المؤمنة كاترين 23- اهمية زكريا وميلاد المسيح
المؤمنة كاترين
المقطع الثالث والعشرون
أهمية زكريا في حكاية ميلاد المسيح
محمود:
برأيي المتواضع أن ربنا أراد أن يُظهر معجزة كبيرة لا يمكن لأحد أن يتهم فيها أحدا لتكون تلك المعجزة مقدمة لعمل كبير قادم. أنتم تعلمون بأن بني إسرائيل كغيرهم بل أكثر من غيرهم كانوا مهتمين بالمسائل الشرفية. والله تعالى يريد أن يمنح الفتاة الشابة مريم ابنا بلا أب. العملية تحتاج إلى مقدمات كبيرة لتسهيل فهم الموضوع وتقبُّله. عرفنا من القرآن الكريم بأن زكريا كانت تدعو ليمنحه ربه ولدا قبل أن يصير شيخا. وحينما بلغ الشيخوخة لم يفكر في أن يقدر ربه له ولزوجته التي شاخت مثله أن يأتيا بولد. إنه طلب من ربه وليا يرثه لا ولدا لأنه كان يائسا يأسا طبيعيا من التوليد.
قص لنا ربنا سبحانه و تعالى حكاية زكريا في سورة مريم كما يلي: كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9). فزكريا لم يطلب ولدا ذلك اليوم لأنه شيخ كبير وامرأته عاقر. بل طلب وليا يرثه. والمقصود ميراثه العلمي وزعامته على بني إسرائيل وليس ميراثا ماليا فهو لم يكن من أصحاب الثروات. وحينما أخبره ربه بأنه سوف يقدر له ولدا تعجب من ذلك ولم يخطر بباله أن يمنحه الله تعالى ولدا منه ومن زوجته.
ألا ترون بأن مسألة زكريا وزوجه غير قابلة لأي تهمة؟ امرأة عاقرة لا تلد وهي كبيرة في السن أتت بولد. فكيف يمكن اتهامها. ثم إن زكريا أبلغ الناس من قبل بصورة غير مباشرة بأن هناك معجزة قادمة. لنكمل قراءة القصة من نفس سورة مريم: قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12). طلب زكريا علامة من ربه لينبه قومه بأن هناك معجزة غريبة ستظهر قريبا. وحينما ظهر الطفل وخلال فترة وجيزة أظهر القدرة على فهم المسائل العلمية والحكم في القضايا المعرفية وهو أيضا معجزة بحد ذاتها.
ولو ننظر إلى حكاية زكريا ونقارن بها حكاية مريم علميا اليوم؛ سنجد بأن مسألة حمل مريم لولد بلا أب أهون بكثير من مسألة إحياء رحم ميت تقريبا لزوجة زكريا وإحياء خلايا أحادية قادرة على التوليد لزكريا. وهكذا إحياء قدرة الارتباط الجنسي لدى زكريا احتمالا. إنها غير ممكنة في نظام الطبيعة. هذه إمكانية سماوية فحسب. العلم اليوم قادر على توليد إنسان من امرأة بلا رجل ولكن المشكلة فقط في النفس الإنسانية وليس في البدن الإنساني.
ماري:
مرة أخرى أعتذر من فضولي الزائد. أحب أن أسأل العم محمود عن الدليل الوحيد الذي يذكره المشايخ حول وجوب العمل بالأحاديث النبوية. يذكرون لنا دائما هذه الآية الكريمة من سورة الحشر: مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7).
محمود:
طبعا يقرؤون الآية ناقصة، والكاملة هي هذه: مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8). من الضروري أن نرفق بها الآية 8 لأنها تعين الحكم بالتوزيع كما يريده الله تعالى. فهل تجدون فيهما أي حديث عن أحاديث الرسول أم أنها تتحدث عن تقسيم الغنائم الحربية التي كسبوها. ولو نقرأ كل الآيات فسنجد بأنها تتحدث عن قضية واحدة وحكم خاص لا يمكن توسيعه ولا العمل به في غير تلك القضية. فلنتلوها كلها:
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10).
