الحديث في القرآن

 

الحديث في القرآن

 

 

 

يعرف “علماء” الحديث كلمة حديث اصطلاحا بأنها تعني”ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل، أو تقرير، أو وصف خَلْقي أو خُلُقي”.  شرح المنظومة البيقونية – محمد حسن عبد الغفار.

والحديث بهذا المعنى خاص بالمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذهب إليه كثير من المحدِّثين وجَروا عليه في كتبهم.  غير أن البعض من هؤلاء المحدثين من يُدخِل في تعريف الحديث أقوالَ الصحابة والتابعين وأفعالهم، ويشهد لهذا صنيع جمهور المحدِّثين؛ فقد جمعوا في كتبهم بين أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، وأقوال الصحابة والتابعين و أفعالهم.  ولك أن تتعجب من هذا، ويحق لك أن تطرح السؤال المجهري الذي بدون طرحه لن تتضح الرؤى والتصورات : إذا كان الكلام الذي يخرج من فم الرسول وأفعاله التي يقوم بها وتقريراته أيضا دينا باعتباره الأسوة الحسنة لنا، فما علاقة الصحابة بذلك وما علاقة التابعين سوى أن تكون معادلة تقديس هؤلاء واعتبار أقوالهم وأفعالهم دينا يجب اتباعه وسنة يستن بها الى جانب سنة رسول الله فنكون إزاء أنبياء آخرين غير نبينا  محمد صلى الله عليه وسلم صنعوا الدين بشكله الحالي، وهم فئة الصحابة على مختلف طبقاتهم وأنواعهم وتصنيفاتهم وعلمهم وجهلهم ونفاقهم وصدقهم وفسقهم وإيمانهم و.  ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه وبإلحاح وهو: ما هو تأصيل هاته الكلمة؟  سيما اذا علمنا أن معنى الحديث في اللغة كما في لسان العرب لابن منظور هو:      “الجديد من الأشياء، نقيض القديم، ويُطلَق على الكلام، قليله وكثيره؛ لأنه يحدث ويتجدَّد شيئًا فشيئًا، وجمعه أحاديث”.  أما اذا رجعنا الى كلمة “حديث”  فنجدها بالمعنى اللغوي  في القرآن، كهاته الآيات :

وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً {النساء:140}.

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ

حَدِيثًا”النساء42″.

] وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[الأنعام : 68

لكن في معظم آيات القرآن جاءت لفظة حديث بمعنى  كلام الله ، وجاءت وصفا أيضا لكتابه المنزل على نبيه، و من هذه الآيات:

تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ” الجاثية:6

اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا”النساء:87

“لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” (يوسف:111﴾

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا”الكهف:6″

﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60 النجم﴾

﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82﴾

(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر23)

 

إلى غير ذلك من الآيات التي لها دلالة واضحة على أن الحديث هو مطلق كلام الله المنزل على أنبيائه، وأنه كتاب الله الموحى أيضا الى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، لكن علماء الحديث ومن سار على دربهم لا يعرفون للحديث معنى إلا كلام الرسول والصحابة والتابعين، وأحوالهم وأخبارهم وأيامهم وسننهم ،  حتى أنك إذا أطلقت كلمة حديث فإنه بالبداهة اصبح المقصود بها هو حديث الرسول والصحابة والتابعين،أي مختلف أفعال وأقوال وتقريرات الرسول والصحابة والتابعين ، وأيضا ما يتعلق بأوصافه وسيرته ، قبل أو بعد النبوة ، في حين أن الله نعت كتابه القرآن بالحديث ، فلم يتورع هؤلاء على توقير كلمة الحديث التي تم اعطاؤها معنى من لدن الله سبحانه وتعالى ، بالإضافة الى معناها اللغوي ، وهو كلام الله.  فيكون معنى الحديث في كتاب الله غير معناه عند المحدثين والفقهاء والشيوخ ، في حين أن الاصل المتعارف عليه هو أن القرآن يعتبر الاصل الديني الاول عندنا ،وان معاني الاصطلاحات الدينية يجب أن تؤخذ عن القرآن ، لكن واقع الحال ينبئ بغير ما يدعي هؤلاء الشيوخ ، فكيف جاز لهم أن يصفوا كلام رسول الله بالحديث ، كاصطلاح خاص به لا بغيره ، في حين ان الله في كتابه يعطي المعنى الاصطلاحي الحقيقي لكلمة “الحديث” وهو كلام الله.

 

ومن هنا يظهر لكل ذي لب حكيم أن فقه هؤلاء وفهمهم لا علاقة له بالقرآن الكريم، وأن دينهم لا يأخذونه إلا من روايات تاريخية لا قدسية لها، حتى صدق فيهم قول الله عز وجل: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ الفرقان: 30.  قال ابن القيم في كتابه “الفوائد” “وهجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم. والرابع: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه” (الفوائد, الصفحة 102).

 

رشيد أيلال

من كتاب صحيح البخاري نهاية أسطورة

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.