البينة الشخصية أو شهادة الشهود وسيلة من وسائل الإثبات القانونية والمقصود منها أن يثبت المرء حقه أو يثبت ادعاءه في مجلس القضاء بأشخاص يسميهم للقاضي للإدلاء بالشهادة في النزاع المنظور أمام المحكمة.
ودائما يلجأ الناس لإشهاد بعضهم البعض في معاملاتهم وذلك لحفظ الحقوق ولكن هنالك من يخطئ في اختيار الشاهد أو الشهود مما يتسبب له في المستقبل إذا حدث خلاف في ضياع حقه والسبب يعود لجهل الكثير من الناس في معرفة شروط الشهادة ومدى انطباقها على الشاهد أو شهود الذين أشهدهم على حقه عند الآخرين.
حينما ينكر خصمك حقك فإنه بتلقائية سوف يبحث عن مخرج قانوني لإبطال دعواك وحينما تقدم أنت شهودك سوف ينظر الخصم إلى مدى انطباق صحة شروط الشهادة على شاهدك أو شهودك وإذا وجد خصمك أن شاهدك لا تنطبق عليه الشروط دفع وطعن بشهادة الشهود وأن دعواك باطلة وليس لك حق ثم قد يذهب حقك أمام عينيك.
ولذا نبين بعض الأخطاء الشائعة في إشهاد الشهود بما رأينا أن هنالك من يشهد ابنه أو يشهد أباه أو أشخاصا لهم منفعة عنده وهذا يقدح في صحة شهادتهم، وهنالك من يشهد شخصا من أرباب السوابق بمعنى أنه ظاهر فسقه للناس وهذا لا تقبل شهادته، وحينما تريد أن تثبت حقك في معاملاتك والعقود التي تجريها مع أشخاص بينك وبينهم مصلحة مالية ونحوها أنظر في الشخص العدل الذي عرف بحسن سيرته بين الناس وأن يكون معروفا باليقظة وعدم كثرة النسيان وأن لا يكون من أصولك أو فروعك أو شخص له منفعة عندك وأن تشهده على شيء معلوم وواضح، حيث إن الشهادة مظهرة للحق فمتى صحت شروطها وتطابقت مع دعواك أخذ بها القاضي. الشهادة ما يقوله الشاهد لإثبات أو نفي واقعة معينة، وكثيراً ما تكون الشهادة الفيصل في الحكم، والمرجح لجهة على أخرى، فكم من شهود كانوا سببا لتعليق مجرمين على المشانق، وكم من شهود أخرجوا أبرياء من وراء القضبان.
ولقبول الشهادة ضوابط، كأن لا يكون ثمة مصلحة أو مفسدة للشاهد فيما يشهده، وفي حال إشهادات الأحوال الشخصية يجب مراعاة أنه لا تقبل شهادة الأصل للفرع -الأب لابنه أو ابن ابنه-أو الفرع للأصل -الابن لأبيه أو جده-ولا شهادة الأزواج لبعضهم.
أما حقوق الشاهد، فهي أنه لا يجوز الإضرار بالشاهد سواء الحسي أو المعنوي، ويجب توفير أماكن جلوس مناسبة للشهود بعيدة عن المتهمين، وتأمين الحماية لهم عند حضورهم لتأدية الشهادة.
وفي حال تعذر حضور الشاهد جاز للمحكمة ندب قاض لسماع أقوال الشاهد خارج حرم المحكمة بعد تحديد مكان وتاريخ ذلك، ويجب تلاوة محضر الشهادة على الشاهد والسماح له بقراءته والتوقيع عليه بعد أخذ اليمين منه.
أما الواجبات المستحقة على الشاهد فهي ذكر الحقائق التي يعلمها، وهو يتحمل جميع عواقب شهادته الدنيوية والأخروية، وكل من يدلي بشهادة مخالفة لما يعلم يعتبر مرتكباً لجناية يطلق عليها اسم جناية شهادة الزور، وعقوبتها الحبس بحسب تقدير القاضي.
وتوجه الأسئلة إلى الشاهد من المحكمة، ويجيب الشاهد أولا على أسئلة الخصم الذي استشهد، وإذا انتهى الخصم من استجواب الشاهد فلا يجوز له إبداء أسئلة جديدة إلا بإذن المحكمة، وإذا لم يحضر الخصم شاهده أو لم يكلفه بالحضور في الجلسة المحددة قررت المحكمة إلزامه بإحضاره أو تكليفه بالحضور لجلسة أخرى، فإذا لم يفعل سقط الحق في الاستشهاد به، ولا يخل هذا بأي جزاء يرتبه القانون على هذا التأخير. وفي حال كلف الشاهد بالحضور تكليفا صحيحا ولم يحضر قضت المحكمة عليه بالعقوبة المالية ولا يكون قابلا للطعن.
وفي حال الاستعجال والضرورة يحق للمحكمة إصدار أمر بإحضار الشاهد، أما في حال عدم الاستعجال فيأمر الشاهد بالحضور ويتحمل مصروفات ذلك التكليف، ويجوز للمحكمة إقالة الشاهد من الغرامة في حال حضر وأبدى عذرا مقبولا عن عدم حضوره، وللمحكمة الحق في توجيه أية أسئلة للشاهد تراها مفيدة في كشف الحقيقية. إذا رفض الشاهد الحضور إجابة لدعوى الخصم أو المحكمة يتم حسب الأحوال تكليفه بالحضور لأداء الشهادة قبل التاريخ المعين لسماعه بأربع وعشرين ساعة على الأقل، ويجوز في أحوال الاستعجال بناء على أمر المحكمة تكليف الشاهد الحضور بالطرق الإلكترونية بواسطة القسم المختص.
ويجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشهادة الشهود أن يطلب من المحكمة سماع الشهادة من خلال طلب مستعجل يقدم لقاضي الأمور المستعجلة للاستفادة من هذا الإثبات لاحقا في دعوى موضوعية.
عندما فكرت ان اكتب في موضوع الشهادة ودورها في الاثبات كان غرضي واهتمامي هو ان احاول تهميش دور الشهادة في الاثبات ولكن بعد الدراسة والبحث ثبت لي بأن للشهادة دورا فعالا وايجابيا في اثبات الحقوق وان المجتمع مهما تطور لا يستطيع ان يهمل العمل بالشهادة كطريق من طرق الاثبات وان الابقاء عليها مهم لصيانة الحقوق وتعزيز الثقة في التعاملات المدنية.
فكما ان قانون الاثبات بشكل عام يقوم بتنظيم المسائل القانونية في المجتمع وان اي نظام قانوني لا يكون فيه قانون للأثبات يعتبر نظاما مبتورا فنظرية الاثبات من اهم النظريات القانونية في جميع التشريعات الحديثة في العالم واكثرها تطبيقا في الحياة العملية فمن هذه الاهمية تأخذ الشهادة اهميتها باعتبارها أحد طرق الاثبات. ان التطور الكبير الحاصل في عالم التكنولوجيا والاتصالات والنواحي التقنية الاخرى اضعفت دور الشهادة في الاثبات ولكن لم تعدمها حيث انها سوف تبقى طريقا مهما من طرق الاثبات لان الانسان بنفسه سوف يبقى اهم وأعظم من اي جهاز او الة او تطهر حيث انه هو المبدع لهذه الادوات العلمية ولا يمكن للإنسان ان يخلق شيئا يكون سببا في الغاء دوره في الحياة.
بعد الدراسة كما اسلفت تأكدت لي اهمية الشهادة ودورها في الاثبات لذا أصبح الموضوع أكثر تشويقا لي وأكثر اهمية بعد هذه المقدمة اريد ان اوضح بأنني في هذا البحث القصير حول موضوع متشعب وطويل قمت بتقسم الموضوع الى مبحثين.
المبحث الاول يتناول مفهوم الشهادة ونطاقها ويقسم هذا المبحث الى اربعة مطالب، المطلب الاول تعريف الشهادة كدليل من ادلة الاثبات. المطلب الثاني يتناول الاحوال التي تجوز فيها الشهادة اصلا، والمطلب الثالث يتناول الاحوال التي تجوز فيها الشهادة استثناءا،
واخيرا المطلب الرابع اختص على الاحوال التي لا تجوز فيها الشهادة اما المبحث الثاني تخصص بأجراء الشهادة وحجيتها في الاثبات القضائي ويقسم هذا الى ثلاثة مطالب، المطلب الاول هو اجراءا استحضار الشهود والمطلب الثاني تناول اجراءات الادلال بالشهادة والمطلب الثالث يتناول حجية الشهادة في الاثبات. والمبحث الخامس الشهادة في القانون المصري.
المبحث الاول
مفهوم الشهادة ونطاقها
للأثبات بشهادة الشهود قوة محدودة في نطاق التصرفات القانونية فالأصل في الاثبات يكون للدليل الكتابي. اما بالنسبة للوقائع المادية فان لشهادة الشهود قوة مطلقة في الاثبات ويفهم من نصوص المادتين (77. 79) من قانون الاثبات ان المشرع وضع قاعدة عامة هي عدم جواز الاثبات بالشهادة إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على قيمة دينار او كان غير محدد القيمة وكذلك لا يجوز اثبات ما يخالف او يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي ثم اورد استثناء على هذه القاعدة اجاز فيه الاثبات للشهادة حتى بالنسبة للتصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسين دينار وذلك إذا وجد مبدأ ثبوت الكتابة او في حالة فقد السند الكتابي لسبب لا دخل لإرادة صاحبه فيه او في حالة وجود مانع من الحصول على دليل كتابي(1). اجاز قانون الاثبات بشهادة الشهود كأصل هام ضمن نطاق محدد واجازها على سبيل الاستثناء في حالات اخرى ومنع الشهادة لاعتبارات تتعلق باحترام علاقات معينة او للثقة ببعض الاشخاص الناتجة عن ممارسة مهنة تقوم على اعتبارات الثقة (2). ويقسم هذا المبحث الى اربعة مطالب التالية: –
المطلب الاول: تعرف الشهادة كدليل من ادلة الاثبات.
المطلب الثاني: -الاحوال التي يجوز فيها الشهادة اصلا.
المطلب الثالث: -الاحوال التي يجوز فيها الشهادة استثناءا.
المطلب الرابع: -الاحوال التي لا يجوز فيها الشهادة اصلا.
1- عباس العبودي / احكام قانون الاثبات المدني العراقي، ط1, 1991، ص286.
