بيان زكاة الخمس !

بيان زكاة الخمس ...
هل هي زكاة ام حدث تأريخي

مرة أخرى أخي أبا مريم   بحثت عن بحثي السابق فلم أجد وأظن أن البحث كان ضمن تفسير سورة البقرة، ولكنه غير مكتوب ولا يمكنني ان أجده. لكنني بدلا عن ذلك وجدت رسالة جوابية لأخي الدكتور حازم العبيدي مستفسرا حول الزكاة والخمس.

 ابعثهما لك أدناه وأظن بأن الجواب يمثل رأيي حتى يومنا هذا فأنا أرفض النسب الواردة في الأحاديث لعدم معقوليتها أولا ولأن الله تعالى لم يخول رسوله لتعيين النسب.

تحياتي أحمد المُهري  

أخي الكريم الدكتور حازم رعاه الله تعالى

أما بعد السلام والدعاء بالتوفيق

فأقول جوابا على استفساركم حول فريضة الإنفاق والذي اخترتم لها –على ما يبدو- عبارة زكاة الخمس:

  • إن رأيي حول فريضة الإنفاق مختلف تماما عن الآخرين. إنني غير موافق إطلاقا على الاستنجاد بالأحاديث المنسوبة إلى رسول الله عليه السلام لمثل هذا الموضوع المرتبط بالمجتمع. أظن بأن للبرلمان أكبر الصلاحيات لتعيين النسب وموارد الإنفاق بما يتلاءم مع الوضع الاجتماعي لكل زمان ولكل مكان. إن فريضة الزكاة ليست مثل فريضة الصلاة لنتبع فيها ما سمعناه عمن يدعي أنه سمعه من رسول الله قبل خمسة عشر قرنا. وأينما وحينما نفقد البرلمان فإن تجمع وجوه الأمة أو أهل الحل والعقد يحل محل البرلمان بإذن الله تعالى.
  • يقول سبحانه في البقرة 219: {… ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو } والعفو معناه المال الزائد عن الحاجة. ويجب أخذ العبرة عما قرره سبحانه في موارد كثيرة من كتابه الكريم حول المترفين وصرح سبحانه في سورة الواقعة وهو يعدد موارد أو صفات أهل النار: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين}. فعلينا أن نعلم بأن الترف غير مسموح به في الإسلام خاصة حينما تكون الأمة بأفراده أو ببنيته وتكوينه بحاجة إلى المال. ولم يذكر التاريخ زمانا استغنت فيه الأمة عن المال. ويُذكر أن رسول الله عليه السلام قال: من كان له فضل مال فليعطه أخاه. وهكذا فإن التشريع الإسلامي على ما يبدو يحرم الكنز والتخزين إلا في حدود الحاجة والضرورة، ويفرض على المؤمنين أن ينفقوا كل ما هو زائد عن حاجاتهم الضرورية.
  • لنعلم أن الإنفاق من أهم المسائل الدينية التي يشجعنا الله تعالى عليها وقد قال سبحانه في البقرة، 215 {يسألونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل. وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} والمقطع الأخير لتشريف المسألة ومنحها الزخم التشجيعي الكبير من قبل رب الكائنات جل جلاله.
  • و أما الآية المعروفة بآية الخمس وهي في سورة الأنفال، 41 {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان. والله على كل شيء قدير} هذه السورة الكريمة والسورة اللاحقة المعروفة بالتوبة والتي تعتبر جزءا من الأنفال تتحدث عن القتال وعن عدة معارك وغزوات دخلها رسول الله عليه السلام بأمر من العزيز الحكيم جل جلاله.
  • إن أحكام هاتين السورتين ليست أحكاما عامة، بل أحكام عسكرية تحمل الطابع الوقتي، فترى في نفس السورة وفي مورد حربي آخر يقول سبحانه في الآية 68 {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم}.
  • ففي هذا المورد يبيح الله لهم أن يأكلوا مما غنموا، ولكنه سبحانه يبيح لهم كل ما غنموا في المورد الأول عدا الخمس الذي أمرهم بأن يدفعوه للنظام وللمجتمع.
  • ولو كان الغنائم بصورة عامة مملوكة للمحاربين إلا خمسها لكان طارق بن زياد وجيشه مالكين لإسبانيا حسب اعتقاد الحاكمين، فهل هذا معقول؟ وقد وهب الله غنائم الغزوات مع أغنياء اليهود لطائفة دون طائفة بحجة أنهم لم يدخلوا في حرب فعلية، بل أدخل الله الرعب في قلوب اليهود فتخلوا عن ممتلكاتهم. وفي الواقع أن الله تعالى قد قضى أمرا مفعولا بالنسبة لغزوة من الغزوات حسب ما تقتضيه المصلحة المؤقتة وليس في هذا الأمر طابع العمومية.
