تصحيح اخطاءنا التراثية – آية مس القرآن من سورة الواقعة:

تصحيح اخطاءنا التراثية – آية مس القرآن من سورة الواقعة:

آية مس القرآن كما يسميه البعض: سورة الواقعة: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80).  

ليس المقصود هنا تفسير الآيات وليست كلها ضمن ما أنويه لتصحيح التراث. فسوف يقتصر البحث حول المطهرين ومعنى المس.

ولنكن أكثر وضوحا فإنني في الواقع أريد بيان عدم حكر المطهرين كما زعمه أستاذنا الفاضل العلامة الطباطبائي رحمه الله تعالى. ومما لا شك فيه بأن تفسيره للآية خير من تفسير الكثيرين ولكن المشكلة أن لا دليل بيدنا على أن القرآن يحتاج إلى من يفسره من خارج القرآن ليعلم أسراره. القرآن يصرح كثيرا بأنه كتاب واضح مبين ويأمرنا من أنزله علينا جل جلاله بأن نتدبر آياته بأنفسنا ونستعين بربنا ليهدينا ويعلمنا ما خفي عنا. نريد حل هذه المشكلة التي أثارها الطباطبائي بعلمه وبأسلوبه البديع. وسأذكر قول العلامة هنا والذي يضم رأي العلامة الزمخشري أيضا وأكتفي بهما لتحديد الموضوع. قال العلامة في تفسير الميزان عند تفسير الآية الكريمة:

و قوله: “لا يمسه إلا المطهرون” صفة الكتاب المكنون و يمكن أن يكون وصفا ثالثا للقرآن و مآل الوجهين على تقدير كون لا نافية واحد. و المعنى: لا يمس الكتاب المكنون الذي فيه القرآن إلا المطهرون أو لا يمس القرآن الذي في الكتاب إلا المطهرون. و الكلام على أي حال مسوق لتعظيم أمر القرآن و تجليله فمسه هو العلم به و هو في الكتاب المكنون كما يشير إليه قوله: “إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم”: الزخرف: 4.

و المطهرون – اسم مفعول من التطهير – هم الذين طهر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي و قذارات الذنوب أو مما هو أعظم من ذلك و أدق و هو تطهير قلوبهم من التعلق بغيره تعالى، و هذا المعنى من التطهير هو المناسب للمس الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث كما هو ظاهر. فالمطهرون هم الذين أكرمهم الله تعالى بتطهير نفوسهم كالملائكة الكرام و الذين طهرهم الله من البشر، قال تعالى: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا”: الأحزاب: 33، و لا وجه لتخصيص المطهرين بالملائكة كما عن جل المفسرين لكونه تقييدا من غير مقيد.

و ربما جعل “لا” في “لا يمسه” ناهية، و المراد بالمس على هذا مس كتابة القرآن، و بالطهارة الطهارة من الحدث أو الحدث و الخبث جميعا – و قرئ “المطهرون” بتشديد الطاء و الهاء و كسر الهاء أي المتطهرون – و مدلول الآية تحريم مس كتابة القرآن على غير طهارة. و يمكن حمل الآية على هذا المعنى على تقدير كون لا نافية بأن تكون الجملة إخبارا أريد به الإنشاء و هو أبلغ من الإنشاء.

قال في الكشاف،: و إن جعلتها يعني جملة “لا يمسه إلا المطهرون” صفة للقرآن فالمعنى: لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس يعني مس المكتوب منه، انتهى و قد عرفت صحة أن يراد بالمس العلم و الاطلاع على تقدير كونها صفة للقرآن كما يصح على تقدير كونها صفة لكتاب مكنون.     انتهى النقل.

الغريب أن العلامة يُخرج الملائكة من المطهرين باعتبار أنه تقييد من غير مقيد وهو صحيح ولكنه يخصص الآية لمن يحبه من المؤمنين من أقارب الرسول عليه السلام وهو أيضا تقييد من غير مقيد ولكنه لم يلتفت كما أحتمل!

فنبدأ بالسعي لفهم المس من الراغب الأصبهاني في كتابه مفردات ألفاظ القرآن.

رأى الراغب بأن المس تعني اللمس بحاسة اللمس مع الإدراك. تم اختصار النقل.