2- د. ادم وهيب النداوي / الموجز في قانون الاثبات، ط2، بغداد,2007، ص 142.
المطلب الاول
(تعريف الشهادة كدليل من ادلة الاثبات)
الشهادة لغة: -الاخبار القاطع عن مشاهدة وعيان لاعن تقدير وحسبان وعلى ذلك سمي الشاهد غي القران الكريم شهيدا اي عليما فقال سبحانه وتعالى (واستشهدوا شهيدين) (1). وتعني أيضا الحضور والعلم ومنه قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (2). اي من كان حاضرا في الشهر مقيما غير مسافر فليصم ما حضر واقام فيه.
وفي الاصطلاح القانوني: -قيام الشاهد في مجلس القضاء بعد حلف اليمين بالأخبار عن واقعة حدثت من غيره ويترتب عليها حق لغيره (3).
وهناك من يعرف الشهادة بتعريف اخر هو (اخبار الانسان في مجلس القاضي بحق على غيره بغيره ولأنها خبر فهي تحتمل الصدق والكذب لكن يقوى احتمال اصدق على الكذب فيها لان الشاهد يحلف على صدق ما يقول وانه انما يشهد بحق لغيره على غيره فليس له مصلحة في الكذب وانما كان احتمال العكس لا ينتفي بها انتفاء تام) (4). وتنصب الشهادة على عرض للوقائع المعروفة على للشهاد مسبقا فليس محل للشهادة تكييف هذه الوقائع حسب علم او فن معين او استخلاص النتائج القانونية او المنطقية التي تترتب على مثل هذا التكييف وفي هذا يختلف الشاهد ع الخبير فاذا دعي شخص للشهادة وكان خبيرا في فرع معين فأنه يلتزم بالأخبار عن الوقائع باعتباره شاهدا واذا طلب من شاهد الادلاء بشهادة عن واقعة شاهدها فعليه ذكر الوقائع مجردة دون وصفها القانوني فليس له ان يؤل او يقس ولذا قيل في الفقه الاسلامي ان الشاهد في السرقة يشهد ويقول اخذ ولا يقول سرق لأنه اذا قال سرق فقد حكم بالسرقة (5) .
3ـ د. انور سلطان / قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، بدون طبعه, 1984، ص194.
4ـ احمد ابراهيم / طرق القضاء، ص209
5ـ الكمال ابن الهمام / فتح التقدير، ج6، بدون طبعه وتاريخ، ص5-6.
كما يشترط في الشهادة لكي تون لها حجيتها في الاثبات ان تقع امام القاصي مطبقا للأوضاع المقررة قانونا ومن حيث الموضوع يشترط في موضوع الشهادة ان يرد على واقعة متعلقة بالدعوى منتجة فيها جائزة الاثبات وان طلب الاثبات بشهادة الشهود قد يكون بناء على طلب الخصم وموافقة المحكمة وكما ان للقاضي ان يستدعي للشهادة من يرى لزوما لسماع شهادته ولو لم يستشهد به أحد الخصوم (1).
وقد عدت الشهادة في المجتمعات القديمة من اهم طرق الاثبات لدرجة انها كانت تفضل على الدليل الكتابي ويضع غالبية الفقه الاسلامي الشهادة في المرتبة الاولى بين طرق الاثبات على الرغم من ان الشريعة الاسلامية عدت الدليل الكتابي من اقوى ادلة الاثبات والسبب فب ذلك يرجع الى ان الاعتماد على الكتابة كان محدود المجال في فترة تكوين الفقه الاسلامي فضلا عن الضمانات التي احاط بها المشرع الاسلامي للشهادة فقد كان القاضي يعرف اكثر افراد مجتمعه ويعلم مقدار صدق كل واحد منهم ولم يكن يخشى الا من تأثير الزمن على ذاكرته (2) . غير انه لما اتسعت المجتمعات قلت الثقة في شهادة الشهود إذا كثر احتمال الكذب والتزوير فأصبح للأثبات بالشهادة مجال محدود لاسيما بعد ان وضعت غالبية التشريعات الحديثة مبدأ اثبات التصرفات القانونية في الكتابة مما ترتب عليه عدم جواز الاثبات بالشهادة الا في الأمور التي حددها القانون وهكذا رد اعتبار الكتابة وعادت لها منزلتها المفقودة بوصفها أرقي دليل في الاثبات (3).
3- عباس العبودي / الاثبات بالدليل الكتابي في الشريعة الاسلامية، بدون طبعه وبدون تاريخ، ص117.
المطلب الثاني
الاحوال التي تجوز فيها الشهادة أصلا
أجازت المادة (77أولا) أثبات وجود التصرف القانوني أو انقضائه بالشهادة أذا كانت قيمته لا تزيد على خمسة الاف دينار وندرس الوقائع المادية والتصرف القانوني الذي لا تزيد قيمته على خمسة الاف جنية فيما يأتي:
أولا: الوقائع المادية :أن الواقعة القانونية هي واقعه ماديه يرتب القانون عليها أثرا وقد تكون واقعه طبيعية لا دخل لإرادة الأنسان كالموت وقد تكون واقعه اختياريه حدثت بأراده الأنسان كالبناء والغراس واذا كانت واقعه اختياريه فقد يقصد من ورائها أحداث الأثر القانوني عليها كالاستيلاء والحيازة وقد لا يقصد هذا الأثر كدفع غير مستحق وقد يقصد عكس هذا الأثر كالعمل غير المشروع وسواء كانت الواقعة القانونية طبيعية أو اختيارية وسواء قصد أثرها القانوني أولم يقصد أو قصد عكسه فهي دائما واقعة مادية وليست أراديه كما هو الحال في التصرف القانوني. والكسب دون سبب. وقد تكتسب الحقوق العينية كما هو الأمر في الحيازة والموت(الميراث)وقد تقضي الحقوق الشخصية كما في أتحاد الذمة وقد تقضي الحقوق العينية كما في الترك وقد تحدث آثار قانونيه أخرى كما في القرابة وهي مانع من موانع الزواج وفي التقادم وفي حالة القصر ويترتب عليها وقف التقادم وفي ألحاق المنقول بالعقار لخدمته ويحول المنقول الى عقار بالتخصيص. وأن المقابلة بين التصرف القانوني والواقعة القانونية هي مقابله ما بين الإرادة والفعل المادي فحين تمخضت الإرادة لأحداث أثر قانوني فأحدثه القانون فسم تصرف قانوني.
وحيث وقع عمل مادي ولو خالطته الإرادة فرتب عليه القانون أثراً فسم واقعه قانونية(1).
(1) د. عصمت عبد المجيد بكر، شرح قانون الأثبات، ط2، المكتبة القانونية 2007 ص196 وما بعدها.
والأصل في الوقائع المادية أن يكون أثباتها بالشهادة والقرائين القضائية لأنها تقع وتراها الناس ولا يمكن أعداد دليل كتابي بشأنها كالوقائع الطبيعية (فيضانات. براكين. زلازل) وحراثة الارض ومنع استغلالها من المسائل المادية الجائز اثباتها بالشهادة وكذلك(أثبات قيام المدعي ببعض أعمال المقاولة والتي لم ينفذها المقاول لتعلق ذلك بوقائع ماديه).وأثبات الأفعال غير المشروعة والجرائم التي يحاول مقترفوها أضفاء المشروعية عليها اخفاء لها وتهرباً من أحكام القانون ولا يجوز حصر الشهادة في دعوى الغصب أذ يحق للمدعي تقديم شهود جدد لأثبات واقعة الغصب كما أن اثبات سكن العقار لأغراض تطبيق قرار مجلس قيادة الثورة لمنحل رقم 1198 لسنة 1977 يكون بمختلف وسائل الأثبات ومنها البينة الشخصية لأن الأشغال واقعه ماديه ألا أن هناك وقائع مادية مهمه ألزم القانون تسجيلها كأثبات الولادة والوفاة بالسجلات الرسمية(1).
ثانياً: التصرف القانوني الذي تقل قيمته عن خمسة الاف جنية:
التصرف القانوني هو الارادة المتجهة الى أحداث أثر قانوني فالتصرف القانوني أراده محضة متجهة الى توليد حق أو تغيره أو زواله أو توليد أثر قانوني بوجه عام. أن هذا يعني أناطت هذا الأثر بمسلك أرادي وقد يقوم التصرف القانوني على أرادتين كما في العقد وقد يقوم التصرف القانوني على أراده واحده كما في الوعد بجائزه (2). ورغم أن الاصل ان التصرف القانوني يثبت كقاعدة عامة بالكتابة فأن المشرع وفي بعض الأحيان وبغية تميز أمور لمتعاملين ولضئال المبلغ الذي يجري الأثبات بصدده قد يخرج على هذا الأصل فقد نصت المادة(77) من قانون الأثبات رقم 107لسنة1979:
أولا: يجوز أثبات وجود التصرف القانوني او انقضائه بالشهادة إذا كانت قيمته لا تزيد على خمسة الاف دينار
ثانيا إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على خمسة الاف دينار او كان غير محدد القيمة فلا يجوز اثبات هذا التصرف او انقضائه مالم يجود اتفاق او قانون ينص على خلاف ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ د عصمت عبد المجيد بكر، مصدر سابق، ص198
(2) ـ د ادم وهيب لنداوي / الموجز في قانون الاثبات، ص 144
ثالثاً: تقدر قيمة الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا وقت الوفاء به فاذا كانت قيمته لا تزيد على خمسة الاف دينار فتصح الشهادة لأثباته حتى لو زادت قيمته على خمسة الاف دينار بعد ضم الفوائد والملحقات أجازت المادة (77/أولا)من قانون الأثبات العراقي النافذ أثبات وجود التصرف القانوني أو انقضائه بالشهادة اذا كانت قيمته لا تزيد على خمسة الاف دينار وان هذه القاعدة ليست من النظام العام لذلك أجازت المادة(77/ثانياً) اثبات وجود التصرف القانوني أثبات وجود التصرف القانوني التي تزيد قيمته على خمسة الاف دينار او كان غير محدد القيمة أو انقضائه اذا وجد اتفاق او قانون خاص ينص على ذلك ومثال التصرف القانوني غير محدد القيمة مطالبة الخصم خصمه بتقدير حساب دون ان يحدد الرصيد الذي في صالحه لأنه قد لا يعرف رصيده بعد أو المطالبة بمستندات مودعه لأن الآخر غير محدد القيمة كوديعه أو شهاده طبيه او تسلم مخطوطات قديمة وتقدر فيه الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا وقت الوفاء به فاذا كانت قيمته في ذلك الوقت لا تزيد غلى خمسة الاف دينار فتصح الشهادة لأثباته حتى لو زادة قيمته على خمسة الاف دينار بعد ضم الفوائد والملحقات المادة (77/ثالثاً)أثبات واذا كان محل الالتزام مبلغ من النقود الأجنبية فيتم تحويله الى النقد العراقي حسب سعر الصرف وقت تمام العقد و أذا كان للنقد الأجنبي أكثر من سعر بالعملة الوطنية كان العبرة من السعر الرسمي مالم يقض القانون او اتفاق يجيزه القانون بعد ذلك اما اذا كان محل الالتزام شيئاً غير النقود فتقدر المحكمة قيمته وقت تمام العقد دون ان تقيد تقدير المدعي قلها عند الحاجه ان تستعين برئي اهل الخبر هو يمكن تحديد النتائج التي تترتب على وجود تقدير قيمة الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا وقت الوفاء به:
1ـ إذا كانت قيمة الالتزام وقت تمام التصرف القانوني لا تزيد على خمسة الأف دينار فتصح الشهادة لأثباته حتى لو زادت قيمته على خمسة الاف دينار بعد ضم الفوائد والملحقات المادة (77/ثالثا) من قانون الأثبات العرقي النافذ(1).
