المؤمنة كاترين 29- الزبر البشرية المنافسة القسم الاول

المؤمنة كاترين

المقطع التاسع والعشرون

الزبر البشرية المنافسة القسم الأول

اتصلت ماري بكاترين في اليوم التالي لتتفق معها على الجلسة القادمة قبل العرس. كان لها ما أرادت واتفقا على مساء اليوم التالي وتم إبلاغ علوي والعم محمود.

لكن كاترين حيث كانت تهم بالخروج من البنك رأت زميلاتها وزملائها مجتمعين في باحة البنك ينتظرونها.

كاترين:

ما بكم يا شباب هيا بكم للخروج إلى البيت.

ساترين:

لكننا بانتظارك لنسألك عن جلساتكم الليلية هل لا زالت موجودة أم انتهت؟ بدأنا نشعر بالحاجة إليها لأن لدى كل منا مشاكله ومن الخير لنا أن نعرف حكم ربنا في القضايا حتى لا نكون من العصاة المذنبين ونحن نأخذ قراراتنا اليومية دون معرفة وفهم دقيق لما جاء به الرسل الكرام.

كاترين:

إنها قائمة تقريبا لأن ماري سوف تسافر قريبا أي بعد الزفاف. فلو أنكم تريدون مشاركتنا فعلى الرحب والسعة. سوف أدعوكم قريبا.

الجمع:

شكرا، كاترين نحن بانتظار دعوتك ونرجو ألا نكلفك شيئا غير الشاي والماء وكفى.

خرج الجميع من البنك وفي البيت اتصلت كاترين مع علوي بالتلفون لتبلغه طلب الزملاء. ثم قالت له:

تتذكر حبيبي علوي أنني كنت راغبة في دعوتهم في كل جلساتنا حتى تعم الفائدة ولكنك أنت كنت محتاطا مراعاة لظروفهم.

علوي:

أجل حبيبتي وسوف أستغفر ربي بأنني كنت السبب في حرمانهم مما يفيدهم من كثرة احتياطاتي غير الضرورية. سأكون مسرورا ليشاركونا في كل جلساتنا ولكننا نحتاج إلى تغيير البرامج حتى لا تكون عبئا عليك. فكما قالوا شاي وماي وانتهى.

كاترين:

يصير خير.

هناك اتصلت كاترين بالجميع وأبلغتهم موعد الجلسة القادمة في بيتها وهو مساء اليوم التالي.

وفي اليوم التالي حضر الجميع إلى بيت كاترين التي بدأت بالسؤال.

كاترين:

لماذا نرى مجموعة غير قليلة من الكتب الدينية التي تتحدث عن التشريع وعن أصول الدين لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين؟ هذه الكتب تضل الناس ولا تهديهم وتعقد عليهم التمسك بدينهم فتخلق الكثير من الشباب الذين يصعب عليهم اتباع كل ما يظنونه جزءا من الدين فيتحولون إلى ذوي إيمان ناقص أو فسق أو إلحاد مع الأسف.

علوي:

فعلا لقد أصبح للدين حالة كهنوتية تفيد الرهبان والذين يفقدون النشاط العملي في حياتهم مثل العجائز. وأما النبي عيسى وهكذا النبي محمد عليهما السلام ماتا كهلين ولم يبلغا حد الشيخوخة لا سِنّيا ولا مرضيا. كانا نشطين في الخدمات الاجتماعية ومهتمين بالتثقيف والتعليم حتى نهاية عمرهما.

كاترين:

أظن بأن هناك مصالح لدى بعض الناس بأن يعقِّدوا التشريعات السماوية ولا أدري طبيعة مصالحهم.

محمود:

قال تعالى في سورة المؤمنون: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54). خطاب الآيات لجميع الرسل والأمة الموضحة هي أمة واحدة وهي أمة الرسل جميعا والله تعالى رب الأمة بكل أعضائها مع رسلهم. لكن الناس تقطعوا أمرهم بينهم زبرا. بمعنى أنهم تحولوا إلى مجموعات وكل مجموعة شكلت حزبا لنفسها واتخذت لنفسها كتابا أو كتبا تميزها عن غيرها والله تعالى يرفض كل الأحزاب. فهو سبحانه يرفض كل الكتب الدينية غير السماوية بالضرورة. والدليل واضح وهو أن ما لا نعلمه مما وراء الطبيعة فهو خاص بالله تعالى وعلينا أن نستمع إليه سبحانه لا إلى غيره.

