بنواسرائيل والعبرانيون

بنو اسرائيل والعبرانيون

 الجزء الأول ؛ وادي النيل وقصص التوراة

من خلال مقالاتي وأبحاثي البسيطة السابقة ، خاصة ؛ (طوفان نوح) ، (هل وعد الله فلسطين لليهود) ، (والفرق بين المسيحية والنصرانية) . كذلك سلسلة محاضرات الباحث  الصديق قصي الموسوي عن سليمان وعرش بلقيس ، شعرت بأن هناك خطأً ما في القصص التوراتي . إذ استوقفني مكان دخول العبرانيين لفلسطين والذي لا يتوافق مع المنطق ، فأدركت بأن هناك سرا خلف الابواب الموصدة بحاجة للكشف ، وكل ما يلزمه ( مفتاح ) يتطابق مع تلك الاقفال الكثيرة التي تصادف الباحث في هذا الشأن . وعندما حصلت عليه ، كما أعتقد ، لم يكن هناك مجرد سر خلف الابواب . بل إشكالات عديدة ومدوِّخة ، كان عليَّ التعامل معها بكل حذر ورويَّة .  فظهر أمامي شعاع من نور  وصار الشعاع  يكبر كلما غصت في الموضوع أكثر ، حتى وصلت لقناعة ؛ أن الحقيقية تتكشف الآن بطريقة لاتتفق مع المعهود من الدراسات الأخرى .

قبل الخوض بالموضوع ، علينا تحديد المصطلحات التالية التي سنتطرق اليها في هذا البحث ؛ بنو اسرائيل ، العبرانيون واليهود .

بنو اسرائيل :

هم مجموعة من البشر (عشيرة أو بطونها ) يتحدرون من جدهم الأعلى نبي الله يعقوب الملقب بأسرائيل

اليهود :

هم أولئك الذين يدينون بالديانة اليهودية ، ولا علاقة لهذا بأية قومية ، شأنها شأن الاسلام والمسيحية . ولا تخص بني اسرائيل تحديدا، فحتى في نصوص التوراة توجد إشارات عن دخول الأقوام إلى الديانة اليهودية ، وفي العصور اللاحقة دخول سكان شمال بحر قزوين (استراخان) إلى الديانة اليهودية ، أما الآن فأوضح مثال هو ابنة الرئيس الامريكي ترامب .  

العبرانيون :

 بدايةً ؛ العبرانيون ما هي إلّا تسمية تطلق على كل القبائل والمجموعات والأفراد الذين ينتقلون من مكان إلى آخر طلبا للكلأ والماء . وهذه التسمية إنما هي صفة تطلق على كافة الاقوام التي تقوم بهذا التحرك لتحقيق الغايات والأهداف التي ينشدونها . عليه فإن لفظة العبرانيين أو العبيرو أو الخبير ، ما هي الا صفات ولا تدل على الانتماء إلى شعب من الشعوب .

أما اطلاق تعبير (لغة) على العبرية فهي من باب التجاوز .

بدأت فكرة البحث هذا ، من التفكر بالقصة التوراتية حول خروج إبراهيم الخليل من أور الكلدان بالعراق متجها إلى فلسطين ، فلو قبلنا بصحة القصة وما تلاها ، فإن اللغة الأم لإبراهيم تكون الكلدانية ، وبذهابه لفلسطين فإنه سيتعلم ويتكلم الكنعانية وكذلك أولاده وأحفاده . وعند هجرتهم لوادي النيل بزمن يوسف فإنهم سيتكلمون اللغة القبطية مع الاحتفاظ بلغاتهم التي يفترض أنهم تعلموها ؛  كالكلدانية والكنعانية والقبطية . فلماذا تتغير لغتهم إلى لغة رابعة وهي العبرية عند عودتهم لفلسطين ؟

 لذا يمكن لنا التساؤل ؛ هل هناك ما ينفي القصص التوراتي وعلاقتها بوادي النيل ؟

الأدلة الآثارية : 1.

هناك حالة من الجدل والتشكيك أطلقها البعض حول قصة خروج شعب بني اسرائيل من وادي النيل في العهد القديم   (خروج بني اسرائيل من مصر ما بين الحقيقة والتشكيك). وهذا يعني أن قصة يوسف في وادي النيل أيضا غير صحيحة . فلذا لا يوجد خروج .