فاذا أقرض شخص آخر مبلغا قدره خمسة آلف جنية لمدة سنه بفائدة قدرها (5%) فيحق لدائن(المقرض)ان يثبت عقد القرض بالشهادة ولو انه يطالب بأكثر من خمسة آلاف دينار لأن الزيادة لم تأتي ألا من ضم الفوائد الى الاصل. ويقصد بالملحقات المصاريف كمصاريف الشيء المتنازع عليه كنفقات ارسال البضاعة أوخزنها أو المحافظة عليها وقد تكون الملحقات معروفه وقت تمام التصرف كالفوائد الاتفاقية والشرط الجزائي عن التأخر في تنفيذ الالتزام وقد تكون غير معروفه وقت قيامه كالتعويض عن الأخلال بالالتزام فالعبرة بقيمة التصرف القانوني وقت حصوله اما أذا زادت قيمتهوقت المطالبة القضائية أو نقضت خلال قيمة ذلك. فاذا أتفق شخصان على شراء بطاقة يانصيب قيمتها دينار واحد على ان تكون قيمتها وما تحققه من ربح مناصفة فيما بينهما. فيجوز أثبات هذا الاتفاق بشهادة الشهود حتى لور بحت البطاقة جائزة قيمتها أكثر من خمسة آلاف دينار في حين أذا اتفق شخصان على شراء سهم بسند مناصفة فيما بينهما وكانت قيمة النصف تتجاوز مبلغ خمسة آلاف دينار وجب أثبات هذا الاتفاق كتابه حتى لو نقصت قيمته الفعلية عن هذا المبلغ وقت حصول النزاع.
2-أذا اشتملت الدعوة على متطلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة جاز الاثبات في كل طلب ل اتزيد قيمته على خمسة الاف دينار حتى ولو كانت هذه لطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة أو كان منشئها تصرفات قانونية ذات طبيعة واحدة بين الخصوم أنفسهم وكذلك الحكم في كل وفاء يتعلق بتلك الطلبات لا تزيد قيمته على خمسة الاف دينار(1). فاذا كان المدعي على المدعي عليه عدة حقوق أصلاً أو سبباً وكان قيمة كل منها لا تزيد على خمسة الاف دينار مع أن قيمة المجموع تزيد على هذا المبلغ فأن الشهادة تقبل من المدعي ولو أقام دعوى واحدة للمطالبة بحقوقه المتعددة فالعبرة في الدين بذاته لا بالدعوة أي أن الدين أذا كان قيمته دون النصاب الشهادة جاز اثباته بالشهادة أما أذا تعددت الديون في الدعوة ذاتها وكان دين مستقل عن الدين الآخر بالأصل والسبب وكانت قيمته لا تتجاوز خمسين دينار حتى لو تجاوزت مجموع قيم تلك الديون هذا المبلغ.
(1) ـ المادة(77/رابعاً) من قانون الأثبات العراقي النافذ رقم 107 لسنة 1979.
جاز للمدعي ان يثبت تلك الديون بالشهادة ولكن إذا كان بين تلك الديون المدعى بها تزيد قيمتها على خمسة الأف دينار فلا تقبل الشهادة في أثباتها وتبقى الشهادة لأثبات الديون الأخرى. ذلك أن المدعي (الدائن)بإمكانه إقامة دعوى مستقله بكل دين. وللقاضي ان يدقق في علاقة الديون المتعلقة ليرى ما أذا كانت لا ترتبط ببعضها البعض أو لا تشكل ديناً واحداً تولا عن مصدر واحد فيقضي تحايل الدائن بالدليل الكتابي بدلاً من الشهادة التي يأمل الأثبات بها. 3.أذا كان التصرف المطلوب أثباته جزءاً من حق لا يجوز أثباته بالشهادة حتى لوكان هذا الجزء هو الباقي من هذا الحق(1). فاذا كانت قيمة الدين ستة الأف دينار مقسطاً على ثلاث اقساط متساوية وطالب الدائن المدين بواحد من تلك الاقساط وجب عليه ان يثبت عقد القرض كتابة ولو انه لا يطالب ألا الفين ديناراً وهو مقدار القسط المستحق لأنه يؤسس طلبه على عقد القرض وقت صدوره يزيد على خمسة الأف دينار أو كان عليه ان يعد دليلاً كتابياً لأثباته.
ويذكر ان هناك حالات توجب الأثبات بالكتابة حتى إذا كان مبلغ التصرف القانوني أقل من خمسة آلاف دينار وهذه الحالات هي:
الحالة الاولى: لا يثبت الصلح ألا بالكتابة أو بمحضر رسمي المادة (711 من القانون المدني العراقي).
الحالة الثانية: يجب ان يكون عقد الشركة مكتوباً وألا كان باطلاً(2) وبموجب قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 يعد المؤسسون عقداً للشركة موقعاً منهم او من يمثلهم ويقدم طلب التأسيس الا مسجل الشركات ويرفق عقد الشركة ووثائق أخرى وتكتسب الشركة الشخصية من تاريخ صدور تأسيسها وتعتبر هذه الشهادة دليل على اجراءات التسجيل قد تمت وفق اجراءات القانون.
الحالة الثالثة: لا يثبت الاتفاق على التحكيم الا بالكتابة ويجوز الاتفاق عليه اثناء المرافعة(3).
الحالة الرابعة: يجب ان يكون عقد العمل مكتوباً ويحدد فيه نوع العمل ومقدار الأجر وفي حالة عدم كتابة العقد للعامل ان يثبت العقد والحقوق الناشئة عنه بكافة طرق الأثبات.
(1). المادة (79/ثانياً) من قانون الأثبات العراقي النافذ رقم 107 لسنة 1979.
(2). المادة(628) من القانون المدني العراقي.
(3). المادة (252 من قانون المرافعات المدنية العراقية رقم 83 لسنة 1969.
المطلب الثالث
(الاحوال التي تجوز فيها الشهادة استثناءا)
تنحصر هذه الحالات في تصرفات قانونية مدنية كان يتوجب اصلا اثباتها بالكتابة ولكن المشرع استثناها من ذلك خروجا على هذا الاصل واجاز اثباتها بالشهادة (1)
وهذه الحالات هي ما يأتي:
اولا :- مبدأ الثبوت بالكتابة : اجازت المادة (78) من قانون الاثبات العراقي النافذ الاثبات بالشهادة في التصرف القانوني الذي تزيد قيمته على خمسة الاف دينار اذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة ومبدأ الثبوت بالكتابة هو كل كتابة تصدر من الخصم يكون من شأنها ان تجعل وجود الحق المدعى به قريب الاحتمال ولاشك ان هذا المبدأ يساهم في التخفيف من صرامة النظام القانوني للأثبات ذلك ان الخصم الذي لم يتمكن من تهيأت الدليل الكتابي في الوقت المناسب لتهاونه او لشدة ثقته بالخصم الاخر يستطيع ان يتفادى سوء نية خصمه فتقبل منه الشهادة في حالة وجود مبدأ الثبوت بالكتابة وان الشروط التي ينبغي توفرها لوجود مبدأ الثبوت في الكتابة هي :
1- وجود ورقة مكتوبة: يقصد بالورقة هذه كل كتابة صادرة من الخصم او من يقوم مقامه قانونا او ان تكون له علاقة بالتصرف المراد اثباته ولا يهم شكل الكتابة فقد تكون على شكل رسالة او عقد او اوراق منزلية او ابراق او دفاتر تجارية (وتعتبر الكتابة والارقام المدونة في الدفتر الشخصي لمورث الخصم مبدأ ثبوت بالكتابة اذا طابقت كتابة المتوفي الواردة في سجلات المتخذة مقياسا للتطبيق) (والانذار الذي وجه المدعي الى المدعى عليه بواسطة كاتب العدل مبدأ ثبوت بالكتابة على انشغال ذمة المدعي عليه بالأجرة المطالب بها (2).
1- علي احمد الجراح / قواعد الاثبات بغير الكتابة في المواد المدنية والتجارية بدون طبعه، ص434.
2- د. عصمت عبد المجيد بكر / مصدر سابق، ص202.
2- ان تصدر الكتابة من الخصم او من يمثله : تشترط ان تكون الكتابة صادرة من الخصم الاثبات ضده او ممن يمثله قانونا او اما اذا كانت الكتابة صادرة من شخص اخر فلا تعتبر مبدأ ثبوت في الكتابة بل يجوز اعتبارها شهادة مكشوفة ويقصد بالصدور نسبة للكتابة الى الخصم مدعيا كان ام مدعى عليه فالمهم صدور الكتابة من الخصم المراد الاثبات ضده لأنه لا يحق للخصم ان يصطنع دليل لنفسه وصدور الكتابة قد يكون ماديا وذلك بتحرير الورقة من الخصم سواء كانت موقعة او غير موقعة وقد يكون الصدور معنويا وذلك بأن يتم تحرير الورقة بواسطة شخص اخر غير الخصم ولكن بموافقته اي يسلم الخصم بما ورد في الورقة فتغير كأنها صادرة منه وتعتبر الورقة صادرة من الخصم نفسه اذا كانت صادرة من وكيله في حدود وكالته اما الورقة الصادرة من شخص لا يمثله الخصم ولو كان ابنه او شريكه فلا يعتد مبدأ الثبوت بالكتابة كذلك للورقة الصادرة من نائبه خارج حدود نيابته (1) .
