مفهوم القرآن 7
مفهوم القرآن 7
بحث قرآني في موضوع التجميع:
دعنا نعود إلى الكتاب نفسه لنرى كيف يشهد القرآن على نفسه أنه مجموعة مفيدة.
أولا: نبدأ بسورة العلق.
1. أمر تعالى نبيه بقوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1). نفسرها أولا كما أقوله وهو: قم بالتجميع أو اجمع باسم ربك الذي خلق. بالطبع أن الرسول كان أميا وكان لا يعرف القراءة والكتابة وغير معقول أن يأمره الله تعالى بأن يقرأ بهذا المعنى ولكن من المعقول أن يأمره بأن يجمع ما أنزل عليه من القرآن ليستخلص المعاني الجديدة. ولا يخفى بأن إخواننا المفسرين لم يتمكنوا من معرفة أن هذه السورة لا يمكن أن تكون أول سورة.
2. ثم أعطاه الله تعالى مثالا عما فعله هو بنفسه سبحانه وتعالى، فأنتج موجودا جديدا بقوله الكريم: خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2). يعني بأنه سبحانه خلق الإنسان من تعلق خلية الذكر بالأنثى و تداخل الجينات المكونة لكل خلية بحيث تتنشط الجينات القوية من كل خلية وتتعالى على مشابهاتها في الخلية المقابلة (وهذا هو معنى المخلقة وغير المخلقة برأيي، وأنا أؤكد بأني أفسر القرآن برأيي ولا أهتم بالمفتريات لعلمكم). وهكذا نرى بأن الموجود الجديد أقوى من كل من الموجودين المكونين له وعلى أساسه يتطور الإنسان ويزداد علما وفكرا.
3. ثم تنتقل السورة إلى ذكر فائدة التجميع لرسول الله عليه السلام ليعلم بأنه هو الطريق الصحيح لاستيحاء العلم من ربنا فتقول: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5). فربك أكرم بك حينما يعلمك منه حينما يعطيك أي شيء غير العلم. ويؤكد سبحانه بأن هذا خاص بالبشر دون الجن ودون الملائكة طبعا لأنهم لا يتعلمون الأسماء كالبشر. والأسماء تعني الكودات حسب تعاريفنا الحديثة. فهو سبحانه يُعلِّم الإنسان ما لم يعلم لولا أنه كان متطورا بالطريقة التي قالها سبحانه في الآية الثانية. وهكذا فالنبي وصحابته كانوا أكثر قدرة على التعلم من الأمم السابقة كما أننا نحن اليوم أكثر تفوقا على الذين سبقونا من حيث القدرة على التعلم. ولذلك لا نحتاج إلى الأنبياء ويمكنننا أن نكتفي بما أعطانا الله تعالى من عقول.
تصور لو أننا نعتبر القرء كما تتفضلون أصلا لهذه الكلمة فأين يصل بنا المطاف؟!
ثانيا:
قال تعالى في سورة الإسراء: وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107). فالقرآن مجموعة علمية مقصودة تنطوي على ما يريد الله تعالى أن يعلمه لعبيده عن طريق الوحي الخاص، فرقها الله تعالى ليقرأه الرسول على الناس على مكث. فالله تعالى جمع القرآن عنده ثم فرقها للرسول في الإرسال ليتمكن الرسول من تجميع معانيها للناس على مكث. إنه يحتاج أن يتسلم القرآن العظيم شيئا فشيئا حتى لا يخطئ في تجميع معانيه. والله تعالى يرسل القرآن له بنسق يمكن له أن يجمعها دون أن يخطئ. ولو كان معناه أمرا خافيا في الأعماق فلا معنى للتفريق حينئذ أو أن معنى التفريق ينسجم مع الجمع أكثر من انسجامها مع تفسيركم.
ثالثا:
قال تعالى في سورة الأعراف: وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204). فكان الحديث للرسول أن يجتبي الآيات ولكنه عليه السلام يقول لهم بأنه يتبع الوحي ولا يمكن له أن يجتبي أو يختار ما يشاء. فالحديث هنا عن التجميع وليس عن كتابة القرآن. ولذلك أعقبه سبحانه بالأمر للناس أن يتبعوا تجميع القرآن وينصتوا للتجميع لعلهم يُرحمون. وظاهر بأن الحديث ليس عن القراءة العادية أو الترتيل كما يتراءى لقليلي العلم. فالقراءة العادية لا يزيد الإنسان علما حتى يصير في معرض الرحمة. والرحمة هنا هو المزيد من العلم والمعرفة والإنسان يزداد خوفا من الله تعالى بالمزيد من العلم به سبحانه ولذلك أعقبها العزيز الرحيم بقوله: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206). هكذا يتعلم المرء المزيد عن الله تعالى فيزداد خشوعا له وخوفا كالملائكة الذين يعبر عنهم القرآن بمن عند الله باعتبارهم أكثر معرفة من غيرهم بالله تعالى. ولا يفوتني أن أقول بأن الملائكة لا يستكبرون عن عبادة الله تعالى ولكنهم لا يعبدونه لأن العبادة هو الخضوع الاختياري لله تعالى ولا اختيار للملائكة.
رابعا:
قال تعالى في سورة يونس: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17). فالقرآن هو الذي يبين آيات الله وليس للنبي أن يبينه من تلقاء نفسه ولا يدري عنه شيئا ويخاف إن مس القرآن بأي مساس من أن يعذبه الله تعالى يوم القيامة. أتظن أخي الطنطاوي الكريم بأن النبي وصحابته يجرؤون بعد هذا التهديد أن يؤلفوا كتاب الله تعالى؟ حاشاهم من ذلك.
خامسا:
قال تعالى في نفس سورة يونس: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38). ولو تلاحظ بأن التعجيز في السور وليس في الآيات؛ والسور هي مجموعة الآيات فأنى للنبي والصحابة أن يضعوا آية مكان آية؟ لو كان كذلك لكان القرآن من تأليفهم أو من تأليف الله وإياهم. كلاهما شرك أخي فلنعرف ما ذا نقول.
يتبع..
احمد المُهري
#تطوير_الفقه_الاسلامي