أهمية التغني بحب الله

أهمية التغني بحب الله

award.jpg

 

 

في مقالة رائعة يحدثنا الأستاذ الدكتور كمال شاهين عن المنهج الذي يسري في الأمة, والذي تسبب في أن تحتل قاع الحضارة   يقول

“إتقان العمل, إذن, هو أمر, في حقيقة الأمر, لا أهمية له.  لا أهمية له على الإطلاق.  المهم هو إرضاء الرؤساء.  المهم هوالتغني بعظمة, وعبقرية, وعدالة الرئيس.  لا أحد منا في مصر – كقاعدة عامة مرة أخرى وليس في كل الحالات – يحصل على عمله لأنه “يتقن عمله”, كما أن لا أحد “ينجح” في عمله لأنه يتقن عمله.  نحن ننجح في عملنا – إذا كان لنا أن نسمي هذا نجاحا – إذا “رضيَ” عنا رؤساؤنا.   إذا كنت طبيبا وكان رؤساؤك راضين عنك فيمكنك أن تحضر إلى العمل وقتما تشاء وتتركه وقتما تشاء.  حقيقة الأمر, يمكنك أن تترك المريض في غرفة العمليات لأن وراءك ميعاد مهم (حدث في الإسكندرية).  إذا كنت مخبرًا يمكنك أن تقتل الناس ولن يحاسبك أحد طالما كان رؤساؤك راضين عنك.  أما إذا كنت مدرسًا فيمكنك أن تحول قاعة التدريس في المدرسة إلى قاعة لإعطاء الدروس الخصوصية واعتزال التدريس الحكومي تماما.  يتطلب هذا, بطبيعة الحال, أن يكون السيد ناظر المدرسة “راضيًا” عنك.  القصة طويلة طولاً لا حد له وملخصها, باختصار, أن لا أهمية للعمل على الإطلاق وإنما المهم هو رضا صاحب العمل.  هذا هو, بالضبط, ما فعله الفقه السني القديم في موضوع النسك والعمل الصالح.

 

قسم الفقه السني القديم دين الله إلى جزئين: جزء يتعلق بعلاقة الإنسان بربه, وجزء يتعلق بعلاقة الإنسان بغيره من خلق الله.  يشمل الجزء الأول ما يطلق عليه في الفقه السني القديم اسم “العبادات”, أو “الشعائر”, أو “النسك”, أي يشمل الشهادتين, والصلاة, والصيام, والحج.  يشمل الجزء الثاني ما يطلق عليه في الفقه السني القديم اسم “المعاملات”.  أي يشمل “كل” ما يتعلق بعلاقة الإنسان بغيره من خلق الله.  “تخيل” الفقه السني القديم أن العلاقة بين الإنسان وربه لا تختلف إن قليلاً أو كثيرًا عن علاقة الإنسان برئيسه في العمل.  ما على المسلم سوى التسبيح باسم الله, والشكر لله, والحمد لله, والصيام لله, والصلاة لله, والحج إلى بيت الله, والعمرة لله, وقراءة الأوراد لله, وختم القرآن لله, والاعتكاف لعبادة الله, وكل ما يبين الطاعة لله, والخضوع لله, وبعد ذلك فهو حر.  يمكنك أن تسرق, يمكنك أن تنصب, يمكنك أن تزني, يمكنك أن تنهب, بل يمكنك أن تقتل وأنت مطمئن إلى أنك بخير والحمد لله في رعاية الله وإلى أن آخرتك سوف تكون على خير كذلك إن شاء الله.  فأنت قد فعلت ما عليك.  أنت إنسان شهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, وصام, وصلى, وحج واعتمر, وهذا هو ما يهم.  هذا هو ما يجلب رضا الله.  أما موضوع “المعاملات” هذا فهو موضوع لا أهمية له إذ أنه لا يتعلق بـ”الله” وإنما يتعلق بـ”خلق الله”, والمهم,طبعًا, هو علاقتك بالله لا علاقتك بخلق الله.   لا أعرف “فهمًا” لدين الله أكثر فسادًا من هذا الفهم.  يحتاج الأمر, طبعًا, إلى استفاضة أكثر بكثير من هذا العرض, إلا أني أفكر أن الفكرة قد وصلت.  تخيل قدامى الفقهاء أن “العمل” لا يهم وإنما المهم هو “صاحب العمل”.”   انتهى الاستشهاد

 

إذن فالفقه قد وضع قواعد الدين مطابقة لقيم وقواعد المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه, فإذا كان معيار حسن أداء العمل هو رضا الخليفة, أو الأمير, أو المسئول, فلابد أن يكون مثل هذا الأمر في الدين, فيجب أن نحرص على رضا الله كما نحرص على رضا السادة أولياء الأمر.

  

نأتي للحلقة التي يجب أن نتوقف عندها.  إن رضا الناس يمكن أن ينال تبعًا لفهم طبيعتهم.  مثال ذلك الزوجة التي تقنع بعبارات الحب والإطراء, وتسعد بالهدايا المستمرة, وبهذا تغض الطرف عن أي سلوكيات خاطئة, أو تصرفات منحرفة من زوجها.  فهذا الزوج سيحرص على تلبية رغباتها ولن يحرص على الاستقامة في حياته.  والأب الذي يعنيه أن يجد أولاده يدخلون عليه بالطعام والشراب والخير الكثير دون أن يعنيه مصدر أموالهم, فهو يعطي لهم الضوء الأخضر للانحراف.  والخليفة الذي يقدر مكانة الوالي بحجم الأموال التي جمعها من الناس فإنه يضع له قانون الجباية كمرجعية للرقي والرفعة على حساب المطحونين.

 

إن الأمر يختلف في العلاقة مع الله.  ولن يفهم هذه العلاقة إلا من يعتقد ويؤمن بأن الله يمثل داخل الفرد العقل, والمنطق, والعلم, والقيم, والأخلاق, والمثل العلا, والفضائل, وأن كل أمر من هذه الأمور جزء لا يتجزأ من منظومة طاعة الله والخضوع له, وأن هذا ما يقصد بالصراط المستقيم.  أما أن يكون معيار طاعة الله ورضاه هو الثناء عليه, والتغني بحبه, والإكثار من ذكره وتسبيحه, دون أي علاقة بالسلوك القويم فهذا هو الانحراف عن الصراط المستقيم.

 

إن كثيرًا ممن يتصفون بالإجرام والفساد يلبسون ثياب أولياء الله, وذلك لأنهم ومن معهم يحسبون أن الله يتصف بالانتماء كالبشر سواء بسواء.  فهو ينتمي للمسلمين, وبهذا فكل ما نفعله من أجل الإسلام والمسلمين هو شرع الله حتى لو كان يتصف بالإجرام, والقسوة, والعدوان.  وكذلك فالله لدى النصارى واليهود في انتماء لهم, وبهذا فيحب لهم ويرضى عنهم إذا اعتدوا, ونهبوا, وقتلوا من دونهم.

 

ما يجب أن نعمل على استقراره في نفوس الناس هو أن صراط الله المستقيم يعني كل ما يتطابق مع العقل, والمنطق, والعلم, والقيم, والأخلاق, والمثل العلا, والفضائل, وأن كل ما عدا ذلك هو انحراف عن هذا الصراط, وأن رضا الله, وشرع الله, ودين الله, لا يمكن أن يخرج عن هذا الصراط.

 

محمّد سلامه

 

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.