اليمن الكنز المدفون

الكنز المدفون

اليمن الكنز المدفون!

قد لا يخفى على الكثير أن اقتصاد اليمن، اقتصاد ضعيف وفقير، حيث نجد أن اليمن تحتل المرتبة 140 بين اقتصاديات العالم من 141،

ورغم ان أهل اليمن أهل تجارة جالوا البلاد، واسسوا في كل دولة ومدينة دار ، و رغم سعيهم الحثيث ان تكون الديار الكبرى في مدنهم في اليمن ، الا انه لا ينعكس على ما نراه بصورة واضحة في اقتصاد اليمن ،

انظروا كمثال: نحن اهل زراعة، الا ان العمل الزراعي تقليدي وليس استثماري، اعمال تجارية مربحة لكثير، الا اننا لا يمكننا القول ان اليمن يعتمد على اقتصاد زراعي، صحيح ان الزراعة تساهم في حدود 13% من الناتج المحلي، الا ان الناتج المحلي الاجمالي لا يزيد عن 21 مليار $ ، وجزء ليس بالقليل من هذه النسبة الزراعية تأتي من انتاج وتجارة القات 71% من الانتاج الزراعي , واغلب تلك الانشطة التجارية ذات دورة نقدية مغلقة لا تسهم في النمو لكن تحافظ على توفير اعمال للعاملين فيها، المساحة الزراعية 1.5 مليون هكتار تقريبا ، يعمل فيها متوسط 2 في كل هكتار، يعني حدود 2.5 -3 مليون عامل في الزراعة، اي بحصة سنوية في المتوسط من الناتج الزراعي لكل عامل زراعي 1120 $ ، يعني حدود 3$ ناتج زراعي يومي لكل مزارع.

ولأكون اكثر وضوحا المساحة الزراعية الاجمالية لا تتعدى 2.5% من مساحة اليمن ، والمزروع قد لا يتجاوز 1.5% والأسباب تعود لمشكلة المياه ، ولتوسيع المساحة الزراعية ، ينبغي العمل على توسيع واستصلاح مساحات زراعية مناسبة وتطوير أدوات حاصدات المياه ، ورغم ان اليمن مسقطا مهما للامطار الموسمية بفضل الله تعالى ، الا ان التوج للاستثمار المائي شعيف ومحدود ،وتوفير المياه يتطلب المزيد من الاستثمارات ، والمتطلبات ذات العلاقة ، ومن ذلك أيضا إعادة تأهيل المناطق الزراعية وإعادة توجيه التوسع العمراني في نطاقات أخرى ، يعني المزيد من الاستثمارات ، واعادة توطين وهيكلة المدن اليمنية.

و المزيد من الاستثمار، تعني المزيد من الأموال المنفقة اليوم لعوائد في المستقبل ،

كمثال،

لنأخذ البن اليمني ، انتاجه يتذبذب على حدود 20 الف طن ، من هذه الكمية حدود 30% للتصدير من الجودة العالية من البن الاخضر الجودة العالية ، عدا المصدر من البن المحمص،  يأتي هذا المنتوج من عدد كبير من المزارعين في مجال البن ، ويعمل عليها مئات التجار ، واكبر تفكير برز لدى المسئولين هو توزيع شتلات البن ، ولا نعلم هل هناك دور لمراكز الأبحاث الزراعية في اختبار واختيار العينات هذا أساسي ، ام توزيع عشوائي دون نظر لنطاق الزراعة ، وطبيعة النطاق الذي يناسب او لا يناسب الشتلات المزروعة ، والمشكلة الأساسية الأخرى التي يبحث عنها المزارع ليست الشتلات بل المياه ومدخلات الإنتاج الاخرى ، فشجرة البن تتطلب زراعتها المزيد من المياه والعناية ، هذا عدا توسيع المساحات الزراعية وتوفير متطلبات الإنتاج مدخلات وإدارة الحصاد وما بعد الحصاد ، هذا لا يمكن ان تتوقع من مزارع او اثنين او جمعية ، بل استثمارات تتدفق اما من الحكومة وهي الأساس او من المستثمرين والذين ان بادروا لا يجدون المال الذي يستوعب حجم الاستثمار المطلوب في ظل غياب الاستثمارات الحكومية والتسهيلات الأخرى ،وفي ضعف بينة البنوك والمصارف.

