نظرية ظهور العلم 4- من أثينا إلى جنديسابور
نظرية ظهور العلم 4-
من أثينا إلى جنديسابور
ظهور العلم
هل تعرف مجتمعا يعيش على صيد الفئران أنتج علما؟ هل تعرف مجتمعا يعيش على زراعة البطاطا أنتج علما؟ هل تعرف مجتمعا من البدو الرحل أنتج علما؟ هل تعرف مجتمعا خرج من احتلال ليدخل في احتلال أنتج علما؟ كم سنة استمرت الإمبراطورية الأموية؟ أقل من مائة سنة. لا تكفي هذه الفترة لظهور علم. كم سنة استمرت الإمبراطورية العباسية؟ هل تعرف مجتمعا غنيا بصورة مذهلة لمدة خمسين عامًا أنتج علما؟ طبعا, لا. يحتاج إنتاج العلم إلى ثروة وقوة عسكرية لمئات السنين. يحتاج إنتاج العلم إلى جنديسابور, وأثينا, وروما, ولندن, وباريس, ونيو يورك. يحتاج إلى مدن غنية تحرسها جيوش إمبراطورية, فارسية, ويونانية, ورومانية, وبريطانية, وفرنسية, وأمريكية. سقطت جنديسابور وفر منها علماؤها عندما سقطت الإمبراطورية الفارسية. سقطت أثينا وأقفلت أكاديمتها أبوابها عندما سقطت الإمبراطورية اليونانية, كما سقطت روما عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية, وكما سقطت بيزنطة عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية الشرقية. العلم لا ينمو أصلا إلا في عواصم الإمبراطوريات ولا يعيش إلا في حراسة الجيوش الإمبراطورية. عندما تسقط الإمبراطورية يفر العلماء.
أعتقد أنه يمكنني الآن القول إن العرض الذي قدمته في الصفحات السابقة قد بين, إلى حد معقول, أن فكرة الإسهام العربي في تقدم المعرفة البشرية هي فكرة وهمية لا يمكنها الصمود أمام البحث العلمي المحايد الذي ينظر فيه الباحث إلى نفسه على أنه إنسان محترم, على خلق, لا يليق به أن “يخادع”. (حقيقة الأمر, أنا أتحدث وفي ذهني صورة كل أعضاء مركز تطوير الفقه الاسلامي . كل هؤلاء الرجال والنساء الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أناس محترمة لا يمكن أن تشترك “في المهيصة”). المسألة ليست مسألة “ذكاء”. العلم ليس شيئا ينتجه الأذكياء ويستهلكه الأغبياء. المسألة ليست مسألة “عزم”. ولا هي مسألة أن نكون جميعًا على قلب رجل واحد. المسألة كذلك ليست مسألة إخلاص, أو صدق نية, أو صفاء نفوس, إلى آخر ما هنالك من مهيصة, وإنما مسألة ثراء مجتمعي لمئات الاسلامين. وعليه,
لا يعرف التاريخ مجتمعا يعيش على الصيد والتقاط الثمار يرفل في الثراء. الهنود الحمر في غابات الأمازون مشغولون طوال الوقت بالبحث عن أي شيء قابل للأكل. لا يعرف التاريخ مجتمعا رعويا يرفل في الثراء. أهلنا من رعاة الضأن في الصحارى العربية يكافحون كفاحًا شديدًا من أجل لقمة هنا أو هناك, وأهلنا من رعاة الأبقار في السودان هم أيضا في نفس المأزق. لا يتوفر المال, باختصار, إلا في المجتمعات الزراعية التجارية.
هذا هو السبب في ظهور الحضارة في مصر. لم تظهر الحضارة في مصر لأن المصريين “كانوا” أذكى شعب في العالم, وإنما لأن مصر كانت أول “دولة” في العالم وظهر فيها أول “إمبراطور في العالم” – مينا موحد القطرين. كما ظهرت الحضارة في العراق في نفس الوقت تقريبا ليس لأن أهل العراق آنذاك “كانوا” أذكى شعب في العالم, وإنما لأن العراق كان أيضا أول “دولة” في العالم (أو ثاني دولة, وفقًا لما إذا كنت عراقيا أو مصريا).
