هل التاريخ علم فعلا
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence
هل التاريخ علم فعلا؟
أريد أن أبحث المسألة قرآنيا وفكريا لعلي أقنع الذين يؤمنون بالقرآن الكريم وبأنه كلام الله تعالى الذي لا يمكن أن يخطئ ولا يمكن أن يقول غير الحق والصدق. وقبل أن يرد علي إخواننا الفلاسفة ولا سيما أخي العزيز الطبيب محمّد سلامه، فدعني أقول بأنني حينما أقول بأن الله تعالى لا يمكن أن يقول غير الحق فإنني لا أنفي القدرة عن الله تعالى. كما لا أنفي الإمكان العقلي من أن يقول الله تعالى غير الحق. لكنني أقصد بأن الله تعالى باعتبار عدم حاجته وعدم خوفه وعدم انتسابه إلى خلقه في غير نسبة السيادة والربوبية فإنه لا يمكن أن يقول غير الحق. هذا الإمكان فعلي وليس عقليا. لكن فعليته بتلك القوة القريبة من قوة الإمكان العقلي. وقبل أن أناقش التاريخ فمن الخير أن نبدأ بتعريف علم التاريخ.
يقولون بأن علم التاريخ هو آلة تساعدنا على تحليل الأحداث التي جرت في الماضي للاطمئنان على صحة تلك الأحداث. وأما التاريخ نفسه فهو تأريخ وتسجيل الحوادث لحظة وقوعها أو بعد وقوعها سماعا ممن شهدوا الحادثة وتدوينها في كتب. ومما لا شك فيه بأننا لا نملك أدوات تُمكننا من رؤية الحوادث التي مضت يوم لم تكن هناك كاميرات ولا أدوات تسجيل الصوت ولا هم يحزنون. ومما لا شك فيه أيضا بأن القدرات السلطانية تهتم بالتاريخ لأنها تريد تثبيت سلطانها الممتد تاريخيًا لتُقنع عامة الشعب بأنها يجب أن تحكم.
وبدون أي تحليل علمي فالتحليل العلمي غير ممكن بالنسبة للحوادث التي صنعتها يد البشر؛ فإن صناعة التاريخ ليست أمرًا مستحيلاً على من هو قادر على ذلك. والتاريخ الصناعي – وكله صناعي – هو الذي قوى سلطان السلالات الملكية كما أنه هو الذي أضعف سلطان السلالات التي حاربها الأقوياء ليقضوا على سلالة ويُحلوا سلالة أخرى أو شخصًا آخر محل تلك السلالة. وكتب التاريخ مليئة بالشواهد بحيث لا أرى حاجة إلى ذكر الأمثلة.
كان بنو أمية أشرف الناس, وأشرف من بني هاشم, حينما حكم معاوية وأهله من بعده ثم صار الأمويون أخبث الناس في المنطقة التي حكمها بنو العباس ولكن بني أمية بقوا على شرفهم في الأندلس. أصبح بنو هاشم أشرف الناس وأضحى بنو العباس أشرف من الطالبيين. ثم جاء الفاطميون ليعيدوا الشرف إلى بني فاطمة وهم جميعا طالبيون. ثم اندرسوا وحل آخرون محلهم وصاروا أناسا عاديين أو صاروا مجرد أحاديث بعد أن مزقهم الله تعالى كل ممزق. كل أسرة من تلك الأسر بقيت مئات السنين في رقعة كبيرة من الأرض واستأجروا المؤرخين ليدونوا تاريخا يناسب الأسر الحاكمة.
