فتوى فضيلة الشيخ علي سالم بن يعقوب باوزير( رحمه الله )
بخصوص ربط الكهرباء من خارج العداد ———- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نظرا للظروف المادية الصعبة التي يمر بها الناس هذه الأيام .. فقد لجأ البعض ( خاصة أيام الحر الشديد ) إلى محاولات لتقليص قيمة فاتورة الكهرباء بطرق عديدة .. عن طريق إيقاف عداد الكهرباء مثلا. وحجتهم في ذلك أن الراتب لا يكفي .. وأن هناك أناسا ومنازل لمسؤلين في الدولة .. ومشائخ قبائل في المناطق الشمالية .. لا يدفعون فواتير الكهرباء .. وإنما يتحملها المساكين ، فهل يجوز مثل هذا الفعل تقديرا لظروفهم المادية الصعبة ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، هذا السؤال من الأهمية بمكان ، ولمعرفة الجواب عنه ، نحتاج لمعرفة الجواب عن الأسئلة التالية :
1) هل تعد هذه حالة ضرورة ، بمعنى هل : تشغيل المكيفات ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها ؟ تقول عائشة رضي الله عنها : ( كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي ، وإذا قام بسطتهما ، قالت : والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ) متفق عليه .
2) وما حد الضرورة التي تبيح المحظور ؟ قال الإمام ابن جزيّ رحمه الله في بيان حدِّ الضرورة في كتابه [ القوانين الفقهية ] : أما الضرورة فهي خوف الموت ، ولا يشترط أن يصبر حتى يشرف على الموت … إلخ .
3) وعلى فرض أنها ضرورة فهل الضرورة تسقط ضمان حقوق الخلق باعتبار أن الكهرباء لشركة خاصة ؟ فالجواب : إن الضرورة وإن كانت ترفع الإثم عن المضطر إلا أنها لا تبطل حق الآدميين ، كما لو اضطر شخص لذبح شاة غيره وأكل لحمها ، فإنه يضمن له قيمتها .
4) وعلى اعتبار أن المال عام مشترك ، فهل استئثار بعض الناس به يبيح لغيرهم التعدي عليه ؟ أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : ( إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ ) متفق عليه ، أثرة : أي استئثارا واختصاصا بالمال المشترك العام .
5) فإن قيل : إن العسكر يفعلونه بالقوة السلاح ! فيقال : هل يجوز ما فعله هؤلاء العسكر أو بعض المتنفذين ــ كما ذكر ــ ؟ فإن كان لا يجوز لهم ذلك فكيف يجوز لغيرهم أن يتأسى بهم ؟
6) إذا علمنا أن التحايل على الكهرباء يجعلهم يحمِّلون العجز على بقية الناس ممن لا يتحايل ، فهل بعد ذلك يحل هذا التحايل ، الذي يضرون به إخوانهم ؟
7) ما هي النتيجة فيما لو عُرف عن المشايخ أنهم يفتون بالجواز باعتبار أن مَن فوقهم يسرقون وينهبون ؟ سنكون قد فتحنا الباب على مصراعية لذوي النفوذ أن يزدادوا نهبا ، ولمن كان يستعف عن النهب أن ينهبوا من المال العام ، بحجة أن من فوقهم ينهبون ويستأثرون وحينئذ سيعظم الخطب ، وتزداد المصيبة ، ويتسع الخرق على الراقع .
8 ) ومن آثار القول بالجواز أنّ من كانت ضرورته مكيفا واحدا فقط سيشتري اثنين أو أكثر ، ومن كان يكفيه قوة طن سيشتري قوة طن ونصف أو أكثر ليكون التبريد أقوى ، ومن كانت ضرورته لتشغيله ثلاث ساعات فربما يشغله عشر ساعات أو اليوم كله …
ثم بعد ذلك ما هي النتيجة ؟ خراب الكهرباء ، وحرمان الجميع منها ، فإن الكهرباء لا تتحمل الاستهلاك الموجود الآن مع أن أكثر الناس يقتصدون فيها ؛ لأنهم يدفعون فواتيرها ، فكيف لو كانت مجانية ؟! .
وينبغي أن ينظر الشخص لعامة الناس وأكثرهم ، ولا ينظر لخاصة نفسه ، وأنه سيقتصد في الاستعمال لو أبيح له ذلك .
من هنا أقول ينبغي للمسلم أن يستعف عن مثل هذه الطرق في التحايل وأن يستغني عنها بالحلال البين ، ولينتظر الفرج من الله تعالى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ومَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ ) متفق عليه .
أقول هذا وكلي إحساس بما يعانيه الناس هذه الأيام من آثار النظام الفاسد ، والرجاء في الله كبير أن يصلح أحوال العباد والبلاد ، ويرفع عنهم البأساء والضراء بمنه وكرمه ، إنه سميع الدعاء .
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة ، فإن أصبت فمن الله وحده ، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان … وأرجو الله أن يعفو عني … والله تعالى أعلم .