تصحيح أخطائنا التراثية إعداد الصحابة لغياب رسولهم – 3
تصحيح أخطائنا التراثية
إعداد الصحابة لغياب رسولهم – 3
بسم الله الرحمن الرحيم
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence
تحدثنا في سورة المجادلة عن إعداد الصحابة للمجالس البرلمانية وعن أهمية المرأة واستقلالها وحقوقها في الإسلام أيام الرسالة المجيدة.
وعرفنا من سورة الحشر بأن الله تعالى مهتم بإيجاد التوازن الاقتصادي بين الذين حضروا الرسالة الكبرى دون أن يمس حقوق الناس المعروفة بينهم. إنه سبحانه أمر بتوزيع غنيمةٍ استولى عليها رسوله بأمره الكريم بين المهاجرين واكتفى بمدح الأنصار على حسن استقبالهم لإخوانهم من المهاجرين. الغنيمة التي كانت تتواجد بصورة شرعية صحيحة بأمر الملك العلاّم جل شأنه كانت مشابهة للثروات الطبيعية اليوم بظني.
وفي السورة التالية للحشر وهي سورة الممتحنة نرى بأن القرآن الكريم المنزل من رب العالمين لا زال يسعى لإعداد صحابة نبينا للحياة البرلمانية أو الديمقراطية بعد وفاة النبي. هذه السورة المباركة تهتم بالأمة التي سوف تستعد للانتخابات مستقبلا. السورتان السابقتان اهتمتا كثيرا بالذين يعدهم للإدارة والإشارة والحكم ولكن هذه السورة تسعى لتعميم التعليمات الإسلامية لإدارة الأمور بين كل فئات المجتمع. تبدأ السورة بالفصل بين الأعداء والإخوان. فالعدو بأمر القرآن ليس من يعاديك من بني دينك، فقد يكون عداؤه سطحيا؛ ولكن العدو هو الذي يعاديك ويعادي ربك. بهذه الفاتحة الكريمة للسورة يُنهي الله تعالى كل الانقسامات الداخلية بين الذين آمنوا ويضع سبحانه نهاية للمخاصمات الشخصية والعائلية ليشعر المسلمون بأن من يعاديهم ولا يعادي ربهم فهو لا زال أخا لهم ولكن العدو الحقيقي هو من يعادي ربهم. يمكننا ملاحظة الآية بأنها تبدأ بعدو الله بقوله الكريم: لا تتخذوا عدوي وعدوكم؛ ولا تقول: لا تتخذوا عدوكم وعدوي.
لا تنطوي السورة على أية دعوة لطرد الناس وتكفيرهم بل تسعى لأخذ الحيطة من أعدائهم فقط. أرجو أن تقرؤوا الآيتين الأوليين الآن وتسعوا لفهم معناهما وهما: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (1) إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2). حاولوا المقارنة بين التكفيريين اليوم وبين المسلمين الأوائل. يخبر الله تعالى العالِم بالسرائر عن مكنونات قلوب المشركين واليهود وكل الرافضين لدعوة رسوله بأنهم يتظاهرون بالعداوة لأن السلطة صارت بيد المسلمين ولو تأتى للمخالفين أن يثقفوا الذين آمنوا فسوف يفعلوا ضدهم ما شاءوا. والثقف لا تعني إدراك الشيء بل تعني الحذق في إدراك الشيء كما يقول الراغب الأصفهاني وبعض علماء اللغة الآخرين. فقد يكون الحذق بمعنى المكر والخديعة من الأعادي أو ممن يقومون بالإرهاب والإرعاب رجاء الوصول إلى مآربهم أو بمعنى المواجهة المعرفية أو العسكرية بعد دراسة وتقييم.
ويمكن ملاحظة أن أعداء الذين آمنوا من الصحابة كانوا يتمنون أن يكفروا بالرسالة الجديدة. ويكتفي ربنا بأن يأمر المؤمنين بأن لا يبوحوا بأسرارهم أمامهم وهذا هو المقصود من إلقاء المودة إليهم. فالإنسان يبوح بأسراره أمام أعز أصدقائه وأهله وهذا تصرف صحيح لو كانوا جميعا متفقين في الأهداف ولكنه يضر لو كانوا مختلفين في أهدافهم ومذاهبهم.