وواقع الأمر بأن كل كتب الحديث يمثل تاريخا أراده الملوك لينسبوا كل ما أرادوا أن يعملوه في الشعوب المسلمة إلى رسول المسلمين عليه الصلاة والسلام. لقد صنع العباسيون مفهوما جديدا بين المسلمين اسمه مفهوم أهل البيت ليحل محل الطالبيين الذين أرادوا تنحيتهم عن الحكم. صار أهل البيت قوة تخول لأصحابها الحكم, وحتى يومنا هذا فإن أهل البيت وهم من السلالات القرشية المكية يحكمون المغرب والأردن وكانوا يحكمون العراق حتى عهد قريب. لقد شجعت تلك الأفكار والعقائد النَّسَبية المشابهة لأفكار بني إسرائيل، لقد شجعت أحد الشعراء المهابيل أن يقول التالي على لسان أولئك الذين ادعوا الفوقية على غيرهم من البشر:
سادة نحن والأنـام عبيد ولنـا طارف العـلا والتليـد
وأبونا محمّد سيد الخلق وأجدر بولده أن يسودوا
تصوروا مقدار الخداع والتضليل الفكري لدى أصحاب تلك الادعاءات الباطلة. من قال بأن محمدًا عليه السلام هو سيد الخلق؟ لم يقل الله ذلك. ولنفرض أنه كان كذلك فعلى أي أساس كسب أولاده الجدارة على غيرهم للسيادة؟ ثم وبعد ذلك فهل الناس عبيد للرحمن أم عبيد لأهل بيت النبي؟ وكيف يثبت بأن لأهل البيت كل مفاهيم العلا سواء الفائت أم الباقي؟ كل الشعر المذكور ادعاء, وكله باطل, وكله افتراء. كيف يمكن أن نحلل تاريخا صرف عليه الملوك مبالغ كبيرة من أموال شعوبهم ولا سيما ما فعله العباسيون حيث دونوا السيرة النبوية كما يشاؤون ودونوا تاريخ حكم بني أمية كما يرغبون وصرفوا على الفقه الإسلامي ومن قبله الأحاديث النبوية بما يناسبهم؟ هناك أناس طيبون يسعون لتحليل ما دَوَّنه أجراء الدول لعلهم يقووا على التفريق بين المتناقض والمتوافق وبين الممكن صحة انتسابه إلى المؤرخ وغيره وبين الذي ثبت بأنه أجير الدولة والذي لم يثبت. نعرف بأن هناك نفوسا طيبة تسعى لاكتشاف الصحيح ودفع السقيم ولكن هل هذا يعطينا العلم بحصول أمر تاريخي أو يعطينا العلم بأن كلاما صدر من رسول الله عليه السلام؟
دعنا نفترض جدلا بل دجلا، وجود مدونات منذ أيام الرسالة المجيدة بل دعنا نفترض بأن الرسول عليه السلام بنفسه خلف كتابا من بعده؛ فكيف يمكننا إثبات أن ذلك الكتاب المفترض صحيح وليس كذبا؟ قبل أيام اتفق ثمانية أشخاص معًا ليسطو على أحد فروع البنك الأهلي في اليمن. اتفق ثمانية أشخاص على جريمة فكيف لا نشك في اتفاق دول على كتابة تواريخ كاذبة تسند حكمهم؟ أولئك المجرمون الثمانية لم يحصلوا على مال لتنفيذ جريمتهم البشعة ولكن المؤرخين والمحدثين كانوا يحصلون على مال من الحكومة القوية من قبل أن يكتبوا ليكتبوا ويدونوا ما يريده الحكام.
تحليل التاريخ الذي خلفه الأقوياء قليلو التقوى وكثيرو السرقات وكبيرو الإجرام والعنف والظلم ليس أمرا متاحًا قطعيا. الذين كتبوا التاريخ المدفوع ثمنه لم يكونوا سفهاء بل كانوا من أعلم الموجودين وأكثرهم تفكرًا وإمعانا. لقد سعوا ودققه سلاطينهم بأن يتحاشوا المتناقضات والمتضادات ونسقوا المترادفات ومنعوا من اجتماع الملَكة وعدمها كما رتبوا المتضايفات. وحينما ندقق في كتبهم نرى أن كثيرًا منهم سعى لأن يكون الرواة متصلين وغير بعيدين جغرافيا وسعى بعضهم لإثبات عدم وجود المعروفين بالكذب بينهم. وكل ذلك وهم من حيث التحقيق العلمي. لن تجد عالما في الأرض يتقبل صحة تلك التنسيقات في كتابة التاريخ أو بيان الأحاديث النبوية. وكل ما يحققون فيه هو ما يرونه مدونا في الكتب التي خلفها أصحابها البعيدون عن الرسالة المجيدة.
