الحكم الاخلاقي لدى الطفل -4

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

 

lie3.jpg

الحكم الأخلاقي لدى الطفل  -23

1-    الكذب ونوعا الاحترام

لماذا نجد الكذب في هذه السنين الأولى قد أدى إلى ظهور مثل هذا المذهب المتناقض ظاهريًا إلى ميدان الأخلاق؟  مذهب يشهد بهذه الفكرة الضعيفة التي تشمل الجاذبية الحقيقية للغش؟ وكيف يبدأ الطفل من المسؤولية الموضوعية فيصل يومًا ما إلى تقييم الكذب تقييمًا سيكولوجيًا؟  إن هذين السؤالين يرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا.

 

هذا الموضوع يمكن تفسيره بكل بساطة لو أننا قارنا معلوماتنا الحاضرة بالنتائج المؤكدة تأكيدًا بعيدًا والتي حصلنا عليها عن طريق ملاحظة نمو قواعد اللعب، ذلك أنه في هذه النقطة الأخيرة نستطيع أن نقرر وجود عمليتين متميزتين في تطور الحكم الأخلاقي عند الأطفال.   فمن جهة هناك قسر الراشدين والكبار من الأطفال, وهذا القسر أبعد ما يكون عن أن يضع حدًا لنهاية التفكير أو السلوك المركزي الذات ولكن يسهل عليه أن يمتزج به فيؤدي إلى فكرة خارجية خالصة وواقعية عن القواعد دون أن يكون له أثر فعال على تطبيق هذه القواعد.  من جهة أخرى فإن هناك تعاونًا يبدو لنا وكأنه كلاً من التطبيق المركزي الذات والموقف الصوفي للقسر ويؤدي بهما إلى تطبيق ناجح للقواعد وإلى فهم أوسع وأكثر داخلية لما يعنيانه.  وعلى ذلك, فإن الآراء التالية نعرضها فيما يتعلق بالأكاذيب، فمن جهة نجد أن المذهب الواقعي هو نتيجة التقاء مركزية الذات مع القسر, فالطفل – نظرًا لأنه في حالة مركزية الذات – لا شعوريًا, نجده يميل تلقائيًا إلى تغيير الحقيقة تبعًا لأهوائه وإلى إهمال قيمة الحقيقة.   فالقاعدة التي تقول إن الإنسان يجب ألا يكذب والتي تفرضها سلطة الكبار يبدو أنها مقدسة تمامًا في نظره، وتتطلب تفسيرًا “موضوعيًا” لمجرد أنها لا ترتبط في الحقيقة بأي إحساس داخلي من ناحيته.   من هنا كان المذهب الواقعي والمسؤولية الموضوعية دليلاً على فرصة لوجود التطبيق العملي الناقص للقواعد.  من ناحية فإنه بمجرد أن تضطر عادات التعاون الطفل إلى عدم الكذب فإن القواعد تصبح مفهومة, ويصبح لها قيمة داخلية، ولا تعود تسمح بوجود أي أحكام سوى تلك التي تقوم على المسؤولية الذاتية.

 

وبفضل التجارب العظيمة التي قام بها شتيرن Stern  وأتباعه أصبح كل منا يعرف أن الطفل حتى سن 7-8 يجد صعوبة منظمة في التمسك بأهداب الصدق.  فهو دون أن يكذب من أجل الكذب أي دون أن يحاول أن يخدع أي إنسان ودون أن يكن مدركًا تمامًا لما يعمل فإنا نجده يعرف الحقيقة تبعًا لأهوائه وخيالاته.  فالرأي عند هذا الطفل قيمته قليلة وهو أشبه بعبارة منه برغبة.  أما الحكايات, والأدلة, والشروح التى يقدمها الطفل فإنه يجب اعتبارها توضيحًا لوجداناته أكثر منها دليلاً على اعتقاده في صحتها أو كذبها.  وقد قال “شتيرن” إن هناك أشياء كثيرة كهذه واضحة أو أكاذيب منتحلة.  ومنذ ذلك الحين فإن أكاذيب الأطفال قد تمت دراستها من كل النواحي وقد وجدت فكرة تلقائية الأكاذيب المنتحلة عند الاطفال قبل سن 7-8 تأييدًا في كل مكان.

