إنها قصة حقيقية حصلت معي, وهي تتعلق بحلم. نعم انه حلم من احلام اليقظة التي تحصل لدى الانسان عندما تسيطر عليه فكرة مهمة تشغل باله. بالنسبة لي غالبا ما يحصل هذا الامرولكن قلما يكون بهذه الدرجة من الوضوح. ان دل ذلك على شيء فانما يدل وضوح الفكرة التي هي اساس هذا الحلم الجميل.
إنها فكرة تتعلق باعظم اكتشاف في تأريخ الثقافة العربية. ومن شدة وضوح الفكرة وبعد ان استيقضت من ذلك الحلم، على غير عادتي دونت هذا الحلم الجميل واضفت اليه بعض قيود الكتابة والاضافة فيما بعد لعله يصبح موضوعا متكاملا و قابل للنشر ويحقق الفائدة.
مكان الحلم: خلال سفرة عائلية في منطقة الغابة السوداء في جنوب ألمانيا وهي من أجمل مناطق العالم وأكثرها أمانا، اذ تعودت أنا وأسرتي وخلال السنين الاخيرة ان نزور هذه المنطقة الانظف والأجمل.
تأريخ الحدث: تحديدا يوم الخميس ٥/٧/٢٠١٧
موضوع الحلم: لقاء في الشارع مع مقدم برامج تابع لقناة بحرينية حكومية. وهو لقاء مخصص للمواطنين البحرينيين بمناسبة العيد او العيد الوطني لنقل تحياتهم ومعرفة همومهم ومساعدتهم للعودة الى وطنهم وترك المهجر. حقيقة الأمر هو يسعى لاستعادة تلك الكفاءات المهاجرة التي تعيش في الغرب.هكذا رأيت الأمر ولا أعرف إن كان مثال هذا التوجه موجودًا في البحرين أصلا.
اقترب مني مقدم البرنامج مع كاميرته وكلمني معتقدًا أني من البحرين لتقارب اللهجتين العراقية والبحرينية كما أظن. قبلت الحوار معه بشرط عدم التصوير. مرة أخرى لا أعرف السبب لشرطي هذا. أخبرته عن سبب رفض من يعيش هنا في الغرب أن يعود إلى بلاده. إنه لربما يريد أن يعود, كما في حالتي، لكن بشرط أن يساعد أبناء شعبه وأمته، لكن الظروف هناك لا تسمح له بمثل هذه الأمور التي تساعد المجتمع على التغيير. هذه قناعتي.
أخبرته فورا لأطمئنه، بأني لست من الناس الذين يشك في أمرهم ممن يبيتون أهداف خفية. أخبرته ومن البداية عن حقيقة كوني ان ليس لدي مشكلة ومن اي نوع مع اي انسان وهذا يعني بالتأكيد انه ليس لدي مشكلة سياسية مع سياسة حكومة البحرين، وأكثر من ذلك فأنا مع جلالة ملك البحرين ومع شيوخها ومع اي انسان في البحرين او خارج البحرين ممن يريد ان يهتم ويراعي مصالح الناس ومشاعرهم ويسعى من أجل حياة أفضل.
أخبرته أن من واجبي كإنسان أن أحب كل الناس وأهتم بمصالحهم وأسعى لمراعاتها عندما أقوم بأي عمل أو أفكر بأي فكرة، بل أن أحب وأهتم بجميع خلق الله كلما أمكن ذلك. من واجبي أن أفعل ذلك من أجل أن تكون حياة الانسان في الأرض أكثر سعادة.
اخبرته أنها دعوة من أجل أن تتضافر جهودنا جميعا نحو إعمار الارض وحفظ التوازن في نظامها البيئي الذي يتعرض للخطر اليوم والذي هو سر ديمومة جمال الارض وصلاحية العيش فيها اجيالا بعد اجيال. لا اعرف ايضا المناسبة التي جعلتني اتحدث عن حفظ التوازن في النظام البيئي مع مقدم تلفزيوني لعلي اريد ان اخبره باني مهتم بالعلم كبادرة لتسويق فكرة مهمة. أمور غريبة تحصل في عالم الاحلام.
