المؤمنة كاترين -27 – مفاجأة ماري والمسارات الفكرية

المؤمنة كاترين

المقطع السابع والعشرون

مفاجأة لماري

وفي المساء بينما كانت ماري تعد حقيبتها للسفر فإذا بالتلفون يرن وتتحدث معه أخته من فرنسا:

الأخت ميشيل:

ماري؛ إن رئيس عملك المسيو دوجاردن يبحث عنك. فاتصلي معه فورا.

اتصلت ماري بـ دو جاردن:

ماري:

إيمانيويل؛ أنا ماري.

دو جاردن:

أريد أن أسافر إلى الكويت يوم الخميس وأريدك هناك لأنك الوحيدة التي تجيد العربية في دائرتي.

شعرت ماري بأن الله تعالى هيأ لها أن تحضر زواج كاترين مع علوي.

ماري:

إيمانيويل، أنا الآن في الكويت وقد حجزت للسفر غدا فما العمل؟

دي جاردن:

أجلي سفرك واطلبي غرفتين أخريين لي وللمسيو لا فرانس فنحن سنكون هناك. ومن الآن سيكون مصاريف سفرك على حساب الشركة. نحن بانتظار التوقيع على عقد مبايعة كبيرة وسنبقى أسبوعا في الكويت.

ماري:

سأفعل وأبعث لك بفاكس تؤكد الحجز.

دي جاردن:

 a bientôt ,merciشكرا، إلى أن نلتقي.

ماري:

je vous empri  (أرجوك أو عفوا) a bientôt(إلى أن نلتقي قريبا).

اتصلت ماري بكاترين وأبلغتها المفاجأة السارة ففرحت كاترين كثيرا.

كاترين:

الحمد لله على نعمائه. أنت يا ماري أكثر من صديقة لي فأنا بعيدة عن أقاربي وأنت عوضتيني هذه الأيام. لن أنساك وأتمنى أن تبقى علاقاتنا الودية قائمة إلى الأبد.

ماري:

أنا فرحانة أكثر منك لأنني سوف أحضر كل حفلاتك. الحمد لله تعالى.

ذهبت ماري إلى طاولة استقبال المسافرين في الفندق وطلبت غرفتين لأسبوع ابتداء من يوم الخميس القادم كما طلبت تمديد إقامتها حتى عودة القادمين الجديدين من الكويت. تمت الموافقة على طلبها ووقعت على تعهد الدفع باعتبار بطاقتها المصرفية الموجودة تفاصيلها في إدارة الفندق. أبلغت دي جاردن بالفاكس. ثم اتصلت مرة أخرى بكاترين لتتفق معها على جلسة مقبلة مع الجماعة. لكن كاترين أصرت أن تأتي إلى بيتها لتتحدث إليها لأنها مشتاقة جدا لرؤيتها. وافقت ماري واتجهت نحو بيت كاترين. استقبلتها كاترين وكأنها لم ترها فترة طويلة.

ماري:

أنا ما جئت من الخارج بل لا زلت مقيما عندكم.

كاترين:

لكنني أشعر بالكثير من المنة لله تعالى بأن استجاب دعائي لتبقي بيننا أياما أخر.

ماري قبَّلت كاترين بكل حرارة قائلة:

لا أدري أينا أكثر سرورا. لكنني أعرف نفسي في غاية السرور بأن الله تعالى وفقني لأرافقك في أجمل أيامك دون أن أنفق شيئا من جيبي الذي يبدو غير قادر على دفع النفقات الباهضة للفندق طيلة هذا الوقت.

كاترين:

كنت أفكر كثيرا في أن الله تعالى كريم فلو دعوته بما لا يخالف حكمته وسياسته وأراد أن يستجيب فإنه يغمرك بما لم تفكر فيه من النعيم. وها هو ربي غمرني بنعمة لم أكن لأفكر فيها. لا أنا ولا أنت فكرنا في هذه المفاجأة الطيبة لإقامتك المجانية في الكويت. حقا إنه سبحانه ذو فضل على العالمين وحقا أنه يعطيك أكثر مما تطلب ودون حساب ودون أن تعرف مصدر نعمه. فهو وحده يستحق الحمد وهو وحده يستحق أن نخضع له حبا وطاعة وشكرا.

