كذبة الإجماع

كذبة الإجماع

 

 

سور آخر يعتبره عباد التراث الديني بمثابة الحصن المنيع الذي يتحصن به صحيح البخاري، وهو أن الأمة الإسلامية تلقت صحيح البخاري بالإجماع، وأن الأمة الإسلامية تعتبر أن كل ما في صحيح البخاري صحيح لا غبار عليه، وهي مجمعة على هذا، وبالتالي فمن أنكر حديثا من أحاديث البخاري فمأواه جهنم وبئس المصير.  لتنبعث فتاوى التكفير التي نقلنا بعضها في كتابنا هذا، حتى لا نتهم بأننا نفتري على الشيوخ الكذب.  والحقيقة التي لا تقبل الجدل، كما سنبين بعد قليل، هي أن رواية الإجماع حول صحيح البخاري ليست إلا كذبة من الكذب الكثير الذي تعج به كتب التراث، وليست إلا خرافة من الخرافات المؤسسة لهذه الأسطورة التي وجب أن ننسفها نسفا بنقول من كتب التراث نفسه التي يقدسها هؤلاء الشيوخ الذين تمكنت منهم الوهابية المكفرة المقلدة أيما تمكن، فسخرتهم للدفاع عن باطلها، فكان الثمن غاليا، وهو تشويه الإسلام السمح الداعي إلى استعمال العقل والمنطق، والتفكر والتدبر، بدل التقليد الأعمى غير المتبصر.

 

ولإسقاط الخرافة يكفي أن يعلم أي إنسان أن الشيعة, وهم نسبة مهمة من المسلمين، لا يؤمنون بصحيح البخاري ويكذبون كل ما جاء فيه.  فأين هو الإجماع الذي يدعيه هؤلاء إذن, إلا إذا اعتبرنا الشيعة كفارا وأخرجناهم من دائرة الإسلام ولم نعتبرهم من أهل القبلة.  وصدقا سنجد العديد من الشيوخ  يهون عليهم إخراج ملايين المسلمين من الملة من أجل أن لا يسقط الادعاء القائل بأن الأمة أجمعت على أن صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله وأنها تلقته بالقبول وأن كل ما فيه صحيح، لكننا ماضون في مناقشة الأسطورة ولن نمل ولن نكل رغم ما يقوم به شيوخ الظلام وأتباعهم من تجييش ضد الحقيقة المستنيرة بنور الحجة والعقل والمهتدية بنور الوحي، فماذا سيقول الكهنوت إذا استشهدنا له بالأعلام من شيوخه الذين يعتبر كلامهم فيصلا في أمور الدين؟  ذلك ما سنكتشفه من خلال سرد هذه النقول وقد عنونا هذا المبحث بكذبة الإجماع تصديقا للإمام أحمد بن حنبل الذي أثر عنه أنه قال: “من ادعى الإجماع فقد كذب”.

 

ولنبدأ بمقولة “صحيح البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله”، فالعديد من الشيوخ يوهموننا أن جميع الفقهاء والشيوخ المتقدمين والمتأخرين يعتقدون بهذه المقولة, والحقيقة أن هذا مجانب للواقع، حيث أن العديد من الشيوخ يرون أن الموطأ هو أصح كتاب بعد كتاب الله ويفضلونه بأشواط على صحيح البخاري ويقولون أنه لا يضاهية شرفا ولا منزلة، وهذا عند جماعة من كبار محدثي هذه الأمة وفقهائها، حيث يرون أن موطأ الإمام مالك أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى فهو عند هؤلاء العلماء  مقدم على صحيح الإمام البخاري فما دونه.  يقول الإمام المطلبي – رحمه الله – : “ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك “، وفي لفظ : “ما على ظهر الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك”، وفي لفظ : ” ما بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك” وفي لفظ : “ما بعد كتاب الله أنفع من الموطأ “.( شرح الإمام الزرقاني على الموطأ) 1/8.و ( تزيين الممالك بمناقب الإمام مالك) للسيوطي . المطبوع مع المدونة الكبرى ص 43.

 

