الفقه السني القديم للأغبياء

الفقه السني القديم للأغبياء

 

 fool


توجد بالولايات المتحدة دار نشر تنشر كتبًا بعناوين مثل “المحاسبة للأغبياء”, “إدارة الأعمال للأغبياء”, “التفاضل والتكامل للأغبياء”, “تشغيل المفاعلات النووية للأغبياء”, إلى آخر ما هنالك من تخصصات.     ليس المقصود من عبارة “للأغبياء” هنا, بالطبع, أن هذه الكتب موجهة للأغبياء, وإنما المقصود هو “المبالغة في التوكيد” على أن مؤلف الكتاب قد بذل أقصى جهد يستطيع بشر أن يبذله من أجل العمل على “وضوح” الموضوع.

 

كنت اليوم أتساءل عما إذا كانت هذه السلسلة قد أصدرت كتابًا باسم “الفقه للأغبياء”, أو “الفكر الديني للأغبياء” وعليه أمسكت بحاسبي الآلي وبدأت عملية البحث.  لم يأخذ الأمر أكثر من 20 ثانية لمعرفة أنها فعلاً أصدرت كتابًا باسم Theology for Dummies” أي “علم اللاهوت للأغبياء”, وإن كانت لم تصدر كتابًا باسم “الفقه للأغبياء”.   دفعني إلى هذا التساؤل مجموعة الرسائل المتبادلة بيني وبين فضيلة الشيخ الطحاينة والتي جعلت الموضوع يبدو معقدًا بشكل كبير, وهو أمر لا داعِ له أصلاً, حيث إن الموضوع ليس معقدًا على الإطلاق.  وعليه قررت تبسيط الحوار إلى أكبر درجة ممكنة كما لو أن هذه السلسلة قد طلبت مني كتابة كتاب باسم “الفقه السني القديم للأغبياء”. 

 

  1. أمر الله المؤمنين بعديد من الأشياء.  مثال على ذلك, أمرهم بالصلاة, والصوم, والصدق. 

  2. نهى الله المؤمنين عن العديد من الأشياء.  مثال على ذلك, نهاهم عن أكل الميتة, والدم, ولحم الخنزير, والكذب, والزنا.

  3. لا يختلف مؤمن على لزوم إطاعة هذه الأوامر.

  4. يذهب بعض المؤمنين إلى أن هناك “حكمة” وراء أمر الله لنا بما أمرنا به, ونهيه لنا عما نهانا عنه.  أي أن أوامره ونواهيه لها “أسباب”, و”أهداف”.

  5. يذهب بعض المؤمنين إلى أن هذه الأوامر والنواهِ لا هدف منها, ولا سبب لها, ولا حكمة من ورائها.  أي أن الله أمرنا بما أمرنا به ونهانا عما نهانا عنه بلا سبب, أي “عشوائيا”.

  6. يذهب المؤمنون القائلون بأن هناك “حكمة” وراء أوامر الله ونواهيه إلى أن القول بأن الله قد أمرنا بما أمرنا به, ونهانا عما نهانا عنه “هكذا” بشكل عشوائي إنما هو قول “ينفي الحكمة” عما صنعه الله.  أي أنه قول “آثم”.

  7. ينقسم المؤمنون القائلون بأن هناك “حكمة” وراء أمر الله لنا بما أمرنا به, ونهيه لنا عما نهانا عنه إلى قسمين:

أ‌.        يرى القسم الأول أن بإمكان الجنس البشري أن يفهم الحكمة من أوامر الله ونواهيه.

ب‌.    يرى القسم الثاني أن الجنس البشري “لا يمكنه” فهم الحكمة من أوامر الله ونواهيه.

  1. القول بأن الجنس البشري “لا يمكنه أن يفهم” الحكمة من وراء أوامر الله ونواهيه لا يعني أن الجنس البشري لا يفهم أوامر الله, وإنما أنه لا يفهم الحكمة منها.  مثال على ذلك, يستطيع الجنس البشري أن يفهم معنى أمر الله بألا نأكل لحم الخنزير, إلا أنه “لا يفهم” السبب في هذا المنع.  يستطيع الجنس البشري كذلك أن يفهم أن الله قد أمره بألا يسرق, بل يستطيع أن يفهم ما المقصود بالسرقة, فضلا عن أن هناك من المؤمنين من يطيع هذا الأمر فعلا, إلا أنه “لا يفهم” السبب في هذا المنع. 