قال الدكتور جيمس هوفماير أستاذ دراسات العهد القديم وحضارات الشرق الأدنى القديم إن هناك أشخاصا بالعالم الاكاديمي يؤكدون أن بني أسرائيل لم يأتوا إلى وادي النيل وأن الخروج لم يحدث ولايوجد شئ في التأريخ يدل على الخروج والرحلة في البرية ، وذكر زاهي حواس عالم الاثار المصري  قائلا ؛ ” بأعتبارنا علماء اثار ،يجب أن نقول إن قصص إبراهيم ، يوسف وموسى لم تحدث قط لأنه لا يوجد دليل تاريخي عليها ” وهذا الرأي يؤكده ، أيضا، علماء في الوسط الامريكي ، لأنه لا توجد أدلة أثرية على ذهاب العبرانيين إلى وادي النيل .

كما أن اسرائيل وبعد احتلال سيناء قامت بالتنقيب عن آثار بني اسرائيل فلم تجد شيئآ ، بل وجدت آثار الطريق (الفرعوني ) الشهير والمعروف بطريق حورس الحربي ، وهو الطريق الذي سلكه ملوك وادي النيل بإتجاه فلسطين ، كذلك سلكه الاسكندر المقدوني ونابليون وعمر بن العاص .(الشرق الاوسط 1 يناير 2009 العدد 10992) .  

يشير الكاتب والصحفي الاسرائيلي بوعاز عيفرون في كتابه ( الحساب القومي)  إلى دراسات وضعها باحثون يهود اسرائيليون وغربيون ، وذكر أن الحفريات الاثرية تنفي قصة الخروج من وادي النيل بقيادة موسى . فخروج بهذا الكم لم يذكر في المخطوطات القديمة ، خاصة مخطوطات تل العمارنة المصرية ، وتجاهل كتبة وادي النيل حدث العبوروانشقاق البحر، وأضاف أنه ليس لدينا عن بني أسرائيل القدماء في وادي النيل أي رمز ولا كلمة ،لا في المخطوطات ولا على القبور ولا على ورق البردي ولا على جدران المعابد .

كما ذكر ايضا قصة الهجوم على أريحا وسقوط أسوارها ، حيث ذكر أن لا أسوار للمدن الكنعانية، إذ أنها تحت سلطة الحامية (المصرية). وتساءل ؛هل يقبل (المصريون)بأحتلالٍ لأجزاءَ من بلادهم ولا يحركون ساكنا ؟. أو لا يدونون ذلك في كتاباتهم ؟. وهنا يؤكد بعض الآثاريين بأن مدينة أريحا لم تكن موجودة بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد .  (عرب 48 ؛ التوراة والمكتشفات الاثرية . صدام الروايات التاريخية ) .

يقول الباحث العراقي فاضل الربيعي ” جوهر الخطأ في فهم قصة الخروج الاسرائيلي من (مصر) ، وكذلك في استيعاب دلالاتها الدينية وفهم مسرحها الجغرافي الحقيقي هو في اسم مصر

لقد قرئ هذا الاسم على اعتبار أنه مصر البلد العربي ولم يكن ذلك صحيحا وبالتالي قد نشأ وتأسس في وعينا للتأريخ القديم ما يمكن اعتباره ارتباطا تعسفيا بين الحدث والمكان .( محمد خلاوي : اختطاف جغرافية الانبياء 2017). 

    رغم وجود أكثر من 300 موقع تقوم فيها البعثات الأثرية بأعمال الحفر، في ” إسرائيل ” والضفة والقطاع ، لم يتمكن الآثاريون من العثور على أى دليل أثرى يؤكد أو حتى يشير إلى مملكة داود وسليمان في فلسطين ، كما لم ترد أية إشارة لهؤلاء الملوك في المصادر التاريخية . وأكد ذلك كله كذب المزاعم التوراتية  بوجود مملكة إسرائيلية متحدة أيام شاؤول وداود وسليمان ، وأنها روايات أسطورية لا تعبر عن الأحداث التاريخية الحقيقية .