أخبرته بعد ذلك عن أمر أستطيع الحديث عنه وبكل وضوح، وهو لربما يكون اعظم اكتشاف في تاريخ الحضارة العربية او بالأصح في تاريخ الثقافة العربية. إذن القضية ليست لتسويق فكرة ما تتعلق بشخصي أو للتشويق أو الإثارة بل هي قصة أكتشاف حقيقي يهمنا جميعا ويهم مستقبل الاجيال القادمة بإذن الله. إنه إكتشاف يتعلق بتحديد أصل مشكلتنا، المشكلة التي نعاني منها جميعا، وتعاني منها كل الشعوب العربية وليس فقط في البحرين يا عزيزي. انها أصل مشكلتنا في العراق وفي السعودية. وأصل مشكلتنا في مصر وليبيا. وأصل جميع المشاكل المستعصية في الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا والصومال، وفي اي دولة عربية. بتعبير آخر إنه اكتشاف يخص أصل مشكلتنا التي هي السبب الرئيسي وراء مشاكلنا الأخرى سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية.
قد تستغرب من هذا الأدعاء الكبير الذي أخبرك به الآن وأنا كلي ثقة بأنك لم تسمع بهذا الاكتشاف من قبل، وسوف تقبله في نهاية الأمرمهما طال الزمن. في الحقيقة إنه اكتشاف عظيم يخص معرفة أصل مشكلة غالبية أولئك الذين ينتمون للثقافة العربية أو لغيرها من الثقافات التي تعاني من أعراض مشابهة. أنها أصل المشكلة في إيران وتركيا وباكستان والمكسيك وبنغلادش ونيجيريا. انها مشكلة ما قد سبق وما قد يأتي من المجتمعات. وبالطبع فان من يعرف أصل المشكلة – اي مشكلة كانت – تكون لديه فرصة أكبر لتقديم الحلول الصحيحة. قد تنعدم فرصة تقديم حلول صحيحة من أول مرة أو من المحاولات الأولى من دون معرفة أصل المشكلة محل البحث ايا كانت تلك المشكلة. معرفة أصل المشكلة إجراء علمي صحيح. وها انا اليوم ادعي باني اعرف أصل المشكلة – المشكلة الأم لكل المشاكل الاخرى- وأعرف أيضا وبوضوح تام الحل المطلوب لهذه االقضية – قضية أصل المشكلة – اوبتعبير آخر فيما يتعلق بجملة الحلول التي نقترحها للتخلص من تلك المشاكل وآثارها الى الأبد وفق خطة علمية مضمونة النتائج ومبنية على فكرة معرفتنا لأصل المشكلة.
اقتنع الأخ المقدم بعد استماعه وإدراكه لكل ما قلته. صار لدي احساس بأنه أصبح مقتنعا بفكرة كوني انسان يفكر بطريقة إيجابية مختلفة. صمت قليلا واقترح علي أن أتكلم مع احد صانعي القرار هناك في دولة البحرين فورا. وانا طبعا وفي وسط هذا الحلم الممتع والمثير شعرت بأن هذا المقدم – مقدم البرنامج – انسان مهني مخلص يجيد مهنته ولديه شعور وطني كبير بالمسئولية، خاصة بعد ان تحدث هو أولا واعطاني الفرصة الكاملة وفعلا تكلمت مع المسئول الكبير تلفونيا وتحدث معه عن الآتي:
أخبرته عن وضوح رؤيتي للأمر الذي أريد ان احدثك عنه الان وهو وبدون أدنى شك يعتبر اهم موضوع في تأريخ ثقافنا العربية.
