الاستثمار في الغموض

مشاركتي في مجلة الرابطة الاقتصادية العدد 20 لشهر سبتمبر 2023

الاستثمار في الغموض

مجلة الرابطة الاقتصادية – العدد (20) (fliphtml5.com)

في المقال السابق (فرص العمل والاستثمار) انهيته بالاستفسار:

هل يمكن ان يستثمر أي شخص في كل هذا الغموض؟

وهنا ان فكرنا في الوضع اليمني،

أكان في مظلة الحكومة المعترف بها دولياً او في مظلة حكومة صنعاء، الوضع سيان ، فالحرب لم تنتهِ وان كان الوضع يسمى (هدنة) فعلياً فهي حرب باردة ،

حرب تنهش اقتصاد الاسر اليمنية، فيشعر بها الصغير قبل الكبير، لا يبدو ان لها نهاية،

خدمات منقطة، وصار الحد الأدنى للأجور في مناطق الحكومة التي تسلم المرتبات، يقارب 14$ ، لا يفي حتى بتغطية متطلبات معيشة لأسرة من فردين لأكثر من يومين … فما بالك بموظفين لا يستلمون المعاش أصلاً في اغلب المحافظات الشمالية..

بنية تحتية منهارة، و قوانين غير نافذة، وعدم استقرار سعر الصرف، و قوة شرائية ضعيفة ،ووو …

وكل هذا يضاف اليه غموض عميق، يصعب على التاجر ان يحتسب تكاليفه،

عندما تستعرض ما سبق سيكون جوابك عن سؤالي: هل يمكن ان يستثمر أي شخص في كل هذا الغموض؟

 بلا يمكن ان يستثمر أي شخص،

عرف القانون اليمني 15/2010، الاستثمار في المادة 3 البند 11 بأنه:

–          توظيف رأس المال في المشروع من قِبل المستثمر.

–          للحصول على فائدة، أو حقوق ملكية فكرية، أو فوائد مادية ،أو غير مادية، بما في ذلك نفقات التأسيس أو الحفاظ على المشروع أو صيانته.

ويمكنني تعريف الاستثمار أنه:

توظيف موارد اليوم للحصول على قدرات مادية وغير مادية في المستقبل.

باختصار الاستثمار عملية مستقبلية، والمستقبل غامض، والغموض رديف الاستثمار، فالاستثمار رديف للمخاطر،

يعني هذا ان الإجابة عن السؤال:

هل يمكن ان يستثمر أي شخص في كل هذا الغموض؟ ،

بنعم يمكن ان يستثمر أي شخص في كل هذا الغموض، بل في كل هذه الحروب، والصراعات،

لماذا؟

لان التفكير الاستثماري هو تفكير استراتيجي، او يمكن ان نقول بأنه تفكير استشرافي، ينظر الى المستقبل ،وما الذي يعيق الوصول اليه ،

هذا الاستشراف مبني على مجموعة من العوامل الأساسية التي تجعل الاستثمار رغم كل الضبابية ، فهناك ضوء خافت،

عاملان رئيسيان في فهم المستقبل، يبرز في مصفوفة تحدد درجة الغموض، وتأثير ذلك الغموض على الاعمال ،

يأتي ذلك التأثير من عناصر البيئة الشاملة للاستثمار التي تشمل ( طبيعة الاستثمار والموارد المطلوبة وبيئة الاستثمار والاعمال في المنطقة، والاقليم والعالم) ،

كما ان هذا يشتمل على فهم المخاطر، وقدرة المستثمر  والاستثمار على ابتلاع المخاطر ،

وهذا يحدونا الى وضع سيناريوهات متعددة ودراستها ومن خلالها يمكن تحديد هل:

  • الاستثمار فوراً،
  • او التريث قليلاً،  
  • او التعديل،
  • او التراجع.