هو كلام صحيح برأيي فالمس يلازم الإدراك سواء إدراك اللذة والعذاب بالمس البدني أو إدراك المعاني بالمس النفسي. والمس النفسي ليس ببعيد عن اللذة والعذاب أيضا ولكنه مصحوب بإدراك نوع اللذة ونوع العذاب وقوتهما وما يصاحبهما من آثار أخرى كالخبرة والعلم والشعور بالتقرب أو الحذر. ولو أردنا أن نستعمل كلمة واحدة تدل على كل ما يمكن أن نستفيده من العلم المكتوب فهي هذه الكلمة. فالذي يمس القرآن هو الذي يتعرف على مفاهيمه ويستشعر بنفسه آثار هذه المفاهيم باعتبار أن القرآن ينطوي على كثير من الأمثال المقربة للمعنى إلى الذهن إضافة إلى القصص القديمة والحاصلة يوم نزوله ليعطي السامعين التأكيد على أن معارف هذا الكتاب قابل للتمتع الآدمي بغض النظر عن زمان تواجده فيه أو مكانه أو جنسه ذكرا أو أنثى أو ارتباطه بالسماء نبيا أو مؤمنا على اختلاف درجات الإيمان. فالذين فسروا مس القرآن بالتعرف على كنوزه بعد الغوص في أعماق بحاره كانوا المصيبين برأيي.

فالمس لا يمكن أن يعني اللمس بالحواس البدنية إن كان الحديث عن العلم والمعرفة وإلا قال سبحانه لا يلمسه. والنتيجة أن قول الذين ظنوا بأن مس خط القرآن يحتاج إلى طهارة من الحدث والخبث لم يبلغوا الحقيقة مع الأسف. ذلك لمس للخط وليس مسا. هناك بعض الناس وكل الجن لا يمسون خط القرآن ولكنهم يحتفظون بالقرآن في أذهانهم ويمسونه متى ما شاءوا كنبينا نفسه الذي تشرف باستلام الوحي القرآني وكان أميا يجهل القراءة والكتابة عليه سلام الله تعالى. إنه كان على قدر عظيم من الذكاء والعبقرية وكذلك الذاكرة التي تغنيه عن الحاجة للتلاوة من على الورق. ثم إن الله تعالى اختاره متميزا بعدم التعلق بالعلوم الإنسانية التي قد لا تكون صحيحة حتى لا يتأثر ذهنه بالعوالق العلمية الخاطئة كما أظن. هكذا يمكنه أن يسلط كل إشعاعاته العقلية المدركة على مخزون الوحي في ذهنه الشريف ليعيها وعيا كاملا بكل ما يمكن أن يعيه إنسان في زمانه ومكانه. وعلى هذا الأساس أمر الله تعالى الصحابة جميعا أن يطيعوه في تفسير القرآن ولا يفضلوا أحدا عليه مهما انطوى على علم أو اشتهر بالمعرفة كعلماء اليهود المتواجدين بينهم يومه والمختلطين بهم. وكان كثير من الصحابة لا يجيدون القراءة والكتابة، بل كان القرآن في بدايته محفوظا في الأذهان ثم بدأوا بالكتابة فيما بعد. فموضوع عدم مس الخط غير وارد بالنسبة لمن أنزل عليهم وحي السماء فلا عبرة فعلا بهذا الرأي التفسيري السطحي. وعلى كل حال فنحن نترحم على مفسرينا الكرام.

ثم إن القرآن كتاب جاء لكل الناس بغض النظر عن مستوياتهم العلمية أو نوع العلوم والمهن التي يتحلون بها وهو كتاب هدى في أصله ولكنه أيضا علمي في الكثير من آياته العزيزة ومعرفي عميق في نفس الوقت فلن يتأتى لكل شخص أن يستفيد منه إلا بعد التمهيد والاستعداد. دعنا نتمثل بعلم من العلوم ولنفترض الطب فهو يمثل علما بشريا واسعا ينطوي على أعماق وعلى فروع كثيرة في زماننا. هناك معلومات عامة يمكن لكل طبيب أن يفهمها ولكن هل للطبيب المتعمق في أمراض القلب أن يتعمق في مفهوم كشف الجريمة في القرآن، وهو وارد في سورة البقرة للعلم؟ حتى المفاهيم المعرفية مثل جملة: وما تشاءون إلا أن يشاء الله، فهي في غاية الدقة وتؤدي إلى الاعتقاد بالجبر لو أننا لا ندرك عمق الموضوع.