ماري:

سوف نقوم بالتجهيزات ليوم الفرح معا ولكنني متعطشة للمزيد من الجلسات. ألا ليتك توافقين على أن نجتمع في أقرب وقت مع علوي والعم محمود.

كاترين:

على الرحب والسعة. سوف أدعوهما غدا للعشاء في بيتي.

ماري:

بيتك طبعا خير من بيتي ولكني أنا الذي أدعوهم.

كاترين:

أنت ضيفتنا وعلينا أن نخدمك بكل حب وود. وكما قالوا:

يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا      نحن الضيوف وأنت رب المنزل

ماري:

يهمني أن أراكم وأجلس معكم لأستفيد من إقامتي المجانية في الكويت. أنا اعتبرتها بركات من السماء أتتني فعلي أن أستغلها لكسب العلم ولخدمة خلق الرحمن.

وفي اليوم التالي دعت كاترين حبيبها علوي وأستاذها العم محمود التمار للعشاء في بيتها وبحضور ماري. تعجب علوي من أن ماري لا زالت في الكويت ولكنه فرح كثيرا حينما سمع حكايتها من كاترين. صرح لكاترين بأنه كان يتمنى من كل قلبه أن تبقى ماري أياما أخر في الكويت فهي لبقة وطيبة ومؤمنة صالحة ويمكنها أن تساعدنا في الكثير من المسائل كما أننا نستفيد من علمها وخبرتها.

كاترين:

كانت لك ما تريد. أتمنى لك كل ما تريد وأن أكون ممن تريد.

علوي:

أنتِ فعلا منتهى أملي وأتمنى أن أكون وفيا معك وأن يمنحنا الله تعالى كل ما نصبو إليه في الحياة المشتركة. وأظن بأن زيد ولبيد سوف يكونان فرحين مبتهجين حينما نكون معا.

كاترين:

شكرا حبيبي. وهل ترى من الصالح أن ندعو بقية الأصدقاء في البنك؟

علوي:

شيء جميل ولكن لكل منهم ظروفه وارتباطاته فأظن بأن من الخير أن نختصر الجلسة وندعوهم في مناسبة أخرى.

كاترين:

كما تشاء.

اتفق كاترين مع ماري أن يتواجدا ساعة عودة كاترين من العمل ليعدا الأكل. لكن كاترين رأت بأن ماري جاءت أيضا محملة بأكياس المشتريات.

كاترين:

كان الاتفاق على أن نذهب سوية إلى السوق.

ماري:

أنا ليس لي عمل وأنت تعبانة ولذلك فكرت بأن أخلصك من بعض المسؤولية.

دخلتا المنزل وأعدتا العشاء بانتظار الضيوف: العم محمود وعلوي وزيد ولبيد.

اجتمع الطيبون في منزل كاترين

ماري:

طبعا أنا الذي أبدأ لأنني أكثركم كلاما وأقلكم علما وأحوجكم للمزيد من المعلومات.

علوي:

لا أظن بأنكِ أقلنا علما ولكن ابدئي فنحن نحب أن نسمع منك كما نحب أن نسمع إجابات العم محمود التمار رعاكما الله تعالى.

ماري:

أولا أحمد الله تعالى أن هيأ لي لأكون معكم عشرة أيام أخر تقريبا فهي فرصة ذهبية لي وأستبعد أن يكون هناك في فرنسا تجمع مشابه ألتحق به لأستزيد من المعلومات القرآنية. واسمحوا لي بأن أدعوكم للاستمرار في مثل هذه الجلسات ولو بشكل شهري أو أسبوعي وبدون تكاليف كبيرة لعلكم توضحوا لغيركم حقائق كتاب السماء لعلهم يتفكرون. لقد أورثكم جدودكم مفاهيم خاطئة عن هذا الدين القويم مما يجعل كل مسلم متفتح الذهن مسؤولا أمام ربه وأمام قومه وأهله ليكتشف أخطاء التراث المنحرف ويبين لغيره. ألا تشعرون بأن هذه رسالتكم وأنتم على اطلاع واسع بحقائق القرآن الكريم؟