أرجو من الذين ارتبطوا بالسلطات الحاكمة بأن يمعنوا فيما يفعله الحكام اليوم. الحكام لا يكتفون باستضافة مدرسة واحدة بل يستضيفون مدارس مختلفة وأديان متباينة وأفكار متضاربة ليستفيدوا ممن وراء تلك الإمكانات في مختلف القضايا. إنهم يحتفظون بالأعداء الذين يكرهون بعضهم البعض ويسعون لإفناء بعضهم البعض ولكنهم بالنسبة للحكام والملوك فهم جميعا محميون وهم جميعا يعيشون تحت قيادة وأموال الملك. ألم يكن بنو أمية من ألد أعداء بني هاشم ولكن فكروا كيف كان يعيش بنو هاشم وكيف يكسب المشغولون بالعلم والكتابة من علمائهم المال؟ التاريخ يقول بأنهم كانوا يأخذون مرتباتهم من السلطة الأموية ومن بعدهم من السلطة العباسية. السلطة تحتفظ وتراعي الشخص وعدوه لتستفيد منهما. هذا هو دأب كل الدول من أيام فرعون موسى بل قبل فرعون أيضا. ولذلك خلفوا لنا تاريخا صحيحًا بحسب ما يسمونه علم التاريخ ولكن لا يمكن للذي يعرف شيئا عن السياسة أو عن إدارة الدولة أن يتقبل ذلك التاريخ.
نعود إلى القرآن الكريم لعلنا نفهم تعليقات القرآن على التاريخ. قال تعالى في سورة آل عمران مخاطبا نبينا: ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44). تتحدث السورة الكريمة عن قصة مريم ويمكن للمتابع أن يقرأها من الآية 35 حتى الآية 59 حيث يقول العزيز الحكيم بعدها: الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62). نفهم من الآيات الكريمة ما يلي:
- الرسول لا يعلم قصص الماضين إلا ما قاله الله تعالى في كتابه الكريم.
- القصص تنطوي على حكايات القلوب وما فكر فيه القائمون على صناعة التاريخ فكيف يمكن لغير الله تعالى أن يفهم حكايات القلوب؟ وبدونها لن تكون الحكاية كاملة.
- الناس بمن فيهم رسلهم ضعفاء يستندون على الأبناء ويستعينون بالنساء وتملي عليهم نفوسهم حتى يصنعوا قضية أو يبنوا حكاية تبقى للتاريخ, فكيف يمكن أن يحكي أحد قصة لا يعرف ما يجول في خواطر صانعيها فلعنة الله على الكاذبين. على المؤمنين أن يبتهلوا إلى ربهم فهو وحده الذي يمكنه أن يفيدهم بحقائق الأمور. هذا يعني بأن التاريخ عمليًا باطل وما ورثناه يمثل بعض ما أراد صانعو التاريخ أن يبوحوا به ولا يمكن أن يمثل التاريخ حقائق النفوس فكيف نحكم على أبطال التاريخ أو نحكم لهم ونحن نجهل جوانب مهمة من مقوماتهم النفسية؟ التاريخ ليس هو ما يراه المؤرخ بل التاريخ في حقيقته هو ما يراه المؤرخ إضافة إلى المؤامرات التي يقوم بها صانعو التاريخ في الخفاء مضافا إليها ما يجول في خواطر صانعي التاريخ حيث لا يفهمها أحد غير الله تعالى ويفهمها أفرادهم وليس جمعهم. ولنضرب مثلا بقصة غير قديمة حصلت قبل عدة عقود.
اغتيل الرئيس جون كنيدي في الساعة الثانية عشرة والنصف مساء الجمعة 22/11/1963 في مدينة دالاس الأمريكية وهو في سيارة مكشوفة بجوار زوجته جاكلين ضمن موكب رسمي رئاسي لأول رئيس أمريكي يزور دالاس. اصطف الشعب على جانبي الطريق متفرجين على موكب الرئيس وصوروا ما أمكنهم تصويره. تم قُتل المشتبه به في القتل بدون محاكمة وانتشر في الأوساط بأن القاتل المحترف أطلق الرصاصة من الأمام وقال الناس الذين صوروا المشهد فرحًا دون أن يعلم أحد بما ينتظر رئيسهم، بأنهم سمعوا صوت 6 رصاصات. وبعد عدة عقود ثبت لدى المحققين بأن القاتل أطلق الرصاصة من الخلف وليس من الأمام وتم إطلاق رصاصتين فقط، وحتى يومنا هذا لا أحد يعلم شخصية القاتل ودوافع القتل وهل كانت هناك مؤامرة أم قام أحد بعمل فردي. المتهمون هم نائب الرئيس نفسه وسائق سيارة الرئيس وبعض الدول مثل إسرائيل وبعض الشركات التجارية ووو وهكذا أوناسيس الذي تزوج بزوجته جاكلين كنيدي فيما بعد. وكل الذين يقومون بتوجيه الاتهام يحملون دلائل مقنعة ولكن لا يمكن أن يكونوا جميعا صادقين كما لا يمكن الجزم بأن واحدًا منهم صادق أيضًا. هذه حكاية حصلت في أكبر وأعظم دولة عصرية وضد أعظم رئيس في العالم وفي مشهد غير سري وبحضور جمع كبير من المستقبلين الذين حملوا كاميراتهم لتصوير مشهد زيارة الرئيس لبلدهم.