دعنا نعطي مثالا آخر: هناك طبقة كبيرة من المعروفين بأهل العلم الذين أنفق عليهم أهلوهم والدولة والأمة برمتها ليتفقهوا في الدين فهل تمكن هؤلاء طيلة القرون الماضية وحتى زماننا هذا أن يعرفوا القرآن بعمق؟ كلا، في الحقيقة. اسمحوا لي أن أكتب بعض الأسئلة وابحثوا عن الجواب في كتب التفسير المعروفة لتقفوا بأنفسكم على حقيقة الأمر.

1. لماذا لم يدع الله تعالى المسلمين للحج بل دعا البشر جميعا للحج في كل القرآن، فهل الحج عبادة إنسانية أم إسلامية؟

2. لماذا ذكر الله تعالى كيفية الوضوء كاملة في القرآن ولكنه اكتفى بالأمر بالصلاة ولم يذكر تفاصيلها؟

3. لماذا يعتبر القرآن البدريين محسنين شجعانا في حين أنهم كانوا في حدود 300 شخص وقد ساعدهم 3000 ملك على الأقل إن لم نقل 5000، فيصير مجموعهم 3300 في مقابل أقل من 1000 من المشركين، مع العلم بأن الملائكة أقوى بكثير من البشر؟

4. لقد حرم الله تعالى بعض الطيبات مثل شحوم الأنعام على بني إسرائيل جزاء لظلمهم. لكنه تعالى يقول في سورة النساء بعد ذكر قصة اتهامهم لأم المسيح و سعيهم لقتل المسيح بأنه حرم عليهم تلك الطيبات بظلمهم ذلك كما نقرأ القصة في الآيات 156 – 160 من النساء. فأين المسيح وأين تحريم الطيبات الذي سبق مجيء المسيح بأكثر من 13 قرنا أيام الرسول موسى عليه السلام؟

5. ما هو القربان الذي تأكله النار والذي طالب اليهود نبينا أن يأتي بإعجاز مشابه؟ الطلب موجود في سورة آل عمران: 183.

لنكتفي بهذه الأسئلة المتوسطة والسهلة ليعرف القراء بأن مفسريهم لم يتعمقوا وبأن ما أنفقوه على حوزاتهم العلمية وجوامعهم الأزهرية والمدنية وغيرها قد ذهبت سدى. علماء يجهلون قرآنهم.

والواقع أن القرآن مع سهولة بيانه ومرونته ووضوحه فإن فهمه يحتاج إلى عناية ربانية خاصة وإلا فلا يمكن فهمه. أما العودة إلى السلف فهي رأس الخطيئة. أردت أن أوضح بالمثال خطأ الذين ظنوا بأن هناك عددا من الناس وقد طهرهم الله تعالى في القرآن وهم وحدهم الذين يعرفون كنه القرآن. ولا أدري أين تفسير الحسنين للقرآن وأين تفسير الإمام علي أو فاطمة عليهم السلام لهذا الكتاب؟ ناهيك عن الذين ألحقوهم بالخمسة وهم بقية الأئمة التسعة، فأين تفسيرهم وحلهم لمشاكل المسلمين في فهم القرآن؟ إن المكتبة العربية ولعل المكتبة الإسلامية برمتها تخلو من تفسير واحد لهم يوضح لنا غوامض القرآن فادعاء الطباطبائي وبقية المفسرين باطل عمليا ولا قيمة لها في ميزان الحقائق. لو كان المطهرون حسب ادعائه يعلمون معنى فواتح السور بصورة مستدلة لزين الطباطبائي تفسيره بها ولكننا نحن نعرفها والحمد لله دون الحاجة إلى السلف أو إلى المطهرين كما يدعون.