محمود:

أنت يا ماري عملاقة في تحريك الفكر ونشر الثقافة والعلم فلقد فتحت علي أفقا أوسع مما كنت عليه. كنت أظن بأن أفكر لنفسي ولا فائدة في التحدث إلى الغير. كنت أتخيل بأنني وحيد بين قومي ولا أحد يسمع لي فلِم السعي والجد لبيان ما أعلم لمن لا يريد أن يعلم. لكني اليوم مع كبر سني أشعر بالنشاط للمزيد من التفكير وللمزيد من النشر والتوزيع لألا تبقى تحقيقاتي حكرا علي ولأصححها وأعثر على ما خفي علي بالمشاركة الفكرية مع أناس يستعملون عقلهم مثلي بل أكثر مني. فمثلا ما كنت أدري بأن كاترين الحبيبة تعرف القرآن لهذا الحد وما كنت أفكر بأن فتاة فرنسية مثل ماري العزيزة تهتم بديني وبكتابي بل وبربي. أشعر اليوم بأن هناك الكثير ممن يحبون الله تعالى ويحبون تصحيح المفاهيم التي ورثوها ولكن علينا أن نبحث عنهم ونستعين بهم ليساعدونا في تغيير الفهم العام لدى أمتنا. حتى زملاء علوي وكاترين في البنك على اطلاع جيد بالتراث وعلى استعداد لتصحيح تلك المفاهيم التي تنطوي على أسس صحيحة ولكن بتفاسير باطلة. قد يكونوا متأثرين بأفكار علوي وكاترين وقد يكونوا بأنفسهم شاعرين بخطأ التراث ولا فرق بين المسلم وغير المسلم منهم.

نحن لا نتحدث عن إيمان الناس ولا معنى لذلك. إن كل فرد يبني علاقاته مع ربه بالطريقة التي يراها مناسبة له وإن ربه هو الذي يساعده فليس صحيحا أن نتجسس على ما في قلوب الناس. لكن رسالتنا كما أظن أن ننشر العلم والمعرفة بالقدر المتاح لنا حتى لا يسألنا ربنا عن تقاعسنا في نشر ما علَّمنا من فضله. لقد ملأ المتخلفون فكريا أوقات أهلنا بالكثير من الأعمال غير المجدية. يكفيك أن تدخل مساجد المسلمين أو كنائس المسيحيين واليهود لتراهم مشغولين بتكرار جمل ومقاطع قديمة لا جدوى منها. هناك الأدعية الصغيرة والمتوسطة والطويلة وهناك الترانيم والأشعار والتعابير التي تملأ أوقات الناس فلا يبقى لهم وقت للتفكير. إخواننا من رجال الدين في كل الطوائف الدينية السماوية وغير السماوية يكررون ما قاله سلفهم وكأن الله تعالى أغلق عليهم أبواب التطور الفكري.

أظن بأن الشياطين يتطورون معنا فكريا والفرق بينهم وبيننا أن أباهم وزعيمهم إبليس لا زال حيا وقد وعده الله تعالى أن يبقيه حيا حتى يوم الوقت المعلوم. ولذلك فهو يعلم أفكار من سبق ويمهد لتضليل من حضر ومن لحق. والله تعالى خوفنا كثيرا منه لأنه يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم. وليس لنا إلا أن نحاربهم بالفكر والعقل وبنشر مفاهيم الفضيلة.

علوي:

لننتقل من الإعلام إلى المفاهيم فأنا بانتظار أسئلة ماري الموحية والعميقة.

كاترين:

وأنا كذلك.