وقد جاء في منتدى الأزهري نقلا عن الشيخ محمد العمراوي المالكي ما نصه:” لوقال احدهم – ممن لا اعتناء له بالموطأ وإنما درسه ولم ينظره بعين الإنصاف – : إن قول الشافعي هذا في الموطأ كان قبل تأليف الإمام البخاري لجامعه الصحيح .  وجوابه: إن كثيراً من الأئمة الأعلام، قد تتابعوا على قول الشافعي هذا، وجعلوه في صدر حديثهم عن الموطأ، مما يدل على تسليمهم له، وقبولهم به، حتى بعد ظهور الجامع الصحيح للإمام البخاري  رحمه الله.  قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – : “الموطأ لا مثيل له، ولا كتاب فوقه بعد كتاب الله عز وجل “.  وقال القاضي أبو بكر ابن العربي : “اعلموا أنار الله أفئدتكم  أن كتاب الجعفي – أي البخاري- هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب، وعليهما بناء الجميع كالقشيري – أي مسلم – والترمذي فما دونهما” عارضة الأحوذي.  وقد نحى هذا المنحى وانتهج هذا النهج كثير من المتأخرين، كالعلامة المحدث محمد حبيب الله الشنقيطي، والمحدث الشهير الشيخ صالح الفُلاّني، والعلامة ولي الله الدهلوي، وقد أطال النفس في ذلك وقال ما هذه خلاصته : ” فالطبقة الأولى من كتب الحديث، منحصرة بالاستقراء في ثلاثة كتب : الموطأ والصحيحين…واتفق أهل الحديث على أن جميع ما فيه – أي الموطأ – صحيح على رأي مالك ومن وافقه. وأما على رأي غيره، فليس فيه مرسل ولا منقطع، إلا وقد اتصل السند به من طرق أخرى. فلا جرم أنها صحيحة من هذا الوجه “. انظر (حجة الله البالغة )1/385.  وقال في مقام آخر : ” لقد انشرح صدري وحصل لي اليقين بأن الموطأ أصح كتاب يوجد على وجه الأرض بعد كتاب الله – عز وجل – “. انظر مقدمة المصفى في شرح الموطأ. بصدر كتاب ( المسوى في شرح الموطا) 1/29.  وأجلى من هذا اعتراض بعض أهل الاختصاص على ابن الصلاح في قوله : ” أول من ألف في الصحيح المجرد البخاري”.   وقد تبع الناس في ذلك ابن الصلاح – رحمه الله – كما تبعوه في أشياء أخرى تتعلق بهذا الفن الشريف”. انتهى من منتدى الأزهريين قسم الحديث وعلومه على هذا الرابط http://www.azahera.net/showthread.php?t=353

 

واسترسل الشيخ محمد العمراوي المالكي في سرد أسماء الأعلام ممن له باع في الحديث ليثبت أن دعوى الإجماع مجرد وهم من الأوهام المعششة في عقل الكثيرين تقليدا لا تمحيصا.  وقد روي عن البخاري نفسه كما جاء في كتاب علوم الحديث لابن الصلاح ما نصه:” وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح  أنه قال : “أصح الأسانيد كلها : مالك عن نافع عن ابن عمر ” . وبنى الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي على ذلك : أن أجل الأسانيد : ” الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ” واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي رضي الله عنهم أجمعين ، والله أعلم” . انتهى من علوم الحديث لابن الصلاح الجزء الأول الصفحة 16 ووجدنا من الشيوخ من يعطي الأفضلية لمسلم وصحيحه ” قال أحمد بن سلمة : رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلما في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما . وسمعت الحسين بن منصور يقول : سمعت إسحاق بن راهويه ذكر مسلما ، فقال بالفارسية كلاما معناه : أي رجل يكون هذا؟”   انتهى من كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء12 الصفحة 564.  وكما يعلم الجميع فمسلم عاصر البخاري بل كان تلميذا له.  وقد وجدت مقالة جامعة منشورة على منتدى السودان تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن مقولة تلقي الأمة لصحيح البخاري بالقبول ، كذبة ما بعدها كذبة ، وهذه المقالة التي جمعت نقولا عن أئمة أعلام  في عدم تلقي صحيح البخاري بالإجماع ، هي بعنوان : “الرد الملجم علي من ادعي إجماع الأمة علي البخاري   ومسلم” ونصها التالي:

“يزعم بعض المتأخرين إجماع جميع علماء الأمة على صحة ما أخرجه البخاري ومسلم، وهذا فيه نظر، واعلم أن هناك أحاديث في الصحيحين ضعفها علماءٌ محدثون كثر. وما حصل إجماعٌ على صحة كل حديثٍ في الصحيحين، لا قبل البخاري ومسلم ولا بعدهما. فممن انتقد بعض تلك الأحاديث: أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبو داود السجستاني والبخاري نفسه (ضعف حديثاً عند مسلم) وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو عيسى الترمذي والعقيلي والنسائي وأبو علي النيسابوري وأبو بكر الإسماعيلي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن الدارقطني وابن مندة والبيهقي والعطار والغساني الجياني وأبو الفضل الهروي بن عمار الشهيد وابن الجوزي وابن حزم وابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم والألباني وكثير غيرهم. فهل كل هؤلاء العلماء  مبتدعة متبعين غير سبيل المؤمنين.


فقد ضعّف العقيلي عدداً من أحاديث صحيح البخاري. وعلى سبيل المثال حديث همام بن يحيى في الأبرص. وقد رواه العقيلي في ضعفائه (4|369) من طريق شيخه البخاري، ثم ضعّفه واعتبره من كلام عبيد بن عمير. هذا رغم اتفاق البخاري (3|1276 #3277) ومسلم (4|2275 #2963) على تصحيحه.
فقد فعل ذلك شيخ الإسلام وابن القيم وحكما على لفظ( ينشئ الله لها خلقا فيسكنوها) بالنكارة وهو في الصحيح وتبعهم الشيخ بن جبيرين وبن عثيمين ايضا في دروسه وقد ضعف بعض الحفاظ أحاديث في مسلم أيضا”. انتهى من منتدى السودان على هذا الرابط

 http://www.sudanforum.net/showthread.php?t=213165

 

 


رشيد أيلال

من صحيح البخاري نهاية أسطورة

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.