فالمطهرون هنا ليسوا المزعومين في سورة الأحزاب. والآن دعنا نتعرف عليهم. قلنا في هذا البحث المختصر بأن كل محترف أو عالم يتحلى بمجموعة من المعلومات وهو يعتبرها أصولا علمية يصعب عليه الابتعاد عنها. فذلك الطبيب الذي يريد أن يعرف معنى المسائل الفيزيائية أو يريد أن يتعرف على سعة بيان الجينات في القرآن؛ وذلك الفيزيائي الذي يريد أن يعرف حقيقة الانفجار الكوني وحقيقة الشيء الذي تم تفجيره؛ وذلك الذي يظن بأنه عالم دين ويريد أن يعرف السر في عدم ذكر الله تعالى لتفصيل الصلاة؛ أولئك عليهم أن يتخلوا عن عوالقهم الذهنية ويطلبوا من ربهم المعرفة بدون التوسل بالتراث وبكتب التفسير وغير التفسير أو بالكتب العلمية الأخرى. هنالك يطهر الله تعالى أذهانهم مما تحول دون سبرهم في أغوار حقائق الوجود ويتعرفوا على كنوز القرآن فيزدادوا علما ومعرفة بكتاب ربهم. هذا الباب مفتوح لكل الناس بغض النظر عن دينهم. نحن في جلساتنا التفسيرية التي بدأت قبل حوالي خمسة عشر عاما قد جربنا ذلك وفتح الله علينا أبوابا من العلم والمعرفة بالقرآن، كنا نحلم بها سابقا فأصبحت حقيقة بعد أن تخلينا عن التراث.

هذا الكتاب جاء ليهدي الجن والإنس فلا يمكن حكره على أناس ماتوا. ويقولون بأن أحدهم حي ولكنه يخاف أن يظهر نفسه فما فائدته لنا؟ إنهم يتشبثون بالأساطير أو بالأشعار أو بالتعابير المنضدة كقولهم إن فائدة المهدي المنتظر لنا كفائدة الشمس تحت السحاب. لكننا نستفيد من الشمس تحت السحاب ولا نستفيد شيئا من هذا الخائف الأسطوري المزعوم. يكفيكم إخواني وأخواتي التمسك بالحشائش. هذا الكتاب هو أعظم هدية سماوية لكم جميعا فاذهبوا إليه بقلوب صافية وأذهان مغسولة من تراثنا الأحمق الهزيل ليعلمكم. إنه هو سبحانه الذي سوف يطهر قلوبكم لتتمكنوا من معرفة حقائق القرآن وهو ربكم ورب العالمين جميعا وليس ربا لمجموعة اختلقها لكم السلف ولم نر أحدا منهم ولا أثرا علميا مفيدا من تراثهم سوى الادعاءات الخاوية والفضائل المزعومة المرفوضة.

هذا ما يقوله القرآن فلنستمع إليه. قال تعالى في سورة البقرة وهي أول مرة يذكر القرآن اسم القرآن في القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186). لنتعمق قليلا في الآيتين الكريمتين فهو سبحانه يخاطب الرسول كما ترونه في الآية الثانية والقرآن برمته خطاب للرسول في الواقع، ويقول له ربه بأن القرآن هدى للناس. ويعني بأنه غير حكر على أشخاص مميزين. ثم يأمر الناس أن يصوموا لتطهير نفوسهم وليتقربوا ولو قليلا إلى ربهم. ومن السهل أن نعرف بعض أسبابه. فالله تعالى لا يأكل ولا يشرب فأنت بامتناعك عن الأكل والشرب تتقرب ما أمكن إلى ربك ولو في هذه الجزئية. كما أن ملائكته الذين يباشرون إيصال الوحي إلينا احتمالا فهم أيضا ليسوا من أهل الأكل والشرب وممارسة الجنس التي نتركها ساعات طويلة في الشهر الكريم.

والله تعالى يؤكد بأنه ربكم الذي يريد بكم اليسر دون العسر ولكن الصوم ضروري لحد أن إكمال عدته ضرورية لنا كعبيد لنتعرف على ربنا فنشكره. وكيف نشكره فهو يذكر لنا قبل الشكر بأن نكبر ربنا على ما هدانا بالصيام. هذا يعني بأن الصيام بطبيعته يطهر نفوسنا لتشعر بربها ولو قليلا. ثم يضيف سبحانه بأنه قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه. يقول ذلك للنبي أن يقوله لنا ولم ذلك؟ إنه كان معنا ويخاطبنا مباشرة في الآية الأولى عن طريق آبائنا الصحابة المحيطين بالرسول وهم الذين آمنوا بأشخاصهم.