وقد تبين الآن ، أن قصص التوراة تضمنت أحداثا تأريخية لشعوب وممالك أخرى في الشرق الأوسط، تم اقتباسها لتكون جزءا من تاريخ مملكة بني إسرائيل ، فقد استعار كتبة قصة داود الرواية المتعلقة بتكوين تحتمس الثالث للإمبراطورية (المصرية) بين النيل والفرات قبل عصر داود بخمسة قرون ، ونسبوها إلى ملكهم وكما يؤكد ويبين باحث  (المصريات) الكبير، العالم أحمد عثمان : لا تزال تفاصيل المعارك التي استعارها الكهنة لقصة داود بني إسرائيل ، مسجلة حتى أيامنا هذه على جدران معبد الكرنك وفي سجلات حروب تحتمس الثالث .( مملكة داود وسليمان العبرية أوهام لا نهاية لها ، لاهوت حتمية تكرار العصر الذهبى . أحمد عزت سليم)

     فى البدايات وجد الباحثون صعوبة فى الاتفاق بينهم على الفترة الأثرية التى تتوافق مع عهد الأجداد، متى عاش إبراهيم وأسحَق ويعقوب ؟ متى تم شراء مغارة المكفيلة واستخدمت كقبر للأباء والأمهات ؟

 بناءً على التسلسل التوراتي أقام سليمان الهيكل المقدس بعد 480 سنة من الخروج من مصر (ملوك أول ) ولكن يجب أن تضاف إلى ذلك 430 سنة أخرى من المكوث فى مصر وكذلك فترة التواصل العمرية الطويلة للأجداد لتصل إلى تاريخ القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد الذى هو تأريخ هجرة إبراهيم إلى كنعان . ولم تظهر فى الحـفريات الأثرية أية دلائل قادرة على تأكيد هذا التسلسل ، وقد حاولت أجيال من الباحثين وصف موقع جبل سيناء ومحطات وقوف أسباط إسرائيل فى الصحراء ورغم الأبحاث التى تم تبينها ، إسرائيل فى الصحراء ، إلا أنه لم يكتشف أثر واحد يمكنه أن يتلائم مع الصورة التوراتية  .

     وتعتبر حكاية احتلال البلاد من أيدى الكنعانيين إحدى الدعائم الأساسية لشعب إسرائيل فى التأريخ الجغرافى التوراتى … وقد خيبت ، الحفريات المتكررة التى أجرتها البعثات المختلفة فى أريحا وعلى المدينتين اللتين وصف احتلالهما بشكل مفصل جداً فى سفر يشوع ، الآمال بشكل شديد ، واتضح رغم جهود التنقيب أنه فى أواخر القرن الثاث عشر وفى آخر العهد البرونزى المتأخر . وهى فترة متفق عليها كفترة الاحتلال، لم تكن فى هذين الموقعين أية مدن ولم تكن بالطبع أسوار يمكن إسقاطها . وقد اقترح الباحثون التوراتيون منذ عشرين سنة اعتبار حكاية الاحتلال هذه أسطورة ، حيث اتضح أن المواقع الاستيطانية قد دمرت أو هجرت فى فترات زمنية مختلقة وتعزز الاستنتاج بأنه لا يوجد أساس يقوم على الحقائق لحكاية التوراة حول احتلال ” أرض إسرائيل ” على يد أسباط إسرائيل فى إطار حملة عسكرية بقيادة يوشع. وإضافة إلى ذلك فإن الروايات التوراتية لاتعترف بالواقع الجيوسياسى فى أرض كنعان التى كانت خاضعة لحكم مصر أواسط القرن الـ 12 قبل الميلاد. وأشرف المصريون على حكمهم هذا للبلاد من خلال مراكز إدارية أقيمت فى غزة ويافا وبيسان ، وظهرت المكتشفات المصرية أيضاً فى مواقع كثيرة على جانبى النهر، ولم يذكر هذا التواجد البارز فى روايات التوارة ، ومن الواضح أنها لم تكن معروفة لمؤلفي الروايات التوراتية ومحرريها  .

        إن  المكتشف الأثرى يناقض بوضوح الصور التوراتية ؛ فمدن كنعان لم تكن محصنة ولم تكن رؤوسها فى السماء ( كما ورد فى التوراة ) ؛ ” بطولة ” المحتلين والأقلية فى مواجهة الأكثرية ( اليهود ويوشع ضد الكنعانيين ) ، وتخليص الإله الذى قاتل إلى جانب شعبه ، ماهى إلا بدعة لاهوتية ليس لها أساس من الحقيقة .

ويرى ليتش أن التوراة العبرية باعتبارها نصاً مقدساً ليست مرجعا ولاتعكس بالضرورة الحقائق التاريخية ، بل أن التوراة ، فى نظره ، تبرير للماضى يكشف عن عالم القصص الخيالية أكثر مما يكشف عن أى حقيقة تاريخية.

الدلائل المنطقية : 2.