نعود إلى القرآن الكريم لنذكر حكاية قرآنية أخرى. قال تعالى في سورة يوسف: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3). حكاية يوسف مذكورة في كتب التراث الإسرائيلي كما هي منقولة في كتب المسيحيين باعتبارها حدثا عظيما حصل لحفيد إبراهيم فكانت الحكاية موجودة على لسان الذين عاشوا في مكة التي كانت تستقبل الزوار من مختلف أقطار الأرض ومن اليهود والنصارى. فكان الرسول عليه السلام على علم بالحكاية باعتباره من المرموقين شخصيا ونسبيا من الذين ولدوا وعاشوا في مكة المكرمة. والقرآن الكريم يصرح بأنه كان من الغافلين لقصة تاريخية معروفة في التوراة وفي كثير من الكتب الإسرائيلية. ولعل القارئ الكريم يظن بأن عدم العلم كان خاصا برسولنا فلنقرأ الآية التي سبقتها: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2). إن خطاب السورة لنا جميعا فخطاب الرسول في الآية الثالثة يدل كما أظن على أن الرسول كغيره من الناس لا يمكنه أن يعرف حقيقة حكايات الماضين إلا إذا سمعه من ربه.
وهناك قصة مشهورة بين الأديان السماوية الثلاث وهي قصة نوح. يقول الكتاب المقدس بأنه عليه السلام بقي مع من ركب السفينة سنة في السفينة. ويقول بأن المياه الجوفية والأمطار عملت 40 يوما في الفوران والانصباب حتى غطت كل منحدرات الكرة الأرضية ثم غطت كل الجبال. وبأن آباء الجبابرة كانوا ملائكة نزلوا ليعيشوا في الأرض ولكن أمهاتهم كنّ بشرًا ماتوا بطبيعة الحال ولكن الملائكة الآباء صعدوا ليفقدوا خاصيتهم الملائكية ويصيروا ملائكة الشيطان. وهذا يعني بأن هناك ملائكة نزلوا على شكل رجال وتزوجوا بآباء الجبابرة.
بالطبع فإن أي أمر من ذلك النوع غير مشهود في القرآن الكريم. فبالله عليكم هل تلك ادعاءات معقولة؟ هل يعرف الذي لفق القصة معنى هطول المطر 40 يوما وليلة دون توقف إضافة إلى خروج المياه الجوفية؟ ولماذا يتزوج الملائكة الكرام نساء بشريين وهل يمكنهم ذلك؟ وهناك أسئلة كثيرة يمكن أن نوجهها لهم دون أن نسمع منهم جوابا مقنعا. هذه القصة الأسطورية مقبولة لدى كل المسيحيين واليهود في الأرض لأنها من نسج التوراة والتوراة في أصلها كتاب الله تعالى حقا. وهناك بعض المؤرخين المسلمين يذكرون بعض هذه الخزعبلات مع الأسف. فكيف للمحلل التاريخي أن يحلل تلك القصة المتفق عليها من قبل نسبة كبيرة من البشر في الكرة الأرضية منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا؟
بالطبع أن القصة القرآنية تخلو من كل ما ذكرته أعلاه. لم يقل القرآن بأن المياه غمرت كل الأرض، ولم يقل بأن هناك ملائكة تزوجوا من أو تزاوجوا مع البشر، ولم يقل بأن الأمطار استمرت في النزول 40 يوما. كل القصة في القرآن عبارة عن هطول الأمطار وانفجار الينابيع الأرضية في رقعة من الأرض وغرق الموجودين فيما عدا الذين ركبوا سفينة نوح. كما أن القرآن لم يقل أبدا بأن الله تعالى أمر نوحا بأن يحمل معه من كل حيوانات الأرض، بل قال في سورة المؤمنون:فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27). لم يقل له سبحانه بأن يأخذ من كل الحيوانات كما ظن القدماء ورسمه المعاصرون. لو كان يريد أن يأخذ من كل الحيوانات فهو بحاجة إلى مئات السفن وليس إلى سفينة واحدة. والحيوانات لا تعيش مع بعضها فكيف يحفظ الأسود والنمور والفهود والكلاب مع الأنعام؟ وأين يحفظ الطيور في السفينة، وهكذا الحشرات؟ ولماذا قال له ربه بأن يأخذ من كل زوجين اثنين ولم يقل زوجًا واحدا؟ فالممعن يعرف بأنه تعالى أمره بأن يأخذ من الأنعام الذي يأكلونها زوجين. فبعد خروجهم من السفينة يأكلون من زوج ويتركون زوجا للتكاثر. والأنعام الأربعة تنطوي على أنواع كثيرة طبعا. ولم يقل سبحانه بأن القضية طالت أياما بل وقتا قصيرا قد لا يتجاوز عدة ساعات. ولذلك قال له ربه بأن لا يدخل السفينة قبل أن يرى فوران التنور. والتنور ليس هو ثقب في الأرض أو بئر في مسجد الكوفة كما ظن قليلو العلم. ذلك التنور هو ما نشاهده في السماء قبل الأعاصير ويصوره التلفزيون هذه الأيام فهو على شكل تنور يخرج منه النار فعلا إثر تصادم الأعاصير. فحينما يشاهد نوح التنور فهو يعني بأن الإعصار قادم فيسرع مع قومه إلى السفينة. وبعد ساعات ينتهي كل شيء ويخرجوا من السفينة. كيف كان ممكنا أن يحتفظ بالغذاء لمدة سنة كاملة في سفينة بدائية كما زعم مؤلفو الكتاب المقدس؟ كما أنه تعالى لم يقل بأن المياه غمرت الجبال والذي ذكر الجبل هو المعروف بأنه ابن نوح وحكايته في سورة هود:وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44). فحال الموج بين نوح وابنه قبل أن يتمكن من الصعود إلى الجبل فغرق وانتهت المشكلة. الأمواج كانت كالجبال وما كانت هناك ضرورة ليغمر الماء كل الجبال. كان الناس يعيشون على الأرض ففاجأتهم المياه الكبيرة فغرقوا واختفت كل آثارهم.
وقصة نوح هي قصة غيبية قبل أن يبينها القرآن بوضوح أكبر مما هو في العهدين القديم والجديد. قال تعالى في سورة هود نفسها: تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49). وبنو إسرائيل المتواجدون في منطقة الدعوة فكلهم من قوم محمد عليه السلام بالطبع. وهم لم يكونوا على علم بالتفاصيل المذكورة في سورة هود. ليس لأحد بمن فيهم نبينا علم بقصص الأنبياء السابقين ولم يذكر القرآن بأنه تعالى أوحى إلى رسولنا قصصهم من خارج القرآن. فعلينا بأن نكذب كل ما قاله المؤرخون على لسان نبينا من قصص الأنبياء ولو أننا علميا لا يمكن أن نكذبهم كما لا يمكن أن نصدقهم. لكننا نتبع القرآن الصريح والصحيح ولا نتبع تخرصات البشر.
حينما نريد تحليل القصص القديمة مما كتبه البشر خارج نطاق القرآن فإننا نحلل تخرصات فاقدة لأية قيمة في الواقع. وقد نقلت أختنا الفاضلة لطيفة الحاج علي في مدونتها مقالا تحت عنوان Chinese Whispers ونشر في مركزنا تحت عنوان “أهمية الهمسات الصينية في فهم أصح كتاب بعد كتاب الله”, كما نشرت أنا قبل عدة سنوات حكاية مشابهة نقلها لي أحد أصدقائي حينما كان يدرس في مدارس شركة IBM من قبل أن تصنع الشركة الكمبيوترات الشخصية (Personal Computers). هناك أثبت لهم المعلم بالتجربة بأن نقل أي كلام بالشفاه لا يمكن أن يكون صحيحا بل سوف يتغير الكلام إلى العكس بعد فترة قصيرة. فأنى لنا أن نحلل قضايا تاريخية كتبها الطبري المتوفى في بدايات القرن الرابع الهجري نقلا عن تاريخ ابن إسحاق المتوفى في بدايات القرن الثاني الهجري؟ وقد اختفى تاريخ ابن إسحاق ولم نجد له أثرا في مكتبتنا العربية. حتى السيرة المنسوبة إليه قد لا تكون صحيحة. كل ما أتذكر بأنني قرأته عنها هو أن شخصا ادعى في القرن الرابع الهجري بأنه عثر على السيرة النبوية لابن إسحاق وهي التي تطبع في يومنا هذا كما أظن.