ثانيا: فقدان السند الكتابي: -يجوز الاثبات بشهادة الشهود فيا كان يجب اثباته بالكتابة إذا فقد الدائن سنده الكتابي لسبب أجنبي لا يد له فيه (2). وهذا الاستثناء يفترض ان القواعد المتعلقة بالدليل الكتابي قد روعيت ولكن الاثبات بالكتابة يمتنع بسبب فقد هذا الدليل فقد يتم تحرير الند الكتابي باتفاق الطرفين الا ان هذا السند بفقد بسبب لا دخل لإرادة صاحبه فيه وقد نصت المادة (18/1) من قانون الاثبات العراقي النافذ واجازت أثبات بجميع طرق الاثبات ومنها الشهادة ويفهم من نص هذه المادة ان الشرطين الذين يجب توفرهما هما.
1- وجود سند كتابي: -يشترط ان يكون هناك سند كتابي كامل كان مستوفيا لجميع شروطه ويقع عبء اثبات وجود السند على الخصم الذي يدعي جوده ثم فقده وله ان يثبت حصوله على السند فعلا بكافة الطرق لأنه يثبت واقعة مادية.
2- فقدان السند بسبب أجنبي: ان اثبات فقدان السند بسبب أجنبي واقعة مادية يجوز اثباتها بطرق الاثبات كافة والسبب الاجنبي كحريق او سرقة او اغتصاب ويشترط في السبب الاجنبي ان يكون غير ممكن توقعه ولا تلافي حصوله وان يكون خارجا عن ارادة الشخص الذي يتمسك به اما إذا فقد السند بسبب اهمال صاحبه فلا يجوز له ان يحتج بوجود سبب أجنبي (3).
2- د. توفيق حسن فرج / قواعد الاثبات في المواد المدنية والتجارية، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، لبنان,2003، ص189.
3- د. عصمت عبد المجيد بكر / مرجع سابق، ص206.
ثالثا: حالة وجود المانع من الحصول على دليل كتابي
جاء في الفقرة الثانية من المادة (18) من قانون الاثبات على انه يجوز ان يثبت بجميع طرق الاثبات ما كان يجب اثباته بالكتابة إذا وجد مانع مادي او ادبي حال دون الحصول على دليل كتابي والمانع الذي يمنع من الحصول على دليل كتابي اما ان يكون مانعا ماديا او ادبيا.
1- المانع المادي: ينشئ المانع المادي عند استحالة الحصول على الكتابة وقت التعاقد استحالة نسبية عارضة ويتحقق المانع المادي في حالة قيام المتعاقد بأنشاء التصرف القانوني سريع يتعذر عليه الحصول على الوقت الكافي لإثباته ومن الامثلة على ذلك ما يتم من تصرفات قانونية في اثناء الحريق او الاضطرابات الطبيعية او السياسية كالزلازل والثورات في الحروب.
2- المانع الادبي : يقصد به ان يكون سبب عدم الحصول على الدليل ظروفا نفسية خاصة بعلاقات الخصوم وقت ابرام التصرف القانوني وقد حصرت الفقرة ب من المادة 491 من القانون المدني المانع الادبي بالعلاقة الزوجية وصلة النسب ما بين الاصول والفروع وما بين الحواشي الى الدرجة الرابعة او بين احد الزوجين وابو الزوج الاخر وقد الغى فانون الاثبات هذا التحديد ولم يضع قيودا للمانع الادبي وانما اورد نصا عاما يشمل حالات لاسيما اذا كانت القرابة قريبة جدا فأنها تكون مانعا ادبيا يمنع كل الطرفين من مطالبة الاخر بتحرير سند الاثبات او قد تشير هذه المطالبة معنى عدم الثقة (1) .
1- عباس العبودي / شرح احكام قانون الاثبات المدني مصدر سابق، ص212.
رابعا: وجود اتفاق او نص قانوني يجيز الاثبات بالشهادة
سبق ان تبينت لنا ان قواعد الاثبات الموضوعية لا تتعلق بالنظام العام فيجوز للأطراف ان يتفقوا على خلافها لأنها لاتهم سوى مصلحة الخصوم الشخصية وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 77 من قانون الاثبات العراقي النافذ على ان حكمها يسري ما لم يوجد اتفاق او قانون ينص على خلاف ذلك ومن بعد فانه يجوز النزول عن التمسك بقاعدة وجوب الاثبات بلا كتابة اما القانون فالنص المادة 30 من قانون العمل رقم 71 لسنة 1997 على انه ( يجب ان يكون عقد العمل مكتوبا ويحدد فيه نوع العمل ومقدار الاجر وفي حالة عدم كتابة العقد فالعامل ان يثبت العقد والحقوق الناشئة عنه بجميع طرق الاثبات ونصت المادة السادسة من قانون النقل رقم 80 لسنة 1983 بأن عقد النقل يتم بمجرد الاتفاق ويجوز اثباته بجميع الطرق (1) .
ان اداء الشهادة من الواجبات الاجتماعية المفروضة على الافراد والتي تستهدف الحصول على اقوالهم اظهارا للحق وخدمة العدالة في تسهيل مهمة المحكمة في الفصل في المنازعات المعروضة امامها بل ان الالتزام بالشهادة التزام قضت به الشرائع السماوية بقوله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا مادعو) (1). وقوله تعالى (ولاتكتموا الشهادة ومن يكتمها فأنه اثم قلبه والله بما تعملون عليم) (2).
لا يتم سماع الشهود الا بأذن من المحكمة وامامها وللمحكمة من تلقاء نفسها ان تستدعي للشهادة من ترى لزوما لسماع شهادته في الاحوال التي يجيز فيها القانون الاثبات بالشهادة متى رأت في ذلك فائدة للوصول الى الحقيقة (3). وإذا قررت المحكمة سماع الشهود الذين طلب أحد الخصوم تقديمهم فعلى هذا الخصم ان يبين في طلبه ما يأتي:
1- تحديد الوقائع المراد اثباتها في الشهادة ويجب ان تكون الواقعة معينة ومتنازعا فيها ومتعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وممكنا اثباتها مع جواز الاقبات في الشهادة.
2- حصر الشهود المطلوب سماع شهادتهم الا إذا اقتضت طبيعة الدعوى غير ذلك.
3- تقديم المعلومات كافة التي تؤمن تبليغهم ويلتزم الخصم بالامتناع عن تقديم غير الشهود الذين حصرهم ابتداء الا إذا قدم مبررا تقتنع المحكمة به في طلب شهود اخرين وعلى الخصم ايضا ايداع صندوق المحكمة مبلغا نقديا يغطي نفقات الشهود وإذا كانت حالته المادية لا تسعفه على تحمل هذه النفقات تتحمل الدولة هذه النفقات وترجع بها على من يخسر الدعوى (4). وللمحكمة رفض طلب تقديم الشهود إذا رأت انتفاء الداعي الى الاستماع الى الشهادة بسبب وجود ادلة اخرى في الدعوى تكفي لتكوين قناعتها او عدم توفر أحد الشروط القانونية في الواقعة المراد اثباتها (5).
الآصل أن كل خصم يقوم بدعوة شهوده وأحاضرهم يوم المرافعة وليس ثمة شكل خاص لهذه الدعوى وإذا تعذر عليه ذلك فان المحكمة تقوم بتبليغه قبل التاريخ المحدد للاستماع لشهادتهم بمده مناسبه وقد نصت المادة (92) من قانون الأثبات على ما يلي:
أولا: يبلغ الشهود بالحضور في ورقة تبليغ تصدره المحكمة على أن يتم التبليغ قبل التاريخ المحدد للاستماع لشهادتهم بمده مناسبه
ثانيا: تتضمن ورقة التبليغ اسماء الخصوم والمكان التي يحضر فيه الشهود وتاريخ الحضور وساعته (1)
يفهم من نص المادة اعلاه انه يتم تبليغ الشاهد بورقة تبليغ تصدره المحكمة على ان يتم التبليغ قبل التاريخ المحدد لسماع شهادته بمدة مناسبه ولا شك ان المدة تقدرها المحكمة حسب ظروف الشاهد وطبيعة الدعوى ومكان اقامت الشاهد وطرق المواصلات. وتتضمن ورقة التبليغ اسماء الخصوم والمكان الذي يحظر فيه الشهود وتاريخ الحضور وساعته.
ونصت المادة (22) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 على ان تراعي المحكمة محل عمل او اقامة الشخص المطلوب تبليغه عند اصدار ورقة التبليغ اليه على ان لا تقل المدة بين تاريخ تبليغه واليوم المعين للمرافعة عن ثلاثة ايام وتستثنى من ذلك الامور المستعجلة واذا تم تبليغ الشاهد بالحضور وتخلف دون عذر مشروع يحكم عليه بغرامة لا تقل عن مئتين وخمسين دينار ولا تزيد على الفي دينار وتأمر المحكمة بأحضاره جبرا بواسطة الشرطي واذا حظر الشاهد بعد تغريمه وقدم عذرا مشروعا اعفي من الغرامة والقرار الذي تصدره المحكمة في فرض الغرامة والاعفاء منها لا يقبل الطعن (2) .
وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير العذر عما إذا كان العذر شروعا ام لا كأن يكون الشهد طريح الفراش او كان مسافرا الى خارج المدينة كوفاة أحد اقاربه او غير ذلك من الاعذار المشروعة التي قد تقتنع بها المحكمة.
نصت المادة (94 / 1) من قانون الاثبات العراقي النافذ على ان تسأل المحكمة الشاهد عن اسمه وعملاه ومهنته ومحل اقامته ومدى صلته بالخصوم وذلك لمعرفة ما إذا الشاهد هو من بين الشهود الذين تم حصرهم بموجب المادة (91 / 2) وتقدير قيمة شهادته بعد معرفة صلته بالخصوم ولتحديد مهنته ومحل اقامته لسهولة الاستدلال عليه مستقبلا ولمعرفة شخصيته بشكل جيد اما بالنسبة لعمره فالمعرفة مما إذا كان اهلا للأدلاء بالشهادة ويمكن ان نتساءل عن ما هي اهلية الادلاء بالشهادة؟ لم ينص قانون الاثبات العراقي النافذ على سن معين للشاهد.