أطلقت نصوص وادي النيل لفظة (نسو) على الملك ،أو الحاكم ، ولم تستخدم لفظة فرعون . ولفظة (نثر ) على الإله .كما أطلق سكان وادي النيل على ارضهم لفظة تامري وتاوي وكمتو أي الارض السوداء ، ومنها اشتقت لاحقا لفظة كيمياء ولم يطلقوا لفظة مصر على أرضهم ، وقد أطلق اليونانيون لفظة ايجبتوس ، والتي تحورت لاحقا إلى ايجبت بالانكليزية (بلاد القبط ) .

كما يذكر التأريخ الإسلامي رسالة الرسول محمد (ص) والتي تبدأ بـ ( إلى المقوقس  عظيم القبط ) وليس عظيم مصر . مما يدل على أن تسمية مصر لم تكن موجودة حتى بعد 19 قرنا  من القصة التوراتية .

 أنا أقول ؛ لو كانت القصة التوراتية صحيحة ، وأنهم لم يسلكوا طريق سيناء الشمالي بل أنهم سلكوا الطريق الصحراوي الجنوبي وشمالا حتى خليج العقبة ، فلم لم يدخلوا فلسطين من الجنوب؟ ولماذا كان دخولهم لها من الشرق ومن الوسط عبر نهر الاردن ؟

واذا كانت قصة الخروج التوراتية صحيحة ، فهذا يعني خروج مجموعة من العبيد غير المقاتلين وعوائلهم  وبقائهم في البرية لمدة أربعين عاما ، وتكون جيل جديد من الشباب غير المقاتل أيضا والذي لا يملك السلاح والتدريب العسكري أصلا . فكيف بهم واستطاعة الفتح والاستيلاء على المدن المحصنة .

كما أن عدد بني اسرائيل قليل  فكيف باستطاعتهم فتح المدن والاستيلاء على البلاد

وهم كما وصفهم فرعون ؛ شرذمة قليلون .

(إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) الشعراء :54

كما أن حضارة وادي النيل تستخدم الحجارة الطبيعية، لذلك مازالت آثارها تناطح السحاب ، ولم يستخدموا الطين المفخور في معالمهم الكبرى ، فكيف يطلب فرعون من هامان أن يبني له برجا من الطوب ليطلع على إله موسى؟

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إلى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38القصص28)

كما نفهم من الآية أيضا أن فرعون قد نصب نفسه إلها،

قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29الشعراء26)

 والمعروف أن سكان وادي النيل قد عبدوا اكثر من 2800 إلها ،كرموز لكل قوى الطبيعة: أبرزهم وأهمهم ؛ الإله رع ، آمون ، حورس ، اوزيريس ، ايزيس و آتون . وكمتدينين لن يقبلوا بأن يقول أو يجرؤ أي ملك منهم بأنه إله كما قال فرعون : أنا ربكم الاعلى . بل أن الملك يعتبر ممثل الإله لا أكثر .

ويذكر التأريخ ما جرى للملك اخناتون ،عندما أراد أن يوحد الآلهه ، فانقلب عليه كهنة المعابد وقتلوه ونصبوا ملكا غيره .

كذلك ومن الآية نفسها، نفهم أن كبير الرجال لفرعون والذي يعتبر بمثابة رئيس الوزراء ؛ هامان . فما معنى الاسم .

هام : مهم

هامة : الرأس

فيكون رأس الدولة أو كبير الوزراء ، وبصورة عامة ، فدلالة الاسم عربية ، ولا علاقة له بوادي النيل، التي لا تتكلم العربية حينذاك  .

الفرق بين اليم والبحر :

المقصود بكلاهما هو البحر ، فاليم ؛هو البحر في اللغة العبرية أو لغة اهل اليمن

استخدم اليم في القرآن بمعنى البحر لكنه ذكر فقط مع قصص بني اسرائيل ، وفي موضع الخوف أو العقوبة .

إذ أَوْحَيْنَا إلى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38طه20) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39طه20).

الفرق بين الشاطئ والساحل :

شاطئ والجمع شواطئ وشطآن . وهو جانب النهر أو الوادي

 فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30القصص28) .

الشاطئ من البحر ساحلة ، أو جزء منه .

الساحل ؛ خط التقاء البحر باليابسة ، واللفظ مرتبط مع البحر فقط ، فلا يقال ساحل النهر .

