والقرآن ليس حكرا على المسلمين فهو هدى للناس جميعا. فهو يعني بأن على المسلمين أن يتعلموا القرآن وينشروا مفاهيمه كي ينتشر هدى الله تعالى بين أبناء البشر فيهتدي من يحب الهدى عن بينة ويضل من يختار الضلال عن بينة وإدراك كامل.
-
المسلمون اليوم لا يتعاملون مع القرآن في رمضان تعاملا صحيحا فعليهم أن يغيروا برامجهم القرآنية وخاصة طيلة شهر الصيام. عليهم أن يبادروا بالتفكر في الكتاب الكريم ليتدبروا آياته ويحيطوا علما بما يمكنهم من مفاهيمه الرائعة فيغيروا حياتهم وأعمالهم مع تجدد العلم القرآني لديهم فيصيروا نماذج عملية لهدى القرآن الكريم بين كافة الأمم البشرية. لكنهم مع الأسف يهتمون في الشهر الفضيل بالسعي للتلاوة والتجويد وختم القرآن وإقامة مباريات الحفظ والتجويد. لا يوجد في القرآن الكريم أي تشجيع لتلك الأعمال الجميلة. فلو اهتموا بالتفكر في مفاهيم القرآن تاركين فهم السلف واستغلوا رمضان للعلم بالقرآن وليس للأناشيد القرآنية فلعلنا ننجو من شرور أنفسنا ومن انتشار الفوضى والقتل والسبي والحروب بيننا.
-
ظن البعض بأن القرآن هدى للناس جميعا ولكنه بينات لأهل العلم. هذا فكر خاطئ فالله تعالى لم يذكر أهل العلم حسب تعبيرهم في الآيات الكريمة ولم يخصص علم القرآن لقوم دون قوم. بل أشار إلى أن الصيام المفروض على كل الناس هو الكفيل بمساعدة الناس جميعا لفهم القرآن. كتب الله تعالى الصيام على كل الذين آمنوا من صحابة نبينا بالصيام في الآية 183 أعلاه. والخطاب بقي موجها لهم في الآيتين التاليتين لها (كتب عليكم، فمن كان منكم مريضا، فمن شهد منكم الشهر، يريد الله بكم اليسر، ولتكملوا العدة ووو). لكنه سبحانه في الآية 185 تحدث بأن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فالقرآن لجميع الناس هدى وهو بينات وفرقان للجميع أيضا؛ ولذلك قال تعالى بعدها: فمن شهد منكم الشهر فليصمه. بمعنى أن الآيات عادت إلى خطابها الأول الموجه للذين آمنوا. فالآية تدل على وظيفة مفروضة على الذين آمنوا ليصير القرآن هدى للناس جميعا.
-
الذين آمنوا في المقام الأول هم صحابة الرسول الذين آمنوا به وحضروا الوحي الذي كان ينشره الرسول بين صحابته شيئا فشيئا كما حضروا تفسير الرسول عليه السلام للآيات الكريمة. لكن آية الصيام بالذات لا تنحصر في الصحابة بل هي لكل من قام بعملية الإيمان. بمعنى أن كل من تعرف على الإسلام فآمن به تحقيقا وإدراكا منه فهو من الذين آمنوا. وسيرة المسلمين المتوارثة والمبنية على أساس وجوب الصيام على كل المسلمين دليل كاف على أن المقصود من الذين آمنوا في آية الصيام هم كل المسلمين.
-
وهناك آيات أخرى أمرنا ربنا فيها بأن نتدبر آيات الذكر الحكيم. قال تعالى في سورة الأعراف: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). فكيف نتبع القرآن إن لم نسع لفهمه بأنفسنا. لم يأمرنا الله تعالى كمؤمنين بأن نتبع فهم الرسول ولا فهم أهل العلم حسب تعبيرهم. وقال سبحانه في سورة محمد: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24). والآية تشير إلى المنافقين بأن من واجبهم أن يتدبروا القرآن، فكيف بالذين آمنوا دون نفاق؟ وقال تعالى في سورة ص: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29). فالرسول استلم القرآن ولكن التدبر ليس خاصا به بل هو للجميع وأولو الألباب هم الذين يتذكرون. فكيف يتذكر أولو الألباب لو أنهم لم يستوعبوا مفاهيم ومقولات الذكر الكريم بأنفسهم؟ فهل يتذكر الجاهل؟ إذن على كل المؤمنين أن يفكروا في كتاب ربهم ليتدبروا آياته ويزدادوا علما ومعرفة.