قس على هذا، كمثال آخر،

العسل و تحديدا عسل السدر، كمنتج تفضيلي آخر في اليمن ، لزيادة الإنتاجية وتحسين مستوياتها يتطلب الامر زيادة المساحات الزراعية لأشجار السدر ، وزيادة انتشارها على شكل مزارع استثمارية ضخمة تضم الكثير من الخلايا النحلية، بهدف تقليل التكلفة والهدر وزيادة المحصول ، من يمكنه الاستثمار في هذا النوع وفي ذات المسار مع غياب الدور الأول الاستثمارات الحكومية او تقديم التسهيلات لدفع المستثمرين للاستثمار في هذا النوع من الإنتاج.

لا اريد ان اطيل في الأمثلة، لكنني اسمع منكم من يقول ان عقلية التاجر تبحث عن سرعة دوران النقد، لتجنب المخاطر في الاستثمار، وهذه المشكلة في عدم اندفاعهم نحو الاستثمارات الطويلة الاجل،

فالاستثمار يعني: توظيف موارد اليوم للحصول على قدرات مادية وغير مادية في المستقبل.

فهل المشكلة من تفكير التاجر او رجل الاعمال اليمني؟

الإجابات كثيرة،

فقد يكون احداها هي مخاطر الخسارة والخروج السريع من السوق في وضع استثنائي في اليمن، هنا نتحدث عن التاجر المقيم في اليمن، والذي يمتلك أمواله محليا ، فكيف لنا بالتجار المهاجرين ، والمغتربين ، كيف يمكن لهؤلاء ان يكونوا جزءا من الاستثمار في الداخل ، وهم يمثلون الرقم الأول في الاستثمارات في كثير من الدول ،

اذا الإجابة فعليا: لا، ليس نمط تفكير التاجر السبب.

هناك عدة قضايا مركزية يمكن ان يتم وضعها في 3 محاور:

1.     كفاءة البنية القانونية، أكانت لفتح بيئة الاعمال وتيسير التجارة و تأسيس الاعمال، او بيئة الاستثمار، وأدوات دعم الاستثمار المحلي والاجنبي، وهذا يتطلب الكثير من العم على تحسين القوانين، و تعديلاتها واضافة القوانين، وكذا تبسيط الإجراءات وإزالة العقبات، وكذا بسط قوة القضاء واستقلاليته، و بناء قدرات الموظفين الحكوميين في كل المستويات من القيادة الى المستوى الوظيفي الأدنى، بحيث يكتمل مثلث البنية القانونية المتمثلة في الشكل التالي:

  1. الكفاءة الاقتصادية او جاذبية السوق، وهذا ناتج من وجهة نظري عن:
    1. غياب الاستراتيجية المحددة للمرتكزات الاقتصادية لليمن، ولذا غياب الرؤية الواضحة في التحول إلى النمو عبر توجيه الاستثمارات الداخلية والخارجية.
    1. ضعف البنية الفوقية والتحتية، الداعمة للتوجه الاستثماري واستغلال الموارد المتاحة بكفاءة عالية.
  2. وهذا يتطلب تطلب من وجهة نظري إعادة النظر في التوجه الاستراتيجي، او تأسيس توجه استراتيجي حال عدم وجوده والتركيز على:
  3. التركيز على اليمن كمركز صناعي للقرن الأفريقي، وما يتطلبه ذلك من تأسيس لاستراتيجية التصنيع بغرض التصدير ومراجعة وتطوير قانون المدن الحرة وتفعيل برنامج تطوير مدن الموانئ ضمن قانون وتضم هيئته ضمن الجهات المختصة في النافذة الواحدة، وتفعيل الإجراءات لتحفيز هذا التوجه.
  4. التركيز على اليمن كمركز استراتيجي للنقل الدولي وتحفيز الموانئ ومدن الموانئ،
  5. التركيز على اليمن كمركز سياحي عالمي يمثل مهد الحضارات، ويتطلب استثمارات لا محدودة وفتح باب الدراسات والأبحاث والتنقيب لزيادة فاعلية هذا التوجه،
  6. بنك مركزي قوي ومحايد، دون تدخلات السياسة والحكومة.
  7. إطلاق دراسة شاملة لوضع مفهوم نهائي واقتصادي عن (الربا والبنوك) في ورش عمل تجمع الاقتصاديين ورجال المال والأعمال، والسلطات المختصة، والخبراء، وعلماء الدين.
  8. كفاءة البنية التحتية، وقد اشرت اليها سابقا، وهي متطلب أساسي وتتمثل في الطاقة وسلاسل الامداد والنقل ، وحيث والدولة لا تمتلك كل تلك الموارد ، فما عليها الا تحفيز الاستثمار الخاص في البنية التحتية وهذا يعني أيضا العودة للنقط 1 ، وهي بنية قانونية مستندة على التجارب وافضل الممارسات للشراكة مع القطاع الخاص المحلي والدولي ، قد يشمل اطلاق قوانين متخصصة ونافذة في الاستثمار في البنية التحتية وعقود الشراكة ، وكذا قوانين لتأسيس الشركات الحكومية والمختلطة والشاملة ،

