يوسف أيها الصديق ح 48 – وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ

تواصلا مع شرح سورة يوسف:

يوسف أيها الصديق ح 48 – وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ

القصة التي قصها سبحانه على رسوله وعلينا تشتمل على أدوار اشترك فيها نبيان أب و إبن وأحد عشر شخصا.

يمكن أن نلخص النتيجة الإيمانية بأن النبيَّين وابناً صغيراً كانوا من المؤمنين إضافة إلى الابن الأكبر مع تردده. والتسعة الباقون لم يكونوا من المؤمنين حقا فهم ثلثا المجموعة التي تمثل أسرة نبوية واحدة. ذلك مع احتفاظهم بمواريثهم العائلية واهتمامهم بها فكيف بالغرباء البعيدين عن تعليمات السماء.

لكن كل هذه المجموعة تصلي وتصوم وتتظاهر بالدين وتؤمن حقيقة بالله تعالى، إلا أن واقعهم مغاير لظاهرهم. هذه حقيقة إخواننا البشر مع الأسف 80. إن الذين لا يريدون أن يؤمنوا يعرضون في العادة عن الانبياء ولا يهتمون بهم بل يطالبون النبي محمد عليه السلام بمعاجز كما كان لموسى وعيسى. بينما الأمر بيد الله تعالى وهو الذي يقرر ذلك وحسب ما تقتضيه الضرورات التي يراها سبحانه.

والنبي على كل حال يقوم بدوره دون أن يكترث لهذه الامور ودون أن يقصر في أداء رسالته وأما مسألة الآيات التي تعين على دفع الناس إلى الإيمان فموكولة إلى الله تعالى. هذا ما نفهمه من الآيتين التاليتين:

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴿104﴾ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴿105﴾ .

الآيتان تشيران إلى تأكيد من الله تعالى بأنّ الرسول كان يدعو الكل دون تميز في التعامل فهو لا ينتظر أجرا أبدا 81.

كأين: اسم يفيد الكثرة أو “كم” وهو مركب من كاف التشبيه وأي ويكتب بالنون قرآنيا لجواز الوقف عليه، كما يقوله النحويون.

ونحن لو ننظر في واقع المحيط الذي نعيش فيه لرأينا أنفسنا نمر على الحركات الكونية المختلفة يوميا والمعبرة عن قوة خلقية هائلة والمشعرة لقدرة إدارية مهيبة، ثم ننظر إلى أنفسنا مرة أخرى لنراها تدور ضمن نظام فاقد للخيار ولكننا نحن ندور باختيارنا، لأصبحنا مؤمنين حقا.

ذلك لأننا نشعر ونعلم بأننا مخلوقون من هذه الكواكب المتحركة ولكنها لا تدري ولا تريد ونحن ندري ونريد.

فهناك صانع وراءها أراد لنا ما نحن فيه من عقل مدبر لا تملكه أُمُّنا الشمس ولا جدتنا مجرة درب اللبانة.

فهي آية معجزة للرحمن ونحن أيضا آيات للرحمن ونمر على تلك الآيات دون أن نفكر بأننا لم نُمنح العقل والفكر سدى. وكل ما يمر الزمان فإننا نزداد علما بأعماق الكون المحيط ونتعرف على المزيد من آيات الربوبية فيزداد المؤمنون منا تمسكا بالله العظيم وخوفا منه ويزدادون تقوى ليتجنبوا مساءلة العزيز الحكيم لهم يوم القيامة عن السبب في إعراضهم عن آيات الله تعالى وعدم اهتمامهم بالتفكير فيها فهل مُنحنا القوة العقلية دون أن يُنتظر منا التجاوب معها؟

ذلك إلى جانب الحواصب والزلازل والأمراض الوبائية وغير الوبائية ومختلف الظواهر الأرضية واكتشاف الكنوز الخفية والقدرات والطاقات التي نعيشها ونتعرف عليها شيئا فشيئا.

حتى التطور البشري الصاعد إلى الأمام يدل على وجود المدير الكبير الذي يشاء لخلقه الصعود والتبدل إلى أحسن الحال.

ونرى كل المخلوقات التي تفيدنا تتطور مع تطور البشر. أليس كل ذلك آيات لله تعالى والبشر يُعرض عن ربه ويتمسك بغيره!؟ والذين يؤمنون به فهم يشركون به ما لم ينزل به سلطانا دون وجه حق.

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴿106﴾.

كل الناس هم أبناء يعقوب من حيث الإيمان وكل الناس هم من نفس النمط القديم الذي قرأنا عنهم فيما مضى. يقل المؤمنون ويكثر المشركون مع الأسف. كلهم يؤمنون بقوة الجبار العظيم ويظنون بأن للغير أدوارا أخرى حتى يتمسكوا شيئا فشيئا بالغير ويسعوا ليخدعوا الله تعالى وهو خادعهم دون أن يشعروا وهو يستدرجهم لأنهم لا يستحقون الهدى، سبحان الله العزيز الحكيم. يبتع …..