في حين ان المادة (60 / 2) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1991 نصت على ان (يحلف الشاهد الذي اتم الخامسة عشر من عمره قبل اداء شهادته يمينا بأن يشهد بالحق). كما ان المادة (64) من قانون الاثبات المصري نصت على ان (لا يكون اهلا للشهادة من لم يبلغ سنه خمسة عشر سنة على انه يجوز ان تسمع اقوال من يبلغ هذا السن بغير يمين على سبيل الاستدلال).
ويفهم من قرار محكمة التمييز ما يأتي:
1- ليس في القانون ما يمنع استماع شهادة الشاهد الذي يكون عمره (12 سنة) وللمحكمة تقدير قيمتها من حيث الموضوع.
2- تقبل شهادة الشاهد إذا تحملها في سن التمييز وأداها في سن البلوغ فالشهادة تتركب من عمليتين: تحصيل المعرفة بالمشهود فيه اي معرفة الشاهد لموضوع الشهادة وحفظه لهذه المعرفة اولا ثم الادلاء بهذه المعرفة امام القضاء عند الحاجة وقد سميت بالتحمل والاداء (1)
والاداء هو روح الشهادة وثمرتها وان الشهادة قبل الاداء تكون كالعدم لذلك كان زمن الاداء هو المعتبر في تحلي الشاهد بصفات القبول ولم يشترط الفقهاء لدى التحمل الا شرطا واحدا هو العقل فالعبرة في سن الشاهد هو وقت اداء الشهادة لا وقت تحملها ويرى البعض ان اهلية اداء الشهادة هي اكمال الخامسة عشر من العمر وما قبل ذلك يكون على سبيل الاستئناس.
اما بالنسبة للحد الاعلى للعمر فلم يحدد القانون ذلك ولكن تقديره يخضع لسلطة المحكمة التقديرية فالشيخوخة قد تفقد الانسان الذاكرة اليقظة وعدم فهم الاسئلة بوضوح ودقة ومن ثم اعطاء اجابات غير واضحة عليها.
اما الشاهد الاخرس او الاعمى او الاصم فأن المادة 86 من قانون الاثبات اجازت سماع شهادتهم ويبدأ الادلاء بالشهادة بأن يحلف الشاهد اليمين بأن يقول الحق قبل الاستماع لشاهدته ويحلف الشاهد بالله سبحانه وتعالى بوضع يده على القران الكريم ان كان مسلما او الكتاب المقدس ان كان مسيحيا او يهوديا بأن يقول الحق قبل الاستماع لشهادته (1).
ويعد الحلف ركنا في الشهادة ولا يجوز الاعفاء من الحلف بأي حال من الاحوال واذا استمعت الشهادة دون حلف اليمين وجب استماعها مجددا بعد الحلف فلا عبرة الا بالشهادة التي يدلي بها الشاهد امام المحكمة بعد حلف اليمين واذا امتنع الشاهد عن حلف اليمين او امتنع عن الادلاء بالشهادة المطلوبة دون عذر مشروع للمحكمة ان تحكم عليه بغرامة لا تقل عن مئتي وخمسين دينارا ومن الناحية الجزائية اذا امتنع الشاهد بغير عذر مشروع عن حلف اليمين القانوني بأن يقر الحقيقة يعد بعد ان طلبها منه قاضي او محقق او موظف او مكلف بخدمة عامة وفقا لاختصاصه القانوني او اذا امتنع بغير عذر قانوني عن ان يجيب على سؤال وجهه اليه احد ممن ذكر فيعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار او بأحدي هاتين العقوبتين ( مادة 259 عقوبات ) .
ولا يجوز للمحكمة ان تبني حكمها على شهادة الشهود الا إذا وقع الاستماع إليهم بعد اداء اليمين وإذا كان الحكم قد بني على شهادة شاهد وحكم عليه بعد ذلك بشهادة الزور فأن هذا يعد سببا لإعادة المحكمة(2).
نتطرق في المبحث اعلاه الى خصائص الشهادة ومن ثم نتناول دور المحكمة في تقدير الاثبات في الشهادة.
خصائص الشهادة:
اولا: حجية غير ملزمة:
للمحكمة سلطة تقديرية واسعة في الاخذ في الشهادة او عدم الاخذ بها فقد نصت المادة 84 من قانون الاثبات على ان للمحكمة ان تأخذ بشهادة شخص واحد مع يمين المدعي إذا اقتنعت بصحتها كما ان لها ان ترد شهادة شاهد او أكثر إذا لم تقتنع بصحة الشهادة.
إذا لم توافق الشهادة الدعوى او لم تتوافق اقوال الشهود مع بعض جاز للمحكة ان تأخذ الشهادة بالقدر الذي تقتنع بصحته (1).
ثانيا: حجية غير قاطعة:
تقبل الشهادة اثبات العكس بخلاف اليمين الحاسمة فأن ما يثبت بالشهادة يكون قابلا لإثبات العكس بشهود اخرين او بدليل اخر من ادلة الاثبات وإذا حظر أحد الخصوم شهود لإثبات دعواه جاز لخصمه ان يحظر شهود لرد هذه الدعوى (2).
ثالثا: حجية متعدية:
انما يثبت بالشهادة يتعدى الى الجميع كما هو الحال بالنسبة للدليل الكتابي في حين ان الاقرار حجة قاصرة على المقر.
تقضي القاعدة في الاثبات ان الاثبات بالشهادة يقتصر على الوقائع المادية والتصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسة الاف دينار فهي حجيه محدودة ومن ثم لا يجوز فيها الاثبات بالشهادة في جميع الاحوال لان المشرع قدر احتمال الكذب فيها فحد من خطرها بتفضيل الكتابة عليها.
أما فيما يتعلق بدور المحكمة في تقدير الاثبات بالشهادة:
للمحكمة سلطه تقديرية واسعه في تقدير شهادة الشهود واعتبارها كافيه للأثبات او غير كافيه. لمحكمة الموضوع تقدير الشهادة من ناحيتين الموضوعية والشخصية ولها ان ترجح شهادة على اخرى وفقاً لما تستخلصه من ظروف الدعوى على ان يتبين اسباب ذلك في محضر الجلسة(1). ولا تتقيد المحكمة بعدد الشهود فليس المهم كثرتهم او قلتهم فلها ان تأخذ بشهادة شخص واحد مع يمين المدعي إذا اقتنعت بصحتها كما ان لها ان ترد شهادة شاهد او أكثر أذا لم تقتنع بصحة الشهادة(2). وبذلك ليس هناك نصاب معين لعدد الشهود وان الاطمئنان الى اقوال شاهد وعدم الاطمئنان الى اقوال اخر مرجعه الى وجدان القاضي وقناعته.
فالقاضي ينظر اولاً على الاثبات بشهادة في لأحوال التي يجيزها القانون هل ان الوقائع المراد اثباتها بالشهادة متعلقة بالحق المدعي به ومنتجه في اثباته وهو في ذلك يتمتع بسلطه تقديريه اوسع مماله في الاثبات بالكتابة(3).
فاذا ما قدر بعد كل ذلك ان يسمع الشهادة كان له أخيراً سلطان اوسع في تقدير ما إذا كانت الشهادة التي سمعها مقنعه في الاثبات وقد ينظر القاضي الى اخلاق الشاهد ومدى قوة تذكره واستيعابه وارتباكه وسنه واحترافه للشهادة والقاضي الجيد يكون له ما يميز بين صدق الشاهد وبين احتمال كذبه وتلفيقه او تلقينه الشهادة ويحلل ما ظهر منه اثناء الدعوى من ميل او انحياز الى طرف دون آخر ومن طرحه او اضطراب وسهولة او صعوبة في التعبير عن فكرة والى غير ذلك من العوامل.
فالاطمئنان الى صدق الشاهد مرده الى وجدان القاضي وهو غير ملزم بأبداء اسباب تبريره ولا معقب عليه في ذلك وإذا تعارضت اقوال شهود الطرفين المتخاصمين في الواقعة الواحدة فله ان يرجح بعض الاقوال على البعض الاخر مسترشداً على ما يساعده على هذا الترجيح من ظروف سن الشاهد او مركزه الادبي او العلمي او غير ذلك.
شرط ان يبين اسباب الترجيح في محضر تلك الجلسة وليس لزاماً على المحكمة ان تطلب من الخصم احضار شهود الخصم الاخر بل للخصم نفسه هذا الحق وبموافقة المحكمة. ولا يجوز للمحكمة رفض سماع شهود النفي بحجة انها تكتفي بما استنبطته من اقوال شهود الاثبات لان ذلك يكون من جانبها حكماً متيسراً بصدق شهود الاثبات ويكذب شهود النفي من قبل ان تسمع هؤلاء الاخرين ومن غير موازنه بين اقوال الفريقين فيكون على المحكمة سماع شهود النفي كما سمعت شهود الاثبات(1).
إذا احضر أحد الخصمين شهوداً لا ثبات دعواه جاز ان يحضر شهود لرد هذه الدعوى(2) كما انه إذا لم توافق الشهادة الدعوى او لم تتوافق اقوال الشهود بعضها مع بعض جاز للمحكمة ان تأخذ من الشهادة القدر التي تقتنع بصحته(3) فاذا اختلف الشهود في المشهود عليه في جنسه او سببه او نوعه او غير ذلك فلا تقبل شهاداتهم وكذلك الحال إذا لم تؤيد شهادات الشهود وقوع الاضرار التي يطالب الملك بالتعويض عنها في فترة تملكه للعقار.
اما إذا توافقت الشهادتان ووافقت الدعوى فيكتفي بها وان خالفتها الشهادات الاخرى وللقاضي تجزئت الشهادة ولأخذ ببعضها وطرح البعض الآخر وهذا الجواز يكون بعدد ان يستوعب القاضي شهادة الشهود بأكملها وعول عليها في بناء حكمه دون ان يستوعب الجزء الاخر منها متصلاً بجوهر الدعوى فان تقدير لما عول علية من الشهادة يكون غير سليم ويشوب حكمة البطلان ولمحكمة التميز ترجيح شهادة أحد الخصمين خلافاً لترجيح محكمة الموضوع إذا توفرت الادلة والقرائن المعززة لذلك(4).
