عن الزمان والخلق

الزمان

 

 

اخي العزيز ابا علي ( الشيخ المهري) امد الله في عمرك بصحة وعافية ومزيدا من العلم والنور

الواقع لا أجد صعوبة  عندي في التفريق عند محاولتي  لفهم النص القراني  بين  “الله” و ” رب….” وذلك لان :

الله بصيغتها تبدو لي واضحة بأنها  تشير الى ذاته المقدسة اينما ذكرت  والتي يستحيل لاي مخلوق ان يدرك كنهها وبين كلمة ” رب…” التي لم تأتي في القران الا مضافة  (الرب والمربوب ) وهي اذن وعندما يكون الامر عن الله بصفته ربنا او رب العالمين او رب السموات ورب العرش العظيم وغير ذلك فكلها تتعلق بواقع الخلق او عما يمكن ان يدركه الانسان المخاطب هنا قرآنيا عن الله من خلال كل ما خلق الله او يمكن تصوره من خلق . الحمد لله رب العالمين . فالله حينما أفكر فيه سبحانه شيء وهو في واقع المستحيل المطلق وسيبقى كذلك.  لكن عندما أرى عظيم  و روعة خلقه  في نفسي وفيما حولي صعودا الى حدود الكون ونزولا الى اصغر طول او قياس ممكن (لان هذا امر  متاح لي ولغيري)  وكل حسب قدراته وظروفه، اجد ان الله في  يأمرنا الكتاب الكريم الى هذا التأمل المفضي للاستزادة من العلم  المتعلق بهذا الامر وهو امر نسبة الخلق للخالق العظيم ،  فادرك ومن خطاب الربوبية تماما ان الله حاجة  دائمة لكل ما يمكن تصوره في الوجود وادعوه سبحانه لكي يقبل دعوتي في اختياره لي بمنحي المزيد من العلم والتوفيق في اثبات ذلك وان تصل دعوتي الى منهم في منزلة القرب من قلبي ولديهم حب  وحضور دائم  من اخوتي المؤمنين بكتاب الله الذين والذين يسعون لنشر ما يعلمونه عنه والله وحده نسأل ان يدخلنا واياهم في عباده الصالحين .

في عالم الربوبية يحصل التغير في إمداد الطاقة نزولا وصعودا والله بذاته المقدسة هو سبب ذلك . وفوق كل ذي علم عليم.طبعا هذا حديث في العلم والإيمان.  فعندما ينفذ علمه في خلقه تتسلسل الاحداث وفق آلية لا يعلم تفاصيلها الا هو ، اذ لا وجود للزمن لكن خلقه يتأثر بتسلسل الاحداث ويتولد الشعور بالزمن لان هناك فارق بين التغيرات التي تحدث عليهم ونتيجة لشعورهم بها . فنتيجة لتوقيتات معينة من الله  وبناء على منح التغير في مكونات النظام يمكن استخدام الزمن كأداة للقياس او الشعور به كمحدد.  لكن ذلك لا يعني ان الزمن مكونا ذاتيا  للاشياء المادية التي نستشعر بها كما يتظنن معظم الناس. هذا اصل المشكلة التي عرضتها وأعيد عرضها باختصار.

اقول بذلك لاني اؤمن وكما تعلمت من القران انه لا يوجد في عالم الطبيعة اصلا اي شيء اصيل بذاته ويحتاجه الله للخلق او لديمومة الخلق. الله نور السموات والأرض. الحي الْقَيُّوم . مالك الملك. اذا نظرنا الى اسماء الله الحسنى وتأملناها بشكل مستفيض وبشكل منسجم وكل حسب قدراته لتولدت لدينا فكرة افضل عما يريد ان يخبرنا الله عن نفسه وفي حدود الممكن.

فكلما نراه ونستشعره مما حولنا لو ذهبنا وراءه في اعماق التكوين سوف لن نجد له اي تمظهر مستقل وهذا ما يثبته العلم التجريبي يوما بعد يوم . ولك الحق ان تبحث عن هذه الحقيقة العلمية المثبتة ان شئت.

ان نزلت في عالم التكوين وفي مديات دنيا متجها نحو العالم الذري او تحت الذري سوف ترى ذلك الفراغ العظيم الذي لا يشغله شاغل (في اعتقادي ان الله يملئ الكون دون اتصال تكويني مع خلقه وهذا اهم سر  علمي يمكن للعلم ان يثبته) .