مسيرة الخروج :

تقع المدن المهمة في وادي النيل على نهر النيل ، وكذلك العاصمة ،حيث مقر الملك 

واقرب مسافة من النهر إلى البحر بغض النظر عن اية مدينة ، هي بحدود 100 كلم ، والمعروف بأن معدل سرعة الشخص العادي هي 5 كم/ساعة.وتقل السرعة بسبب الأحمال أو بعد مدة من المسير ، وجدلا لنعتبر أن السرعة لا تتأثربهذه العوامل وأن اليهود يمشون 12 ساعة باليوم ، فيلزمهم يومين للوصول للبحر.أما الخروج في التوراة فيحدد من مسافة اطول أي ان رحلة الوصول للبحر هي اكثر من يومين .

وبذلك فالمفروض ان يصلهم فرعون وجيشة قبل وصولهم للبحر ، إذ ان يستخدم العربات التي تجرها الخيول والتي سرعتها العادية 46كم/ساعة.

فأذا كان الخروج ليلا وعلم بهم فرعون صباح اليوم التالي ، وجهز جيشه ثم انطلق ظهرا ، فانة سيصل اليهم في اول محطة استراحة لبني اسرائيل .

أما في القرآن ؛

 فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23الدخان44) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24الدخان44).

 فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60الشعراء26)فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61الشعراء26).

أي حين اشرقت الشمس، أي النهار الثاني مما يدل على أن البحر قريب ، وهو ما لا ينطبق على وادي النيل.

3 . الأدلة القرآنيــة :

هل يؤيد المنطق القرآني ادعاءات التوراة أم يعارضها ؟

لو تدبرنا القرآن ، بمعزل عن الافكار المسبقة حتى لا نتقاطع مع منطق الآيات ، وجعلنا مسيرنا للتدبر مع اتجاه القرآن لا متقاطعا معه ، لتوصلنا إلى الحقائق التاريخية المبينة بالآيات.فمن الافكار المسبقة لدينا اشكالين رئيسيين ، هما :

الإشكال الاول؛

 في وجود اسم مصر في القرآن ، فهل هي مصر وادي النيل أم بلدة أخرى ؟.

وربما سيكون من الأفضل أن نحدد ماذا تعني كل من المسميات التالية ؛ البلد، القرية ، المدينة والمصر .

البلد :

يكون بقدوم أناس إلى منطقة معينة ، فيجدون فيها ما يناسبهم للبقاء والاستقرار .

فهو مكان محدد تستوطنه جماعات من البشر.أو رقعة واسعة من الارض .

لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15سبأ34)

قرية :

المعنى العام يشير إلى الاستقرار والإقامة في مكان معين ضمن نظام خاص .

أو هو المكان الذي اتصلت به الأبنية .

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13محمد47).  وهنا يقصد مكة

مدينة :

 الحاضرة التي لها حدود معروفة ومعينة والتي يحكمها قانون صارم ودقيق ينظم حياة قوم منسجمين في عاداتهم وتقاليدهم وانتماءاتهم .وفي الغالب لها سور.

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30يوسف12)

وفي الحديث المنسوب للرسول : أنا مدينة العلم وعلي بابها.

حيث أن الباب يدل على وجود سور.

مصر :

 موضع ومكان يجري تحويله بناءً على خطة معينة إلى كتلة منسجمة التفاصيل واضحة المعالم ، مليئة بالحركة والنشاط .

فالمصر هي أية حاضرة جرى تمصيرها بأقامة النظام فيها وإنشاء العلاقات بين أفرادها بناءا على رؤية معينة .أو هي المدينة الكبيرة ،محاطة بأسوار، لديها قيادة ذات سلطة مثل شرطة ، حرس وجيش.

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99يوسف12)

وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67يوسف12).

الإشكال الثاني ؛

 فرعون اسم أم لقب :

المشهور أنه لقب، حيث جرت العادة على اطلاق اسم فرعون على كل ملوك وادي النيل . ولقد اطلق العرب على (فرعون موسى) عدة اسماء ، فقد سماه وهب ؛  بالوليد بن مصعب بن الريان ، كذلك قال ابن زولاق .أما الليث بن سعد فسماه : طلما ،  واختلف المفسرون والرواة في قومه ، فمنهم من يجعله قبطيا ومنهم من يقول بأنه من العماليق. (وليد بن عبدالعظيم آل سنو ،شبكة الالوكة)