إن تاريخنا الإسلامي وسيرة نبينا الأمين عليه السلام والأحاديث النبوية التي بين أيدينا تمثل مجموعة تخرصات وأكاذيب وتقولات فاقدة لأية قيمة حسب علم التاريخ بناء على مفاهيمهم. فليس هناك مؤلف يقبل تاريخا كتب بعد قرون من حصول القضية. وكما يقولون فإن النبي عليه السلام لم يسمح بكتابة أحاديثه في حينه، فلو كان صحيحا فهو يعني بأن النبي الأمين المخلص كان يعرف بأن ما يصل إليه الإنسان من كليات علمية تمثل التطور الزمني في تاريخ معين ولا تمثل الحقيقة المحضة حتى لو كان المحقق محمّد بن عبد الله عليه السلام. ويُقال بأن أبا بكر رضي الله عنه أحرق الأحاديث التي كتبها لنفسه خشية أن تحل محل القرآن. وكان على حق برأيي القاصر.
إنهم فرقوا بين مقولات البشر وبين كلام الله تعالى الخالق المحيط بكل شيء والعالم بكل شيء. تلك هي أحاديثنا التي بنينا عليه ديننا. إنها تمثل ظنون بشرية دَوَّنها الذين جاؤوا قرونا بعد الرسول عليه السلام؛ فما هي أهمية تلك الأحاديث وما هي قيمتها؟
نحن نحتاج إلى سيرة رسولنا الأمين لنصلي ونحج مثله وقد صانها الله تعالى لنا عمليا. أما تاريخ حياة الرسول وحياة الراشدين فأنا أتمنى لو كانت في مكتبتنا مدونة كتبوه هم بأنفسهم ولا أرى شيئا فعلا. بالطبع فإن كل مسلم يحب أن يسمع حكايات رسوله. رسول بقامة محمد بن عبد الله عليه السلام. ولكن ما الحيلة؟ وما كتبوه من حكايات قرآنية ليعكسوا قصص رسول الله فهي غالبا ما نراها مختلفة مع الكتاب الكريم. لأعطي مثلا. قال تعالى في سورة الأنفال موضحا حكاية الصحابة الكرام ليلة بدر: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11). معركة بدر هي المعركة الوحيدة التي يمكن أن نسميها غزوة الرسول ضد المشركين. ذلك لأن الله تعالى أمرهم أن يهجموا على المشركين ويستولوا على أموالهم مقابل ما استولاه المشركون على أموال المهاجرين.
لنلاحظ ما قالوا باختصار: شعر المؤمنون بالأمان فاحتلم أكثرهم فأنزل الله تعالى الماء ليطهرهم من الجنابة. فرجز الشيطان هنا هو تلاعبه بهم في المنام. وقال بعضهم بأن الله تعالى أذهب عنهم وساوس الشياطين دون أن يقولوا كيف فعل الله ذلك بالمطر!