المسألة, بهذا الشكل, ليست مسألة “ذكاء” وإنما مسألة “تنظيمات اجتماعية”. في اللحظة التي يظهر فيها “تجمع بشري كبير”, وتتعقد الأمور, ويظهر حاكم, وطبقة حاكمة, وجيش, وكل تلك التنظيمات السياسية, تظهر الحاجة إلى “التنظيم” ويبدأ الإنسان في “العمل”. العمل في التنظيم. والتنظيم عمل لا علاقة له بالصيد, ولا بالرعي, ولا بالزراعة, ولا بالتجارة, ولا بقطع الطرق, ولا بالسرقة, ولا بالنهب. التنظيم له علاقة بشيء واحد فقط: العمل الفكري. كانت لحظة ظهور الإمبراطوريات, بهذا الشكل, هي لحظة ظهور “العمل الفكري”.
لا يمكن أن تعمل الإمبراطورية الفرعونية بدون حسابات. هذا هو السبب في “اختراع” الكتابة الهيروغليفية في مصر القديمة, وهو نفس السبب الذي أدى إلى اختراع الكتابة المسمارية أيضا في العراق القديم. لا يعود ميلاد الحضارة في مصر الفرعونية والعراق القديم, بهذا الشكل, إلى ذكاء المصريين أو ذكاء العراقيين, وإنما إلى التطورات التي طرأت على شكل المجتمع وحولته من مجتمع يتألف من مجموعات صغيرة الحجم من الرعاة والفلاحين, إلى مجتمع ضخم, معقد, يحتاج إلى طبقة متفرغة “للتنظيم”.
إذا كانت “الحضارة” قد ظهرت مع ظهور الإمبراطورية العراقية القديمة والإمبراطورية المصرية القديمة في حوالي عام 3500 قبل الميلاد “تقريبًا”, فإن “العلم” لم يظهر إلا عام 500 قبل الميلاد “تقريبًا”. أي أنه إذا كان “الإنسان” قد احتاج إلى مائة ألف عام تقريبا (راجع هنا علم الأنثروبولوجيا حيث تتوافر آلاف المراجع في هذا الخصوص في مكتبات العالم, فضلا عن توافر ثلاث وخمسين مليون موقع على شبكة المعلومات يمكن الرجوع إلى واحد أو اثنين منها) من ساعة ظهوره على ظهر الكرة الأرضية إلى ساعة أن اخترع “الكتابة” فإنه احتاج إلى ثلاثة آلاف عام من الحضارة من أجل أن يخترع أعظم اختراع في تاريخ البشرية. العلم.
والعلم هو أن “تفحص” طريقة تنظيمك للواقع. ونحن هنا في نقطة هامة كأقصى ما يكون, ومعقدة كأقصى ما يكون. وعليه لن أحاول أن أتحدث عنها بصورة علمية تماما, وإنما بصورة علمية “تقريبا”. يمكن فيما بعد الحديث عنها بصورة علمية شديدة الانضباط, وإن كنت أعتقد أن الحاجة إلى ذلك لن تظهر حيث إنى لا أكتب مقالة موجهة إلى علماء علم النفس الإدراكي في لوس أنجيليس. وعليه.
يمكنك أن تعطي مجموعة من اللعب التي تتألف من سيارات نقل, وسيارات ركاب, وأتوبيسات ذات ألوان مختلفة. أي أحمر, وأصفر, وأزرق. يمكنك أن تطلب من الطفل تقسيمها إلى ثلاثة أقسام, حيث إنك تنوي توزيعها على ثلاثة أطفال. بمعنى أن كل طفل سوف يأخذ نفس العدد من اللعب. عليك بعد ذلك أن تخبر الطفل أنك سوف تعطيه هو “شخصيا” كل هذه اللعب, وذلك لتجنب أن يضع سيادته اللعب التي يحبها هو “شخصيا” في مجموعة واحدة تمهيدًا للاستيلاء عليها بإذن الله. سوف تجد التالي: (كقاعدة عامة طبعًا, فنحن هنا لا نتحدث فيزياء أو كيمياء- وكقاعدة عامة هنا تعني 51% من الحالات, أو أكبر مجموعة عددًا من الأطفال)
1. يقوم الأطفال صغار السن (من 4 إلى 5 أو 6) بتقسيمها بشكل عشوائي. أي, أي كلام. ثلاث مجموعات والسلام.