إن مشكلتي معكم يا سيادة المسئول الكبير ومع غيركم ممن هم في موقعك من المسئولية في جميع بلداننا العربية هي لربما انكم لا تدركون أن لديكم مشكلة، ومشكلة كبيرة حقا، أنها ليست اي مشكلة كما قد تظنون، انها مشكلة كانت سبب رئيسيا لكل المشاكل الاخرى التي تعج بها مجتمعاتنا. أنها كانت ولا تزال هي السبب الرئيسي لكل معاناة وحسرة وتقهقر على مر العصور.
أخبرته بأني لا أروم النيل منكم ولا أرى أي انتقاص من وطنيتكم او في عدم اهتمامكم. حديثي هذا ليس فيه أي شخصنة تجاه اي انسان ولا يتضمن اي قدح مهما كان. في قناعتي انتم تقدمون افضل ما يكون وفق منظوركم، لكنكم فشلتم وتفشلون ولا تعرفون السبب الحقيقي وراء ذلك الفشل. أخبرته عن موضوع يتعلق بفكرة استحالة الخروج من تلاحق الازمات والاخفاقات كل مرة. ليس عندكم فقط ولكن في جميع بلداننا العربية.
تكلمت مع ذلك المسئول بتفصيل وبعد أن أسمعته وضوح أفكاري وكما قلت للمقدم في البداية. شعرت وأنا اتحدث معه كم هو مندهش مما اقول له وكأنه مصدق لكل كلمة أقولها. أخبرني أنه يريد أن يعرف أكثر وأكثر. وهذا يعني ان مهمتي بالتواصل الصحيح قد نجحت. أبلغته بان عليه أولا ان يعترف بوجود المشكلة وأخبرني بما لا يقبل الشك انه يعترف قطعا بوجود مشاكل كبيرة ومعقدة ومقلقة ، وهذا الاعتراف بوجود المشكلة يستدعي التفكير بايجاد الحلول المناسبة. اخبرني انهم يعالجون المشاكل لكن لا تزال اثار هذه المشاكل اكبر من ان تحل بسهولة وخاصة عن الوضع في البحرين. نعم هذه الدولة أو المملكة الصغيرة اخبرني عنها وعن حجم المعاناة والمشاكل. اعترف لي انهم في تحر وبحث دائم لتجاوز المشاكل وبكل جدية. اخبرني هذا المسئول بأنه يحب شعبه ويريد خدمة وطنه، أخبرني ايضا ان هذه هي حالة كل المسئولين في دولة البحرين الشقيقة. انهم يدركون حجم المشكلة ويسعون من اجل حلها والحال مستمرة.
أخبرته بأننا وبطريقة علمية وبعد الاعتراف بوجود المشكلة، علينا التعرف أولا على أصل المشكلة عند بحث اي مشكلة ، إن أمكن ذلك. واذا عرفنا أو تعرفنا على أصل المشكلة سوف يسهل تقديم الحلول، إذن علينا وبعد الاعتراف بوجود مشكلة كبيرة أن نعرف أصل هذه المشكلة -اصل مشكلتنا وأصل مشكلة غيرنا من الناس ممن يعانون من مشكلة كبيرة ولا يعرفون أصلها.
المشكلة الكبيرة يجب ان تنبأ عن أصلها أو سببها وبطريقة أسهل بالمقارنة مع المشاكل الصغيرة أو المستترة، هذا بشكل عام، لكن في حالة مجتمعنا العربي وبالرغم حجم مشكلتنا الكبيرة والمتجذرة تاريخيا لم نتوصل بعد لمعرفة أصلها. لذلك أطلق على معرفة هذا الاصل بالاكتشاف.
وهو متعجب من كلامي ومنبهر وسعيد جدا بفرصة التواصل معي أراد أن يعرف ما هو أصل مشكلتنا وخاصة عندما أخبرته في البداية بان القضية واضحة تماما لي وانا قادرأيضا على أيضاحها وبكل بسهولة.