إنه سبحانه ومن عدة صفحات قبل ذلك يخاطب الصحابة ويكرر مرات ومرات. ثم إنه يعود إليهم مرة أخرى فلا بد أن يكون هناك داع مهم ليتوجه إلى الرسول ويحدثه بحديث مرتبط بنا وهو في حال الحديث مع الذين آمنوا جميعا. ذلك قطعا مرتبط بالرسول وبعلاقته مع صحابته. إنه هو الذي يقرأ عليهم كتاب الله تعالى لأول مرة ثم يبادر بعد ذلك بتقديم تفسير مناسب مع زمانهم ومكانهم لما تلاه عليهم. فالصحابة سوف يظنون بأنه علَّمهم وهداهم كما هو حال كل تلميذ مع أستاذه. والله تعالى شديد الاهتمام بأن يقول لعبيده بأن هذا الرسول الأمين عاجز عن إيتائهم العلم الذي هو منحصر في إرادة العزيز المتعالي عز اسمه. لا نرى في القرآن أية إشارة إلى أن الرسول يؤتي صحابته العلم. إنه يؤتيهم المال والحب ولكنه لا يؤتيهم العلم. ذلك بأن الإيتاء معناه الإيصال إلى المكان الذي يستفاد منه ولا يمكن الاستفادة من العلم في الكتب ولا في ديسك الكمبيوتر ولا في قلوب الغير بل يجب تواجده في قلب كل شخص ليستهدي به ويستفيد منه. ذلك يعني بأن العلم لو لم ينطبع على قلب المرء فلا مجال للاستفادة منه بسب عدم القدرة على إدراكه لعدم وجوده في مركز الإدراك وهو النفس وليس خلايا المخ ولا الحمل تحت الإبط كمثل الحمار يحمل أسفارا. و النفس بيد الله تعالى وحده ولا سبيل إلى تغييرها من جاهل إلى عالم بدون التدخل المباشر من ربها عز اسمه.

فقال لنبيه أن يقول لهم ذلك كنوع من الاعتراف بعجزه على التصرف في نفوس صحابته. و الآية صريحة بعدم حاجة عبد إلى غير ربه الذي هو قريب منه وكل الآخرين بعيدون عنه. ذلك لأن الله تعالى بإشعاعاته الربوبية النفاذة محيط بكل شيء ومنها نفوسنا لكن أهلينا قريبون منا بدنيا ولا دخل لهم بنفوسنا. ويمكننا أن نعرف ذلك بكل سهولة. فكل إنسان يتكلم مع أبيه أو زوجه بكلام ويضمر شيئا آخر في قلبه دون أن يتمكن الأب أو الزوج من التعرف على ما أخفاه ولكن لا يمكن ذلك مع الله تعالى. فثبت بأنه أقرب إلينا من أقرب أقربائنا البشريين.

إن بعض الجاهلين يظنون بأن رسول الله عليه السلام كان يعرف خفايا القلوب حتى أن بعضهم يظن ذلك في بعض خواص الصحابة إضافة إلى المعروفين بالأئمة الاثني عشر والله تعال يفند كل ذلك حين يدعونا لنستقي من معينه الفياض. ولمعرفة ذلك أوجه أنظار الإخوة والأخوات إلى سورة التحريم التي تتحدث عن إخفاء إحدى زوجات النبي حديثا دار بينها وبين ضرتها دون علم زوجهما. فلما أخبره النبي قالت بصورة عادية بأنه ليس من شأنه أن يتعرف على ما دار بينها وبين زميلتها بقولها: من أنبأك هذا؟ ولا يدعي النبي بعدها علمَه بما تخفيه عنه زوجاته بل قال بأن الله تعالى أخبره بهذه الجزئية. فهو فعلا لا يعرف ما يجول في الخواطر وهو بعيد عن نفوس الناس. ولذلك كل قصص الأئمة التي تنطوي على معرفة الخواطر والضمائر فهي كاذبة بالضرورة ولا داعي للبحث عن المصدر لعدم إمكانية تعرف البشر على ما في قلوب الغير.

وقول بعض الإخوة قليلي العلم بأن النبي والأئمة لو شاءوا أن يعلموا لعلموا هو قول باطل وسخيف. قولهم غير مستدل قرآنيا ومن ذا الذي يعرف هذه المسألة غير الله تعالى فمن أين أتوا بهذا الكلام المختلق؟ ثم إن النبي وفي مورد التحريم لم يقل بأنه شاء أن يعلم ما يدور بين زوجاته فعلم بل قال بأن الله تعالى أنبأه. والإنباء يعني إخباره بخبر ليس بيده أن يعلمه لولا ذلك.

يقول الراغب في معنى النبأ: “النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب ”   انتهى النقل.