الا اننا من اجل ذلك بحاجة الى شيء لا يمتلكها المستثمر، ويحتاجها ليتحرك فورا من خلالها ، مهما كانت درجة الغموض، وهي توفر بيئة استثمار واعمال محفزة،  

اليمن في المرتبة 187 في مؤشر سهولة ممارسة الاعمال، والاستثمار الأجنبي المتدفق مقابل اجمالي الناتج المحلي في اليمن (-1.3%) سالب بحسب البنك الدولي….. أي ان الأموال تخرج لا تدخل…

في المقابل،

الصومال التي رتبتها في ممارسة الاعمال بعد اليمن 190، الا ان الاستثمارات الأجنبية وصلت الى 6% من الناتج المحلي رغم الغموض والبلد فعليا اعني الصومال منقسم الى ما يشبه ثلاثة أقاليم، 

اذن لماذا ارتفعت الاستثمارات في الصومال مقابل اليمن،

هناك محفز استثماري امام المستثمرين لا يجدونه في اليمن،

دعوني اضع الجدول التالي للكفاءات او المعايير الأساسية لجاذبية الاستثمار،

 الكفاءات الرئيسيةالمحاور الفرعية
1كفاءة البنية الفوقية  (القوانين والإجراءات)الاستقرار السياسي.شمولية وتكامل القوانين وفاعليتها. استقلال وقوة القضاء. والسياسات الضريبية.
2كفاءة ممارسة وتأسيس الأعمالالحوافز الاستثمارية. التكامل الصناعي والتكنولوجيا.كفاءة الموارد البشرية.
3الكفاءات الاقتصادية أو جاذبية السوقالمنظومة المالية.حجم السوق، الشمول المالي والقوة الشرائية. توافر المواد الأساسية أو إمكانية توافرها.
4كفاءات  البنية الأساسية  البنية التحتية، سلاسل الإمداد ولللوجستيك، الطاقة، الانترنت. 5.     … إلخ

لو اعدنا النظر في الجدول السابق، الاستثمار في البنية الأساسية تمثل فرصة للاستثمار متى توفرت لديه، وهذا ما اتاحته حكومة الصومال في العقود مع الشركات الدولية،

فان كان الوضع السياسي غير مستقر، الا ان فعالية القوانين والإجراءات واستقلالية القضاء ذات أهمية اعلى من استقرار الوضع السياسي.

نعم يمكن تحمل بعض الجهد والصعوبة في إطلاق الاعمال، الا ان غياب المنظومة المالية والبنكية عائق أساسي لتحفيز الاستثمار.

غياب قاعدة تعليمية دافعة لنمو القدرات في سوق العمل، يمكن ان يكون مدخلا للاستثمار،

 الا ان هذا يتطلب استراتيجية تعليمية واسعة، واستراتيجية لتحفيز سوق العمل وقيادة السوق ، وهذا يعتبر الامر صعباً في ظل انسحاب الشباب للعسكرة والتجنيد في اليمن مما يعني ان حمل السلاح ذو أولوية على حمل المفك والمجرفة. وهذا ما جعل المستثمر في الصومال يبحث عن الايدي العاملة من خارج الصومال في كثير من الأحيان ، وهنا خطر في خلق فرص العمل للشباب الصومالي، وهذا ما يجعل يحرك الصومال للدفع بتأهيل شبابها وادماجه في الاستثمارات القادمة اليه، الا ان هذا يسير ببطء وهنا يمثل خطر على المدى المتوسط.

لنعد لليمن ، قد يشير البعض ان هناك أنشطة تجارية متحركة ، واعمال مقاولات وغيرها ،وهذا صحيح، فاقتصاد الحرب لا يتوقف بل ما يدور فيه من النقد خارج المنظومة البنكية اضعاف، اضاف ما يتم في الوضع المستقر ، والاقتصاد هي ميزان الحركة بين الإنتاج والاستهلاك ، او بين القدرة والرغبة ، فكلما كان تدفق الأموال كثيرة ، يتطلب ترويضها عبر تحويلها الى اعمال ، لكن كل هذا من اجل هدف واحد استمرار الإنتاج وتخصيصها لدعم المجهود الحربي، بصورة علنية او غير معلنة، وهنا يكمن الخطر ان هذه التدفقات النقدية وان مغلقة داخليا الا انها تمثل حلقة الدفع لاستمرار من يقود الحرب لمزيد من التجنيد.