 (هامش 80: يكمل الله تعالى بيانه لحقيقة حاضري الرسالات الذين يُعتبرون نماذج لكل البشر بذكر ثلاثة مسائل مهمة جدا لبيان تكامل الدعوة النموذجية وبأن المشكلة تكمن في نفسيات المدعوين وليست في عناصر الدعوة. والمسائل هي:

1.       لم تظهر من الرسول محمد (ص) أية علامات تدل على أنه يحمل هموما دنيوية يريد بدعوته أن يتوصل إليها. على أنه كان يعلم الناس ويبين لهم حقائق لم يعرفوها من قبل، كما أنه بنى لهم كيانا وتجمعا نظيفا ليتمكنوا من إبراز قدراتهم الفنية والبدنية والعقلية بكل حرية. وقد رأوا بأن الرسول لا ينتظر منهم أجرا ولا يستهدف مرامي مستقبلية له ولأسرته.

بالطبع أن ما يذكره المؤرخون من خارج القرآن من دعوة الرسول لأهل بيته فهو غير مشفوع بدليل قرآني ولا يمكن التعويل عليه بل يجب رده ورفضه لأنه يخالف نص القرآن كما يخالف العقل والإنصاف.

حتى زواج الرسول لم يكن بقصد التمتع الجنسي أو التكاثر. كان لرسول الله زوجة واحدة أنجب منها ابنة واحدة هي فاطمة وينص القرآن على عدم وجود أبناء له كما يمكن الاستنتاج من عدم وجود بنات للنبي غيرها.

وقد عاش مع مجموعة من النساء في بيت صغير يضم غرفا صغيرة لكل واحدة منهن. فهو ليس بيت المتعة الزوجية بل هو بيت العلم وتلاوة آيات الله تعالى والحكمة كما يقوله القرآن لا كما يفتري المؤلفون المدفوع لهم من السلطات العباسية الآثمة وغيرهم من الملوك الجبابرة المجرمين.

2.       لم تكن الدعوة خاصة بأهل النبي أو بقريش أو بأهل مكة والحجاز بل كانت عامة لكل البشر والجن باعتبار أنها دعوة من رب العباد لعبيده والرسول ليس إلا ناقلا للدعوة. وكان الرسول الأمين أول المسلمين والعاملين بأوامر القرآن الكريم.

هذا الأمر كان متجليا للجميع ولم يتهمه أحد من الحاضرين بأنه يطلب سلطانا له أو لخاصته. كان يستقبل كل من يأتي، ولو أنه خصص وقتا لمجموعة قوية ليدعوهم وداهمه شخص عادي وأراد الرسول أن يتعامل مع القادم بالقانون وبأن الحق لغيره في هذا الوقت جاءه التقريع من ربه بأنه عبس وتولى أن جاءه الأعمى. رسالة عامة لمن يريد أن يتذكر دون تفريق ودون ملاحظة للمصالح القومية والعامة فضلا عن المصالح الشخصية والأسرية. هي دعوة الله تعالى لعبيده، والرسول لا يتجاوز أن يكون بشيرا ونذيرا.

3.       لم يكن نبينا حاملا لأية قوة إعجازية كما كان عليه موسى وعيسى فلم تظهر على يده أية معجزة بنص القرآن. بالطبع أن المحدثين يذكرون معاجز ليس لنا إلا رفضها لقوله تعالى في سورة الأنعام:

وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36).

              لكن الصحابة رأوا آيات أخرى من الله تعالى مثل القرآن نفسه وما رأوه من نصر في بدر وغيره وكذلك توسع الدعوة بصورة غير عادية وغير متوقعة وما إلى ذلك من آيات عامة لا تدخل في نطاق المعاجز النبوية.       نهاية الهامش 80. (

(هامش 81:  كان الرسول لا يسأل أحدا علما أو أخبارا بل كان مصدره الوحيد هو الوحي والقرآن وكان الوحي عنده مستمرا طيلة سني الدعوة وفي كل مناسبة ضرورية. أما حروبه فكانت دفاعية ولم يقم بغزوات كما ذكر المؤرخون زورا وبهتانا. حتى فتح مكة لم يكن غزوا بل دخلها لينجي أهلها من المشركين وطهرها من الأوثان ثم خرج منها إلى مدينته الجديدة يثرب.

كانت مكة وطنه الأصلي ولكنه استوطن بلدة أخرى ولم يعد إلى مكة مواطنا بل نظفها وأعادها إلى أهلها ولم يطالب أحدا بجزية أو غنيمة.