  • إن علماء الشيعة متفقون على أن لفظة “إنما” تدل على الحصر. ولفظة “أنما” هي عين إنما ولكنها أتت بالفتح لأنها أتت بعد فعل العلم “واعلموا”. فما هو وجه الحصر في هذه الآية؟  إن سلفنا كان ولا زال الخلف يتشبث بالآية المعروفة: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون؛ بأنها نازلة بشأن أشخاص معلومين لسبق “إنما” عليها. وعليه فإن علماء الشيعة ملزمون على ترك ادعائهم بشأن آية الولاية أو ادعائهم بشأن آية الخمس! ولولا ذلك لكانوا ممن يكيل بمكيالين وهو عيب على علماء الدين. فليختاروا أحدهما وليعلنوا الخطأ العام الذي حصل في تفسير إحدى الآيتين على الأقل.
  • أما مسألة تقسيم الخمس على ستة أسهم، ثلاثة لسلالة رسول الله وثلاثة لعامة الفقراء والمشاريع العامة: فإني أتساءل هل يوزع أحد المال الذي يجمعه لغرض خيري مثل مساعدة ضحايا الزلزال مثلا بين من تضرروا على السوية بغض النظر عن حاجتهم من حيث الشدة والضعف أم أنه يدرس حالة كل فرد أو مجموعة ليوزع ما جمعه بينهم على أساس الحاجة والضرورة؟  لقد تظنن سلفنا رحمهم الله بأنهم شركاء في متاجر الناس فوزعوا نصيبهم أسهما متساوية وتخلصوا بأن ثلاثة أسهم تمثل نصف الغنيمة فلكل من الهاشميين والفقراء نصف الغنيمة. ولماذا ذكر الله سبحانه الله ورسوله وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ولم يختصر كعادة القرآن ليقول مثلا لقربى رسول الله وللمحتاجين! ثم كيف يلحقون سلالة الرسول إلى يوم القيامة، به باعتبار القرابة التي تستحق ميراث رسول الله عليه السلام؟
  • إن هذا من أعيب المسائل. فكأن رسول الله هو قيصر الروم أو ملك الفرس ليورث سلالته ما كان يستحقه من ضرائب إلى يوم القيامة. إيتوني بآية واحدة تميز بين الناس في الحقوق الدنيوية عرقيا أو نسبيا أو حتى دينيا ومذهبيا.
  • ومما يزيد من شكوك المرء في تفسير بعض السلف رحمهم الله هو تجزئتهم للآيات الكريمة ففي هذه الآية 41 من سورة الأنفال يقول سبحانه: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿41﴾ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿42﴾ 
  • فهو سبحانه يوضح مورد الآية بتذكير الصحابة الكرام بأن هذا الأمر واجب و حق على من يؤمن بالله وبما أنزل على عبده المصطفى يوم بدر. فتعميم تغطية الحكم على كل غنائم الحرب لا يخلو من إشكال بيّن، وأما تعميم الحكم على كل أرباح الناس فهو بالتأكيد خطأ غير مبرر. فالآية محصورة بـ “أنما” كما هي محصورة بغزوة بدر وتعميمها محتاج إلى دليل قرآني آخر وهو غير موجود في كتاب الله دون شك. ذلك بأن كلمة الخمس أو ما يعادلها غير موجودة في غير هذه الآية من القرآن العظيم.
  • وبعد كل هذا، فلو كانت الآية تعم كل أرباح الناس فلماذا يفتي العلماء بأن يتم خصم الخمس سنويا وليس عند تحقق الربح؟ وكيف يفتون باحتساب صافي الربح ومعناه اختصام المصروفات من الأرباح كما يعزون لدافع الخمس أن يحتفظ بمصاريف السنة لديه ويستقطع الخمس من المتبقي؟ وجوابهم بأن استقطاع الخمس من مجمل الأرباح غير عملي. لطالما ربح الناس وصرفوا أكثر مما ربحوا وهو كلام صحيح، ولكنهم هكذا يثبتون عدم تكافؤ الآية الكريمة مع واقع حال الناس وهو بمثابة الاعتراف بعدم تكامل القرآن الكريم والعياذ بالله. لو فسرنا الغنيمة بالربح لكان معناها كل الأرباح أو ما يعرف بإجمالي الربح وعند تحققها مباشرة دون انتظار السنة. فالآية تنص على وجوب استقطاع الخمس من كل ما يغتنمه المؤمنون دون أي استثناء.
  • لم يذكر الله تعالى في كتابه الكريم أية نسبة لأي نوع من الضرائب والزكوات إطلاقا ولم يخول رسول الله لتعيين ذلك كما خوله لتوزيع غنائم بني قريضة.

أحمد المُهري

1/9/2004

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.