 لا يسعك الا تدرك بان الله يملئ كل ما يمكن تصوره صعودا الى حافة الكون وسقفه  وما بعده  ان وجدت أكوان اخرى ونزولا الى طول بلانك الذي يمكن النظر اليه كأصغر طول محتمل في عالم الطبيعة. في كل هذا العالم المهيب تنتقل الطاقة على شكل كمات او تدفقات  ثابتة المقدار ، تم قياسه بشكل دقيق جدا وهو ثابت بلانك للطاقة . للعلم فان طاقة اي فوتون ضوئي تساوي مقداد تردده ( عدد دوراته بالثانية مضروبا بثابت بلانك).

فكل التغيرات في الطبيعية مكممة اي تتغير بكمات ثابتة ومتساوية. التدفق الطاقي بكمات صعودا ونزولا هو الذي يوقف اضطراب مكونات الخلق ويجعلها تسير بمقادير معينة. هذا التقدير هو الذي جعلنا نتصور وجود القوانين الفيزيائية او نتصور وجودها ولا ضير في ذلك التصور المفيد.  علما ان القانون مثل الزمن هو اداة من صنع الإنسان لوصف الواقع او طبيعة حال الواقع وما عليه من سمات منسجمة مع مراد الله وعلمه في خلقه. لاحظ اني افرق بين الحاجة والأصل في الاشياء. نحن نحتاج للزمن ونحتاج للقانون لكنهما غير موجودين في طبيعة اصل التكوين. فالله ايضا لا يحتاج للقوانين ولا يحتاج للزمن ولا يحتاج لاي شيء قد يعلق بذهننا. اليس هذا الطرح منسجم مع كل اسماء الله الحسنى.

في رؤيتي للامر فان عالم الربوبية في هذا الكون هو العالم المادي الذي يمكن إسقاط فكرة الزمن فيه  كأداة لقياس التغير الذي يحصل فيه والذي بسببه يمكن النظر الى عالم الطبيعة. اهمية عالم الربوبية في تشكيل مفاهيمنا عن الله مهم جدا لنا وهو عمليا كل ما يمكن لنا معرفته عن الله لكنه قطعا لا يوصلنا الى ادراك حقيقة ذات الله. ومن هنا وضعت حد للتفريق بين حاجة الله الفعلية وهو الغني وبين ما يمكن لنا تصوره في عالم الربوبية. هنا وقع الخطأ وحصلت المشكلة عندما تناولنا موضوع علم الله. لقد تناولت يا اخي موضوع علم الله من خلال إسقاط فكرة الزمن على الله. هذا هو اصل المشكلة التي اتحدث عنها وبكل وضوح.

فالله في ذاته لم يخبرنا مطلقا عن طبيعة نفسه يكفي انه قال ” ليس كمثله شيء” . كيف نرضى ان ننسب الزمن له وفي طريقة مشابه لما يخطر في بالنا. ذلك لم يقله الله عن نفسه. انا هنا اوجه السؤال لك يا استاذي الفاضل وليس العكس.

عندما يحدثنا الله عن عالم الربوبية فهذا ما ندركه ويمكن قياسه وعليه فان الآيات التي استشهدت بها لي سابقا حول نسبة الزمن الى الله كانت للاسف غير صحيحة فهي وكما قلت لك  انها تخص عالم الربوبية.

ليتك  يا استاذي تراجع نفسك في هذا الموضوع. اتمنى ان أكون مخطئا عندما احكم على استاذي بانه قلما يغير أفكاره وخاصة عندما يكون الحديث عن تغير ولو بسيط في طريقة الفهم يختلف عن الصورة التي صنعها لنفسه عن جملة من المفاهيم القرانية  التي يعتقد بأنها هي بالضبط ما اراده الله في كتابه.

موضوع بحثنا في علم الله وما حوله في ظني موضوع كبير وفيه متسع للاستزادة . رفض الافكار الاخرى ابتداء واستخدام المنطق العلمي الموروث في تسفيه افكار الغير لا يخدم حركة العلم . هنا طبعا الحديث عن كل انسان عندما يحكم على ما يأتيه من علم جديد وليس فيه القصد من اخي الكريم الشيخ المهري . صحيح ان الرفض طبيعة بشرية لكن الله يقول بمدح الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. طبعا انا لا اريد ان افرض افكاري على احد لكن  قطعا ينتابني شعور بالاحباط احيانا من الطبيعة البشرية التي لم تدرك خطورة موروث الرفض الطبيعي وكيفية تجاوز  ذلك الرفض بطريقة سليمة. اخوتنا في المركز لا يختلفون عن غيرهم في هذا المجال بل كلما ازداد علم الانسان تزاد ملكته في ادراج حجج الرفض لكل ما هو مخالف له قبل ان يسعد بانه ينال تغير نحو الاحسن .