 

ولعل الذى لم يفهم تمامًا هو أن هذه الظاهرة من ظواهر علم نفس الأطفال ذات نظام  عقلي وأخلاقي، وأنها مرتبطة بقوانين تفكير الطفل عمومًا، – وبظاهرة مركزية الذات العقلية بنوع خاص – ذلك أن الحاجة إلى قول الصدق, وحتى للبحث عنه, يمكن فقط أن يراها الفرد ما دام يفكر ويعمل كواحد في مجتمع يقوم على الاحترام المتبادل والأخذ والعطاء.  أي على التعاون. ولا يمكن أن نراها في مجتمع تنعدم فيه هذه الصفات.

 

 

2-       قصص الرسم والمقص

فير Fer (8 سنوات)  – أيهما أسوأ؟  –  الرسم.  فقد قالها ليفخر بما قال.   – والآخر؟  – حتى لا يؤنب.   – حسنًا. أيهما أسوأ؟  – الثانى.

 

لورد Lourd (8)   –  أيهما أسوأ؟  – صاحب قصة المقص لأنه قال ذلك لكي يحتفظ بها.  – والآخر؟    – قال ذلك حتى يمدحه الناس.  – أيهما تعاقب أشد؟  – صاحب قصة المقص.   – ولماذا لا يكون الآخر؟ – لأن الأولاد في فصله يعرفون تمامًا كيف يرسم.  فلورد, إذن, يرى أنه كلما كان الكذب واضحًا قلت أهميته وهذا عكس أتباع فكرة المسؤولية الموضوعية.

 

ديلا Dela  (9 سنوات)   – الأسوأ هو صاحب قصة المقص.  – لماذا قال ذلك؟  – حتى لا توبخه أمه.   – ولماذا قال الآخر إنه عمل الرسم؟   – ليجعل الأولاد تظن أنه يستطيع أن يرسم جيدًا.

 

والذي يلفت النظر في هذه الإجابات أن الجدل الذي يستعمله المشايعون للمسؤولية الموضوعية يعود فيظهر مؤيدًا للنظرية المضادة.  فمجموعة الأشخاص السابقة تعتبر الكذب الخاص بالكلب والبقرة سيئًا لأنه غير معقول الحدوث, والدليل علي ذلك هو أن الأم لم تصدقه واعتبرته لأول وهلة كذبًا.  أما الأشخاص الحاليون فعلى العكس يعتبرون نفس الظروف كدليل على أن الكذب ليس جديًا.  فإذا أنت رأيت أن العبارة كاذبة فذلك معناه أن الشخص الذي ألفها لا يحاول أن يخدعك ولكنه مبالغ.  وهكذا نجد أن آرل Arl لا يعتبر قصة الكلب كذبًا ما دامت الأم تعرف أنه لا توجد كلاب في حجم البقرة.   فكلما قل ظهور الكذب ككذب زادت درجة سوئه وذلك على عكس النظرية القائمة عند الصغار تمامًا.

         

والآن ننتقل إلى النقطة الاخيرة التي قمنا بدراستها ونقصد بها المسؤولية الموضوعية كوظيفة للنتائج المادية للكذب.  في استخدامنا للقصص التي وضعناها للتجارب السابقة وجدنا أن الطفل ثابت كثيرًا أو قليلاً في اعتبار الكذب ككل أكثر جدية إذا كان مصحوبًا بأعمال لها نتائج مادية يؤسف لها.  وعلى ذلك فالنتيجة تفوق النية من ناحية التقدير كما كان الحال فيما يتعلق بالخرق (سوء التصرف) والسرقة.   مثال ذلك :

Quel كيل (7 سنوات)   – كان هناك ولد صغير ألقى بالمحبرة على المكتب، فلما عاد أبوه ذكر أنه لم يكن هو الذي فعل ذلك بل فعله القط.  فهل هذا كذب؟  – نعم.  – سيء أو غير سيء؟  – سيء.  – لماذا؟ – لأنه عمل بقعة كبيرة.