فلما يقول الرسول بأن الله أنبأه يعني بأن الله تعالى هو الذي أعلمه الخبر اليقين بجزئيته ولولاه لم يكن ليعرف. وإلا لأبلغ زوجته بأن الله تعالى أعطاه القدرة على كشف الأنباء.

يقول الله تعالى لنبيه بأن يقول لصحابته معترفا على نفسه بالضعف وعدم الاطلاع بأن ربهم قريب منهم ويجيب دعوتهم إذا دعوه. ثم يضيف سبحانه: فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون. ومعنى ذلك أنه سمح لهم بدعائه بأن دعاهم إلى نفسه فليستجيبوا له. هذه الاستجابة لدعوة رب العالمين يساعدهم على الإيمان به وهو يعني بأنهم سوف يزدادون معرفة بربهم من حيث العلم الأكثر بالله جل جلاله ومن حيث الفوائد التي يكسبها كل شخص من الارتباط برب العالمين فيزداد إيمانا. ثم يضيف سبحانه: لعلهم يرشدون. وهو يعني بأن هذه هي الوسيلة التي تساعدهم على الرشد ومعناه البلوغ المعرفي لما وراء المؤثرات حتى يصل إلى المؤثر الأول الذي يهز كل شيء بإرادته السامية المحيطة والمسيطرة عظمت قدرته. كل ذلك يوضح مقدمات الهدى والخروج من ضلال الجهل والعمى. وكل ذلك يؤكد حاجة الذين هم أمام رسول الله إلى الله تعالى نفسه ليطهر نفوسهم ويجعلها قادرة على كسب المعرفة والتعرف على الحقيقة. فالذي طهر النفوس هو الله تعالى والذي عجز عن ذلك هو نفس المطهر المعروف بين إخواننا أصحاب الدعوى غير المستدلة. وهو سبحانه الذي يُعَلم الناس كتابه وكنه آياته وليس النبي ولا أحد غيره وليس تطهير الله تعالى حكرا لشخص دون الآخرين ولا لأمة دون بقية الناس ولا للإنس دون الجن وإلا تأثرت عدالته. حاشاه سبحانه من ذلك وتنزه من كل تمييز بين عبيده. فمن أين أتوا بهذه الجمل المنضدة الخالية عن أية حقيقة معرفية؟ لا أدري وليس أحد يدري غير أننا عادة ما نقول بأن الشيطان هو وراء كل ذلك ليبعد الناس عن ربهم بخلق الأنداد له سبحانه في أذهانهم.

ولنأت بآية أخرى لنعلم بأن الله تعالى فعلا يتولى تعليم القرآن كما يمنع وصول هذا العلم إلى من لا يستحق. قال سبحانه في سورة الإسراء مخاطبا معلم الصحابة ورسوله المصطفى: وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46). فنرى بأن النبي يقرأ ويبين رأيه ولكنه عاجز عن أن يجعل الذين لا يستحقون القرآن متفقهين لما يقوله. ولنعلم بأن القراءة غير التلاوة بل تعني تجميع المواضيع للفهم الدقيق فقرأ تعني جمع. والسبب الأصلي بأنهم يحبون الله تعالى مع من يحبون ولا يحبونه وحده دون إضافة أي من عبيده إليه. ويبين سبحانه السبب في توليه بنفسه مسألة إيتاء القرآن من منعه بعد ذلك في نفس السورة: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54). فالله تعالى يتولى مسألة التعليم الفعلي باعتبار علمه بحقائق النفوس فليس النبي وكيلا على الناس فالله تعالى لا يحتاج إلى وكيل بينه وبين عبيده. ويوضح سبحانه العائق الكبير بدقة في الآية التالية من نفس السورة وضمير الغائب يشير إلى النبيين المذكورين قبل آيتين: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57). ومعناها باختصار أن الذين تدعونهم فهم بأنفسهم يبحثون عن وسيلة تقربهم إلى ربهم، فانظروا أيهم أقرب، هل الله تعالى أم هؤلاء (الأنبياء) ولا ننس بأن الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد. أضف إلى ذلك أنهم (أولئك الأنبياء) يرجون رحمة الله ويخافون عذابه لأن كل المكلفين يحذرون عذابه. وهذا يعني أن الله تعالى لا يفرق بين أحد في المحاسبة من حيث المناصب الدنيوية ومنها النبوة والرسالة. ويشير سبحانه إلى رجائهم وخوفهم ليقول لنا بأن الذين تلتمسون منهم التوسط فهم بأنفسهم يخافون ربكم ويرجون رحمته فلو تأتّى لهم لساعدوا أنفسهم ولا يمكن أن يقدموا لكم أي شيء ما داموا بأنفسهم محتاجين.