هذا احد مكامن الخطر في تناول العلم ولا علاج له الا بتطوير نظريات فهم الفهم ولا يزال الانسان عموما دون ذلك المستوى بكثير. لدينا فرصة في المركز لتطوير الكثير من الافكار في هذا المجال لكن توجد عقبات تتعلق بطريقة تفكيرنا.

ما أقوله عن الزمن وعن تعظيمي لله منسجم مع كل آيات الكتاب الكريم ولهذا اطلب منك ان تأتي لي بنص يختلف عما أراه.

نعود لموضوع  أسبقية علم الله او علم الله الذي وكما أخبرتك باننا متفقون على النتيجة( نتيجة ضرورة عدم اجبار الخلق على فعل السوء بل لهم الخيار في ذلك )  لكني وضعت يدي على اصل المشكلة. وانتم لم تنتبهوا لاهمية اصل هذه المشكلة وأثرها المعوق على فهم العلوم  القرانية وفهم العلوم لطبيعية وكيفية عمل الطبيعة وما سببه هذا الفهم الكلاسيكي للزمن من اضطرابات لدى كل علماء الارض وفلاسفتها القدامى من إشكالات كبرى لا يزال طالب العلم يرزح تحت وطأة أغلالها.

الله سبحانه بذاته  المقدسة  والمحيط بكل شيء ومن خلال هيمنته المطلقة على كل تغير ممكن في خلقه ،وكونه يحوي كل عالم الربوبية من خلال أحاطته هذه بكل شيء. يحصل هذا من دون ان اي تمظهر ندي مستقل لغيره قد يقف أمامه او يتدخل في امره  ومهما كان شأن ذلك المخلوق كبيرا ومهما. لا يمكن ان يكون الله في حاجة لما غيره. كل  ما دونه مهما ومهما علا شأنه قابل للإزالة التامة وبكل يسر على الله. نعم لكن كل شيء نسبة اليه لايمكن ان يكون شيئا مؤثرا فيه كما يظن الناس.لكن بكرمه وعظمته  منح لكل هذا الوجود الممكن وفي داخل حدود ساحته القدسية المهيمنة صفة الوجود المؤقتة للاشياء ولكي تبقى  الا ان يشاء الله رب العالمين.

فلايمكن لحركة – اي حركة  ان تحدث او قابلة للحدوث بعلم الله –  ان تسبق الله وكيف تسبقه وهي عنده بمقدار  اي انها تحصل على شكل كمات او تدفقات ثابتة متتالية تراكمية صعودا ونزولا وهو سبب كل ما في الوجود.

بهذا التفسير الفيزيائي يكفي لنا توضيح فكرة ان اي شيء لا ينسجم مع مراد الله لا يمكن ان يحدث وهذا من مسلمات ما نؤمن به عن علم الله وهو سبحانه يحيط بخلقه  ويمدهم بديمومة البقاء المقدرة والتي لا يعلم تفاصيلها الا هو نعم العليم الخبير.

ما يهمنا هو اثبات فكرة ان الله حاجة  مستمرة لكل ما سواه وهو الغني عن غيره. هنا أسجل ظني بان اثبات فكرة حاجة الوجود لله قد لا تنسجم مع أهداف مركز تطوير الفقه الاسلامي ولا أظن ان اخي الدكتور كمال مدير المركز سوف يتفاعل مع مثل هذه الطروحات وأدعو الله ان يوفق هذا المركز لنصرة الله ( ان تنصروا الله ينصركم ) . هذا ليس ايمانا فقط وانما يجب ان يكون قولا وعملا وتصديقا. فطريقنا الى  الله في هذا الموضوع خصوصا طويل وعلينا الصبر واحتساب أجرنا عليه سبحانه.

ما نقوله هو ان الله سمح بامور ان تحدث في نظامه  وهذا هو علمه المسبق ، ويكفي  انها سوف تحدث من خلاله وفي عالم ربوبيته ولم تحدث دفعة واحدة بل على شكل تغيرات مكممة . ان علمه  سبحانه نافذ قطعا.  لكنه قطعا لم يأمر احدا  من خلقه بالخيارات السيئة الا في حدود ضيقة جدا ولضرورات  امر بقاء تلك  المخلوقات كما نلاحظه عندما يقتل الانسان او الحيوان حيوانا اخر لكي يتغذى عليه او في حدود ذلك. فعملية القتل وما يرافقها تتضمن الالم والخوف وهذا قد لا يتناسب مع رحمة الله كما يترائ للبعض.