علوي:

فعلا فالدين ليس طقوسا اعتدنا عليها فقط بل هو رباط بين الإنسان المحدود مع الخالق الواسع العليم جل جلاله. هذا الرباط له شقان: شق دنيوي يقتصر على بعض ما نعمله لإثبات إخلاصنا لربنا وشق أخروي ليس لأي أحد غير الله تعالى أن يعلم عنه شيئا. معذرة والحديث لك يا عم لتكمل موضوع الزبر البشرية.

محمود:

وقال تعالى في سورة الروم: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32).

الله تعالى هو ملك الطبيعة وهو خالق ما فيها وهو الذي ينظم أمور كل ما ومن في الطبيعة. الطبيعة تشمل الكون الذي نعيش فيه مع كل ما نراه ونلمسه أو نعلم به في هذا الكون. فهو سبحانه ملك الكائنات وملك الهواء والماء والتراب وملك الحرارة والرطوبة والضياء وكل توابعها. كما أنه سبحانه ملك الحيوانات والنباتات وملك الجن والإنس. نرى كل متحرك داخل الطبيعة يسير سيرا ملائما ومناسبا مع الطبيعة ويعيش حياة طبيعية منسقة. الكائن الوحيد الذي نراه أحيانا يتعمد عدم الانسجام مع الطبيعة هو الإنسان. ولعل الجن كذلك أيضا ولكننا لا نعلم عن الجن شيئا. فالإنسان يعتدي والإنسان يقتل الكائنات الحية بإسراف فيبيدها أحيانا؛ والإنسان يسرق مقتنيات الغير ويفسد الأرض وما في الأرض ويدمر الحجر ويقتل البشر. فالإنسان هو الذي يهلك الحرث والنسل.

أراد الله تعالى أن يمنح الإنسانَ الإرادة والقدرة على التعدي على الغير ولكنه أمره تشريعا بأن ينصف الغير وبأن لا يعتدي ولا يظلم شيئا. فقوانين الله تعالى قوانين طبيعية تعلمنا كيفية مسايرة بقية الكائنات وكيفية الاستفادة من قدراتنا الموهوبة لمصلحة الكائنات وليس لإبادتها وتدميرها. فالتشريعات موضوعة لتعليم المريدين المدركين من ذوي الأجسام النامية الحيوانية كيفيةَ التعامل مع الطبيعة بانسجام وسلاسة وكذلك بيان حقوق الأفراد والحيوانات والنباتات وحقوق الأجيال القادمة.

ماري: 

هل للعم محمود أن يشرح لنا الفروق الجوهرية بين التشريعات القرآنية والتشريعات التي نسمعها من المشايخ لعلنا نميز بينهما.

كاترين:

كما أرجو من العم محمود أن يطلعنا على طبيعة التشريعات السماوية في القرآن الكريم وهل هي تعليمات مفيدة أم أوامر واجبة.

علوي:

ألا ليت العم محمود يحدثنا عن الفرق بين الوصايا والمواعظ والحكم القرآنية أيضا.

ساترين:

لم يبق لي سؤال فقد ذكرتم كل ما أردت أن أذكره تقريبا ولو بشكل مغاير لما في ذهني.

محمود:

أسئلة كثيرة لا يمكن اختصارها. ذلك لأن الذي يسمعنا ويقرأ ما ننشره بين الناس فهو قد يرتبك ويشعر بأن القرآن كتاب تشريع معقد. والواقع أن المسائل التي يحتاج الناس إليها تشريعيا واضحة ولكن المسائل العلمية ولا سيما الفلكية قد تكون صعبة الفهم. هي طبيعة العلم ولا يمكن تغييرها. ولنبدأ بسؤال ماري.

هل للعم محمود أن يشرح لنا الفروق الجوهرية بين التشريعات القرآنية والتشريعات التي نسمعها من المشايخ لعلنا نميز بينهما.