ولمن يريد المزيد أنقل الآيات التالية من نفس سورة الإسراء: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً (84) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا (89).

لنفتح عيوننا قليلا فالله تعالى بنفسه يُنزِّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين؛ فبقوله “من” يوضح أن القرآن ليس كله مفهوما لكل الناس بل كل مجموعة يفهمون قسما منه أو يمكنهم إدراك شطر منه. ثم هو شفاء لنفوس المؤمنين باعتبار أنه يطهر نفوسهم من الشرك ورحمة لهم باعتبار أنه يعلمهم ما يفيدهم. وفي الآية الثانية يؤكد مرة أخرى أنه هو المنعم والناس باعتبارات أخرى يعرضون عن المنعم مبتعدين عن ربهم ومتوجهين إلى ما هو في معرض حواسهم الشخصية. وهو إشارة واضحة إلى تشبث الناس بالبشر مثل النبيين وغير البشر مثل الملائكة معتبرينهم أقرب إليهم من الله تعالى، معاذ الله. والسبب في هذا الانحياز إلى البشر هو أن الإنسان يتحلى في الحياة الأولى الدنيوية بالإرادة وهي قوة إلهية خاصة به. لقد منحها الله تعالى الإنسان بصورة جزئية ولوقت محدود جدا بغية الاختبار، لكن الإنسان وهو يستعمل الإرادة يظن بأنه أو البشر قادر على كل شيء ويزين له الشيطان أفكاره فيظن بأن المظاهر الدنيوية أبدية.

يظنون أن المحسوبيات والعوائل وحتى الثروات والقدرات السياسية وكذلك المسؤوليات الدنيوية ستبقى إلى الأبد. لقد اختلقوا لأنفسهم محكمة سخيفة وأسموها محكمة رب العالمين ونسوا بأن الله تعالى ينفي أية قدرة لأي نفس على أن تساعد أية نفس أخرى حتى نفسه. قال تعالى في سورة الانفطار مخاطبا نبينا الأمين: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19). النبي لا يعرف شيئا عن ذلك اليوم وكل الأنفس لا تملك لأي نفس شيئا. وفي الآية الأخيرة هنا يؤكد أن كل إنسان وكل فريق يظن بوجود مؤثرات أخرى يوم الحساب فليعلموا بأنهم لا يملكون لأي نفس شيئا سواء في ذلك نفس الشخص بذاته أو نفوس الآخرين. فالأمر يومئذ لله وحده.

ولنعد إلى آيات الإسراء التي ذكرناها أعلاه.

ففي الآية الثالثة (إسراء 84) يؤكد أن كل إنسان وكل فريق يسمح لنفسه بأن يرسم نشاطاته وأعماله على أساس الصبغة القومية التي اقتناها فلا يمكن لبشر أن يغيرهم ولكن الله تعالى هو وحده الذي يعلم من هو أكثر استعدادا للهدى دون غيره ويقوى على تغييرهم باعتبار استحقاقاتهم طبعا.

وفي الآية الرابعة أعلاه (الآية 85 من الإسراء) يعالج سبحانه مسألة المحفز النفسي وهو الروح الذي أتانا من الله تعالى بمعنى أنه الطاقة الربوبية الأصيلة التي تخلق نفوسنا وتمدها بالإنسانية المنطوية على الإدراك، بأنه من أمر الله تعالى وليس لهم أن يعلموا عنه الكثير. وأنا أعترف بأننا مع التطور العلمي الهائل ومعرفتنا لكثير من المسائل المرتبطة بالروح فإن علمنا به قليل فعلا. هذا مع العلم بأني ألقيت في مسألة الروح وعند تفسير هذه الآية ثلاثة محاضرات متتالية لأبين لزملائي ما أعرفه من الروح بعد خمسة عشر قرنا من نزول الآية. وهي فعلا مسألة معقدة في الساحة العلمية. أما الإخوة أهل العلم فهم لا زالوا في حيص بيص الروح والنفس وهل هما شيء واحد أم شيآن؟ بمراجعة قرآنية بسيطة يمكنهم فهم الفرق بينهما وبأن الروح شيء شريف لا يجوز الاستهانة به فهو فعلا من أمر الله تعالى. لكنهم مبتلون بمفتريات أهل الحديث وأنى لهم أن يتعلموا مفاهيم أحسن الحديث؟