لا نلومهم على تفسيرهم ولكن هذا حد علمهم، كما لا نعلم كيف فهم الرسول الآية وكيف فسرها لصحابته. لكنني فسرتها لزملائي بأننا اليوم نعرف بأن الشيطان موجود طاقوي ولذلك لا نراه ولا نرى أيا من الجن كما لا نرى الملائكة بعيوننا. إنها جميعا كائنات مخلوقة من الطاقة الخالصة من قبل أن تتحول إلى مادة. ولولا تصريح القرآن الكريم لكنت أنا من أول الناكرين لتلك الكائنات. ونعرف من التقدم العلمي بأن الماء موصل للكثير من الطاقات مثل الكهرباء. فالله تعالى أنزل عليهم المطر الغزير فلا تتمكن الكائنات الطاقوية من الاقتراب منهم. فالشياطين عجزوا عن الوصول إلى نفوس المؤمنين ليبادلوهم الهمسات الطاقوية التي توسوس في صدورهم النفسية وليس صدورهم الفيزيائية. ذلك لأن نفوسنا طاقوية أيضا وهي مصنوعة من ثلاث كرات طاقوية تتوسطها القلب ويحيط الفؤاد بالقلب كما يحيط الصدر بالفؤاد والصدر هو خزانة المعلومات والفؤاد هو الرابط بين القلب والصدر وبين القلب والعالم الخارجي والقلب هو مركز المعالجات. فكيف كان ممكنا أن يعرف الزمخشري رحمه الله تعالى هذا المعنى قبل أكثر من تسعة قرون؟
فما فائدة تفسيرهم لنا؟ كما أن تفسيري أعلاه قد يصير عديم الفائدة بعد فترة من الزمان وبعد أن يتطور العلم أكثر من اليوم. ومثل ذلك معرفة عدد الملائكة الذين جاؤوا لمساعدتهم وما عددهم وما الفرق بينهم؟ هناك ألف مذكورون في سورة الأنفال وهناك ثلاثة آلاف وخمسة آلاف مذكورة في سورة آل عمران. ثم ما الفرق بين المردفين والمنزلين والمسومين من الملائكة؟ نحن نفسرهم اليوم بفضل التطور العلمي تفسيرا أدق مما قالوه ونفسر الفروق بين الأنواع الثلاثة من أعمال الملائكة. كما نعرف عدد المقاتلين بعد أن نحلل عدد الملائكة بأنواعها المختلفة. وقد فعلت ذلك حينما كنت أفسر السور الكريمة لزملائي الكرام.
والإنسان كان في تطور مُطَّرد من يوم خلقه حتى يومنا هذا. يمكننا معرفة ذلك قرآنيا أيضا حينما ندرس ونمعن في قصص الماضين بمن فيهم الرسل الكرام لنكتشف الفرق بين تطورهم الزماني. حتى الملائكة يتطورون ويتعلمون وليس هناك من لا يتطور غير الله تعالى نفسه بقدر علمي المتواضع.
كيف يدونون التاريخ:
لا يمكن لأي مؤرخ مهما كان منصفا أن يحرر كل ما شاهده بالكامل وهو في سبيل تدوين التاريخ. إنه يحرر بعض المشاهد التي يراها مؤثرة ومفيدة وتوحي بحقيقة الحال لمن لم يحضر المشهد. فهو يختار المَشاهد ولا يسجل كل شيء. واختيارُه للمشهد تابع لأفكاره ولكيفية تحليله وفهمه للقضايا. وقد يكون تابعا لمصالحه أو مصالح من ينفق عليه. ولذلك نرى الاختلافات في التواريخ التي كتبت في بلاد متطورة وفي عهود طيبة. وأما تاريخنا نحن المسلمون فليس له إلا مصدر حكومي واحد وهو أبو جعفر المنصور الدوانيقي العباسي والمؤرخ هو محمد بن إسحاق. وإسحاق هو من سبي العراق وهو يهودي أسلم بعد سبيه. هذا هو تاريخنا المخجل والمخزي. وابن إسحاق هذا هو نفسه الذي كتب السيرة النبوية لصالح بني العباس.
ناهيك ما نقلوه من عدة مصادر ما يفيد إخبار النبي بأن الخلافة أو الملك في بني العباس وكذلك لبسهم السواد وما شابه ذلك من أخبار غيبية صنعها بنو العباس لصالحهم وخولوا بعض الضعفاء لكتابتها. كما قال بعض المؤرخين بأن جبريل نزل على رسول الله لابسا عباءة سوداء على لون ملابس بني العباس. والأحاديث غير قليلة في ملك بني العباس المجرمين القتلة. وذلك المفتري لا يدري بأن جبريل ليس إنسانا يلبس العباءة وليس كائنا نشهده بالعيون ولقد تمثل لمريم على شكل إنسان ولم يقل القرآن بأنه تمثل لنبينا أيضا.
وأخيرا فلو كان التاريخ علما وهو ليس بعلم؛ فإن تاريخنا ليس علما. والواقع أن هناك علم لتحليل التاريخ وهو غير قابل للاستفادة عندنا نحن المسلمين لأن مصادرنا التاريخية محدودة جدا لا تكفي للاحتمال بل هي مجرد أوهام.