محمود:

أصل التشريع عبارة عن نوعين من القوانين يضعها الشعب أصولا. النوع الأول هو القوانين البنائية الأساسية وهو يمثل دستور البلاد. الدستور يتناول أصول الحكم ونوع الاقتصاد المتفق عليه وشروط الحاكم ولو كان الحكم ملكيا فالدستور يعين طريقة اختيار الحكام من الأسرة المتفق عليها وكذلك قوانين الانتخابات العامة وعدد أعضاء البرلمان وبعضهم يعين دين الدولة واللغة الرسمية وبعضهم يعين القومية أيضا. كما أن الدستور يعين عدد الوزارات الضرورية أو كل الوزارات ونوع التعليم ونوع الخدمات الصحية والبلدية وحقوق المواطنين وواجباتهم وواجبات الدولة وحقوقها والمصادر الأساسية لتمويل الدولة.

والنوع الثاني من القوانين هي التي تسنها البرلمانات ويكفي لتثبيتها موافقة غالبية حاضري البرلمان. ولا تحتاج إلى عرضها على الأمة. لكن الدستور يُعرض على الأمة ويجب أن يوافق عليها أكثر من ثلثي المواطنين على الأقل. مثال الثاني قوانين المرور والقوانين الجزائية وحدود الضرائب وإعلان الحرب الدفاعي وما شابه ذلك.

نلاحظ بأن الذين يسنون التشريعات سواء الدستورية أو القانونية فهم عادة ما يدرسون كل الاحتمالات ويناقشونها ليضمنوا سلامة تنفيذ الحكم وإمكانية العمل بها من كل الطبقات؛ كما أنهم يستعينون بمختلف الخبراء القانونيين وكذلك خبراء الصناعات والتجارة والعدل وغيرها. فالتشريع يحتاج إلى أن يحيط المشرع بالاحتمالات المستقبلية مستفيدا من خبرته في بقية البلدان وفيما مضى من عمر بلاده.

والله تعالى باعتبار إحاطته الكاملة بكل المتغيرات وعلمه بمستقبل الحركات المناخية والكوكبية وكذلك التطورات المستقبلية للبشر ولبقية الكائنات النامية وسيطرته على كل الموجودات المشهودة وغير المشهودة لنا وعلمه بكل أصول العدالة وميزان القدرات العامة وقدرات الأفراد فإنه يضع القوانين المناسبة لكل مجموعة مختارة من عبيده في كل كوكب من كواكب ملكه الوسيع مراعيا ما أمكن من أصول العدالة. ثم إنه سبحانه جعل للحياة الآدمية مرحلتين أولى وآخرة. فالأولى هي مرحلة الاختبار وظهور درجات سلامة النفوس والثانية أو الأخيرة هي مرحلة الجزاء الأوفى. وباعتبار سيطرته الكاملة على المرحلتين فإنه سبحانه كتب على نفسه أن يراعي القسط في يوم العدل العام حيث يقوم الإنس والجن والملائكة وكل ذي شأن لربهم. فما لا يمكن تحقيقه في هذه النشأة فإنه سبحانه يكمله في النشأة الثانية. قال تعالى في سورة الزمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70). وقال تعالى في نهاية السورة الكريمة:وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75).

وبما أن المقصود تحقيق العدالة والقسط فإنه وحده قادر على سن التشريعات الضرورية التي لا تحول دون ممارسة الناس لحرياتهم كما أنها تحقق الحد الممكن للعدل في هذه الحياة ويترك سبحانه البقية للنشأة الآخرة.

أما ما نسمعه من المشايخ فما نقلوه بدقة وأمانة عن كتاب الله تعالى فهو قانون الله وليس قانونهم. وما بدلوه مستندين إلى البشر كائنا من كانوا فتلك تشريعات بشرية لا يمكن أن تكون ملزمة في حد ذاتها. وكل ما ينسبونه إلى الرسول الأمين عليه السلام مما ليس في القرآن فهو محض افتراء على الله تعالى وعلى رسوله الصادق الأمين. لم يأمر الله تعالى رسوله بسَنِّ التشريعات ولم يسمح له بذلك. قال تعالى في سورة النساء: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127). وقال تعالى مثل ذلك في الآية الأخيرة من سورة النساء.