وفي الآية الخامسة (86 من الإسراء) يوضح الله تعالى بأن آثار الروح لا تحول دون إمكانية تفريغ النفس المتعلمة مما علق بها من معلومات و بدون أن تفقد إنسانيتها إذا أراد ربها ذلك. كما يؤكد للرسول بأن مسح العلم من قلبه لا يقع ضمن إرادة الرسول نفسه وهو يعني بأن العلم القرآني الممنوح بكل بساطة لكل من رأى الله تعالى فيه الاستحقاق فهو ليس خارجا من إرادة الجبار ولا نقشا لا يمكن إزالته من قلب المتعلم. كل ذلك ليرينا سبحانه أهمية العلم القرآني وبأن الابتعاد عن الإيمان الراسخ الحقيقي بوحدانية الله تعالى يزيل هذا العلم ممن تعلمه فضلا عن أن غير المؤمن الموحد لا يمكن أن يتعلمه.

ويؤكد سبحانه في الآية السادسة (87 إسراء) أن عودة العلم القرآني إلى الشخص يعود إلى رحمة ربه التي هي متاحة لكل من استحق.

وفي الآية السابعة (88 إسراء) يقول تعالى للنبي بأن الجن والإنس بمن فيهم هو نفسه أعجز من أن يأتوا بمثل هذا القرآن.

وحتى نقف على مدى جهل المعروفين بالعلماء فإن حديث الثقلين الأسطورية تدل دلالة واضحة على أن الإخوة غير ملتفتين لتطبيق هذه الآية على تلك الكذبة حتى يدركوا سقمه. فكيف يعجز النبي نفسه على أن يأتي بمثل هذا القرآن ولكنه يعين أولاده عدولا للقرآن؟!

أما الآية الثامنة والأخيرة (89 إسراء) فهي تؤكد بأن الله تعالى لم يبخل على عبيده بذكر الأمثال المقنعة ولكن الناس يأبون التنازل للعلم، فهم بأنفسهم يفضلون الجحود والكفر على الإذعان للحقيقة.

فأين موقع المطهرين المزعومين من فهم القرآن لأنفسهم قبل أن يفسروه لنا؟ لم يتمكن الإخوة من إثبات أنهم يعلمون القرآن فعلا حتى يقولوا بأن العلم حكر عليهم. مجرد ادعاءات لا تستند إلى كتاب الله تعالى ولا إلى العلم الفعلي. فلا القرآن يقول وليس بيدهم ذلك العلم ولكنهم يقولون ما يتسنى لهم فليستعدوا للجواب أمام الديان العظيم يوم الحساب الذي يخاف منه الأنبياء أنفسهم.

والذي يزيد فهمهم الباطل غرابة هو أنه سبحانه في نهاية الآيات يؤكد بأن القرآن هو تنزيل رب العالمين. ربي ينزل قرآنا علي ليعلمني عن طريق أموات ماتوا ولم يعرفوا من القرآن إلا قليلا! لا زال علماء المسلمين بعدهم يجهلون الفرق بين النفس والروح إلا يسيرا ولا زالوا يتحدثون عن معراج يفنده القرآن في سورة الإسراء نفسها ولا زالوا يجهلون الفرق بين الأيام المختلفة التي يتحدث عنها القرآن الكريم ومنها يوم الواقعة ويظنون من جهلهم بأنها جميعا تشير إلى حوادث يوم الحساب. والواقع بأن التسميات المختلفة تشير إلى أيام مختلفة ومتباينة وبينها أزمنة طويلة لكنهم لم يعلموا ولن يعلموا إلا إذا رموا بتراثهم السخيف في زوايا التاريخ فينشطوا أذهانهم وقلوبهم ليسمعوا من ربهم معاني القرآن لا من الموتى ولا ممن يدعي العلم.

أحمد المُهري

6/10/2016

 #تطوير_الفقه_الاسلامي 

https://business.facebook.com/Islamijurisprudence/

#تصحيح_اخطاءنا_التراثية

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.