ماري:

أنا كامرأة أشعر بأن هناك فرقا كبيرا بين المسارات الفكرية للرجال والمسارات الفكرية للنساء. أشعر وتشعرون معي بأن هناك فروقا فسيولوجية ضرورية ليقوم كل من الجنسين بواجبات تخص كلا منهما حتى يتكاثر الناس ويبقى النسل البشري ولكنني أراهم في النهاية مكلفين بتكاليف سماوية مشابهة فما السبب في مغايرة المسارات الفكرية لدى كل جنس؟

محمود:

هناك بالطبع مسارات فكرية متعددة بين البشر ولكنني لا أظن بأن هناك مسارات فكرية متغايرة بين الرجل والمرأة. المسارات الفكرية تؤثر كثيرا في الحياة الاجتماعية فلو كان هناك تغاير طبيعي بين الجنسين لما تمكنا من التعايش مع بعض. نرى مثلا بأن الذي يؤمن بالله تعالى فهو لو أراد التمسك بعقيدته فهو غير قادر على التعايش مع الملحد. ولكن المرأة المهندسة تعيش بكل سهولة مع الرجل الطبيب؛ والرجل التاجر يعيش بكل سهولة مع المرأة السياسية أو معلمة الفيزياء. ذلك لأن المسارات الفكرية بينهما لا ترتبط بالجنس ولا بالمهنة ولا بالقيمة المتعارفة للعمل. فلطالما عاشت امرأة تكسب ضعف زوجها معه وبكل سهولة وتشاركا في المصروفات دون الشعور بالحرج. قد يكون زوجها أكثر منها علما من حيث القيمة العلمية ولكنها امتهنت مهنة تدر عوائد أكبر من زوجها.

فلو لم يكن لديكم تعليق على هذه المقدمة فاسمحوا لي بأن نتحدث عن المسارات الفكرية عامة بين البشر.

ماري:

بالنسبة لي من الصعب أن أعلق على ما تفضلتم به لأنني لا زلت أفكر في المغايرة بين مساري الرجل والمرأة ولذلك أفضل أن تتحدثوا عن المسارات الفكرية العامة بين البشر لعلي أصل إلى حل لما في ذهني وبانتظار رأي كاترين وعلوي.

كاترين وعلوي:

استمرا في نقاشكما ونحن نستمع الآن.

محمود:

المسار الفكري تابع للتطور العام ولنوع ارتباط كل فرد بالتطور العام برأيي المتواضع. بمعنى أن الله تعالى بتحريكه البشرية إلى الأمام هو الذي يعين المسارات الفكرية. ونحن لو نساير التطور العام فنحن بمختلف المهن والأفكار والديانات التي نؤمن بها سوف نسير صاعدين سلم التطور في مساراتها المختلفة. فالذي يحدد المسار الفكري ليس هو الجنس ولا المهنة بل هو التطور الفكري العام بين البشرية جمعاء. فليس بمقدور الصحابي الذي عاش مع رسول الله أن يعيش مع أي منا في عصرنا هذا. ذلك لأن مساره الفكري متأخر عنا خمسة عشر قرنا.

وأما المسارات الفكرية التابعة للجنس أو للمهن أو للعقائد أو لأنماط الحياة فهي متكافئة نوعا ما لو أن السائرين فيها أرادوا مسايرة بعضهم البعض ولم يروموا التكبر والتعالي والظلم. يمكن للياباني أو الصيني أن يعيش مع الآري أو العربي كما يمكن للقوي بدنيا أن يعيش مع الضعيف بدنيا وكما يمكن للذي ورث مالا كبيرا مع الذي يعيش على كسبه اليومي. كلما يحتاجونه لتسهيل المعاشرة هو الثقافة العامة أو ما يسمى بالعَلمانية. العَلمانية هي أساس التعايش بين الأفراد في كل دورة زمنية بغض النظر عن الجنس أو اللون أو القوة البدنية أو حتى العلم والمعرفة والدين. بمعنى أن كل إنسان عليه أن ينظر إلى التطور المعرفي العام بين البشر ويواطن نفسه عليها. فنحن اليوم نفكر في السيارات والطائرات وما على غرارهما للتنقل وللنقل وكنا من قبل نفكر في الجمال والحصن والحمير. فلو أراد أحد أن يفرض على نفسه أو على غيره ركوب الخيل والبغال والحمير في عصر البواخر والسيارات والصواريخ فهو غير مساير للعلمانية وسيعيش حياة شاذة غير مسايرة للتطور. تعلمون بأن الإنسان يجب أن يصعد بصورة مستمرة لأن الكائنات في حال صعود مستمر. العَلمانية بمعناها العام تفرض علينا أن ننظر إلى الحياة من واقعها الفعلي والحالي لنسايرها ونواطن أنفسنا ونربي أولادنا عليها. ولذلك فهي تنطوي على أسلم أساليب الحكم والمشاركة الشعبية في الحكم.