فالرسول ليس مشرِّعا بل هو ناقل للتشريع. هناك أوامر مؤقتة أمر بها الرسول عليه السلام كما يقولون باعتبار أنه كان وكيلا عن الناس لإدارة أمورهم تماما مثل رئيس الجمهورية المنتخب. تلك الأوامر غير واجبة إلا في حضوره. وقد يخطئ عليه السلام أحيانا. قال تعالى في سورة التوبة: عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43).

وذكر الشريف الرضي في نهج البلاغة في باب الحكم: وَ سُئِلَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ (صلى الله عليه وآله) غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ، فَقَالَ (عليه السلام): إِنَّمَا قَالَ (صلى الله عليه وآله) ذَلِكَ وَ الدِّينُ قُلٌّ فَأَمَّا الْآنَ وَ قَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَ مَا اخْتَارَ. نلاحظ بأن تلميذ الرسول وصهره لم يعمل بأمر من أوامره لأنه كان أمرا وقتيا. فقولهم حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة مرفوض من أقرب الناس إليه وهو أمير المؤمنين ومن الخلفاء الراشدين.

سارا:

ما عرفت معنى أمر الرسول الذي ذكره الإمام علي؛ كانت كلماته صعبة علي لغويا؟

محمود:

يبدو بأنه عليه السلام كان محاطا بمجموعة من أصحاب اللحى البيضاء مثل أبي بكر وأبي ذر وحمزة وغيرهم فخاف عليه السلام أن يراه أعداؤه فيستهينوا به باعتبار خلو مجلسه من الشباب الأشداء فأمرهم بالخضاب حتى لا ينتبه أحد من الأعادي إلى بياض شعر الصحابة فيستضعفهم. لكن الإمام علي عليه السلام قال بأن الدين قوي يومه ولا يحتاج إلى مظهر شبابي فكل إنسان يختار ما يريده لنفسه فيخضب شعره أو لا يخضب.

ماري:

أشهد حقا بأن الإسلام دين جميل وبديع. الحرية فيه هي الأساس والأحكام التي تمس حريات الناس مؤقتة تنتهي بانتهاء الضرورات. لا يحتاج الناس لرفض أمر إمامهم الأكبر والأول إلى قانون جديد بل يتركونه لانتهاء موعده والسلام عليكم. هكذا يحكم الناس أنفسَهم بأنفسهم. يبدو لي بأن الأولوية عند المسلمين الحقيقيين لله وحده دون غيره كائنا من كان ذلك الغير.

كاترين:

طبعا لأن الله تعالى وحده الذي لا يمكن أن يخطئ وكل من دونه في معرض الخطأ حتى لو كان نبيا مرسلا. ثم إن أوامره سبحانه حتى الوقتية منها فهي تدوم مئات السنين. مثال ذلك حكمه سبحانه بتحريم الشحوم على بني إسرائيل الذي بقي حوالي ألفي سنة.

علوي:

حضرة العم، وما الفرق بين العدل والقسط؟

محمود:

العدل هو تحقيق التوازن والتعادل بين شخصين والقسط هو تحقيق الكمال في التقسيم. فمثلا لو أردنا أن نقسم كيسا من القمح بين شخصين فإننا نكيل أو نوزن لنعطي كل واحد منهما كيلا أو وزنا معادلا لصاحبه. لكننا لو أردنا تقسيم نفس القمح على أساس القسط فإن الطريقة الوحيدة هي أن نأخذ كل قطعة قمح وننصفه تنصيفا كاملا لنعطي كل واحد منهما نصف القمحة حتى ننتهي من كل القمح الذي في الكيس.

والله تعالى وعد بأن يراعي القسط يوم الحساب. قال سبحانه في سورة الأنبياء: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47). نلاحظ بأنه سبحانه تحدث عما هو أصغر من حبة القمح. فأظن بأنه جل جلاله سوف يراعي كل حالات الأشخاص وظروفهم وإمكاناتهم وقدراتهم الفكرية والبدنية وزمانهم ومكانهم وكل ما يؤثر في قيامهم بعمل سلبي أو إيجابي ليحكم لكل شخص أو عليه بما لا حيف فيه إطلاقا. هذا النوع من الحكم لن يتأتى لغيره سبحانه. وقول من يقول بوجود إمكانات الشفاعة يوم القيامة لهو كلام سخيف لا يناسب القسط إطلاقا. الشفاعة هناك غير موجودة بنص القرآن وشفاعة الملائكة لا تعني وساطتهم بل تعني بأنهم هم الذين ينفذون أوامر ربهم فهم شفعاء التنفيذ بين الله تعالى وبين خلقه.

