هل يمكن أن يكون أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ..غير صحيح ؟
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
هل يمكن أن يكون أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ..غير صحيح ؟
لقد تردد صدى عبارة ” أصح كتاب بعد كتاب الله ” – ولا زالت – تتردد كثيراً على المنابر، ومواقع الدرس، وصرنا نرددها ؛ حتى أصبحت تشكل وثناً معرفياً في منظومة التواصل المعرفي، وبات من الصعب إبعاده عن أذهان المتلقيين، خاصة بعد أن اقـترن بها مفهوم مُدعـِم لها مَدعاه أن أقوال الرسول ( صلعم ) هي وحي يوحى وأنه لا ينطق عن الهوى. وواقع الأمر أن مناقشة ذلك المفهوم يقع خارج نطاق هذا المبحث، لكن الذي يعنينا بحق هو محاولة الإجابة عن سؤالين هامين
هل قال الرسول ( صلعم ) فعلاً ..هذا الذي هو مسطر بين دفتي الكتاب (صحيح البخاري ) ؟
هل إهتم المسلمون الأوائل بتسجيل أقوال الرسول كتابةً قدر اهتمامهم بكتابة آيات القرآن المتنزل عليه ؟
واهتم بإجابة السؤال الأول علماء الحديث وعلوم الرجال، واختلفت تلك العلوم وتلاطمت مع بعضها البعض فالموثق هنا من الرجال مجروح هناك وتدخل الحُكـَّام لتزكية رجال على رجال ، وعموما هي ليست موضوع المبحث.
أما السؤال الثاني فللإجابة عليه يتحتم البحث عن وثائق مسطورة ومخطوطات مكتوبة بيد من كان موجوداً وسمع بأذنه من فم رسول الله ( صلعم ) ما كان يقول، وهذا هو بيت القصيد في الموضوع ، فإن ثبت وجود مثل هذه الوثائق فبها وأنعم، وأما إن كانت الأخرى فإنه في هذه الحالة يتحتم علينا مراجعة أنفسنا فيما ذهبنا إليه من مدى مصداقية هذه الإدعاءات ومدى التثبت من شرعية هذا الذي نسبوه إلى أنه من أقوال رسول الله (صلعم).
لقد تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ كتابه الكريم، في كتاب محكم لا ريب فيه ، ولا يستطيع كائن من كان أو سيكون أن يتناوله بالتحريف ، فهو هو كما هو، وكما أُنزل على قلب رسول الله ( صلعم)، فحفظه الله في الصدور ، كما تحفظ عليه في الوسائط المتعددة لحفظ وتسجيل المعلومات والتي ابتدعها الإنسان.
وكان أن تركت لنا الإنسانية ذخائر نفيسة ومتعددة من تراكمات معرفية وثروات ثقافية، وشكلت منظومة التواصل المعرفي طرقاً متعددة للحفاظ على هذه الثروات؛ كان من بينها تنظيم وحفظ المخطوطات التي كتبها علماء كل زمان بأيديهم، واستنسخها بعدهم تلاميذهم ومريديهم، أو قاموا بإملاءها على بعض من كتبة ذاك الزمان، أو قام طلبة العلم بعدهم بكتابتها نقلاً عنهم أو بعض الذي تبقى في الذاكرة من أحاديث ودروس هؤلاء الرواد.
والسؤال الذي يطرح ذاته كيف تصل إلينا برديات الفراعنة وبلاد الصين، ولا يكون تحت يدنا مخطوطة واحدة بيد أعاظم أصحاب كتب التراث التي يدفعنا سدنة المعبد لتقديسها مثل كتب البخاري، ومسلم، وموطأ مالك وكتاب الأم المنسوب زوراً للإمام الشافعي.
كان أهم وأخطر هذه الوثائق المكتوبة بخط اليد هي المخطوطات التي حوت القرآن الكريم، واستمر الهتمام بخط القران واستنساخه لحظة تنزله أثناء حياة الرسول (صلعم)، ثم بعده استمر اهتمام الخلفاء الراشدون بهذا التسجيل وذاك الحفظ، حيث قام كل منهم بجهد مشكور في ترتيب وتنسيق وتوحيد الوسائط المتعددة والمكتوب عليها القرآن ثم كان لثالث هؤلاء الخلفاء الإسهام الكبير في توحيد الوسائط المتعددة في وسيط ورقي واحد واستصدر منه ست نسخ لا زالت ثلاثة منهم موجودة إلى يومنا هذا، أحدهما محفوظ في متحف المخلفات النبوية بالمشهد الحسيني بالقاهرة، والآخر في متحف أيا صوفيا – استانبول – تركيا، والثالثة في طشقند .