ويجب أن لا يقطع المؤمن الأمل في أن يهدي الله تعالى الجاهلين من أعدائه فلا يعطيهم أسراره ولا يعاديهم، ونرى ذلك بوضوح إذا ما نظرنا إلى الآيات كاملة حتى الآية التالية من السورة الكريمة: عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (7).
والتالي من السورة يمثل حكم الله تعالى في الذين ثبت بإخبار من الله تعالى عداوتهم لأصل الإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه السلام: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9). فالعدو الذي لا يُظهر العداء ولا يحشد الأعداء ضد المسلمين ولا يمارس القتال في الدين مع الذين آمنوا فإن المؤمنين يحبونه ويبرون إليه ويقسطون ولكنهم بالطبع لا يسرون إليه بأكثر مما هم مأمورون بالعلن من صحبة ومحبة ومساعدة. فلا يبوحون بأسرار الدولة وأسرار المسلمين إلى من يحبونه من الكافرين.
ثم يأتي دور التعامل مع الذين يتركون العقائد الدينية غير الصحيحة ويتجهون إلى رسول الله مؤمنين أو مؤمنات. فهم إخوان وأخوات للمؤمنين. وبالنسبة للمؤمنات المهاجرات ضد أزواجهن من المشركين فإن على الدولة الإسلامية أو النظام أو السلطة أو أي تجمع قوي من المسلمين أن تستقبلهن ولا ترسلهن إلى الذين كفروا. ذلك لأن المؤمن ذكرا كان أو أنثى لا يجوز له أن يتزوج من غير المؤمن والمؤمنة أو يبقى أو تبقى على الزوجية إذا ما آمن وبقي الطرف الآخر على كفره. لكن حقوق الكفار المالية لا تسقط وعلى المسلمين أن يعوضوهم. فقال سبحانه في نفس سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10).
وأنا في حيرة من أمر المسلمين بعد الرسول ولا سيما في عهود ملوك بني أمية وبني العباس والفاطميين والعثمانيين، أن يغزو بلاد غير المسلمين ويسرقوا أموالهم ويسبوا نساءهم وأطفالهم وشبابهم بعد أن يقتلوا الرجال؟ إذا لم يبح الله تعالى لرسوله أن يستقبل نساء المشركين دون أن يعوض أزواجهن من المشركين فكيف يبيح المسلمون لأنفسهم ما فعلوه ويفعلونه من بربرية وإجرام وسرقة وقتل وسبي لنساء غير المسلمين ؟
وبعد كل هذا فإن الله تعالى يأمر رسوله بتجنيد النساء المؤمنات لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة بين عوائل أهل مكة. سوف يقوم الرسول قريبا بفتح مكة أو أنه عليه السلام كان قد فتح مكة قبل تجنيد المؤمنات. على أي فرض فسوف يسلم الكثير ممن لم يسلم من قبل. هؤلاء يجهلون نظام الحكم عند رسول الله المبتني على التشاور والمشاركة في الحكم. كيف يمكن لأمة عاشت عقودا وقرونا في ظل الأحكام الاستبدادية أن تمارس الشورى؟ وكيف يتأتى للرجال القيام بهذه المهمة الصعبة التي تتطلب دخول البيوت والتحدث مع أهل المنزل من زوجين وأولاد؟ قد لا يُفتح لهم الأبواب أصلا ويُطردوا من البداية. لم يكن بيد الرسول أية وسيلة للنشر غير التحدث مع الأفراد، حيث لم تكن هناك تلفزيونات أو إذاعات أو صحف. ولذلك فإن النساء هن اللائي سيقمن بهذه المهمة التثقيفية الصعبة. يهمني أن يلاحظ الإخوة والأخوات الأكارم نص التعهد الذي أمر الله تعالى رسوله أن يأخذه من الأخوات الراغبات في التجنيد الثقافي لتغيير توجهات المجتمع المكي. بالطبع نحن لا يمكننا هنا أن ندرس في مقالة واحدة كل الأصول القرآنية لمثل هذه القضايا لكننا سنعرف الكثير حينما يساعدنا ربنا لكشف تلك المعاهدة المهمة بين الرسول وجنوده من النساء.
قال تعالى قبل نهاية سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12).