2. يقوم الأطفال الأكبر سنا بتقسيمها حسب اللون. أي كل السيارات الحمراء مع بعض, وكل السيارات الصفراء مع بعض, إلى آخره.
3. مع تقدم السن يبدأ التقسيم حسب “الوظيفة”. أي سيارات النقل مع بعض, والركاب مع بعض, والأوتوبيسات مع بعض ( ابتداءً من سن سبع سنوات)
4. إذا سألت الأطفال في هذا السن عن “الأساس” الذي بناء عليه قاموا بتقسيم السيارات إلى ثلاث مجموعات (ركاب, ونقل, وأتوبيسات), فسوف “تفاجأ” بالصمت. الأطفال في هذا السن تستطيع “تقسيم” السيارات إلى ركاب, ونقل, وأتوبيسات, إلا أنها لا تعرف “الأساس” الذي يقوم عليه التقسيم.
5. إذا طلبت من الأطفال إعادة التقسيم بشكل آخر. (في حالتنا هذه يمكن التقسيم على أساس اللون, أو على أساس الوظيفة) سوف تجد أن هذا أمر غير ممكن في العادة. بمعنى أن الأطفال تستطيع التقسيم على أساس قاعدة واحدة إلا أنها لا تستطيع التقسيم على أساس قاعدة أخرى. إما ألوان, وإما وظيفة, ولا مجال لموضوع ألوان أو وظيفة.
6. وحتى في حالة ما إذا استطاع بعض الأطفال التقسيم على أساس اللون ثم إعادة التقسيم على أساس الوظيفة فإنهم عادة لا يستطيعون “التصريح بالأساس الذي يقوم عليه التصنيف”.
7. لا يبدأ الأطفال في القيام بالتصنيف, وإعادة التصنيف, والتصريح بالأساس الذي يقوم عليه التصنيف إلا عند اقترابهم من سن الثانية عشرة. في هذا السن فقط يستطيع الأطفال في المجتمعات الحديثة “تنظيم الأشياء المحيطة بهم على أساس أكثر من تصنيف مع “الوعي” بالأساس الذي يقوم عليه التصنيف”. هذا النوع من التفكير هو ما يطلق عليه اسم “التفكير العلمي”.
يستطيع أي مقاول في ريف مصر أن يبني لك منزلا من طابق واحد, أو اثنين, أو ثلاثة أو حتى أربعة. لا يجد المقاول أي صعوبة في ذلك لأنه تعلم ذلك من والده الذي تعلم ذلك من والده الذي …. إلى أول والد من أهله الذين تعلموها واحدًا بعد آخر عن طريق التجربة والخطأ مرة والتجربة والنجاح مرة أخرى. إلا أنه سيبنيه بنفس الطريقة التي بنى بها المنزل الذي سبقه, فهو لا يريد أن يجرب ويغامر بسقوط المنزل وسقوط سمعته. كما أنه لن يغامر أبدًا ببناء منزل من خمس طوابق, وذلك لنفس السبب أيضا. إذا أرد بناء منزل بطريقة تختلف عن “الطريقة التي يبني بها الناس” فعليك بمهندس معماري.
الفرق بين المقاول والمهندس المعماري هو الفرق بين من “يعلم” وبين من “يحفظ ولا يعلم”. يمارس المقاول مهنة بناء المنازل وهو في حقيقة الأمر “معلِّم” فيما يقوم به من عمل. ويمكنك الثقة به وبما يعمله. وهو يعلم ما يعمله جيدا, إلا أنه لا يعلم لماذا يعمل ما يعمله. لا توجد لديه أي فكرة عن “الأحمال”, ولا “الحوائط الحاملة”, ولا “جهد الحديد” ولا كل هذه المصطلحات التي يعرفها المهندسون. المهندس هو الذي يوجد لديه الوعي بما يعمل, وليس المقاول. المهندس هو الذي يستطيع أن يبني لك المنزل الذي تريده بالشكل الذي تريده كما يستطيع أن يخبرك بأن ما تريده غير ممكن وأن يشرح لك لماذا هو غير ممكن. هناك فرق بين ممارسة المهنة وبين “الوعي” بالأسس التي تقوم عليها المهنة.