  2. القول بأن الجنس البشري “يفهم” أوامر الله, بل أن منهم من يطيعها فعلا, إلا أنهم “لا يفهمون” الحكمة منها, معناه أن الجنس البشري يقوم بأعمال لا يفهم الحكمة من ورائها, أو السبب فيها, أو الهدف منها. 

  3. القول بأن هناك حكمة وراء أوامر الله ونواهيه إلا أن الجنس البشري “غير قادر” على فهم هذه الحكمة معناه أن الله لم يعطِ الجنس البشري القدرة على فهم الحكمة من أوامره ونواهيه.

  4. يتناقض القول بعجز الإنسان عن فهم الحكمة من أوامر الله ونواهيه مع قول الله إنه خلق الإنسان في أحسن تقويم.  لايمكن النظر إلى خلق إنسان عاجز عن فهم حكمة الله ونواهيه على أنه خلق في أحسن تقويم.

  5. يتناقض القول بعجز الإنسان عن فهم الحكمة من أوامر الله ونواهيه مع مطالبة الله للجنس البشري بفهم آياته.  لايمكن فهم آيات لا يمكن فهم الحكمة منها.

  6. يذهب القائلون بعجز الإنسان عن فهم الحكمة من أوامر الله ونواهيه إلى أن الله قد أمرنا بما لا يمكن فهم الحكمة في الأمر به – مثال على ذلك, صيام رمضان والحج إلى بيت الله –  كما نهانا عما لا يمكن فهم الحكمة في النهي عنه – مثال على ذلك, أكل لحم الخنزير.

  7. يذهب القائلون بقدرة الإنسان على فهم الحكمة من أوامره ونواهيه إلى أنه من أجل فهم هذه النقطة لا بد من التفرقة, مبدئيًا, بين “أوامر ونواه المعاملات” وبين “أوامر العبادات”.

  8. يقصد بأوامر ونواهي المعاملات تلك الأوامر والنواهي المنظمة لعلاقات الأفراد بعضهم ببعض, مثل الأمر بالصدق والنهي عن الفاحشة.  على حين يقصد بأوامر العبادات تلك الأوامر المنظمة لعلاقة “الفرد” بربه. 

  9. الحكمة من أوامر ونواهي المعاملات هي “تحقيق التعاون بين أفراد المجتمع”, وبالتالي “منع الصراع بينهم”.  ليس من التعاون أن تكذب على الآخرين, أو تسرق أموالهم, أو تقتلهم.  ليس من التعاون كذلك إقامة علاقات جنسية بين الرجال والنساء بدون تحديد مسؤولية الرجال عن رعاية الأطفال التي قد تنشأ عن هذه العلاقات ورعاية أمهاتهم خلال فترة التنشئة.

  10. الحكمة من مجموعة الأوامر التي تنظم علاقة الإنسان بربه هي إتاحة شكل من أشكال “التواصل” بين الإنسان وربه.  يستطيع الإنسان أن يتواصل مع ربه خمس مرات في اليوم, كما يستطيع أن يقوم بعمل يذكره بربه بشكل مستمر لمدة شهرفي السنة, كما يستطيع أن يتفرغ تماما لعدة أيام مرة في العمر للتواصل مع ربه.

  11. حقيقة الأمر, في حالة أوامر العبادات, يخبرنا سبحانه وتعالى بالحكمة من الشكل الذي حدده للتواصل معه.   في حالة الصيام, مثلا, يخبرنا جل جلاله بأن الحكمة من الصيام هي مساعدتنا على أن نتقيه.  يقول سبحانه وتعالى:

*يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* البقرة, 183

 

 في حالة الحج, كمثال آخر, يبين لنا سبحانه وتعالى أن الحكمة من الحج هي أن يشهد الحجاج ما ينفعهم, وأن يذكروا اسم الله في أيام معدودات, وأن يطعموا الفقراء.

*وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ, لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* سورة الحج, 26, 27    

 

  1. حقًا, قد يثور السؤال, وما الحكمة في أن الصلاة قد جاءت بهذا الشكل بدلاً من أن تأتي بشكل آخر؟   ما الحكمة, على سبيل المثال, في السعي سبع مرات بين الصفا والمروة؟   لماذا لم تكن خمس مرات أو ثمان؟  لماذا كانت كانت صلاة الصبح ركعتين على حين كانت صلاة الظهر أربع ركعات؟  لماذا كانت صلاة المغرب ثلاث ركعات ولم تكن اثنتين أو أربع؟  تحتاج الإجابة على مثل هذه الأسئلة إلى الانتباه إلى نقطتين أساسيتين:

 الأولى, أننا لا نتحدث هنا عن الحكمة من “الصلاة” أو الحكمة من “الحج”, وإنما نتساءل عن الحكمة من أن الصلاة  جاءت “بهذا الشكل”, وأن الحج جاء “بهذا الشكل”, وأن الصيام جاء “بهذا الشكل”. 

والثانية, أن هذه الأشكال المختلفة من أشكال التواصل بين الإنسان وخالقه هي أشكال “ورثها” الإسلام من العبادات الوثنية السابقة عليه وقام بضمها إليه بعد تغيير في “الشكل” لبيان أنها “بهذا الشكل” قد أصبحت “إسلامية”.    “الحكمة” في أنها جاءت “بهذا الشكل”, إذن, هو أن “هذا الشكل” يميزها عن “الشكل الوثني” الذي كانت عليه.  كان المشركون “يصلون”, و”يصومون”, و”يحجون” قبل نزول الرسالة ولكن “بشكل مختلف”.

ثالثا, لا بد من الانتباه إلى أن مثل هذه الأسئلة لم تكن أبدا أسئلة “حقيقية” بل كانت دومًا أسئلة خبيثة.  السؤال “الحقيقي” هو السؤال الذي “يبحث عن جواب”, أما السؤال “الخبيث” فهو السؤال الذي لا يبحث عن جواب وإنما يوحي بأن لا جواب هناك.   كان الهدف من مثل هذه الأسئلة, دومًا, هو إظهار مدى “جهل” الإنسان بدين الله والتوكيد على “نقص أشرف مخلوقات الله”.   لم يكن الهدف من مثل هذه الأسئلة, أبدًا, هو حفز الإنسان المسلم على دراسة دينه ورؤية “حكمة الله”فيما صنع, وإنما إيهام المسلم بأن لا أمل في فهم دين الله.  لا أعلم عن “أبحاث علمية” درست أشكال العبادات السائدة في الشرق الأوسط القديم وحاولت الكشف عن العلاقة بينها وبين أشكال العبادات الإسلامية.  لم يكن الهدف من السؤال عن “السبب في أن صلاة الصبح ركعتان على حين أن صلاة الظهر أربع ركعات” هو البحث عن إجابة أبدًا وإنما كان الهدف, باستمرار, هو التأكيد على عجز خلق الله عن فهم الحكمة من دين الله.  لم يكن الهدف من السؤال, أبدًا, الرغبة في الفهم, وإنما توكيد العجز عن الفهم.  لم يكن السؤال في يوم من الأيام سؤالاً بريئا.  كان الهدف, دومًا, هو التوكيد, دومًا, على أن الله لم يخلق الإنسان في أحسن تقويم.   إذا كان السؤال سؤالاً “حقيقيًا” يبحث, فعلاً, عن إجابة فهو سؤال رائع وعلى من يسأله, إذا كان فعلاً يريد إجابة لسؤاله, أن يبحث  عن إجابة.  أما إذا لم يكن سؤالاً حقيقيًا وإنما كان سؤالا “خبيثا” يهدف إلى بيان أن الله لم يخلق الإنسان في أحسن تقويم, فهو سؤال “آثم”.  *لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم* التين, 4