ولو نتعمق في الآية التالية من سورة الحج فلعلنا نتمكن من تصور القسط. قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17). كل مجموعة دينية لها ظروفها التي تخصها فالتأكيد هو على جملة “إن الله يفصل” في الآية الكريمة. بمعنى أنه وحده القادر على الفصل بين أتباع مختلف العقائد الدينية وما تضغطه عليهم عقائدهم ومجتمعاتهم ومن يعيشون معهم حينما يقوم كل فرد بعمل. ولذلك قال سبحانه بعدها: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18). بمعنى أنه سبحانه وحده الذي تمكن من إخضاع مجموعة في غاية الكبر والتنوع والقدرات والتحملات لقوانينه التي وضعت على أسس قويمة يمكن لكل أولئك الكائنات أن ترضخ لأوامر ربها وتعيش معا في كون واحد.

والخلاصة هي أن كل ما قاله الله تعالى في القرآن من أوامر فهي واجبة دون ريب وكلما قاله المفتون والمحدثون من خارج القرآن فهي آراء بشرية لا يجب الأخذ بها بل يجب أن نفحصها لنطمئن من صحتها أو نرميها في زاوية النسيان.

كاترين:

أظن بأن العم سوف يتعب لو أراد أن يرد على كل أسئلتنا فاسمحوا لي لأقدم الشاي والماء ثم نتفق على جلسة أخرى لنتيح للعم المزيد من الراحة ولنتمكن من استيعاب ما سمعناه في هذا المساء.

ماري:

طبعا فأنا يصعب علي أن أفارق الشاي فترة طويلة.

توم:

طول النهار شربت الشاي فأنا لا أريد غير الماء مع جزيل الشكر.

خرجت كاترين إلى المطبخ وتبعته ماري لتساعدها على إحضار الشاي. رأت ماري بأن كاترين في هذه المرة سمعت الكلام ولم تحضر غير نوع واحد من الشاي مع بعض أنواع البسكويت. قامتا بحمل صينيتين من الماء والشاي والبسكويت إلى الضيوف.

سر الضيوف بالاختصار في المشرب وأبدوا جميعا شكرهم على أن كاترين هذه المرة سمعت الكلام حتى لا يخجلوا كل مرة على سفرتها.

لكنهم حينما كانوا مشغولين باحتساء الشاي وتوم بدأ يشرب الماء مع البسكويت وإذا بكاترين تغادرهم إلى المطبخ وتعود بسرعة حاملة طبقا غير صغير من ورق العنب المحشو بالرز وبعض التوابل والخضروات.

محمود:

ما هذا يا كاترين؟

كاترين:

هذا لزيد ولبيد وليس لكم.

علوي:

ولكن زيد ولبيد لا يمكنهما أن يأكلا كل هذا.

كاترين:

إذا شعرتم بأنه أكثر من حاجتهما فمن حقكم أن تشاركوهما أيضا.

شعر الجميع بأنهم أعجز من أن يقنعوا كاترين باختصار المشرب والمطعم. إنها كريمة ويصعب عليها أن ترى ضيوفها يخرجون جائعين من بيتها، فهي فوق تعبها في إحضار المأكولات فإنها تزداد حرب أعصاب لتتذرع كل مرة بعذر مخترع جديد لإسكاتهم فمن الأفضل أن يستمتعوا بما تقدمها لهم ولا يعارضوها كل مرة بالتوقف عن العطاء. وفيما هي غائبة عن السفرة قال محمود:

محمود:

نحمد الله تعالى ونكتفي بأن ندعو لكاترين ألا يبليها الله تعالى بالفقر فهي كريمة قد تضطر لتستدين إرضاء لنفسيتها الطيبة وإكراما لضيوفها.

أبدى الجميع تأييدهم لما قاله العم محمود التمار ودعوا لصديقتهم العزيزة بالخير والرخاء.

أحمد المُهري 

27/7/2019

يتبع الزبر البشرية المنافسة القسم الثاني

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.