لننظر الآن، لماذا لم يقل سبحانه ما آتاهم النبي أو رئيسهم أو صاحبهم أو محمد؟
لأن الموضوع ليس عاما ولا يوجد حكم مستقبلي. النبي يتحدث عن الأحكام العامة عادة ليعمل بها الحاضرون ويستفيد منها القادمون. لكن الموضوع كان يدور حول موضوع واحد أصدر الله تعالى فيه حكما خاصا لقضية واحدة. فهي رسالة خاصة غير سارية المفعول بعد الانتهاء من تنفيذها. بمعنى أن الله تعالى أراد أن يمنح المهاجرين كل ما غنموه من معركة لم يخضها المسلمون من المهاجرين والأنصار كالعادة، ولكن الله تعالى أدخل الرعب في قلوب الأعادي فخرجوا تاركين أموالهم وراءهم. هناك منح الله تعالى تلك الأموال للمهاجرين دون الأنصار. هو حكم واحد لقضية واحدة. حتى الأحكام المؤقتة أوسع من ذلك الحكم. فقد يكون الحكم المؤقت زمانيا محدودا بزمان يسري مفعوله طيلة تلك المدة مثل أحكام القتال المؤقتة بأزمان محددة مهما طالت. أو مكانيا يسري مفعول الحكم في ذلك المكان لفترة طويلة أو دائما، مثل حكم الحج الذي يسري في مكة إلى يوم انتهاء الحياة الإنسانية في هذا الكوكب.
لكن حكم الآيات 6-8 من سورة الحشر مرتبط بقضية واحدة فقط دون الإذن بالعمل به في القضايا المشابهة ولذلك اعتبرها الله تعالى رسالة خاصة وليس علما نبويا ولا حكما قضائيا عاما أو تعليمات إدارية، والعلم عند المولى.
لكن إخواننا الفقهاء وأصحاب الحديث فقراء لا يملكون دليلا سماويا على ادعاءاتهم السخيفة فيتشبثون بمقاطع رسالية لا تناسب طموحاتهم طبعا ولا تستجيب لما يريدونه من الآيات والجمل السماوية. لا تنطوي الآيات الكريمة على أية إشارة لقضاء الرسول أو فهمه للقرآن أو أي حكم يصدر منه عليه السلام. إنها تتحدث عن قضية واحدة فقط وقد حكم الله تعالى فيها للمهاجرين دون الأنصار وذكر السبب الداعي إلى ذلك إضافة إلى أنه سبحانه جاء بدليل قانوني لحكمه الكريم. وفي نفس الوقت لم يترك سبحانه الأنصار دون أن يمدحهم ويذكر أعمالهم الطيبة ويثني على مساعداتهم للرسول ولبقية المهاجرين ويعتبرهم من المفلحين.
أظن بأن أحسن وصف لي لكتب الحديث هو أوهام المحدثين. وأنا أستغرب من الذي يظن بأن أحاديث البخاري والكافي وبقية أحاديث السنة والشيعة قادرة على فهم المعنى الكامل للقرآن. وهل فسروا القرآن؟ كلا. وهل كشفوا الخبايا العلمية لكتاب الله تعالى؟ كلا. وهل أضافوا معلومة كوكبية دقيقة للحقائق الكونية المذكورة في القرآن؟ كلا. وهل حسبوا قطر الكون أو الفرق بين طول الكون وعرضه أو الشكل الهندسي للكون أو المسافة الدقيقة بيننا وبين الشمس؟ كلا. هل عرفوا معنى والشمس تجري لمستقر لها؟ كلا. هل فهموا الفرق بين الخلق وتسوية النفس والتعديل الجيني؟ كلا. قرأت كل هذه الكتب فلم أزدد علما ولم أزدد يقينا بالله تعالى وباللقاء مع الله؛ لكنني كلما أمعن في القرآن الكريم ازداد علما ومعرفة وأعرف المزيد عن اللقاء مع الله تعالى.
كاترين:
هل هناك فرق بين آتاكم الرسول وقال لكم الرسول؟
العم محمود:
بالطبع هناك فرق، بل فرق كبير. يمكن لنا في الواقع أن نؤتي غيرنا المال والحب والمساعدات العلمية وما شابه ذلك؛ ولكن لا يمكن لنا ولا لغيرنا أن نؤتي أحدا العلم. انطباع المعلومة العلمية في النفس الإنسانية يستلزم السيطرة على النفس والتصرف فيها ولذلك نرى الله تعالى في القرآن الكريم ينسب كل العلم إلى نفسه. إنه هو وحده الذي يؤتي العلم والذي يقوم بتنفيذ المهمة هو المَلَك وليس الرسول البشري.