أخبرته على الفور إن أصل مشكلتنا يعود الى الطبيعة الثقافية السائدة في مجتمعنا ، اذن هي مشكلة ثقافية قبل ان تكون مشروع استهداف او غزو خارجي او مشكلة سياسية او اقتصادية او اي شيء اخر. أن الانسان ابن مجتمعه ويفكر بطريقة مفروضة عليه بناء على طبيعة المجتمع الذي ينتمي اليه.نادرا ما يفكر الانسان بطريقة مخالفة لبيئته. عندما يعلن ذلك قد يتهم ويدان. هذه طبيعة المجتمعات البدائية.
وها انا اعرض عليكم اصل المشكلة والحل المطلوب:
أولا: إن أصل المشكلة- هذا الإكتشاف العظيم في تأريخ ثقافتنا العربية – ينحصر فقط في طبيعة الموروث الثقافي السائد في مجتمعنا والذي هو المسئول عن جعلنا نفكر بهذه الطريقة دون غيرها.اننا نفكرغالبا بطريقة بسيطة بدائية.عموما نحن كأبناء ثقافة بدائية لا نجيد بل لربما نعجز تماما عن التفكير الأعلى مرتبة ، ولا نستخدم طرق التفكير العلمي من خلال العمليات العقلية العليا عندما يتطلب الظرف ذلك . هذا عجز واضح او خلل.
قد نستشعر بالحاجة الى ممارسة العمليات العقلية العيا فقط عند حالات الضرورة القصوى من أجل التعرف على اتفاقات محددة عند تعريف العدالة التي نتشدق بها ليل نهار في صلاتنا ودعاءنا أو عندما نريد تطويع البيئة من حولنا من أجل حياة أفضل.
عمليا فشلنا ولا نزال نفشل في ممارسة التفكير باستخدام عمليات عقلية عليا عندما نواجه تحديات تطبيق العدالة و تطويع البيئة ولحد هذه الساعة بالرغم من استشعارنا لذلك الأمر.
تخيل حجم معاناة العيش في ظل انعدام تام لكيفية تحقق فهم مشترك لفكرة “تطبيق العدالة”وهي مرحلة أولية واساسية لاي برنامج اصلاحي طموح. تخيل حجم العجز الكامل عندما نسعى لتطويع البيئة من أجل حياة أفضل فيكل شأن من شئون حياتنا اليومية.
الكل ينادي بالعدالة لكن تطبيق العدالة لا يتم الا بعد ان نتفق أولا على جملة المفاهيم المشتركة التي تتعلق بتعريفات واضخة عن معنى ومصاديق تطبيق العدالة على الجميع . فالحديث عن العدالة كيفما اتفق كما يحصل عندنا شيء والاتفاق على جملة تعاريف واضحة في كيفية تطبيق العدالة شيء آخرلم نتوصل له بعد. وكذلك تطويع البيئة فاننا لم نرتقي بعد في ممارسة العلم فيما يقوم على صحته دليل وبدرجة كافية تؤهلنا لاستخدام العمليات العقلية العليا من أجل تطويع البيئة وفي معظم شئون حياتنا.
اننا ابناء أمة متطفلة على العلم وغير قادرة بعد على انتاج العلوم المؤثرة في تغيير حياة الانسان بشكل أفضل.
يمكن لنا ان نكون غيرذلك وبكل تأكيد. يمكن لنا ان نخلق اجيالا جديدة تفكر بطريقة مختلفة تفكربطريقة العمليات العقلية العيا وبشكل طبيعي وكلما استدعت الضرورة. عندها نتغلب على جميع مشاكلنا مهما كانت صعبة ومعقدة. في حينها سيكون العيش في مجتمع يحقق فرص “تطبيق العدالة” في كل شيء وقادر على “تطويع البيئة”. عندها نكون في زمرة الأمم التي تمارس العلم وتنتجه بغزارة وأصالة وتساعد عل إعمار الارض.