نقول ان تقديره  وعلمه المسبق يسمح وبحدود  لتلك الامور ان تحصل. اما عندما يقدم الانسان وعن قصد واصرار على ارتكاب عمل مشين لا ينسجم وضرورات البقاء فقد يأذن الله بحصول ذلك  لكنها في حدود الممكن فقط  وان ذلك يحدث وبما لا يتعارض مع ارادة الله وعلمه ايضا في حدود اثر ذلك ومنعه.  كما ان دعوة الله المستجابة تقع في نفس السياق. تستجاب وتنفذ لانها تنسجم وعلم الله.

(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) المؤمنون ٧١.

اختلافي معك فقط في نسبتك للزمن كمكون وحاجة عند الله عندما خلق الخلق،هذا ما لم يقوله الله عن نفسه لكنه اخبرنا فيه عن خلقه وهذا فرق كبير. الاولى في ألوهية الله والأخرى في عالم ربوبيته.

هذا اولا وثانيا ان ننفيك العلم عن الله فيما يحصل  وكما رَآه الغير فيه اشكل اذ كان يجب عليك ان تحسره وبكل وضوح  في باب ممكن الحصول  لانه فيما يسمح به نظامه وبعلمه ( ومن دون ان تقول لا يعلم)  وان قولك هذا  منسجم ايضا مع فكرة  حرية منح الخيار للمبتل بالاختبار حتى يقيم الله عدله يوم القسط الأكبر كما نؤمن جميعا .   عندها ينتهي الأشكال بيننا.

لا أظنك تختلف معي في الثانية لكنك مصر  على اختلافك معي في الاولى وهي ان تنسب الزمن لله ولا تفرق بين الله بذاته المقدسة وبين خاطبه الكريم في محكم التنزيل عندما يخبرنا عن عالم ربوبيته بما يمكن ان نفهمه عنه سبحانه. اظن هنا حصل عندك الخلط. وانا مختلف الرأي عنك.

وفي الختام فانا لا اظن او احسب نفسي من اهل الابداع الأدبي والتعابير الجميلة لكني مهتم جدا في جوهر العلم وفهم العلم وفهم الفهم والسعي لتغيير افكاري  وبدون قيد طالما حييت لجعلها منسجمة اكثر وأكثر مع ما كل ما يمكن ان أدركه من انسجام في عالم الطبيعة ومع ما افهمه من  محكم آيات الكتاب الكريم التي لا يختلف عليها احد من الناس وليس المسلمين او العرب منهم.

ادعو الله ان يغير حالنا الى أحسن حال.

تقبل خالص محبتي واصدق دعواتي لك ولك انسان يرجو رحمة ربه.

اخوك عبدالسلام المياحي

 

 

 

أخي الكريم المهندس عبد السلام المياحي رعاه الله تعالى

 

ثق بأنني كنت سأدعو إلى حفلة عشاء كبيرة على شرف المصالحة بينك وبين الزمن لو كان الزمن قادرا على الحضور. ولكن مع الأسف فإنك تعادي حقيقة عاجزة عن الدفاع عن نفسها. أنت تعرف بأنني لست فيلسوفا، ولا طبيبا، ولا مهندسا، ولا فيزيائيا ولا رياضيا ولا ولا. أنا إنسان عادي قرأت القرآن عند والدتي وبعض المدرسين وأعجبت به ثم بعد ترك ميادين السياسة جلست أفكر في القرآن الكريم. كلما أتحدث عنه هو مما تعلمته من القرآن الكريم وبعض المعلومات العامة الضرورية لفهم ذلك الكتاب. فأنا لست منافسا لك حتى أخالفك في مسألة علمية اجتهدت فيها.

لكن مشكلتك معي هو أنني أؤمن بالقرآن، بمعنى أنني لو قرع سمعي أي حديث عن العلم من خارج القرآن فباعتبار قلة اطلاعي أضعه في بقعة الإمكان كما علموني من الصغر. فأقول قد يكون صحيحا وقد يكون خاطئا حتى لو ثبت لي بالعلم البشري. لكن ما عرفته من القرآن فهو صحيح عندي دون أدنى ريب. ذلك لأنني مؤمن بأنه كتاب الله تعالى الذي لا يمكن أن يخطئ. ولذلك فلو تحدثني بالقرآن وتأتي بدلائل قرآنية لِما تتحدث عن الغيب فأنا لك من الشاكرين بأنك علمتني ما لم أكن أعلم. ولكنك لو أردت أن تعظم الله تعالى بشكل ينسجم مع ما تظن فنسبت ما لم يقل به الله تعالى إلى الله فأنا رافض قطعا.