مع انه يغلب على تلك الاعمال انها آنية أكثر منها مستقبلية،

اما حركة شراء وبيع الأراضي والعقار، تمثل في النتيجة الملاذ الآمن لحماية الاموال، وتدويرها في ذات الوقت الا انها تخلق تحدٍ مستقبلي ، فعند استعداد البلد لإعادة الاعمار واستقبال الاستثمار يصعب الحصول على المساحات الكافية لتلك الاستثمارات،

فمثلا ان اردنا نشاء مدن صناعية في عدن، فإين يمكن وضعها، اذا انت بحاجة مثلا 100 كلم مربع في عدن اين ستجدها ، بقع وأجزاء …

 لنقولها بصراحة،

حتى تكون عدن مستقطب للاستثمار لا يجب ان تكون هناك مدينة حرة في عدن،

 بل يجب ان تكون عدن هي المدينة الاقتصادية الحرة ، عدن كلها …

 فمن يمكنه ان يفكر ان يجعل من عدن مدينة حرة لا مدينة سياسية ، لا مدن سكنية ،

يعني ان عدن كلها مدينة اقتصادية ،

ان يتم إعادة النظر في توزيع المساحات واستردادها لصالح الدولة والتعويض ان تطلب،

يعني إعادة النظر في آلية لتوسيع عدن من حدوها الحالية لتستوعب أجزاء من لحج وابين،…

 امر صعب عن قريب، لكن هذا ما نقول عليه استشراف المستقبل…

يمكن لعدن الحرة ان تكون أكبر مشغل للعمالة في اليمن بل الاقليم، يمكن ان تتيح عدن اكثر من 1.5 مليون فرصة عمل …

هؤلاء بحاجة الى مساكنهم في عدن ، وهنا يأتي الاستثمار في محيط عدن كمدن سكنية ، كمواصلات عملاقة ….

دعونا نعود الى الواقع الآن،

من اجل التحرك في جاذبية استثمار، يجب ان تكون الحكومة قادرة على فهم الواقع وأنها بحاجة الى القطاع الخاص، وهذا بحاجة الى ما يحفزه ليكون شريكا فاعلا،

اقوى مستثمر في أي مكان في العالم هي الدولة ، أي القطاع العام ،

الا ان القطاع العام ليكون اكثر فاعلية بحاجة الى شريك قوي من القطاع الخاص..  ولهذا حديث آخر،

الا انني في النتيجة أؤكد على نقطة ان اليمن مع حجم سكانه ، ومتطلباته الاستهلاكية، وتدفقات النقد التي تدور في الأسواق الرسمية او الرمادية ، وفي ظل اقتصاد الحرب ، يدفع مالكي الأموال او من يدريها الى البحث عن ملاذ لإدارة هذه الأموال ، وبالتالي يستثمرها بطريقة ما اما في أنشطة متكررة وتقليدية ، او تحويلها الى اراضٍ وعقارات ، او ينقلها الى بلد آخر ، وهذا النزيف لن يسهم في حركة استثمارية تولد فرص عمل حقيقة او بمعنى لن تولد استثمارات كثيفة العمالة وهي المتطلب الأساسي اليوم في الانتقال الى مرحلة التعافي الاقتصادي، وهذا يتطلب مني أيضا حديث آخر ، الا ان هناك سؤال ارغب في ان يكون نهاية هذا الحديث معكم لتبحثوا عن إجابته معي:

عن الشباب الباحثين عن فرص عمل أكثر.. فهل يمكن في وضع كهذا ان ننشط الاعمال ونخلق فرص عمل؟ و هل يمكن التفكير بعودة سعر الصرف الى حدود 250 ري لكل دولار؟

وللحديث بقية

احمد مبارك بشبر

‏11‏/08‏/2023

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.