استمر هذا الاهتمام بتسجيل آيات الذكر الحكيم طوال القرنين الهجريين الأولين، والقارئ للتاريخ سوف يجد أنه لا يوجد أصلاً أي كتاب عربي آخر كـُتب في وثيقة أو خـُط في كتاب مقروء طوال ذلكم المائتين عام، واستثناءً لهذه الحقيقة ؛ فإننا سوف نجد أن كتاب سيبويه في النحو – ت 180 هـ – هو المصنف الوحيد والذي كتب باللغة العربية في وثيقة مكتوبة ومخطوطة مسجلة وباقية حتى عصرنا الحالي في تفرد عجيب قرب نهاية القرن الثاني الهجري، حينذاك كانت وسيلة التعلم والاستزادة من العلوم هي الوسيلة السمعية، حيث كان النقل حفظاً من دارس عن أستاذ ومن طالب علم عن عالم به.
لم تبدأ المنظومة المعرفية العربية في الكتابة؛ ولم يتم الهم بها ؛ وعلى استحياء ؛ إلا في القرن الثالث الهجري، حيث بدأ العصر الحقيقي للتدوين، والمراقب المتفحص لمخطوطات ذلك العصر لن يجد في خزائن العالم المتخصصة في حفظ المخطوطات القديمة سوى عدد محدود من المخطوطات لا يتجاوز الأربعين مخطوطة إلا بالقليل، وليس من بينها أي مخطوطة تشير إلى أنها من نظم الإمام البخاري – ت 256 هـ – والمفروض منطقياً في هذه الفترة توافر مخطوطة – أو عدة مخطوطات – بخط الإمام البخاري لتدوين الروايات التي تناقلتها الأجيال والتي أطلق عليها الجامع الصحيح والذي اشتهر بعدها باسم صحيح البخاري، والذي زعموا – زوراً وبهتاناً – بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله ، فإنه لا يصح أبدا أن نقرن النـَظم البشري التاريخي النسبي، بقول الله سبحانه وتعالى مطلق الكمال والاستدلال.
ليس هذا قدحاً أو تقليلاً من شأن الجهد الذي قام به الإمام البخاري ، فهو إمام جليل مجتهد، وكانت له الريادة في جمع وتحقيق وتمحيص الأقوال المنقولة شفاهة عبر الأجيال، ونسبت إلى أن قائلها هو الرسول عليه صلوات الله وسلامه، وليت زعمهم هذا كان على الأصل الأصيل لما كتب الإمام البخاري بيده، لكن هذا الأصل لم يعد له وجود، وإنما وللأسف الشديد كانت مرجعيتهم لمخطوطات كتبت بعد رحيل الإمام البخاري بمدد أقلها مائة وخمسون عاما، والمثير للإنتباه أنه لم يذكر اسم نـُسـَّاخ هذه المخطوطات المنسوبة للأمة الأعاظم وهذا وحده كفيل بالقاء ظلال من الشك حول مصداقيتها أو صدق ما جاء فيها، لأنها دونت بعد موتهم جميعا، أيضا لم يذكر فيها أنها منسوخة عن الأصل المكتوب بيد الإمام البخاري أو غيره – إن كان هناك أصلاً ؛ أصلُ مكتوب بيد البخاري – فالطبيعي والحال كذلك أن يدس على هذا الكتاب – الجامع الصحيح – ويرفع منه ويزاد علية الكثير من الإسرائيليات ومما يدعم أهواء الساسة ويكرس لظلم الحكام للرعية.
استدعت هذه الحقيقة البديهية البسيطة، والتي يرتفع لها الحاجبين دهشة، وتملأ الآه فيها مدى الفم، مراجعة سـِفر متخصص في هذا الصدد ألا وهو كتاب ” أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم” هذا الكتاب الذي حرص ناظمه، على تقصي أماكن حفظ المخطوطات العربية القديمة، وقد ركز الضوء على تلك المخطوطات المكتوبة منذ صدر الإسلام وحتى نهاية القرن الخامس الهجري، والمفروض في هذه الوثائق بطبيعة الحال أنها كتبت بواسطة مؤلفيها ذاك الزمان، أو بيد من جاؤا بعدهم ، وكان حرصه أشد على تسجيل تاريخ كتابة هذه الوثائق وكذا أرقام تسجيلها تسجيلاً مكتبياً في الخزائن المتحفظ عليها فيها حيثما كانت، وجاء تصنيف المخطوطات في هذا الكتاب هجائياً على اسم المخطوطة أو الكتاب المعنِيّ ، مما استدعى إعادة تصنيف ورودها زمنيا لحصر المخطوطات في كل قرن من الخمس قرون الهجرية الأولي كلُُُ ُ على حدة.
وقبل أن نعرض لتفاصيل هذه الدراسة أود أن أقر بأن مناهج البحث العلمي تحتم البحث في عدة مصادر من قبيل ما سوف نبحر فيه، فلا يصح أن نعتمد كتاباً واحداً في إقرار ما توصلنا إليه من نتائج، لكنها صرخة في واد، وهي أشبة ما تكون بمن ألقى حصاة صغيرة في سطح بحيرة ساكنة.
وفيما يلي عرض مختصر موجز لهذه الدراسة :
معلومات الكتاب:
إسم الكتاب : أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم. المكتوبة منذ صدر الإسلام حتى نهاية القرن الخامس الهجري. تأليف كوركيس عواد
– عضو المجلس العلمي- ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام 1982، العراق
لتنزيل الكتاب من هنا :