لا أعلم من أي سجل للأحوال المدنية استقوا معلوماتهم ؟. فقد جاء في الموسوعة العربية العالمية أن : فرعون كان لقبا للملوك المتأخرين (لمصر القديمة)، لم يلقب (المصريون ) حاكمهم فرعونا، حتى الاسرة الثانية عشر(1554-1304 ق.م.). وقيل هي كلمة مصرية قديمة تعني المنزل العظيم، وهي من كلمتين بير – عا . وتقول ماريا بارسونس إن فرعون ليست كلمة قبطية. (نداء السراة اختطاف جغرافيا الانبياء)

بالاستناد إلى القرآن ، فأنا أظن بأن فرعون هو اسم ذلك الملك الحاكم زمن موسى . ولنأخذ بعض الآيات التي ذكرت إسمه ، والتي تدل على أنه اسم شخص وليس صفة أو منصب ، ولنحاول أن ننظر إلى الأمر كما يلي ؛

أولا : لم تأت كلمة فرعون مع (ال) التعريف نهائيا بالقرآن ، مما يدل  على أنها معرفة بذاتها ، أي اسم وليس صفة أو منصب.

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103الأعراف7) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . (104الأعراف7)

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109الأعراف7) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110الأعراف7) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111الأعراف7) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112الأعراف7) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113الأعراف7)

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75يونس10)

فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83يونس10

 إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97هود11).

أما الصفة أو المنصب فهي تأتي دائما مقرونة بال التعريف مثل :

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43يوسف12)

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50يوسف12)

 وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54يوسف12)

 قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78يوسف12

يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88يوسف12)

ثانيا : جاءت كلمة فرعون مقرونة ب(آل) بمعنى أهل ، والمعلوم أن آل تضاف للمعرفة

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49البقرة2) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50البقرة2)

ثالثا : استخدام (يا) و(ياأيها) للمنادى

تستخدم (يا) النداء للاسماء

يا آدم اسكن أنت وزوجك ،  يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا  ،  ياموسى إني أنا الله  ،  ياعيسى إني متوفيك ورافعك ،  يا زكريا إنّا نبشرك بغلام ،  يايحيى خذ الكتاب بقوة ،  يانوح اهبط بسلام منها  .  كذلك الآيات الكريمة التالية ؛

قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إذ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92طه20) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93طه20) قَالَ يَا ابْنَ أم لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94طه20)

قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102الإسراء17)

تستخدم (أيها) للصفات أو المنصب ؛

يوسف أيها الصديق ،  أيها المرسلون ، أيها المجرمون ، أيها الملأ ،   ياأيها العزيز .

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67المائدة5)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28الأحزاب33)

أما كلمة فرعون فلم تُسبَق ب( أيها) في القرآن أبدا .

رابعا : تعريف النكرة بالمعرف

جاءت كلمة وزير مرتين بصيغة المجهول إلا أنها كانت مرتبطة باسم معرف (هارون) .

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35الفرقان25)

وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29طه20) هَارُونَ أَخِي(30طه20)

كذلك جاءت كلمة امرآة بالنكرة الا انها اضيفت الى اسم معرف , مثل امرأة نوح , امرآة لوط وامرآة فرعون .

 ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10التحريم66) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11التحريم66)

نحن نؤمن بأن القرآن كتاب الله ، وهو العالم بكل شئ ، لذا لا تورد مسائل وأحداث  تأريخية خاطئة . فلو تأملنا الآية 137 من سورة الاعراف وسورة الشعراء:

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137الأعراف7)

وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52الشعراء26)فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53الشعراء26)إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54الشعراء26)وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55الشعراء26)وَإِنَّا لَجِمِيعٌ حَاذِرُونَ (56الشعراء26)فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ

وَعُيُونٍ (57الشعراء26)وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58الشعراء26)كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59الشعراء26)

تبين لنا الآيات السابقة ، أن الله دمر ما كان قوم فرعون يعرشون ، أي يبنون ، لكن آثار حضارة وادي النيل ما زالت شاخصة . فهل أخطأ القرآن المكان ، حاشى لله ، أم أننا تعارفنا على المكان الخطأ ؟

كذلك في مسألة وراثة الأرض ، فإن هذا يعني بأن قوم موسى استقروا في بلد فرعون بعد تدميره، وسوف نبين لاحقا أي بلدٍ هو المعني .

بالإضافة إلى أن مصطلح جنات وعيون الواردة بالسورة لا تنطبق على وادي النيل ، إذ أن جناتهم تعتـمد على نهر النيل وليس العيون .

 قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47يوسف12) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48يوسف12) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49يوسف12).