 

دب Dub   اشترى ولدان بعض البيض لأمهما ولكنهما لعبا فى طريق عودتهما إلى المنزل وكسرا البيض.   كسر الأول اثنتى عشر بيضة,أما الآخر فكسر بيضة واحدة.  فلما عادا إلى البيت أخبرا أمهما أن كلبًا كبيرًا هجم عليهما وكسر البيض, فهل قالا كذبًا؟  – نعم.   – وهل كلا الكذبتين سواء؟  – لا, كان أحدهما أسوأ من الآخر.   – أيهما؟   – الأول لأنه كسر أكثر.   – ولكني لم أقصد الولد الأول بل الكذبة الاولى.   لما كانت الكذبة الأولى؟  – لقد قال إنه الكلب.   – والثانية؟  – قال أيضًا إنه الكلب.  – إذن هل كلا الكذبتين سواء في السوء؟  – لا, الأولى أسوأ لأن الولد كسر معظم البيض.

 

بعبارة أخرى, حين يكون العمل المادي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالكذب فإن الطفل يجد صعوبة كبيرة في فصل الكذب عن النتائج الفعلية للفعل الخارجي المصاحب. والأهمية الوحيدة لهذه الأمثلة هي أنها أوضحت عجز الطفل عن القيام بعملية الفصل هذه.  ولعله من الصعب جدًا أن نسير في تحليلنا لتقييم الأطفال أكثر من ذلك عن طريق قصص من هذا النوع لأن العمليات التي تواجهنا هنا ليست اثنتين بل هي ثلاث : الكذب، والعمل المصاحب، ونتائج العمل.   لهذا تركنا هذا النوع من الأسئلة, وبدلاً من ذلك حاولنا أن نحل المشكلة بطريقة منظمة وذلك عن طريق عرض أزواج من القصص على الأطفال إحداهما تحتوي على ناحية خداع والقصد منها واضح وليست لها نتائج مادية قيمة, أما الأخرى ففيها خطأ بسيط ولكنه يؤدي إلى نتائج ضارة.   وهذه القصص هى 4 أ و4 ب التي ذكرناها في أول هذه الفقرة.  1º قصد ولد أن يدل رجلاً إلى الطريق الخطأ ولكن الرجل لم يضل الطريق.  2º أشار ولد على رجل إلى طريق خطأ، وقد فعل ذلك عن غير قصد, ولكن الرجل ضل طريقه.  كانت نتيجة هذا الحوار أنه – كما فى حالة الخرق (سوء التصرف) والسرقة – فكر بعض الأطفال في النتائج المادية وقيموا الكذب من هذه الناحية وحدها، وفكر الآخرون في النية وحدها.  كان متوسط السن للمجموعة الأولى 7 وللثانية 9, وعلى هذا فإن لدينا موقفين واضحين يبدو أن أحدهما أكثر انتشارًا من الآخر ولكن الأمثلة لهما نصادفها في أي سن بين 6 و12.   وهاك أمثلة للمسؤولية الموضوعية.

 

تيه Thé (6 سنـوات) أيهما أسوأ؟  – ذلك الذي لا يعرف أين شارع كوراج.   – لماذا؟  – لأن الرجل ضل الطريق.  – وهل يعرف الآخر أين شارع كوراج؟ – نعم.  – لماذا لم يقل؟   – المزاح.

 

فال Val (7 سنوات)  أعأد القصتين صحيحتين تماما.   – أيهما أسوأ؟  ذلك الذي ضل الطريق (الذي جعل الرجل يضل الطريق)  – وهل يعرف الطريق (هذا الولد) أم هو لا يعرفه تماما؟   – لا يعرفه تماما.  – أيهما أسوأ؟   ذلك الذي لا يعرف الطريق فجعل الرجل يضل طريقه أم ذلك الذي يعرف الطريق ولكنه لم يذكره للرجل ولكن الرجل لم يضل طريقه؟   – ذلك الذي ضل الطريق.

 

فير Fer (8 سنوات)   – أيهما أسوأ؟  – الأول الذي جعل الرجل يضل الطريق, أما في حالة الثاني فإن الرجل لم يضل طريقه.