ثم نأتي إلى مسألة الأديان والعقائد. فلو كان الدين عبارة عن علاقة بين المرء وربه فقط دون التعرض لأساليب الحياة فإن تلك العلاقة لا تحتاج إلى مسايرة التطور كثيرا وهي علاقة بائسة شاذة برأيي المتواضع. لكن الدين ولا سيما الدين الإسلامي ينطوي على أعمال اجتماعية كبيرة مثل صلاة الجماعة والحج وإظهار العقيدة والتربية والتعليم والكثير من الواجبات التي نراها مدونة في القرآن الكريم؛ فإن مثل هذا الدين لا ينحصر في علاقة الإنسان بربه بل يتعدى ذلك إلى تعامل كل فرد مع غيره بل تعامله مع نفسه أيضا. فالله تعالى يأمر بالتفكير والتعقل في القرآن فلا يجوز للمسلم أن يقتنع باستنتاجات غيره بل عليه بنفسه أن يفكر.

قال تعالى في سورة محمد: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24). يقول سبحانه ذلك لمن حضر رسالة رسولنا عليه السلام ورسولُنا حاضر بينهم. لا يقول لهم ربهم بأن يتبعوا فهم رسولهم بل بأن يتدبروا بأنفسهم. هذا أمر سماوي بالتفكر الشخصي. فلو فكر الناس في كل شيء فإنهم سوف لن يتخلفوا عن ركب الحضارة والرقي الذي يتولاه ربنا جل جلاله. وأما التقاعس عن التفكير فلن ينتج إلا الخسارة والخذلان في الدنيا ولعل في الآخرة أيضا. فاتباع الدين بحاجة إلى التدبر والتفكر وذلك يعني بأن الفهم العام يتطور مع تطور الإنسان ولا يجوز البقاء على فهم الغير ولا التبعية للسلف.

وأرجو أن نفرق بين العلم والثقافة والحضارة وبين الخلوص والاستعداد للتضحية. فنحن لا يسعنا أن نطيع نوحا وإبراهيم وموسى في علمهم أو ثقافتهم وحضارتهم ولكن بإمكاننا أن نتبعهم في إخلاصهم واستعدادهم للتضحية في سبيل الحقيقة وفي سبيل كشف الحقيقة ودراستها بما يتناسب مع قوة الفهم العام وقوة العقل العام لدينا.

ومما يدل دلالة واضحة بأن مساراتنا الفكرية ليست تابعة للجنس ولا للوطن ولا للغة ولا للقومية هو جلساتنا التي بدأناها قبل أسبوع أو أكثر قليلا ولا زلنا نسعى لأن نستمر عليها ونحن مجموعة مؤلفة من عدد صغير من الأشخاص من عدة مستويات علمية ومن مختلف الأعمار ومن عدة أوطان ومن الجنسين الذكر والأنثى. الزمان يؤثر في المسارات باعتبار سلم التطور العام وليس باعتبار الزمان نفسه. فسلم التطور قبل ألف عام كان مغايرا لنفس السلم اليوم. كان ممكنا أن يتواجد نفس الفكرة المعاصرة قبل آلاف السنين ولكنها ما وجدت؛ ليس باعتبار الزمان بل باعتبار حاجة الإنسان إلى المزيد من التجارب ليتمكن من استيعاب المدركات الدقيقة والعميقة. تجربة ابن سينا لم تكن كافية لاستيعاب الحركات الإلكترونية وتجربة أبي بكر لم تكن كافية لاستيعاب التجارة الدولية وتجربة سليمان لم تكن كافية لاستيعاب صناعة الصواريخ. لكننا نرى نوحا باعتبار عمره الطويل تمكن من استيعاب مسألة التطور وهي أعظم مسألة في المدرسة الفكرية العامة. لقد تحدث نوح عن التطور وتحدث عن الإعلام وكأنه من مواليد قرننا. كل ذلك بفضل العمر الطويل والاستمرار في التفكير الذي وفقه الله تعالى فيه.