وعما قريب سوف يهل علينا رمضان جديد بإذن الله تعالى وعلى المقتدرين منا صيامه فرضا واجبا من الله تعالى. نحن نحتاج إلى إثبات الشهر كما نحتاج إلى فهم ساعات الصيام الواجبة.
وكم نرى من اضطراب في طرق الإثبات. فعاشت أمتنا فترة عقود على خرافة صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته دون أن يفكر أحد منهم في ميلاد الهلال أو عدم ميلاده. وقبل عدة سنوات فقط رأوا بأن دعوة الناس للاستهلال قبل ميلاد الهلال أمر مشين وباعث للاستهزاء فبدأوا يهتمون بوجود الهلال على الأقل. وينسبون كل خرافاتهم العقائدية ظلما إلى الرسول العظيم إمامنا وقائدنا الأكبر محمد بن عبد الله عليه السلام. فهل قال الله ذلك؟ وهل للرسول أن يشرع لأحد، أم أنه ناقل للتشريع؟ فالتشريع هو في القرآن وليس في أحاديث كتبها البشر بعد أكثر من قرن من وفاة الرسول. نحن نهتم بسننه عليه السلام مثل الحج والصلوات وآداب الجنازة ولكن لا يجوز لنا العمل بما لا علم لنا به. السنن توارثناها جيلا بعد جيل فلا يجوز مخالفتها ولكن الأحكام غير متوارثة بل هي من صنع الإنسان البعيد عن الوحي.
أنا بدوري كمحقق بسيط لا يمكنني أن أتقبل تشريعا لا ينسجم مع واقع الحياة أو يؤدي إلى الإضرار بالصحة العامة أو يرغم الكثيرين على البحث عن بديل مثل المرض والسفر وغيره ليتخلصوا من الفرض الشرعي. ثم إنني وجدانا وبعد أن قمت بأبحاث موسعة في كتاب السماء لاحظت بأن ما اشتهر بيننا من أحكام فليست كلها أحكام قرآنية. لقد ورثنا أكثر الأحكام من بعض سلفنا الذين كاانوا يجهلون حقائق الحياة التي عاشوها فضلا عن حياة الأمم التي أتت بعدهم. هذه الأحكام بشكلها الفعلي لا تشجع عامة البشر المتواجدين في أقاصي الشمال ولعل بعض المتواجدين في أقاصي جنوب الكرة الأرضية أن يسلموا لكتاب الله تعالى. ونحن السبب ونحن الجريمة ونحن الذين سوف نُسأل يوم القيامة وسنرى بأننا نفقد العذر الشرعي المقبول أمام الله تعالى.
من تلك الأحكام الحكم بالصوم بشكل غير مقبول وأنا هنا بصدد تحليل هذا الحكم الشرعي لنفرق بين ما هو من الله تعالى وما هو من غير الله تعالى. وقبل الدخول في الموضوع نحتاج إلى مقدمة ضرورية.
لو أن إنسانا اقترض مبلغا كبيرا من المال لغرض معقول ثم انكسر تحت ضغوط الظروف فاشتكى الدائن لدى المحكمة. هناك يمكن للقاضي أن يصدر الحكم بشكلين مختلفين:
-
أن يحكم بدفع المبلغ بالكامل للدائن باعتبار أنه أقرضها دفعة واحدة وذلك بأن تبيع السلطة التنفيذية كل ممتلكات المدين بما فيها بيته وأثاث بيته ليدفعوا حق الدائن.
-
أن يلاحظ القاضي الحالة العامة للمدين فيصدر الحكم لصالح الدائن بكامل المبلغ دون أن يمس ضرورات الحياة لدى المدين. فيقسط المبلغ عليه لفترة معقولة حتى لا ينهار المدين وهو إنسان أو يفقد كل ممتلكاته ويتعسر عليه وعلى أهله الاستمرار في الحياة الطيبة.