نريد ان نقوم اننا بعد بضع سنوات معدودة نتخطى التوقعات، هل هذا ممكن،

فاليوم نحقق اقل من ثلاثة من عشرة في المئة من اجمالي الدخل القومي العالمي0.03% ، وحدود 3% من الدخل القومي لأقرب جارة .

رقم ضعيف لا يعني اننا لن نصل الى تنافسية عالية معهم ، وهذا يتطلب ان نعيد النظر ،

فاليمن الكنز المدفون بحاجة لمكتشفيه المحبين،

وكما لا يمكن ان نتوقع في ظل اعتقاد الحكومات المتعاقبة ان التاجر او رجل الاعمال هو باب لكنز علي بابا ،

فسوء الفهم هذا ناتج عن سوء فهم مصدر الدخل القادم من حركة الأنشطة التجارية،

فلو تخلينا مثلا ان 50 الف تاجر حققوا ربحا صافيا سنويا 100 الف دولار ، فإن ضريبة الدخل من هذا الربح 750 مليون $ ، تخيل ان ربحه الصافي مليون ، 2 مليون، تنمية قطاع الاعمال ، و تحفيز الاستثمارات هو الذي سيدفع الى عوائد الدولة ،

لو اخذنا بمثال آخر ان 50 الف تاجر يصدر الى افريقيا كل منهم سنويا بمليون $، ولديهم تسهيلات ودعم لهذه الصادرات ، أي انهم سيرفدون على اليمن بأكثر من 50 مليار $ …

ماذا يعني هذا؟

أي اننا نحقق معالجة للميزان التجاري، و في الاقتصاد يتحقق الاكتفاء الذاتي بمعالجة الفجوة في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات، لا مأن نكون منتجين للمنتج أ او ب،

اليوم يصل العجز التجاري في اليمن لأكثر من 9 مليار $ ، يأتي غطاءها اليوم من تحويلات المغتربين التي تصل لقرابة 3.5 مليار $ ، والمنح المالية من الدول المانحة لدعم العمل الإنساني والتنموي في اليمن ،

تخيل ان لم نجد هذا الغطاء،

يعني اننا سنعجز عن الاستيراد، أي ان كل صناعتنا تتوقف، فـ 90% من حركتنا التجارية والصناعية معتمدة على الاستيراد، أي ان تجارنا سيهاجرون ، أي ان مواطنين سيتعرضون للجوع حد الموت.

من اجل هذه البلد، التي انهكتها الحرب، وضيعتها سنوات من تغافل السلطات المتعاقبة، من اجل تنمية واعدة تنظر لليمن كمركز عالمي للتجارة المتبادلة، واقتصاد يعتمد على عدة مقومات توفرها منطقة فريدة من العالم اسمها اليمن،  لدينا ارض فريدة من نوعها ، نحن بحاجة اليوم الى عقول أيضا فريدة من نوعها لتعيد النظر في اكتشاف الكنز المدفون.

أحمد مبارك بشير

5/30/2023

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.