يا أيها النبي: الخطاب لابن مكة محمد بن عبد الله القرشي باعتباره نبيا لا باعتباره رسولا. هذه ليست رسالة السماء بل هي تعليمات سماوية لنبي يريد أن يحكم مكة. النبوة منصب علمي وكل نبي مؤهل للرسالة ولكن ليس كل نبي رسولا. إنما كل رسول نبي. وبما أن النبوة مقام علمي فإن أنسب خطاب للرئيس المرتقب هو مخاطبته بمقامه العلمي ليعرف بأن عليه أن يتعامل مع الأمر تعاملا علميا ليتدبر أمر ربه قبل أن ينفذه. هذا ليس مثل أمره تعالى بالنفير بل هو أمر يحتاج إلى دقة وأناة لأن النبي في صدد بناء مستقبل الأمة الإسلامية وهو مأمور ببناء مكة لتكون منارة علم وهدى للناس جميعا ولتكون ملاذا لكل المسلمين إلى يوم القيامة. وهذا ما نتمناه من ربنا أيضا أن يبقي لنا مكة بشرفها ومكانتها وأن يرفع اسمها وأهميتها وهيبتها في أذهان البشرية جميعا.
إذا جاءك المؤمنات يبايعنك: نعرف من الجملة الكريمة بأن النبي الأمين قد أعلن بأنه يريد توظيف أو تجنيد بعض النساء المؤمنات بالرسالة للقيام بعمل يتطلب دخول بيوت أهل مكة. وحينما يعلن رئيس عن وظائف أو مهمات شاغرة فإن الطلبات تنهال عليه ليختار منها ما يتناسب مع حاجته. بالطبع هناك بعض الصحابة القادرين على مساعدة النبي في مهمته والذين يبلغون دعوته إلى نساء المؤمنين وقد يقوموا بتشجيع القادرات منهن وتأهيلهن بما يقووا عليه. فمما لا ريب فيه بأن هناك مقدمات حصلت وبأن هناك مؤمنات استعددن للقيام بالدور المطلوب من المرأة المؤمنة في ذلك الظرف الهام جدا. لقد تم إعداد المؤمنات وهنا سيفدن شيئا فشيئا إلى النبي للتعاقد معه على تنفيذ المهمة الكبرى.
فإذا جئن ليسمعن الكلمة الأخيرة من رئيس الدولة ليقمن بالبيعة معه على العمل كمجندات في خدمة رسالته فيبايعن النبي على القيام بالمهمة والالتزام بشروط التجنيد، هناك يبايعهن النبي. ولنصغ إلى الشروط:
-
على أن لا يشركن بالله شيئا: إنهن مؤمنات بشهادة القرآن ولكن كما قال تعالى في سورة يوسف: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106). الشرك في القرآن ليس دينا ولا صبغة وراثية ولا مرتبة اجتماعية كما يظن قليلو العلم. إنه عمل يقوم به الإنسان وسوف يُعاقب حينما يقوم الفرد بالعمل الخاطئ ولا يعاقب حينما يرث الدين سواء كان مسلما أو مسيحيا أو بوذيا أو أو. مشكلة الإنسان أنه يتوجه بسرعة إلى إنسان مثله ليُلبسه كساء الألوهية الزائفة. إنها مسألة مهمة جدا للفرد العادي أن يكون مأمورا من قبل مسؤول يقوم بأعمال إلهية فوق قدرة البشر. هكذا يكبر في عيون العامة من الناس. فتكبير المراد مهم للمريد وتفخيم الشخصيات مهم لمن يسير على درب أولئك الأشخاص. والله تعالى يقف دائما أمام هذه الحركة الخاطئة المنتشرة والمتفشية بين بني الإنسان مع الأسف.
فعلى المجندة أن تتعهد بالابتعاد عن الشرك بأي شكل من أشكاله. الله تعالى هو الإله وكل من دونه ليسوا إلا بشرا ممن خلقه الله تعالى ولا قدرة لأحد لا بالإصالة ولا بالوكالة أن يقوم بأعمال إلهية. يمكن الوقوف طويلا أمام كلمة “شيئا” في آخر الجملة والسعي لفهم كل أنواع الشرك الذي تتعهد المؤمنات بعدم الإتيان به.
-
ولا يسرقن: سيدخلن بيوت الناس بصورة مكررة وسيرين الكثير من التحف وغيرها فيقول لهن النبي بدون أية مجاملة بأن عليهن أن يتعهدن بعدم السرقة من بيوت الذين يسعين لتثقيفهم ولإيصال دعوة الرسول إليهم ولبيان حقوقهم المشروعة في النظام الجديد بقيادة نبيهم المبعوث فيهم.