فأذا كانت السنين العجاف تؤثر على الزراعة في المناطق التي تعتمد زراعتها على الأمطار، فهذا لا ينطبق على وادي النيل ،إذ أن الزراعة هناك تعتمد على مياه النيل .

وهنا فإن يوسف يفسر حلم الملك . بأنهم سيزرعون  سبع سنين دأبا : أي متتابعا على عادتكم في الزراعة. ثم تأتي سبع سنين شداد لا زراعة فيها، بسبب  أن لا ماء فائض للسقي .وبهذا ينتهي تفسير الحلم ، أما العام الذي فيه يغاث الناس ويعصرون ، فهو من نبوءات يوسف ، أي يغاثون بالمطر ، ولكثرة الأمطار فأنهم قادرون على عصر المنتجات لكثرة ما فيها من سوائل .

هذه الآيات إنما تدل دلالة قطعية على أن زراعة أهل مصر يوسف تعتمد على مياه الأمطار،. بينما زراعة وادي النيل تعتمد على الري السيحي من نهر النيل ، وهم ليسوا بحاجة للأمطار في بلادهم ، بالإضافة إلى أن القصة لم تذكرشيئا عن عطش الإنسان أو الحيوان أو نفوق الحيوانات بسبب العطش بدليل أن أخوة يوسف لديهم من الإبل ما لديهم . أي أن الماء موجود في الآبار .

كثير من المسلمين الذين يلهثون وراء مسألة الإعجاز العلمي في القرآن ، وربطها بمصر في قصتي يوسف وموسى يستشهدون ، بذكر الحاكم في زمن يوسف بالملك ، أما في زمن موسى بالفرعون . ويستدلون بهذا على أن وادي النيل كان تحت حكم الهكسوس أيام يوسف لذلك لم يتخذ حكامهم لقب الفرعون .

 وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43يوسف12)

وبتفحص التأريخ ، حسب الزعم التوراتي ، نجد أن ابراهيم الخليل توفي عام 2000 ق.م. ولنقل أن يوسف دخل وادي النيل (مصر) عام 1900ق.م. وأن بني اسرائيل استقروا هناك 430 ، فسيكون خروجهم عام 1500 ق.م. أما الهكسوس فقد احتلوا وادي النيل وكانت نهايتهم 1580-1540 ق.م. وقد حكموا 100 عام وبذلك يكون دخولهم لوادي النيل في 1640  ق.م. فيكون دخول الهكسوس لوادي النيل قد تم بعد ثلاثة قرون من القصة المزعومة ليوسف .

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59يوسف12) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60يوسف12) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61يوسف12).

أنا أفهم من خلال هذا المشهد الحواري ، أنهم يتكلمون لغة مفهومة للجميع ، كذلك بعد المشهد التمثيلي بحثا عن صواع الملك ، إذ أن اخوة يوسف يتكلمون لغة مفهومة من قبل الحراس . فلو كان هؤلاء الحرس من بلاد وادي النيل لما استطاعوا التفاهم معهم ، بسبب عدم تشابه اللغة بين الطرفين . وهذا مما يدل على أن الاحداث وقعت في منطقة جغرافية واحدة ، وليس اثنتين كبلاد وادي النيل وفلسطين .

تصحيح التواريخ

   قبل عصر المكتشفات الاثرية . وقبل ظهور علم الاركيلوجي : علم الآثار ، واستخدام تحليل الكاربون المشع 14. كان التأريخ عبارة عن قصص الأقدمين، ولم يتم تدوين  ألاحداث إلا في كتب الملاحم ، مثل الإلياذة ، الأوديسة أو الشاهنامة. والتي تسرد ملاحم قوم ما في بقعة جغرافية محددة. فنجد كتاب التوراة يطرح فكرة خلق الأرض وتكوّن الأمم والقبائل ، المعارك والاحداث ، وتكاد تشمل معظم مناطق الشرق الاوسط . فهو الكتاب التاريخي الذي يذكرأيضا ، أمما أخرى غير اليهود .

 وبما أنه كتاب مقدس عند المسيحيين أيضا ، فقد اعتبر كل ما فيه صحيحا. وعممت مقولات التوراة على اعتبار أنها نص تأريخي صحيح لأنه مقدس . لكن تبين لاحقا ، بعد تطور علم الاثار، أن قصصه غير أصلية ، فقد ذكرت عند الأقوام الأقدم من اليهود، كما تبين عدم صحة البعض منها أو ان التواريخ خاطئة ، مثل عمر الكون أو عمر البشرية.