عندها فقط نستطيع ان نستشعر معنى السعادة من خلال ذلك البعد الانساني الرائع الذي يهتم فيه اي واحد منا بمصالح غيره ومشاعره. فالاهتمام والحرص على تحقيق مبدأ رعاية مصالح الاخرين ومشاعرهم في اي عمل يقوم به الانسان هو أساس دين الله الحق حتى وإن اختلفت التسميات او تفاصيل الأيمان. نعم نعلنها صراحة اننا نختلف في هذا الطرح مع اخوتنا الملسمين او غيرهم من أهل الأديان ممن لا يرون أهمية كبيرة لهذا الأمر.
لربما تسألني عن موضوع تفتصيل ما يؤمن به غيري، فهذا غير مهم عندي على الاطلاق ، ولا اريد الخوض به على الأقل في الوقت الحاضر يا اخي الفاضل.
لقد أورثتنا ثقافتنا العربية في جوانبها البدائية المعروفة ثقافة الكراهية- كراهية اي شخص آخر- عندما نختلف معه في موضوع تفاصيل ما يؤمن به .هذا هو المستحيل بعينه، فالاصل في تفاصيل ما يؤمن به الناس هو الاختلاف والتنوع ولا ضير ذلك الاختلاف ابدا ودائما.
عندها، أي عندما تتغير طريقة تفكيرنا – طريقة التفكير الجمعي في المجتمع- سيتم وبإذن الله تجاوز اي طرح ديني أو قومي أو غير ذلك مما يضيّق الافق الانساني الرحب الذي يدعو للحب والتسامح والتعارف والتفاعل بين جميع الناس. عندها ، عندما تتغير طريقة التفكير سنتجاوز كل ما جاءنا من موروث ثقافي بدائي فاسد او شرير ونضعه في متحف سلة مهملات التاريخ البدائي لمسيرة الانسان على الأرض . عندها سنتخلص وللأبد من ذلك الأرث الثقافي الذي شكل جملة مفاهيمنا عن دين الله وبطريقة خاطئة والذي لا يمكن ان يكون دينا لله كما ثبتت لنا الظروف التي مرت علينا خلال الفترة الماضية وما زلنا نعاني منه الى يومنا هذا.
هنا اريدأن اخبرك بأني لست فخورا بانتسابي الى تلك الثقافة المورثة الفاسدة التي انتجت فهما فاسدا وشريرا لدين الله وكانت ولا تزال عائقا كبيرا في صناعة قدر التغيير من اجل حياة افضل واكثر سعادة.
نكرر لاننا نعرف وبالعلم نعرف ان التكرار ينفع: أن أصل مشكلتنا هي كونها مشكلة ثقافية تتعلق بموروثنا الثقافي الذي جعلنا نفكر بهذه الطريقة وان الموروث الثقافي وما يحصل عليه من تطورات في المجتع – اي مجتمع كان- هو المسئول الاول والاخير عن صناعة او قولبة الطريقة التي يفكر بها ذلك الانسان في ذلك المجتم. إذن فالمجتمع هو مسئول بالنتيجة عن تلك الطريقة التي يفكر بها ذلك الانسان الذي ينتمي اليه. في حالتنا ان شكل طريقة فهمنا لدين الله جاءت قطعا من طبيعة الموروث الثقافي البدائي الذي تتسم به ثقاقتنا العربية وهي لا تختلف عن غيرها من الثقافات البدائية التي تعج بالشر وتضمر الكراهية لمن يختلف معها.
طريقة التفكير هي موروث أجتماعي من نتاج المجتمع ، لكن قدر التغيير يبقى خيارا متاحا ومفتوحا أمام الناس متى ما قرروا ذلك ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). الحال تنبأ بأمكانية حصول التغيير متى ما أراد الناس في مجتمع ما على تحقيق ذلك.