كلنا نتكلم اللغة العربية. من منا عنده “وعي” بأنواع الكلمات في اللغة العربية. يتكلم البشر آلاف اللغات. لم ينجح أكثر من ثلاثين مجتمعًا في وصف هذه اللغات. أي أن عدد الثقافات التي نجحت في “وصف القواعد التي تعمل بمقتضاها اللغات التي يتحدثها الناس في هذه الثقافات” لا يزيد عن ثلاثين ثقافة. كانت الثقافة العربية واحده من هاته الثقافات حيث نجحت “إلى حد ما” في وصف طريقة عمل اللغة العربية. أي أن الثقافة العربية هنا قد نجحت في “تصنيف” الكلام العربي مثلها في ذلك مثل نجاح الأطفال الذين نجحوا في “تصنيف” السيارات إلى سيارات حمراء وصفراء وزرقاء, أو ركاب, ونقل, وأتوبيسات. لم تنجح الثقافة العربية, على أية حال, في تصنيف الكلام العربي بطريقة مختلفة عن الطريقة التي تم بها تصنيفه منذ ما يقارب الألف وثلاثمئة عام. كان التصنيف الذي قدمه سيبويه في القرن الثاني الهجري هو التصنيف الأول والأخير للغة العربية. يغيب في الثقافة العربية أي وعي بإمكانية تصنيف الكلام العربي عشرات التصانيف. يختلف الأمر, بهذا الشكل, عما هو عليه الحال في الثقافة الأنجلو ساكسونية حيث تتنافس أنظمة وصفية متعددة في وصف طريقة عمل اللغة الإنجليزية. الثقافة العربية, بهذا الشكل, في نفس “المرحلة الإدراكية” التي يستطيع فيها الكائن البشري أن “يمارس التصنيف” إلا أنه لا يوجد لديه وعي بالأسس التي يقوم عليها التصنيف. في حالة الدرس اللغوي العربي لا يوجد أدنى وعي بتكون النظام اللغوي العربي من وحدات مستقلة تسمى كلمات ومن تألف هذه الكلمات من وحدات أصغر تسمى فونيمات (لا يتوفر مصطلح في اللغة العربية للإشارة إلى هذه الوحدات حيث لا يوجد وعي بوجودها أصلا). لا يتوفر, بالتالي, وعي بأن وصف النظام اللغوي العربي يبدأ بوصف الأصوات المستخدمة في اللغة العربية, ثم وصف طريقة تآلفها على هيئة فونيمات, ثم وصف القواعد التي تحكم تجمعات هذه الفونيمات في وحدات أكبر هي “الكلمات”, ثم وصف طرق تغير أشكال هذه الكلمات للإشارة إلى معان مختلفة كتغير الأسماء للإشارة إلى العدد أو التعريف, أو كتغير الأفعال للإشارة إلى الماضي والحاضر, ثم وصف أماكن ورود هذه الكلمات في الجملة العربية. كما لا يتوفر أيضا أي وعي بتوفر أكثر من طريقة لوصف النظام اللغوي العربي.
اللغوي العربي, بهذا الشكل, لا يختلف عن المقاول الذي بنى منزل والدي في المنوفية. يستطيع هذا المقاول أن يبني منزلا, إلا أنه لا يوجد لديه أي وعي بـ “الأسس التي تحكم بناء المنازل”. يستطيع هذا اللغوي (إلى حد ما) أن يصف طريقة عمل النظام اللغوي العربي إلا أنه لا يتوفر لديه أي وعي بالأسس التي تحكم طريقة عمل النظم اللغوية”. في الثقافة العربية توجد “ممارسة لوصف الأنظمة اللغوية” إلا أنه لا يوجد علم لغة. العلم بأي شيء لا يعني فقط تصنيف الظاهرة موضوع البحث, وإنما يعني الوعي بالأسس التي يقوم عليها التصنيف. لا يتوفر هذا الوعي في حالة علم اللغة “الشعبي” العربي. (تتوافر تغطية كاملة لهذه النقطة في كتاب “نظرية النحو العربي القديم” من منشورات دار الفكر العربي, والكتاب متوفر أيضا على الشبكة العالمية).