  1. إذا كنا قد استطعنا حتى الآن إدراك الحكمة من أوامر الله ونواهيه فيما يتعلق بأحكام المعاملات وأحكام العبادات, فما العمل في أوامر الله ونواهية التي لا تتعلق لا بالمعاملات, ولا بالعبادات.  ما العمل في النهي عن أكل الميتة, والدم, ولحم الخنزير, وما أهل لغير الله, والمنخنقة, والموقوذة, والمتردية, والنطيحة, وما ذبح على النصب, وما أهل لغير الله؟ فهذه نواهٍ لا علاقة لها لا بالمعاملات, ولا بالعبادات.

 

  1. ممكن – لاحظ أنها “ممكن” – في حالة النهي عما ذبح على النصب وما أهل لغير الله, القول بأن الله هنا ينهانا عن أكل ما ذبح على النصب وما أهل لغير الله لأنه لا “يليق” بمسلم أن يأكل من طعام ذبح أو أهل لغير الله.  لاحظ هنا أنني لا أجزم بأن هذا هو السبب, وإنما أن هذا هو ما “أفكر” أنه السبب.  يعني ذلك أنه إذا أتى شخص آخر بسبب آخر أفضل, فعليه يكون الأفضل أفضل.   لا يختلف الأمر, بهذا الشكل, عن أي “نظرية علمية” في مجال الفيزياء أو الكيمياء.  هذا هو ما نفكر نحن “الآن” أنه السبب.  إلا أن “العلم” “متغير” وقد تظهر “نظرية علمية أخرى” أكثر قوة تطرد النظرية القديمة وتحل محلها.  لا أحد يعلم مراد الله.  لا أحد يستطيع الجزم بأن هذا هو ما يقصده الله, كما أن لا أحد يستطيع الجزم بأن هذا ليس بمراد الله.   دعني أكرر, لا يستطيع مخلوق على ظهر البسيطة أن يخبرني أن “السبب” الذي قدمته “خطأ”.  يعود ذلك إلى أن الله لم يخبر أحدًا على الإطلاق بالسبب “الصح”.  تستطيع أن تختلف معي.  تستطيع أن تقدم سببا “يبدو” أفضل من السبب الذي قدمته أنا.  لكنك لن تستطيع أبدًا أن تخبرني بأن السبب الذي قدمته أنا ليس هو ما يقصده الله.  من أين لك أنت أن تعرف مقصد الله؟

 

  1. ممكن, أيضًا, في حالة النهي عن الميتة والدم أن نقول إن السبب هو أنها “ضارة” بالإنسان.  لا بد من التوكيد, على أية حال, على أن مجرد “القول” هكذا لا يكفي.  علينا أن نبحث, ونتحقق. علينا أن نفهم أنه من أجل أن نفهم “كتاب الله” علينا أن نفهم “دنيا الله”.

 

  1. ينطبق ذلك, كذلك, في حالة المنخنقة, والموقوذة, والمتردية, والنطيحة, وما أكل السبع.  لماذا, فعلاً, نهانا الله عن أكل الحيوانات التي ماتت خنقا (المنخنقة), أو ضربًا (الموقوذة), أو سقوطا من مكان مرتفع (المتردية), أو نطحا (النطيحة), أو افترسها حيوان آخر؟  لماذا ينهانا الله عن أكل أي حيوان إلا ذبحا؟  ليس للمسلمين أن يأكلوا أي حيوان إلا ذبحًا؟   لماذا؟  فعلا, لماذا؟

 

  1. ينطبق ذلك كذلك على النهي عن أكل لحم الخنزير.  لماذا كان “الخنزير” هو الحيوان الوحيد الذي حرم الله أكله؟  لم يحرم الله أكل الثعابين, ولا العقارب, ولا الصراصير, ولا البق, ولا الكلاب, ولا القطط, ولا الدود, ولا القرود, ولا الصقور, ولا النسور, ولا النباتات السامة, ولا الأسماك السامة, بل لم يحرم حتى أكل الطين, إلا أنه حرم أكل الخنزير.  لم يكن الخنزير, بهذا الشكل, هو الحيوان الوحيد الذي حرّم الله أكله بل “الشئ” الوحيد الذي حرّم الله أكله.  والسؤال, مرة أخرى, هو: لماذا؟  لماذا كان الخنزير هو الشئ الوحيد الذي حرّم الله أكله؟