ونضيف في هذا المجال ان القاضي ليس حر في ترجيح شهادة بعض الشهود على البعض الاخر والأخذ بشهادة الشاهد الواحد بالقدر الذي يراه صحيحاً فحسب بل له الحق باطراح اقوال جميع الشهود لعدم الاطمئنان الى اقواله ولا يعد ذلك منه تحللاً من نتيجة قراره باستماع الشهود وانما هو تقدير لشهادة الشهود يقوم به القاضي في حدود سلطته ومن دون رقابة عليه من محكمة التميز اذ ليس لهذه المحكمة ان تتدخل في تقدير قاضي الموضوع للدليل(1).
ولكن في تقديرنا انه ليس للقاضي ترك اقوال الشهود وعدم الاخذ بها مالم يستند الى اسباب تبرر تركه كما ان لمحكمة التميز التدخل إذا ما صرح القاضي بأسباب عدم اطمئنانه وكانت هذه الاسباب مبنية على ما يخالف الثابت في الاقوال او تحريف الاقوال او الخروج عن مدلولها وتمتد سلطة تقيم الشهادة في قانون الاثبات الى الناحية الموضوعية والشخصية اذ تنص المادة (82) من قانون الاثبات (لمحكمة الموضوع تقدير الشهادة من الناحيتين الموضوعية والشخصية لها على ان يبين اسباب ذلك في محضر الجلسة الاولى(2).
(المبحث الثالث: -الشهادة في القانون المصري)
النصوص القانونية:
تنص المادة (110) من قانون الإجراءات الجنائي على سماع الشهود كأحد إجراءات التحقيق الابتدائي بقولها: ” سمع قاضى التحقيق شهادة الشهود الذين يطلب الخصوم سماعهم ما لم ير عدم الفائدة من سماعهم، وله أن يسمع شهادة من يرى لزوم سماعة من الشهود عن الوقائع التي تثبت أو تؤدى إلى ثبوت الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءته منها “.
حيث أن الإثبات عن طريق الشهادة يشكل جانبا أساسيا في البحث الإجرائي إذ تدور حوله إجراءات التحقيق الابتدائي والنهائي، وأن إقرارات الشاهد تعتبر من أهم الأدلة التي يستعن بها القاضي في الخصومة الجنائية، إذ ينصب على وقائع مادية أو معنوية يصعب إثباتها بالكتابة، والشهادة عماد الإثبات لأنها تقع في أكثر الأوقات على وقائع مادية لا تثبت في مستندات
ماهية الشهادة:
الشهادة هي : إثبات حقيقة واقعة معينة علم بها الشاهد من خلال ما شاهدة أو سمعة أو إدراكه بحواسه الأخرى عن تلك الواقعة بطريقة مباشرة ، والشهادة على هذا النحو تعد وسيلة إثبات أساسية في المسائل الجنائية ، لأنها تنصب في الغالب على وقائع مادية تقع فجأة ،يتعذر إثباتها إلا عن طريق الشهادة ومع ذلك فقد تضعف قيمة الشهادة كوسيلة إثبات ، إذا ما خضعت لبعض العوامل الشخصية التي تؤثر فيها وقد تتوافر أسباب أخرى تؤثر في نزاهة الشاهد ( كتعرضه للخوف أو مصلحة أو ميل أو صداقة لأحد الخصوم ) فالشاهدة تعتمد على ضمير الشاهد ، فهي تعد وسيلة إثبات وقتية أو عابرة لذلك يتعين ألا يمضى وقت بين حصول الواقعة وأداء الشهادة خشية ضياعها أو وفاة الشهود .
اختيار الشهود:
نصت المادة ( 110 ) من قانون الإجراءات الجنائية على أن يسمع شهادة من يرى لزوم سماعة من الشهود عن الوقائع التي تثبت الجريمة وظروفها وإسنادها إلى المتهم أو براءته منه ، ومن المتفق عليه فقها أن للمحقق سلطة تقديرية واسعة ، في اختيار الشهود الذين يرى سماعهم سواء طلب الخصوم ذلك أو لم يطلبوا ، حيث أن طلب الخصوم ليس شرطا لسماع الشهود ، فللمحقق سلطة كاملة في سماع من يرى سماعهم بل له أن يسمع شهادة أي شاهد يحضر من تلقاء نفسه ( المادة 111/2 إجراءات ) ، ويجوز له أن يرفض سماع من يطلب إليه سماعة من الشهود إذا لم يرى فائدة من سماعهم . ورغم السلطة التقديرية الواسعة التي خولها القانون للمحقق في اختيار الشهود، إلا أنه لا يجوز له سماع المتهم شاهدا ضد نفسه، لما يترتب علية حرمانه من الحق في الدفاع، ولهذا لا يجوز للمحقق تأخير استجواب المتهم حتى يسمعه كشاهد في بعض الوقائع ضد نفسه.
وأنه يجوز أن يكون المجنى علية شاهدا فهو ليس خصما للمتهم ، كما يجوز أن يكون المدعى المدني شاهدا وذلك لان خصومته تقتصر على الدعوى المدنية ، ولذلك نصت ( المادة 288 إجراءات ) على أن يسمع المدعى بالحقوق المدنية كشاهد ويحلف اليمين ، وقد جرى قضاء محكمة النقض على ذلك ، وأنه من السلطة التقديرية للمحقق في سماع الشهود أن يسمع المحقق الشهود الذى يرى أن سماعهم يفيد التحقيق سواء كانوا شهود نفى أم أثبات ، أما الذين لا جدوى من سماعهم فأن سماع المحقق يعطل التحقيق ، لذلك وضع المشرع سلطة تقديره جدوى سماع الشهود لصالح التحقيق .
إعلان الشهود وتكليفهم بالحضور:
نصت المادة (110 ) من قانون الإجراءات الجنائية على أن : ” تقوم النيابة العامة بإعلان الشهود الذين يقرر قاضى التحقيق سماعهم ويكون تكليفهم بالحضور بواسطة المحضرين ، أو بواسطة رجال السلطة العامة ولقاضي التحقيق أن يسمع شهادة أي شاهد حتى ولو حضر من تلقاء نفسة وفى هذه الحالة أن يثبت ذلك في المحضر ” ، ويفاد من ذلك أن إعلان الشهود وفقا لقواعد العامة يتم حضورهم بناءا على تكليفهم بالحضور يعلن إليهم بواسطة احد المحضرين أو احد رجال الضبط ، أو يكون التكليف من النيابة العامة ، بالنسبة لشهود الإثبات أما شهود النفي فيكون إعلانهم بناءا على طلب المتهم أو المسئول عن الحقوق المدنية ، وذلك طبقا للمادة 277 إجراءات جنائية ). ((بأن يكلف الشهود بالحضور بناءا على طلب الخصوم)).
وقد يكون التكليف قبل الحضور 24 ساعة مع مراعاة مواعيد المسافة، غير انه الاستغناء عن هذا الميعاد في حالة (التلبس بالجريمة)، إذ يجوز تكليفهم بالحضور في أي وقت بدون إعلان، ويجوز حضور الشهود في الجلسة، بناءا على طلب الخصوم وبغير إعلان سابق.
– التزامات الشهود وجزاء الإخلال بها.
(1) -الالتزام بالحضور أمام المحقق.
– يجب على كل من للحضور أمام المحقق لتأدية الشهادة أن يحضر بناءا على الطلب المحرر له، والا جاز لقاضى التحقيق ، أو القاضي الجزيء ، أو النيابة العامة إذا كانت هي التي تتولى التحقيق .(مادة 208) الحكم علية بعد سماع أقوال النيابة العامة بدفع غرامة لا تتجاوز 50 جنيها ، ويجوز له أن يصدر أمر بتكليفه ثانية بمصاريف من طرفة ، أو أن يصدر أمرا بضبطه وإحضاره .(مادة 117 إجراءات جنائية ) فإذا حضر الشاهد بناءا على تكليفه بالحضور ثانية أو من تلقاء نفسة وأبدى اعتذارا مقبولا جاز إعفاؤه من الغرامة بعد سماع أقوال النيابة العامة ، ويجوز إعفاؤه بناءا على طلب يقدم منه . – وإذا كان الشاهد مريضا ولدية ما يمنعه من الحضور تسمع شهادته في محل وجودة، وإذا تبين عدم صحة العذر جاز أن يحكم علية بغرامة لا تجاوز مائتي جنية، وللمحكوم علية أن يطعن في الحكم. الصادر علية بطريق المعارضة أو الاستئناف طبقا للمادة. (120، 121 إجراءات).
(2) -الالتزام بحلف اليمين.
– يجب على الشهود الذين بلغ سنهم أربعة عشرة، أن يحلفوا يمينا قبل أداء الشهادة، لأنهم يشهدون الحق، ويجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا 14 سنة دون حلف اليمين وذلك على سبيل الاستدلال طبقا للمادة 116، 283 إجراءات). ولا يجوز تحليف الشاهد يمن الطلاق.
(3) -الالتزام بأداء الشهادة.
إذا حضر الشاهد أمام المحقق وجب علية أداء الشهادة، بعد حلف اليمين وفى إذا ما حضر الشاهد أمام المحقق، وامتنع عن أداء الشهادة أو عن حلـف اليمين، يحكم علية قاضى التحقيق أو القاضي الجزئي أو النيابة العامة، بعد سماع أقـوال الشهود بغرامة لا تزيد عن مائتي جنية، ويجوز إعفائه من كل أو بعض العقوبة إذا عدل عن امتناعه قبل انتهاء التحقيق (المادة 119).
– وذلك ما مراعاة نصوص المواد (286 ،287 إجراءات).
(4) -الالتزام بذكر الحقيقة.