-
ولا يزنين: قد يزرن البيوت وقد يسمعن بعض التحرشات أو الدعوات القبيحة من بعض الشباب في البيوت، فعليهن الالتزام بأصول الوظيفة والابتعاد عن كل دعوة للزنا. بالطبع أن الزنا محرم شرعا ولكنها هي تتعهد أمام النبي لأنها مجندة والتجنيد مهمة وظيفية لا يمكن للرئيس أن يكتفي بأنها مؤمنة. هذا يعني بأنها لو نقضت عهدها فإن العقاب أو العتاب الشديد عند عدم الثبوت سوف يشملها طبعا.
-
ولا يقتلن أولادهن: بالطبع ليست هناك مؤمنة تقتل أولادها ولكن التعهد يعني شيئا آخر. يبدو لي بأن الرسول كان مأمورا بأن يقبل أو يفضل النساء المتزوجات بل الأمهات للقيام بتلك المهمة الخطيرة. يجب أن تهتم الأم برعاية أولادها ولا تتركهن في البيت عرضة للتلف أو تترك رضاعتهن لفترة طويلة حين انشغالها بالوظيفة. عليها الاهتمام بالجيل المستقبلي وعدم ترك واجب على حساب أمر أقل منه وجوبا. إن حماية طفلها ورعايتها وتغذيتها أهم عند الله ورسوله من مهمة التبليغ ونشر الوعي بين الناس. لا ننس بأن قانون الإسلام هو أن كل الأولاد هم أولاد الكل وكل الناس مسؤولون عن الطفل حتى ينمو. إن كل طفل أساس للمجتمع الذي يضم كل الناس ومن واجب الجميع أن يراعوا الطفولة. سوف تتضح لكم هذه القوانين القرآنية بإذن الله تعالى شيئا فشيئا. واليوم فإن الأمم المتحدة تدعو إلى نفس الشيء ولكن بعض المسلمين مع الأسف على رأس الذين يظلمون الأطفال، والعياذ بالله منهم.
-
ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن: هي شُرطية فعلا وعليها أن تتعهد بأن لا تتهم الآخرين بما لم يأتوا به أو تبهتهم بمجرد الظن. عليها الابتعاد عن موارد التهمة حتى لا تحتاج إلى أن توجه التهمة ضد أحد. نعلم بأن توجيه تهمة الفاحشة ضد أحد مثلا يتطلب إبراز أربعة شهداء فكيف يتأتى لها أن تبهت أحدا ضمن النظام الإسلامي المهتم بكرامة الإنسان وبأن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته؟ لكن التعهد أمام نبي الله ينطوي على الالتزام كجندية مأمورة من قبل النبي أن لا تفتري تهمة ضد أحد. نعلم اليوم بأن هناك بعض المهن مثل الطب والجندية وخدمة الأمن والشرطة ونيابة البرلمان والوزارة ورئاسة الدولة تتطلب القيام بالقَسَم قبل الشروع بالعمل. إن كل التعهدات التي يقوم بها المسئولون أو جلها تعهدات طبيعية يقوم بها كل المواطنين ولكن التعهد أمام المسؤول الأكبر أو أمام نواب الأمة يحمل طابعا قويا يحتاج معه الشخص إلى أن يقوم بألف حساب قبل أن يقدم على مخالفةٍ ضد النظام.
وما يقوله السلف الصالح في تفسيرهم لهذا المقطع من الآية ليس أكثر من وهم وخيال بعيد عن الواقع. إنهم بكل سهولة يختلقون حكايات وقصصا غريبة لتثبيت بعض أفكارهم في بيان آيات الله تعالى. ألا ليتهم لم يفعلوا ذلك واكتفوا بنقل قرآننا إلينا فنحن والحمد لله نفهم أكثر منهم.
-
ولا يعصينك في معروف: المعروف في القرآن لا يعني الواجبات الشرعية بل يعني الأعراف والتقاليد البشرية المفيدة التي ينشرها الله تعالى بين البشر. فالمعصية في المعروف هنا تعني معصية النبي حين رئاسته للنظام في أي حكم عرفي. أظن بأن الناس يعلمون بأن كل تجمع بشري يفرض على كل أفراده الالتزام بالأعراف والتقاليد والقوانين الوضعية. ولكن الذي يرغب بتحمل المسؤوليات الكبرى فعليه الالتزام القانوني بهذه الأعراف حتى يتمكن النظام من محاسبته والتشديد في عقابه.