 

  1. يمكننا, طبعًا, أن نسأل هذه الأسئلة الآن وننساها بعد ساعة من الآن.  يمكننا كذلك أن نسأل هذه الأسئلة لبيان أن الله لم يخلق الإنسان في أحسن تقويم وإنما خلقه عاجزًا عن البحث عن إجابة أسئلة من هذا النوع.  حقا, أعطاه الله القدرة على “فهم السؤال”, إلا أنه لم يعطه القدرة على “الإجابة على السؤال”.  

 

  1. يمكننا كذلك أن نبدأ رحلة البحث عن الإجابة.  نحن “أساتذة” في موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.  نجلس في بيوتنا في انتظار ما يكتشفه خلق الله في أوربا وأمريكا وما أن يصلنا “الخبر” حتى نسارع ببيان أن هذا ما أخبرنا به القرآن منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.  هذا هو الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.  الإعجاز العلمي للقرآن الكريم هو أن يكتشف الغرب شيئا فنسارع نحن بالقول بأننا كنا نعرف ذلك.  لم يحدث يوما أننا كنا نعرف ذلك.  وإذا كنا نعرف ذلك فما هو السبب في أن الخنزير هو “الشئ” الوحيد الذي حرّم الله أكله؟

 

  1. لنحاول مرّة, مرّة من أجل الله, أن نبين نحن “الإعجاز العلمي الحقيقي” للقرآن الكريم.  لماذا حرّم الله أكل لحم الخنزير؟  هذا هو الإعجاز العلمي حقا. 

 

  1. ختامًا, لا بد من الإشارة إلى أن إيمان الفقه السني القديم بأن من المستحيل فهم الحكمة من وراء أمر الله لنا بما أمرنا به, ونهيه لنا عما نهانا عنه, يعود إلى سببين أساسيين:

  الأول, أنه تصريح بما هو واقع.  لا يفهم فقهاء السنة “دنيا الله”, وبالتالي لا يمكن أن يفهموا “كتاب الله”.  الإجابة على أسئلة من هذا النوع تتطلب معرفة بالكيمياء, والفيزياء, والبيولوجيا, وعشرات العلوم الأخرى.  لم يحدث يوما أن كانت الثقافة العربية القديمة على علم بأي من هذه العلوم.  لا يحتاج الأمر هنا إلى التذكير بـ”الجائزة المرصودة”.   لم يحدث يوما كذلك أن كانت الثقافة العربية “المعاصرة” تنتج أيًا من هذه العلوم.   لا يحتاج الأمر هنا إلى التذكير بأن ما تنفقه إسرائيل على البحث العلمي يساوي ضعف ما تنفقه جميع الشعوب العربية على البحث العلمي “أربعين مرة”.  لم يكن غريبًا, إذن, أن كان الأئمة العظام على إيمان كامل بأن من المستحيل معرفة الحكمة من أوامر الله ونواهيه.  الطريق إلى معرفة هذه الحكمة لا يمر بعلوم النحو والبلاغة وأيام العرب وإنما يمر بعلوم الكيمياء, والفيزياء, والأحياء, وهي علوم ليس للثقافة العربية البدائية منها شئ.  لا قديمًا ولا حديثا.

 

الثاني, أن التوكيد المستمر على استحالة فهم الحكمة من أوامر الله ونواهيه, يهدف إلى تحويل “كتاب الله” من كتاب أرسله الله إلى خلق الله من أجل أن يفهموه إلى كتاب أرسله الله إلى الفقهاء من أجل أن يفسروه.  وإذا سألتهم كيف تفسرون ما لاتفهمون ردوا عليك بكلام غير مفهوم.  هذا كلام غير مفهوم.

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.