لقد قرأت ردك المؤرخ 2/4/2108 علي بالأمس ولاحظت بأن الأخ السامرائي قد قرأ ردك وقال لك بأن المُهري طلب آية قرآنية وأنت لم تأت بآية ثم أرفق محاضرته الذي قد تفيد نقاشنا. سأقرأ محاضرة سيادته المكتوبة والتي تنطوي على آيات قرآنية ثم أعلق على ردكما المشترك. وكن واثقا بأنني لو رأيت فيما كتبتماه رشدا فسوف أتبعكما. أنا دائما أتعلم ولا أفرض رأيي على أحد حتى لو كان من الذين درسوا عندي فهم أحرار فيما يفكرون وأنا أيضا حر لأتبعهم أو أخالفهم ولكنني لن أخالف الحقيقة لو وصلت إليها حتى عن طريق الغرباء.

فأظن بأن ردك على جملة مني كتبتها لأخينا الطبيب سلامه كان مسرعا قليلا. ولكن ما دمت كتبت فسأنقل لك بعض الآيات التي تدل على أن الله تعالى بدأ الخلق. وبدأ الخلق لا يعني بأن الخلق كان معه كما يقول بعض الفلاسفة كما لا يعني بأن لا زمان لدى الله تعالى. إنه في ذاته فوق الزمان ولكن في أعماله مع الزمن. هذا لا يعني بأنه محتاج إلى الزمن بل يعني بأن الخلق لا يمكنه أن يستجيب لأمر الله تعالى بدون الزمن لأن الزمن جزء من كيان الخلق حسب ظني.

والآية التي بدأت بها رسالتك القيمة هذه لا تدل على أن الله تعالى خلق بلا زمان. لو كان كذلك فأنت مخلوق من قبل مليون سنة إذن. لو كانت أختي شذى تعرف ذلك لرفضت طلبك يدها قبل عقود لأنها كانت شابة وكان عمرك مليون سنة. لكنها فكرت بأن عمرك متعادل معها. أليس كذلك. فالله تعالى خلقك بعد أن ارتبط الأبوان ولم يخلقك قبل مليون عام. ولذلك لو سألناك عن عمرك فستخبرنا باعتبار تاريخ ميلادك وتاريخ خلقك قبله بأقل من سنة، وليس بلا تاريخ.

قال تعالى في سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54).  الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام. زمان؛ ثم استوى على العرش: زمان متأخر عن الخلق. والخالق هو الله تعالى باسم الجلالة.

وقال سبحانه في بداية فاتحة الكتاب: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4). أليس يوم الدين يوما زمانيا والله تعالى مالك ذلك اليوم الزماني. إن ذلك الزمان لم يأت بعد لأننا في دار الاختبار لا في دار المحاسبة والجزاء.

وقال سبحانه في سورة البروج: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13). فحينما يقول سبحانه بأنه يبدئ فهو يعني بأنه سبحانه كان قبل ذلك.

وقال تعالى في سورة الأنبياء: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104). أليس اليوم زمانا أخي العزيز؟ أليس هو سبحانه بدأ أول الخلق ثم يعيد نفس الخلق؟

وقال سبحانه في سورة العنكبوت: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20).

وقال سبحانه في سورة ص: قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81). أليس الوقت زمانا؟

وقال تعالى في سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7). فالملائكة والروح المكرمون يتأثرون بالزمان. ولكن لماذا قال الله تعالى بأنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. حسب فهم أخي عبد السلام يجب أن نسمع من ربنا قوله: ورأيناه أو ونراه دائما. ألا يعني قوله تعالى بأن الزمان ينكمش في حضرته وليس يزول الزمان. هذا ما قاله الفيزيائيون الذين اعتبرتهم جاهلين بأن الزمان ينكمش عند الجاذبية العظمى.

دعني أقول لك بأنك لو طلبت مني أن أعرف الزمان فسأقول لك لا أدري. فكرت فترات طويلة في الزمان لأعرفه وأتمكن من تقديم تعريف له فما قدرت. ثم قرأت مثالا أظن بأن المرحوم آينشتاين كتبه ليعطينا الدليل على نسبية فهمنا للزمان.