لقد سألته بدوري : هل اتضحت لك الصورة أخي الفاضل عن أصل المشكلة؟ أجابني شاكرا نعم، استطيع ان أتفهم ذلك وبدرجة مقبولة لكن وما الحل أي كيف يمكن لنا تحقيق ذلك؟
أجبته عل الفورأن اجابتي حاضرة في نقطتين اساسيتين:
أولا : البدء في مشروع تربوي – يقوم اساسا على العلم بكل ما تعني الكلمة- مشروع وطني كبير يبدأ بالطفل وفي سن مبكرة بحدود اربع سنوات أو قبل ذلك السن بقليل ويستمر مع الطفل لمدة لا تقل عن عشر سنوات، اي عند سن السادسة عشرة أو بعدها بقليل وفي معظم المداراس في البلاد ، يكون بعدها قد صنعنا انسانا آخر، جيل جديد يفكر بطريقة مختلفة تماما عن تلك الطريقة التي يفكر بها ابنائنا اليوم في مثل هذه السن.
لتحقيق ذلك ، لدينا خطة تتضمن برامج عالمية مستقاة من تجارب ناجحة في هذا المجال. اذن الحديث هنا عن مشروع تربوي وطني شامل من شأنه أن يغيير طريقة التفكير السائدة والموروثة من المجتمع. التغيير هنا هو تغيير موجه ومدروس وفق خطة علمية فيها الكثير من التفاصيل الاجرائية القابلة للتطبيق.
قد تبدو صعبة للوهلة الأولى لكنها قطعا مهمة ممكنة. تخيل فقط انا سلوك اطفالنا ستتغير لتحاكي اعلى مستوى سلوكي للاطفال في ارقى المجتمعات الانسانية. الجميل في الامر هوأننا لا نتحدث عن مشروع بتكاليف باهظة، بل على العكس فلربما تنخفض التكاليف التشغلية لهذا المشروع العظيم. لكننا قد نواجه تحديًا في مجال تدريب من يقوم على تعليم الاطفال اشياء لم يسبق لذلك المعلم او المدرب ان تعلمها من قبل لكن هناك خطط وتجارب من شأنها أنجاح هذه المهمة.
ثانيا: خلق اكبر حالة من الوعي لدى المجتمع وبكل الوسائل الممكنة من أجل التعرف والتحقق من صحة هذا الاكتشاف الكبير الذي تم الاعلان عنه. عندها يمكن نقد كل ما يمكن نقده وفضحه من ذلك التراث الثقافي الفاسد والشرير الموروث في مجتمعنا العربي، مما يحمل في طياته كل صنوف الكراهية والجهل والامراض الخطيرة والمهالك ومسببات النكبات والكوارث والاحزان.
ندعو المسئولين في موقع المسئولية لاصدار ما يلزم للجم كل من يقف بوجه هذا المشروع الاصلاحي الكبيرتحت اي ذريعة او مسمى او تبريرمهما كان وتقديم ما يلزم من دعم والله ولي التوفيق. وفي الختام كررت له نقطين الاولى عن مدى استيعابه لهذه الفكرة وقد اكد لي وضوح الفكرة تماما والاخرى عن استعدادي للمساعدة في قيادة هذا المشروع الكبير ليكون نموذجًا رياديًا عالميا. وفي ختام الحديث طلب مني ان اقبل دعوته لزيارة البحرين وفي اسرع وقت ممكن لاقامة ورشة عمل مفتوحة.
الجميل في الامر وكما بدا لي، انه اكتشف باني لست بحرينيًا واني لربما أكون من أصول عراقية لكنه لم يخبرني بذلك لانه كان مهتما فقط بما أقول وليس بمن أين أكون. أعجبني كثيرا عندما أخبرني بأنه يحب العلم وانه مقنع تماما بأن العلم هو السبيل الوحيد للتطور والاعمار اسعاد الناس. في النهايه اخبرته باني سعيد جدا ومستعد تماما لتلبية دعوة الزيارة لكني احتاج الى ستة اسابيع.
استيقظت من هذا الحلم الجميل المفعم بالأمل عند الساعة السابعة صباحا في ذلك اليوم الجميل الذي لن انساه ابدا.