حقيقة الأمر, يمكن الانطلاق في إعطاء الأمثلة التي تبين الفرق بين “الممارسة العلمية” وبين “العلم”. الفرق بين “تذكرة داود” وبين مناهج كلية الصيدلة هو فرق بين “ممارسة الصيدلة” وبين “علم الصيدلة”. يستطيع العطار أن يعطيك دواء لعلاج الكحة (لا بد هنا من أن أعترف أني أنا نفسي أذهب إلى العطار لعل وعسى أن يكون في الأمر شيء وتذهب الحساسية التي عكننت حياتي), إلا أنه لا يدري ما يحدث بالضبط, أو حتى بغير الضبط. يعلم الصيدلي تماما ما هي “المادة الفعالة”, وما هو تركيبها الكيميائي, وما هو أثرها, وما هو تأثيراتها الجانبية. إلى آخر ما هنالك من خصائص.
يمكن كذلك الإشارة إلى الطب العربي, وكيف يمكنك (ولا يمكنني) أن تذهب للعلاج بالكي, أو بالحجامة, أو ببول الإبل, أو بالحبة السوداء, أو بعسل النحل, أو بكامل القائمة الطويلة. لماذا الحجامة؟ لأنها مجرَّبة وناجحة بإذن الله. لماذا بول الإبل؟ يا الله, أهناك من لا يعرف؟ ما هي خصائص بول الإبل؟ كلها بركة. وما موضوع عسل النحل هذا؟ طبعًا, الاستمرار في عرض هذا الأمر تضييع وقت, فضلا عن أنه لا يليق. هناك أناس “تؤمن” بقدرة بول الإبل على العلاج. وفقهم الله. المهم هو أن الطب العربي هو ممارسة طبية إلا أنه ليس علما. العلم يعني “الوعي بما تفعل”, والقدرة على فحص طريقتك في العمل, والتحقق من صواب التصنيف, والسعي نحو تصنيف أفضل. العلم نور.
لم تحدث هذه القفزة من “ممارسة البناء” إلى “الهندسة”, ومن الطب الشعبي إلى الطب, ومن “العشابة” إلى “الصيدلة”, ومن كل هؤلاء – وأشياء أخرى – إلى الفيزيولوجيا, والبيولوجيا, والكيمياء, والفيزياء, والرياضيات, وأشياء أخرى, في مصر ولا في العراق, وإنما في اليونان. لا يعود ذلك إلى أن اليونان كانوا “أذكى” من المصريين أو العراقيين, وإنما لأسباب أخرى لها علاقة بالسياسة. كانت الإمبراطورية المصرية قد سقطت ودخلت مصر منذ الفتح الفارسي لمصر عام 525 في سلسلة متصلة الحلقات من احتلال يعقبه احتلال, يليه احتلال, يؤدي إلى احتلال, وهي سلسلة لم تتخلص منها مصر إلا منذ بضع عشرات قليلة من السنين. في مثل هذه الحال تعتبر فكرة إنتاج العلم “فكرة لطيفة”.
احتاج الأمر إلى ثلاثة آلاف عام من الحضارة في مصر والعراق من أجل تحقيق التراكم المعرفي اللازم من أجل ظهور العلم. في اللحظة التي تم فيها هذا التراكم وظهرت بوادر إنتاج العلم, سقطت الإمبراطورية المصرية وكذلك العراقية. وظهرت بصورة عملاقة إمبراطورية عظمي – الإمبراطورية الفارسية – بالتزامن مع ظهور إمبراطورية أخرى لا تقل عنها عظمة – إن لم تكن تزيد – هي الإمبراطورية اليونانية. لم يكن غريبًا, إذن, أن تنفجر براكين العلم في أثينا وفي جنديسابور.
كمال شاهين
#نظرية_ظهور_العلم
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/