قطار طوله 5400000 كم يسير على الأرض في خط مستقيم بسرعة 240000 كم في الثانية. هناك شخص واقف في منتصف القطار وآخر على الأرض وحينما يتقابل الشخصان ينطلق من وسط القطار ضوء ينتشر بطبيعته بسرعة 300000كم في الثانية. فمتى يرى الواقف على الأرض وصول الضوء إلى مقدمة القطار ومتى يراه في مؤخرته. يراه بعد 9 ثواني في المقدمة والمؤخرة معا باعتبار أن الضوء داخل القطار ولا يتأثر بالعالم الخارجي ويسير بالاتجاهين ليقطع مسافة 2700000 في كل جهة بسرعة 300000كم في الثانية.

أما الشخص الواقف في منتصف القطار فسوف يراه بشكل آخر. فبالنسبة له فإن الضوء يسير إلى الأمام بسرعة 300000كم في الثانية في حين أن القطار يسير بسرعة 240000 في الثانية فتكون سرعة الضوء الحقيقي هو 540000 كم في الثانية وسيصل إلى مقدمة القطار بعد 5 ثوان. لكنه يتباطئ حينما يتوجه لمؤخرة القطار لأن القطار يسير إلى الأمام وهو يعود إلى الوراء فيقل سرعته لحد 60000 كم في الثانية فقط وهو نتيجة 300000 كم سرعة الضوء في الثانية ناقصا سرعة ابتعاد القطار عنه وهو 240000 في الثانية فسيصل الضوء بعد 45 ثانية من انبعاثه أي بعد 40 ثانية من وصوله إلى المقدمة.

فمعرفتنا للزمان معرفة نسبية أخي الكريم ولكنك تنفيه وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي الادعاء. أما بالنسبة للذات القدسية فأنا قلت مرارا في جلسات التفسير بأنه سبحانه فوق الزمان بذاته وقد يكون ذلك سبب ما نسميه نحن الأزلية. فالأزلية في لغتنا تعني عدم البداية. أنا واثق بأن الله تعالى لم يبدأ لأنني لو تصورت في البداية فيعني أن هناك من بدأ بإيجاد الله تعالى فهو ليس إلها آنذاك بل هو مخلوق. لكنني عاجز عن فهم الأزلية أو عن فهم أن الله تعالى لم يبدأ لكنني أقبل ذلك إذ فقط به أجد الحل لمشكلة الخلق.

ولا يمكن أن نتصور الله تعالى بأنه يرى الأشياء كما نراها. لعلنا نتصوره هو الواقف على الأرض ونحن الذين نسير في القطار أعلاه ومعه. فهو سبحانه يرى الأشياء بحقيقتها ونحن نراها بصورة نسبية. يهمنا معرفة هذا لنقف على كثرة أخطائنا ومحاسباتنا التي لا يمكن أن تمثل المعايير التي يدير الله تعالى بها هذا الكون المهيب.

أعود فأكرر بأن الله تعالى لو كان يتأثر بالزمان فمعناه بأنه بدأ لأن الزمان يبدأ وينتهي. هناك نحتاج أن نتعرف على من أوجد الله تعالى والعياذ بالله. ثم إن الزمان في الواقع لا يتقلص بالنسبة له سبحانه بل ينعدم تماما ولذلك لا بداية لله تعالى ولا نهاية فهو أزلي أبدي حقيقي. هذا ما أقوله فكريا وليس لي أن أثبت ذلك فقد أكون مخطئا. ذلك لأنني بقدر سعيي المتواضع أرى الله تعالى في كل القرآن يتحدث عن الزمان فهو بلا شك يستعمل الزمان لإيجاد الخلق.

وأما قولك بأنه لا يحتاج إلى زمان فهو فعلا لا يحتاج إلى زمان. قال تعالى في سورة القمر: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50). الحاجة ليست في الله تعالى بل هي في الكائنات. إنها تحتاج إلى زمان لتستجيب لأمر الله تعالى.

أظن بأنني قد كتبت أكثر ما كنت أريد كتابته. ولكنني كما وعدت سوف أقرأ بعد أيام ما استدل به الأخ أبو جعفر السامرائي من آيات قرآنية لأفكر فيها وأقدم تعليقي المتواضع. ودمتم لنا ذخرا.

أحمد المُهري

4/4/2018

 

ابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.