الفرق بين القرآن والتاريخ:
هناك فروق بينهما ولكنني أذكر فرقا واحدا فقط. القرآن منزل من خالق الكون العظيم المحيط بكل شيء فهو سبحانه يعلم التطور الفكري لدى البشر والتاريخ المذكور في القرآن يلاحظ ذلك. لكن التاريخ الذي كتبه البشر فهم ليسوا على علم كامل بالتطور العلمي ولذلك فهم لم يلاحظوا التطور الفكري لدى البشر. ولنضرب مثالا:
يذكر القرآن قصة إبراهيم ومنامه وكيف فسر هو وابنه إسماعيل المنام. لم يفكر إبراهيم بأن الله تعالى لا يمكن أن يأمر أحدا بأن يذبح ابنه ولم ينتبه إسماعيل لذلك كثيرا. فقال لأبيه افعل ما تؤمر ووعده بأن يصبر. لكن إسماعيل كان يعرف أكثر من أبيه بأن هذا العمل قد يورط أباه في مجتمعه فهو نبي قتل ابنه! هذا ليس من صالحه وليس من صالح الدعوة الإبراهيمية للتوحيد. فليس لبشر أن يقتل إنسانا بريئا. والله تعالى حينما يميت الأبرياء فهو في الواقع ينقلهم من عالم إلى عالم آخر لكن البشر يقتلون فعلا. ثم ينقلهم الله تعالى إلى الحياة الأخرى. فالله تعالى إيجابي وليس سلبيا ولكن الإنسان قد يكون سلبيا.
ولذلك نرى الله سبحانه يذكر قصة إسماعيل في سورة مريم وهي السورة التي تعلمنا الدعاء المستجاب وتعطينا نماذج لمن نجحوا في كسب الاستجابة من ربهم. قال تعالى في سورة مريم: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55). فهو عليه السلام وعد أباه وعدا صادقا بأن يصبر ولكنه لم يترك الدعاء إلى ربه لينجيه وأباه من الكرب العظيم. هذا هو التطور الفكري الذي تجلى في إسماعيل أكثر من أبيه إبراهيم. ثم نأتي إلى يعقوب حفيد إبراهيم الذي فسر منام يوسف تفسيرا تأويليا لا تفسيرا ظاهريا كما فعله أبوه إبراهيم وتقبله عمه إسماعيل ولعل إسماعيل تقبلها مراعاة للأدب مع أبيه رسول الله إبراهيم. ثم نرى بأن يوسف فسر منام صاحبيه في السجن تفسيرا رائعا تأويلا من عنده. وحتى نعلم بأنه تفسيره وليس وحيا من الله تعالى كما ظن البعض فننظر إلى الآية التالية من سورة يوسف:
وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42).فلو كان وحيا لما قال ربنا بأنه ظن ولم يقل بأنه عَلِم. ولعل القارئ الكريم يعلم بأن الظن لا يعني اليقين بل يعني رجحان أحد طرفي الشك فيصير الطرف الآخر وهما ولكن الظن هو تثبيت أحد طرفي الشك فيصير الطرف الآخر باطلا فاقدا لأي اعتبار تصديقي. ودعنا نتصور بأن رسولنا رأى رؤيا مماثلة لإبراهيم. إنه كان دون شك يعتبره أضغاث أحلام ولو فسره كما فسره إبراهيم فإنه كان لا ينفذه لأنه علم بأن المنام لا يمثل حجة شرعية حتى لو كان النائم رسول الله. سلام الله على رسلنا جميعا.
لكن المؤرخ لا يمكن أن يتصور التطور الفكري لدى الذين رأوا لمنامات مثلا. المؤرخ يفسر كل المنامات أعلاه حسب فهمه وحسب تطوره وتصوره هو دون ملاحظة الأصول التفكيرية لدى الذين رأوا تلك المنامات كما فعله الله تعالى.
لهذه الأسباب ولأسباب أخرى أعتبر التاريخ الإسلامي تاريخا وهميا وليس ما نسعى لتطبيق علم التاريخ عليه صحيحا. والتاريخ برأيي المتواضع لا يمكن أن يكون علما لأن علماء التاريخ لن يتسنى لهم قراءة نفسيات أبطال القضايا ولن يتمكنوا من الاطلاع على المؤتمرات والمؤامرات التي رافقت القضايا التاريخية. والسلام ختام
أحمد المُهري
1/8/2017