يقولون بأنه عليه السلام أعاد مفاتيح الكعبة إلى نفس الشخص الذي كان يديرها من قبل المشركين قبل أن يعلن الشخص إسلامه كما يبدو. ففتح مكة كان لأهل مكة أكثر من أن يكسب النبي شيئا منه. إنه فتح مكة لكل البشر كما يريد الله تعالى، ودعا الناس جميعا إلى الحج فأتى بالخير والمال لأهل مكة.

الصحابي في منطق القرآن هو كل من حضر الرسالة سواء آمن أو لم يؤمن. ولم نسمع أن كان للمؤمنين من الصحابة كتاب آخر غير القرآن أو مرجع علمي غير هذا الكتاب الذي نتشرف به اليوم وسيبقى بإذن الله تعالى داعيا إلى الحق حتى تنتهي الحياة البشرية في هذا الكوكب.

هذا الكتاب لم يُطبع لقاء مال للرسول و لم يطالب أحد بحق النشر والتوزيع من الناشرين أو الطابعين. فليس للنبي ولا لصحابته أو أسرته الشخصية أي عائد من القرآن.

ولو نقرأ القرآن بعناية فإننا لا نرى فيه أية إشارة بأنه كتاب المسلمين إطلاقا. حتى الجن شركاء مع المسلمين في التمتع بمزايا القرآن وهناك سور مشتركة بيننا وبينهم مثل سورتي الأنعام والرحمن.

لم يطالب أحد طيلة تاريخ المسلمين أحدا بأجر مقابل تفسيره أو التنفع به أبدا وليس بمقدور أحد أن يدعي مالكية القرآن أو يمنع الغير من الاستفادة منه بالشكل الذي يريده. وليس للمسلمين الأوائل كتاب آخر كما لم يقم الرسول بكتابة أي شيء باسمه، ولم يدون المحيطون به كتبا يتنفعون بها.

ثم إن الرسول لم يعين موظفين أو أصحاب ملابس وألقاب خاصة لإمامة المساجد أو لجمع الزكوات والنذورات والحقوق الموسومة بالشرعية. لم يكن للرسول خزينة خاصة. حتى غنائم الحرب كانت توزع على المشتركين بالسوية فأين أجر الرسول؟ كان عليه السلام يعيش على الصدقات من قومه وصحابته بنص القرآن. قال تعالى في سورة التوبة:

 وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104).

كانت الصدقات له ولغيره وليست الصدقات محرمة عليه كما ادعى بنو العباس. وليست الصدقة عيبا فهي تعني المال الذي يدفعه صاحبه لتكوين الصداقة مع المدفوع له. إن الله تعالى يقصد بالكلمة أن يحترم الذي يدفع والذي يأخذ على حد سواء فيسميها الصدقة ويعتبر نفسه آخذا للصدقات سبحانه وتعالى. والصدقة ليست أجرا. كما أن الزواج بالطريقة التي قام بها رسول الله لم يمثل أجرا.

والأجر في الواقع لا يمثل قيمة الحياة العادية التي يحق لكل أحد أن يعيشها حتى في الأنظمة البشرية المتطورة فكيف بنظام السماء. لكن الأجر في واقعه هو المقابل الحقيقي للعمل وهو ليس في مقدور أحد توفيره إلا الله تعالى الذي يثيب الرسول على عظيم كفاحه وتضحياته للبشرية.

نرى هناك بعض البشر الذين يتسلطون على رقاب الناس ويستمتعون بكل خيراتهم ويعتبرهم الكثيرون ذوي حق يجوز لهم أن يسكنوا القصور ويعيشوا الترف لأنهم يديرون البلاد. ونراهم لا يكتفون بالقصور وبالتمتع بالعديد من النساء بل يملؤون بنوك الأرض بما يسرقونه من أموال الشعوب ويعتبرون ذلك حقا لهم.

كان رسولنا يحكم بالمجان ويدافع عنهم بالمجان وقد بنى لهم كيانا باقيا حتى اليوم بالمجان، فأين الأجر الذي طالب به؟.

إن حقيقة دعوته أنه عليه السلام كان ينظر إلى ربه الذي يريد توسيع الدعوة لكل أهل الأرض فيدعو البشرية جمعاء لاتباع القرآن. ولو أن بعض المجرمين تحكموا في رقاب الناس باسم الدين والإسلام مثل بني أمية وبني العباس والفاطميين وغيرهم من الأسر الحاكمة الظالمة، فهم ليسوا على خط الدعوة المحمدية بل هم يدّعون دون دليل.

كل ذلك والله تعالى يري البشر دوما آيات كونية تذكر ذوي الألباب بأن الله تعالى حي قيوم يدير كل الوجود الممكن بعلمه وقدرته والناس يرون ذلك ولا يؤمنون إلا قليلا.         نهاية الهامش 81. )

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.