حتى تقوم الشهادة بدورها كوسيلة إثبات تتيح التقدير السليم للوقائع، فأن الشاهد يلتزم بذكر الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، وذلك وفقا لليمن الذي أداه، والا عرض نفسه لعقوبة الشهادة الزور. ويلاحظ انه يجوز الطعن في الأحكام الصادرة على الشهود من قاضى التحقيق للامتناع عن الحضور أو للامتناع عن أداء الشهادة، أو حلف اليمين أو عدم الالتزام بذكر الحقيقة، ويراعى في القواعد المقررة في المادة 120 إجراءات). وللمحكوم علية أن يطعن في الحكم الصادر علية بسبب صحة عدم عذر المرض الذي منعة من الحضور)١(وذلك بطريق المعارضة أو الاستئناف وذلك وفقـا لنـص المادة 121/2 إجراءات
أهلية الشاهد
لابد من التعرف على الأهلية اللازمة لسماع الشهود ، أنها تجب على الشهود الذين يبلغوا من العمر 14 سنة ، لأنهم في هذا السن يصبح مكلفا أي مميزا و مدركا للأمور ، وأوجب المشرع على الشاهد الذى بلغ 14 سنة أن يحلف يمينا قبل أداء الشهادة على أن يشهد الحق ولا يقول إلا الحق ،مادة 283 إجراءات ، وقد جرى العمل على أن يحلف الشاهد اليمين بقوله (( والله العظيم اشهد بالحق ))…، وهذه العبارة وان كانت لا تتطابق النص القانوني ، إلا أنها تؤدى إلى ذات النتيجة المقصودة ، ومن ثم فلا محل للبطلان الشهادة على هذا السبب ، والحكمة من حلف الشاهد اليمين هي تنبيه إلى أن مـا سيدلى به من أقوال قد تؤدى إلى أدانه برئ ، أو إفلات مجرم من العقاب ، وهو أمر مناف للدين و الأخلاق ، وإذا اغفل المحقق عن تحليف الشاهد ، فيترتب علية بطلان الشهادة و استبعادها كدليل.
– الا انه يجوز سماع الشهود الذين لم يبلغوا 14 سنة على سبيل الاستدلال بدون حلف اليمين(م 283) وفى حالة ما إذا كان الشاهد دون السابعة لا يجوز سماعة أصلا لأنه غير مميز فهو ( كالمجنون ) قانونا ،وان سمعت أقوالة رغم ذلك فلا اعتداد بها حتى ولو على سبيل الاستدلال ، وعند فراغ الشاهد من شهادته يضع كل من المحقق والكاتب إمضاؤه على محضر الشهادة)١( ، وكذلك الشاهد بعد تلاوة علية وإقراره ، بأنه مصر عليها وأن امتنع الشاهد عن الإمضاء يثبت ذلك في المحضر مع ذكر الأسباب التي يبدها ، وفى جميع الأحوال يضع المحقق والكاتب إمضاؤه أعلى كل صفحة أولا بأول).
— أحوال الامتناع عن الشهادة والإعفاء منها ……..
– يجوز الامتناع عن الشهادة في الحالات الآتية:
أستحدث قانون الإجراءات الجنائية قاعدة في المادة 286 من)٢(قانون الإجراءات الجنائية من أنه يجوز للشاهد الامتناع عن الشهادة طبقا نص المادة 286 وذلك كالاتي:
1-أن يكون الشاهد تر بطة بالمتهم صلة الأصول أو الفروع أو القرابة أو المصاهرة إلى الدرجة الثانية أو الزوجية.
2-أن تكون الشهادة ضد المتهم.
3-ألا تكون الجريمة قد وقعت على الشاهد أو أحد أقاربه.
4-أن تكون هناك أدالة أثبات أخرى.
– وإذا تخلف أحد من هذه الشروط، فلا يجوز للشاهد الامتناع عن الشهادة، وإذا امتنع تطبق علية
القواعد الخاصة بالامتناع عن الشهادة.
— عدم صلاحية الشاهد للشهادة ….
بالرغم من توافر شروط الأهلية العامة لأداء الشهادة، إلا أن الفرد لا يملكها في دعاوى معينة، وهو ما يطاق علية (بأسباب عدم الصلاحية)، وتنعدم صلاحية الفرد لأداء الشهادة لصفته الشخصية أو وظيفته، فلا يجوز أن يجمع الفرد بين وظيفتي القاضي والشاهد في دعوى واحدة، ولايجوز سماع شهادة عضو النيابة في الدعوى التي قام فيها بأعمال متعلقة بوظيفته، وكما لا تقبل الشهادة ممن له صفة الخصم.
— سلطة المحكمة في الاستغناء عن الشهود ….
– يجوز للمحكمة الاستغناء عن الشهود في الأحوال الآتية:
1-إذا اعترف المتهم بالواقعة المنسوبة إليه عند سؤاله عنها.
2-إذا تنازل المتهم أو المدافع عنه عن الشهادة سواء كان تنازل صريح أو ضمنيا.
3-إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو استحال ذلك.
4-إذا كانت المحاكمة تجرى في غيبة المتهم في جناية أمام محكمة الجنايات فلها أن تحكم في الدعوى دون سماع الشهود.
5-إذا لم يحض المتهم بعد تكليفه بالحضور ولم يرسل وكيلا عنه في الأحوال التي يجوز فيها ذلك، وللمحكمة أن تحكم في غيبته بعد الاطلاع على الأوراق دون سماع الشهود.
— كيفية سماع الشهود ….
– نظم القانون سلطة قاضى التحقيق في سماع الشهود، وهي تسري على النيابة العامة عندما تتولى التحقيق (المادة 112 إجراءات).
– والقاعدة لا تختلف أمام المحكمة فينادى على الشهود بأسمائهم وبعد الإجابة منهم يحجزون في الغرفة المخصصة لهم، ولا يخرجون منها بالتوالي لتأدية الشهادة أمام المحكمة، ومن تسمع شهادته منهـم يبقى في قاعدة الجلسة لحين انتهاء من المرافعة أو قفل باب المرافعة، ومالم تسمح له المحكمة بالخروج، وعند الضرورة يجوز أن يبعد شاهد أثناء سماع شاهد آخر. – والشهادة أساسا إقرارات يدلى بها الشاهد شفويا أمام القاضي أو المحقق، أما الإقرارات المكتوبة من أحد الخصوم لشخص آخر فلا تعد شهادة بل تعد مستند قد يوجه نشاط القاضي في الإثبات ويطاب المحقق من الشهود أن يبين كل شاهد منهم
– اسمه ولقبة وصناعته وسكنه وعلاقته بالمتهم …، وتدون هذه البيانات بغير شطب ولا يعتمد على أي تصحيح، إلا إذا صدق عليه المحقق والكاتب والشاهد (م 113 إجراءات). – ويضع المحقق والكاتب إمضاؤه عللا الشهادة، وكذلك الشاهد بعد تلاوة علية إقراره وبأنه مصر عليها. وإذا امتنع عن الإمضاء يثبت ذلك في محضر التحقيق مع ذكر الأسباب التي يبدها، وفى جميع الأحوال يضع كلا من المحقق والكاتب إمضاؤه أول بأول (المادة 114 اجراءات).
– وعند الانتهاء من سماع أقوال الشهود يجوز للخصوم إبداء ملاحظاتهم عليها. ولهم أن يطلبوا من المحقق سماع أقوال الشاهد عن نقط أخرى يبينوها، وللمحقق دائما أن يرفض أي سؤال ليس له تعلق بالدعوى أو يكون في صيغته مساس بالغير (المادة 115 اجراءات).
– ويلاحظ أن للمتهم حق الحضور أثناء إدلاء الشهود بأقوالهم مالم يقرر المحقق غير ذلك للاستعجال أو الضرورة. – وللمحقق إدراك معاني إشارات الأبكم والأصم بغير الاستعانة بخبير ما دام في الاستطاعة تبين معنى تلك الإشارات. – والأصل أن يسمع المحقق الشهود في مقر التحقيق (مكتبة)، غير أنه إذا كان الشاهد مريضـا أولديه ما يمنعه من الحضور تسمع شهادته في محل وجوده (المادة 121 إجراءات).
— سلطة المحكمة في تقدير الشهادة ……
للمحكمة مطلق الحرية في وزن أقوال الشهود ، وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم ولم يضع القانون نصبا للشهادة يتقيد به القاضي في المواد الجنائية بل ترك له تقدير الشهادة بحسب اطمئنانه إليها وبغض النظر عن الشهود الذين سمعتهم، ويسمع المحقق الشهود الذى يرى سماعهم يفيد التحقيق سواء كانوا شهود نفى أو إثبات ، أما الذين لا جدوى من سماع أقوالهم ، فان سماع المحقق لهؤلاء يضع من وقت التحقيق ، لذلك وضع المشرع سلطة تقديره للمحقق جدوى سماع الشاهد لصالح التحقيق وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة وهذا هو المتفق علية فقها وقضاءا في اختيار الشهود الذين يرى سماعهم ، بناءا على طلب الخصوم أو لم يطلبوا .
— مصاريف وتعويضات الشهود ….
– إذا كان حضور الشهود لمقر التحقيق للإدلاء بالشهادة قد يكلفهم بعض من المال أو الوقت أوجبت العدالة، أن يوف لهم مقابل ما تحملوه من مصاريف وأن يعوضوا عن الأضرار التي أصابتهم، ولذا فقد منح المشرع النيابة الحق في تقدير المصاريف والتعويضات التي يستحقها الشاهد بسبب حضوره لأداء الشهادة متى طلب ذلك منه (المادة 112، 208 إجراءات).
— أهمية سماع الشهود ….
– تمثل الشهادة الدليل العادي أو المألوف الذي يطمئن إليه في الغالب قضاء التحقيق، والحكم إذا كانت الشهادة جادة ومتصلة بالوقائع اتصالا مباشرا، ولم يكن هناك مطعن على شخص الشاهد ومع ذلك فان اتخاذ هذا الإجراء، ليس متاحا في كل الظروف، فقد لا يكون هناك شهود على هل يقضي القاضي بشهادة السمع
يقول إدوارد بونيه في كتابه الأدلة: أن الشهادة بالسماع من الدرجة الثانية حيث لا يقصد بها إثبات الواقعة المدعى بها، وإنما إثبات الشهادة الأولى أو الدليل نفسه، لأنه لا يتيسر دائماً أن تكون الشهادة مستفادة مباشرة بالمعاينة بل قد تكون مستفادة عن طريق التسامع، ومن الواضح أن الدليل يضعف كلما أبتعد عن منبعه.
ويقول الفيلسوف الفرنسي مونتيني: إن الأقدمين عندما أرادوا تدوين تاريخهم أدركوا لكثرة الانتقادات الموجهة إليه أين تكون نقطة الضعف في الإقناع، فراحوا يقوونها بمستندات مزورة، إن خطأ الفرد يجر أولاً إلى الخطأ العام والخطأ العام يجر إلى الخطأ الفردي وعلى هـذا النحو يسير الخطأ وينمو متنقلاً من إنسان إلى آخر إلى أن يكون الشاهد الأبعد أكثر علماً من الشاهد الأقرب، ويكون أخر من يعلم أكثر اقتناعا من أول من يعلم، ومن هنا كانت الحكمة التي قالها لوازيل: أن عيناً واحدة أحق بالتصديق من أذنين.