لكن وفيما يبدو أن لا أحد انشغل بصحة الفترة الزمنية التي تواجد فيها إبراهيم أو يوسف أو حتى الخروج متعرضا بالنقاش العلمي . اذا عُدَّ ما في التوراة صحيحا .

ولنحاول الآن أن نلقي نظرة فاحصة لنتأكد من صحة كلام التوراة أو عدمها

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19يوسف12) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20يوسف12).

بِيعَ يوسف لقاء مبلغ زهيد دراهم معدودة. فما هو الدرهم؟ حيث يشكك البعض بعدم وجود التبادل النقدي في ذلك الزمان أو عدم سك النقود حينذاك وتسميتها بالـ (درهم) . وربما يخرج علينا بعض المعترضين  مستقبلاً بالقول بعدم وجود السيارات (كما نعرفها الآن) في ذلك الزمن .

الدرهم : وزن وهو جزء من 12 جزء من الأوقية .

الدرهم : عملة نقدية من الفضة .

فهل عرفت النقود زمن يوسف ؟ ( ويكيبديا . تاريخ النقود المعدنية ) .

 سُكَّ الدرهم  أول مرة في اليونان 700 ق.م ، كما سَكَّ (تونغ باي ) العملة النحاسية في الصين ، في القرن 11ق.م.

وفي بلاد ما بين النهرين (مجلة كلية التربية الاساسية 2014 :دراسة في نشأة النقود في بلاد مابين النهرين ” أ.م.د. قيس الجنابي )

استخدم السومريون الشعير كسلعة وسيطة في إيفاء الديون ودفع المستحقات أو للبيع والشراء بدلاً من المقايضة.ثم أخذت الفضة تحل محل الشعير في تقييم أثمان البضائع . فأستعمل التجار ألواحا صغيرة من الفضة لتوثيق العقود التجارية ، مختومة بشعار يضمن وزنها .

 لم يعتبر المؤرخون هذه نقودا لأنها تعتمد على الوزن لا على القيمة المادية . إلا أنها ينطبق عليها تعريف المختصين ؛ ( كل شئ يلاقي قبولا عاما كوسيط للمبادلة ويستخدم لتسوية المستحقات وإبراء الديون ). حيث جاء في المادة 5 (من شريعة  اورنمو ) : إذا أزال رجل بكارة أمة رجل آخر بالإكراه عليه أن يدفع (غرامة) خمسة شيقلات فضة . وفي شريعة لبث عشتار 1934ـ1924 ق.م. جاء بالمادة 6 : إذا دخل رجل بستانا يعود لرجل آخر ، وقبض عليه متلبسا بالسرقة فعليه أن يدفع عشرة شيقلات .

إضافة إلى شريعة حمورابي 1792ـ1750 ق.م. نجد لفظا صريحا للنقود والدراهم .

مما يدل على أن النقود كانت معروفة في التعاملات التجارية ، وإن لم تسمَّ بالدرهم ، حيث أن الدرهم سُكَّ في اليونان عام 700ق.م.

لذا يبدو أن ماعناه القرآن هو الوزن لا القيمة النقدية ،لأن الخطاب القرآني للعرب وهم يعرفون الدرهم كوزن أو كعملة ، مثلما لو أردنا ترخيص سلعة ما فنقول (فلاسين) وهو تصغير متعارف عليه شعبيا لكلمة فلوس .

لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124الأعراف7)

من المعلوم أن عقوبة الصلب بدأت بالعراق وانتقلت لبلاد فارس في القرن السادس قبل الميلاد ، ومنها انتشرت إلى منطقة الشرق الأوسط بالقرن الرابع قبل الميلاد .

وبهذا نستطيع تصحيح التأريخ في القصة التوراتية بجعل عصر موسى بالقرن الرابع قبل الميلاد بدلا من المتعارف عليه حسب الرواية التوراتية بالقرن 13ق.م. وتكون قصة يوسف قبله بقرنيين .

واخيرا  سيبقى التساؤل قائما يفرض نفسه ؛إن لم تكن احداث القصة التوراتية قد حدثت في وادي النيل ، فأين تكون ؟.

هذا ماسيكونه موضوع الجزء الثاني من البحث .

عبـدالرضــا الصـبـاغ .

لنــــدن2018

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :
islamjurisdev@gmail.com
او الاشتراك في المجموعة
https://groups.google.com/forum/?hl=ar#!forum/islamjurisdev

islamjurisdev@googlegroups.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.