نستخلص من هذا البحث المختصر بأن الجنس لا يؤثر في المسارات الفكرية ولكن الخبرة والتجارب ومسايرة الحركة التطورية تؤثر في المسار الفكري إضافة إلى نوع المدرسة التي يهتم بها الفرد. فالفيزيائي له مسار فكري مغاير قليلا للطبيب وهما مغايران للمهندس وهم مغايرون للعامل العادي.

ماري:

هناك بحث جدي بين بعض المحققين حول المدارس العلمية والفلسفية كما أن بعضهم فرق بين المدرسة الكلامية والمدرسة الفلسفية فظن ذلك البعض بأن لكل منهما مدرسته الخاصة ولذلك ظنوا بأن المسارات الفكرية ترتبط بالعلم والفلسفة والكلام. أنا لست موافقا معهم كثيرا لأن المسار الفكري يتأثر بعدة عوامل من أهمها حاجة المجتمع والفرد وكذلك انتفاع الفرد والمجتمع من المسار. فنرى بأن المجتمع الزراعي يفكر دائما في توسيع الزراعة كما يفكر في وسائل الرعي وتكاثر الحيوان لأن ذلك المجتمع يعيش على الزراعة ولكن نفس المجتمع يسير في المعرفة الدينية سيرا مشابها لسير المجتمع الصناعي والتجاري والخدَمي. ولا فرق بين ذكورهم وإناثهم ولذلك فإن أعضاء المجتمع الزراعي زراعيون ذكورا وإناثا شبابا وشيوخا بل وأطفالا. بالتأكيد أن هناك مسارا فكريا أثر فيهم فاختاروا الزراعة وتوابعها على أي عمل آخر. لكن ذلك المسار لا يمنع الغير من اتباعهم ومسايرتهم كما لا يمنعهم من الانتقال إلى مسار فكري آخر.

إلا أنني أرى بأن نساءهم ليسوا مثل رجالهم تماما في سيرهم داخل مساراتهم المختلفة. فأرى بأن المرأة التي تعمل بالزراعة غير الرجل المزارع. فالمرأة المزارعة تهتم بالأناقة وبالزهور والرجل يهتم بزراعة الحبوب وبالغلة التي يجنيها في نهاية الفصل الزراعي. وهكذا التي تعمل في حقل الفلسفة فإن الرجل الفيلسوف يفكر غالبا في كيفية الكسب المادي من علمه والمرأة تفكر في كيفية التعمق في ذلك العلم.

محمود:

لكن الرجل الذي لا يعيل أحدا فهو مشابه للمرأة في الاهتمام بالتعمق والأنثى التي تربي أيتاما إذا ما فقدت زوجها فهي تهتم بما يدر عليها علمها من مال. فالاختلاف ليس في المسار ولا في الذي يسير في كل مسار ولا في جنسه ولكن الاختلاف في الشعور بالحاجة والمسؤولية لدى كل منهم. وإن شئنا قلنا بأن الاختلاف تابع للحالة التي تلح على الفرد بأن يعالجها وليس تابعا لشيء آخر كما أظن.

ماري:

قد تكون مصيبا، لكنني أحتاج إلى أن أعمل فكري أكثر من هذه اللحظات.

اتفق الجمع بأن يتفرقوا بانتظار يوم آخر تدعوهم فيها كاترين بالتوافق مع الجميع.

يتبع: المسارات الفكرية.

أحمد المُهري

13/7/2019

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.