وعلى هذا لا يقتضي للقاضي أن يأخذ بالأدلة من الدرجة الثانية إذا توافرت الأدلة من الدرجة الأولى ويقول بلا نبول وربيير: أن شهادة الشهود على وقائع لا يعلمونها إلا من طريق السماع وهي وإن لم تكن شهادة إثبات طبيعية إلا أنها شهادة على كل حال وهي بدلاً من تثبت الواقعة التي سيترتب عليها كسب الدعوى فهي تثبت واقعة أخرى لا ترتبط بالواقعة الأولى إلا برباط واه وهو رأي الجمهور في الواقعة المتنازع عليها وبهذا يتحول الإثبات من طبيعته الأصلية إلى طبيعة أخرى،
فمن المعلوم أنه لكي تكون الشهادة محل تصديق يجب أن تكون متعلقة بموضوع النزاع ومنصبة عليه في حين أن الشهادة بالشهرة العامة في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك ليست متعلقة بموضوع النزاع ولا منصبه عليه ومع ذلك يجب الأخذ بها … إنها شهادة رأي وإذا كان للرأي قوة الشهادة فيما أجازه القانون فهذا مناف لطبيعة الإثبات.
وعلى كل فهناك أحوال يجوز فيها في القانون الفرنسي الإثبات بالشهرة العامة مثل الزوجة التي تريد أن تفض شركة الملك بينها وبين زوجها ، وأولاد الزوج لهم أن يثبتون بالشهرة العامة عين التركة المشتركة وقيمتها إذا لم يكن الزوج قد حصرها وبين قيمتها في قائمة جرد وقت حياته ، وللزوجة وأو لورثتها أن يثبتوا بالشهرة العامة الأثاث الذي آل إليها وقت قيام الزوجية ولم يحرر به قائمة جرد ، وللقاضي إذا لم تتهيأ له الأدلة التي تثبت قيمة شيء أن يلجأ إلى الشهادة بالشهرة العامة ، ولصاحب المنقولات التي وضعها عند شخص آخر ينتفع بها دون أن يحرر بها محضر استلام .
وقال جارسونيه: إنه من الضروري لكي تصبح لشهادة الشهود قيمة في الإثبات أن يشهد الشهود بما علموه شخصياً ذلك أن الإثبات بالشهرة العامة الذي يسأل فيه الشهود عما سمعوه من الغير إنما هو إثبات ناقص لا يجوز قبوله إلا بصفة استثنائية كحالة عدم وجود دليل آخر. ويقول بيكار: وهو من علماء القانون الجنائي الإيطاليين أن الدليل يقوي الدليل إذا كان كل منهما مستقلاً عن الآخر.
أما القانون الإنجليزي: فلا يجيز مبدئياً شهادة التسامع، ولكنهم قالوا إن تطبيق هذا المبدأ بصورة مطلقة يضر بالناس ولذلك فقد أجازت إنجلترا وأمريكا فيما بعد هذا المبدأ ولكن وفق ضوابط منها إذا كان الغرض من الشهادة مصلحة عامة أو إثبات وفاة متوفين أو بخصوص وضع يد قديم.
وفي تشريعنا لا يوجد ما يقرر الأخذ بهذه الشهادة أو يمنع من الأخذ أي أن للقاضي مطلق الحرية في الأخذ بهذه الشهادة سواء كانت من الدرجة الأولى أو الثانية، ولا يوجد عليه قيود
الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما قد يكون رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، فهي تقتضي بداهة فيمن يؤديها القدرة على التمييز لأن مناط التكليف بأدائها هو القدرة على تحملها، ولذا فقد أجازت المادة 82 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية ـ والتي أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية ـ رد الشاهد إذا كان غير قادر على التمييز لهرم أو لحداثة أو مرض أو أي سبب آخر ـ مما مقتضاه أن يتعين على محكمة الموضوع إن هي رأت الأخذ بشهادة شاهد قامت منازعة جدية على قدرته على التمييز أن تحقق هذه المنازعة بلوغاً إلى غاية الأمر فيها للاستيثاق من قدرة هذا الشاهد على تحمل الشهادة أو ترد بما يفندها.
ولما كان القانون لا يتطلب في عاهة العقل أن يفقد المصاب الإدراك والتمييز معاً وإنما تتوافر بقدر أحدهما. وإذا ما كان الطاعن قد طعن على شهادة المجني عليها بأنها مصابة بما يفقدها القدرة على التمييز وقدم تقريراً طبياً استشارياً يظاهر هذا الدفاع، وقعدت المحكمة عن تقدير قدرتها على التمييز أو بحث خصائص إرادتها وإدراكها العام استيثاقاً من تكامل أهليتها لأداء الشهادة، وعولت في نفس الوقت على شهادتها في قضائها بإدانة الطاعن بالرغم من قيام منازعته الجدية حول قدرتها على الإدلاء بشهادتها بتعقل ودون أن تعرض لهذه المنازعة في حكمها المطعون فيه، فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب فضلاً عن الإخلال بحق الدفاع.
(نقض 2/4/1979 مجموعة القواعد القانونية س30 ص466)
(ونقض 27/11/1985 مجموعة القواعد القانونية س2 ص152)
* المجني عليه في الدعوى لا يعتبر خصماً للمتهم، بل خصم المتهم في الدعوى الجنائية هو النيابة العمومية. وإذن فللمحكمة أن تسمع المجني عليه في الدعوى كشاهد على المتهم.
(نقض 12/3/1951 مجموعة القواعد القانونية س2 ص857)
* إن الأخذ بأقوال شاهد ولو كان قريباً للمجني عليه أمر موكول إلى اطمئنان محكمة الموضوع لصحة ما شهد به.
(نقض 31/5/1955 مجموعة القواعد القانونية س6 ص1056)
* إن القانون لم يقيد القاضي بنوع معين من الشهود ولم يجز رد الشاهد مهما أحاط به من الأسباب التي تدفعه إلى تقرير غير الحقيقة. فإذا سمعت المحكمة شاهداً على متهم في جناية وكان هذا الشاهد متهماً في الوقت عينه بضرب المتهم في الجناية، فلا تثريب في ذلك، إذ أن تقدير قيمة الشهادة متروك دائماً للمحكمة تراعي فيه الظروف التي أبديت فيها الشهادة.
(نقض 1/3/1937 مجموعة القواعد القانونية ج4 ق55 ص53)
* كل إنسان يجوز للمحكمة قبول شهادته والاعتماد عليها متى وثقت المحكمة بصحتها ولو كان لهذا الإنسان سوابق في الكذب والتلفيق، فإذا طلب الدفاع عن المتهم ضم قضية لبيان الحالة الأدبية لأحد شهود الإثبات للطعن فيه وتجريحه ورفضت المحكمة هذا الطلب من غير إبداء أسباب فلا يعتبر هذا منها إخلالاً بحق الدفاع.
(نقض 9/11/1931 مجموعة القواعد القانونية ج2 ق283 ص351)
* لا مانع من سماع أقارب المدعي بالحقوق المدني كشهود.
(نقض 17/4/1930 مجموعة القواعد القانوني ج2 ق30 ص25)
* إن المادة 198 مرافعات لا تعتبر الخصومة سبباً من أسباب رد الشاهد وتجريحه.
(نقض 14م11/1929 مجموعة القواعد القانونية ج1 ق328 ص378)
* مجرد كون الشاهد من المخبرين لا يجعله من الأشخاص الذين يجوز تجريحهم أو رد شهادتهم تطبيقاً للمادة 198 مرافعات، أو عدم سماعهم إلا على سبيل الاستدلال، فاستدعاء المحكمة مخبراً لسماع شهادته أمر جائز، وتحليفه اليمين القانونية لا يعتبر خطأ في الإجراءات مادامت سنه تزيد على الأربع عشرة سنة تطبيقاً لمادة 201 مرافعات.
(نقض 28/3/1929 مجموعة القواعد القانونية ج1 ق208 ص253)
بعد هذه المرحلة القصيرة في موضوع الشهادة ودورها في الأثبات القضائي أود أن أبين النتائج التي توصلت اليها في مسيرة البحث ولدي بعض المقترحات حول هذا الموضوع وكما يأتي:
أولاً: النتائج: –
1-يلاحظ بأن الشهادة سوف تبقى من عناصر الأثبات المهمة لأن طبيعة التعامل اليومي بين الناس تفرض عليهم أوضاعاً لا يستطيعون تجاوزها فحركة البيع والشراء والأخذ والقبض ولاستلام والتسليم للأشياء والمواد كلها امور جارية في المجتمع لا يستطيعون الأفراد في كل حركة أو عمل أن يطلب من المقابل دليلاً كتابياً بالأخذ أو القبض أو الاستلام لأن المهمة سوف تكون شاقة على المجتمع ويؤدي الى تقيد حرية الحركة والعمل والتبادل التجاري. 2-الثقة والسرعة في التعامل اليومي مطلوب من الجميع وعلى ضوء ذلك يكون للتعامل اليومي حرية أكثر وروحية تعامل أكثر حضارية وانسانية.
ثانياً-المقترحات: –
1-ولكن بما ان النفوس في يومنا هذا قد ضعفت بضعف الوازع الأخلاقي والديني وفقدان كثير من الأفراد للقيم والأخلاق الحميدة في المجتمع يتطلب من الجميع الحذر في التعامل مع الآخرين والحذر من أقوال وشهادة الآخرين.
2-لايمكن التساوي بين جميع الناس في قيمة شهاداتهم ووزنها ولو أن ذلك ترك للمحكمة تقدرها ولكن أن يكون هناك ضوابط معلومة ومحددة للأخذ بأقوال بعض الشهود أو ردهم وأن يكون هناك نظاماً للاستماع الى الشهادات كما كان في العهد الاسلامي حيث كان للمحاكم الاسلامية وقضاتها مزكيين وكانت تأخذ بنظام تزكية الشهود وكان هناك مزكين سريين للقاضي ومزكيين علنيين له وكان القاضي يستمع الى شهادة الشهود وعلى ضوء تزكية المزكين.
المصادر
أولاً: القرآن الكريم
ثانياً: الكتب القانونية: –
1-د.آدم وهيب النداوي، الموجز في قانون الأثبات، ط2 بغداد 2007
2-احمد أبراهيم، طرق القضاء.
3-د.أنورسلطان، قواعد الأثبات في المواد المدنية والتجارية، ط198