اسمحوا لي بأن أكرر تلاوة الآيات التي لاحظناها في اجتماعنا الماضي من سورة الأحزاب: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43). لقد ذكر الله تعالى فيها رسوله البشري عليه السلام لكنه في النهاية قال بأنه سبحانه يصلي على الذين آمنوا وملائكتُه ولم يقل ورسوله. ذلك لأن عملية طبع العلم في النفس الإنسانية ليست في متناول يد البشر. تحتاج إلى إرادة سماوية وإلى ملائكة يقومون بتنفيذ المهمة. هكذا يخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم. وهذا ليس حكرا على المؤمنين.
قال تعالى في سورة البقرة: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (269). فلا تخصيص للمسلمين أو المؤمنين بل من يشاء الله تعالى أن يعلمه الحكمة. لكن أولو الألباب من الذين أوتوا العلم فهم الذين يتذكرون ربهم إذا ما اكتسبوا علما وليس غيرهم. وقال تعالى في سورة المائدة: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4). فعِلمُ تعليم الطيور الجارحة للصيد ليس علما إسلاميا بل هو علم بشري عام لكل الناس ولكنه سبحانه ينسب العلم إلى نفسه. بمعنى أن كل الذين يستعملون الطيور الجارحة مع الكلاب للصيد فقد علمهم الله تعالى كيف يعلمون الحيوانات الطائرة والراكضة.
لا نرى في القرآن بقدر علمي المتواضع أية إشارة إلى إيتاء العلم من غير الله تعالى وملائكته. لكن الناس بمن فيهم الرسول يؤتون غيرهم المال والحب ويقدمون لهم معلوماتهم. الذي يطبع العلم في النفس هو الله تعالى والمنفذ هم الملائكة لا الرسل البشريون. هناك أسرار كثيرة في هذا الصدد يمكن لنا الانتباه إليها إذا فكرنا في القرآن ولاحظنا الآيات التي تتحدث عن الموضوع بدقة كاملة وبحرية شخصية بعيدة عن إملاءات التراث أو رجال الدين أو بقية المعلمين.
أما “القول” فإن القرآن ينسب القول أحيانا إلى الكائنات الجامدة. قال تعالى في سورة فصلت: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11). لقد عبَّر الله تعالى عن تجاوب السماء والأرض مع أمره بالقول. فجملة قال الرسول، لا تعني آتانا الرسول العلم أو اليقين أو الإدراك. إنها تعني بأن الرسول ألقى شيئا على مسامع الموجودين أمامه فقط. وكما أننا يمكن أن ننسب القول إلى الجمادات أو النباتات باعتبار لسان الحال فيمكن أن ننسب القول إلى أبداننا وجوارحنا بنفس الاعتبار. لكن الإيتاء تعني الإيصال الكامل مثل قوله تعالى في سورة النساء: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (5).
إنها تعني بأن من الواجب أن نوصل المهر بيد المرأة مباشرة ولذلك قال سبحانه بعدها بأن لا نؤتي السفهاء أموالنا. فالآيتان تعنيان بأن المهر من حق الزوجة وليس من حق شخص آخر ويجب على الزوج أن يوصلها إلى يدها كما تعني بأن السفيهة غير قادرة على التصرف في مالها بأمر الله تعالى فلا يجوز الزواج مع السفيهة. بالطبع أن مثل ذلك الزواج يحتاج إلى فهم دقيق لمعنى السفيه ولو اعتبرنا السفاهة نسبية فعلينا بأن نضع حدا للسفاهة التي لا يمكن معها الزواج. طبعا هذه مسائل لا يمكن مناقشتها في هذه المجالس ويجوز للبرلمانات أن تناقشها كما أظن وأرى باعتبار أن البرلمان يمثل غالبية الأمة التي تعيش في مكان جغرافي معين.
يتبع:
ماري تفاتحهم بمسألة عاطفية ممتعة.
أحمد المُهري
15/6/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/