كارCar (8 سنوات)    – الأسوأ هو الذي جعل الرجل يضل طريقه, والأقل سوءًا هو الذي لم يجعل الرجل يضل طريقه.  – لو ترك لك عقابهما فأيهما تعاقب أشد؟   – ذلك الذي لا يعرف أين الطريق.  فلقد ارتكب خطأ.  – ولكن الولد الآخر خدع الرجل؟  – نعم, ولكن الرجل لم يضل الطريق.  – ولكن لو فرض أن الرجل ضل الطريق؟    – كلاهما في السوء سواء حينئذ.

 

وهناك أمثلة للموقف الآخر وسنبدأ بحالة متوسطة.

تشاب Chap  (7 سنوات و6 أشهر)   – هل أحد الولدين أسوأ من الآخر؟   – لا, كلاهما سواء.  – وهل غضب الرجلان؟   – نعم, أحدهما أكثر من الآخر.  ذلك الذي لم يجد طريقه.  – ولو فرض أن الرجلين قابلا الولدين فماذا سيحدث؟   – سوف يعنف أحد الرجلين الولد (أكثر من الآخر)  – أي الرجلين؟  – ذلك الذي ضل الطريق.  – وهل الحق في جانبه؟   – لا, إنه ليس مصيبًا لأن الولد لا يعرف الطريق.

 

دير Dur (7 سنوات)   – هل هما سواء أم أن أحدهما أسوأ من الآخر؟   – أحدهما أسوأ من الآخر.     – أيهما؟  – ذلك الذي قام بعمله للمزاح.  – هل ضل الرجل الطريق أم لا؟  – لم يضل الطريق.  – والآخر في حالة خطأ الولد؟   – لقد ضل الطريق.  – أي الولدين تعاقب أشد؟  – ذلك الذي فعل ما فعل للمزاح.

 

كلاىClai (7)   – أيهما أسوأ؟   – ذلك الذي يعرف أين الشارع (وعلى ذلك يكون قد غش) وبعد ذلك لم يضل الرجل.

 

كيم Quem  (ثمان سنوات ونصف)  – أيهما أسوأ؟   – ذلك الذي يعرف ولكنه لم يقل أين الشارع.      – وهل ضل الرجل الطريق؟   – لا, لم يضل الطريق لأنه سأل رجلاً آخر.  – وماذا فعل الرجل في القصة الأخرى؟   – لقد ضل الطريق.

 

لورد Lourd (ثمان سنوات وثلاثة أشهر)  – الأسوأ هي كذبة الولد الذي كان يعرف أن الشارع ليس هناك أما الآخر فقد تحدث دون معرفة ما يقول.  – هل يجب معاقبتهما؟  – الولد الذي قال خطأ هو الذي كان ينبغي أن يقول الحقيقة حين يعرفها.

 

كى Kei (10 سنوات)   – الأسوأ هو الذي فعل ما فعل عن قصد أما الولد الآخر فقد خدع شخصًا ما ولكنه لم يكن يعرف.

 

وهذه الإجابات تؤكد ما توصلنا إليه فيما يتعلق بالخرق (سوء التصرف) والسرقة فالصغار من الأطفال يميلون إلى إهمال القصد وقصر تفكيرهم على النتائج العملية للحادث.  أما الكبار فعلى العكس من ذلك يصرفون جل اهتمامهم نحو الباعث.  ومن أهم الإجابات في هذه الناحية تلك التي أجاب بها تشاب (سبع سنوات ونصف) والذي يعرف أن الكبار أيضًا يميلون إلى الاهتمام بنتائج الحادث وحدها، ولكنه يرى رغم ذلك أن الكبار مخطئون وأن القصد يجب أن يعمل له حساب أكثر من العمل المادي.

 

وكل هذه المعلومات يبدو أنها متجهة نحو نقطة واحدة.   أما المشكلة التي يجب أن نناقشها الآن فهي كيف يمكن أن يخرج الطفل من نطاق هذا المذهب الأخلاقي ويصل إلى مستوى الحكم على السلوك على أساس القصد.  ولعل الذي سوف يهدينا إلى الطريق الصحيح لدراسة هذه النقطة هو التحليل العميق للنتائج السابقة مضافاً إليه مجموعة من الأسئلة عن أسباب عدم الكذب التى يدلى بها.

 

كمال شاهين

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.