الف عام من السمك المحفوظ ! هذا هو العلم !!! #اعادة_نظر
هذا هو العلم
نشرت منذ عدة سنوات رسالة بعنوان “ألف عام من السمك المحفوط” جاء فيها ما يلي:
“كانت جماعة “مركز تطوير الفقه السني” قد وصلت إلى درجة من الضيق من الفهم السني القديم جعلها في نفس موقف شباب الثورة المصرية. مجموعة من الناس تعرف ما لا تريد لكنها لا تعرف “بالضبط” ماذا تريد. كان هناك هجوم كاسح على الفقه السني القديم حمل عبأه سيادة المستشار أحمد ماهر وسيادة العميد مهندس على عبد الجواد. كانت هناك محاولات حثيثة من قبل الأستاذ عبد الفتاح عساكر والمهندس محمّد خليفة لدراسة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة دراسة مستقلة خارج إطار الفهم السني القديم الذي تركه لنا الأئمة العظام. كانت هناك, بهذا الشكل, شكوى مرة من “فهم” الأئمة العظام للقرأن الكريم والسنة النبوية المطهرة ورغبة قوية في “فهم” القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فهما مستقلا تماما عن “فهم” الأئمة العظام. وكانت هذه هي المشكلة.
من أين نبدأ؟ هل تأتي البداية ببيان جوانب القصور في الفقه/الفهم السني القديم أم في تقديم فقه/فهم سني جديد؟ وما العمل إذا اتضح بعد التحقق من سلامة الفقه السني القديم أن هناك بالفعل جوانب من القصور؟ بل ما الفائدة أصلا من دراسة الفقه السني القديم إذا كان من الواضح – وهو واضح – أن ضرره أكثر من نفعه مرات. أستند في هذا القول إلى نقطتين أساسيتين: الأولى أن هناك العديد من الأحكام الصادرة عن هذا الفقه لا يستطيع المرء تصور صدورها عن “فهم” صحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. والثانية, أن الأئمة العظام لم يصرحوا أبدا بالمنهج الذي استخدموه من أجل الوصول إلى هذه الأحكام.
قام سيادة المستشار أحمد ماهر وسيادة اللواء علي عبد الجواد بتغطية النقطة الأولى بحيث لم يدعا مجالا لمستزيد, إلا إذا كان هذا المستزيد من هواة العجائب والغرائب, وهذه قصة أخرى. لم يتعرض الكثير للمنهج الذي استخدمه الأئمة العظام من أجل الحصول على الأحكام التي أصدروها. وهذا موضوع يحتاج إلى بعض التوضيح. السؤال هنا ببساطة, بمنتهى البساطة, يتعلق بما إذا كان الأئمة العظام قد أعطونا سمكا أم علمونا الصيد. ودعني أوضح الفرق.
في آخر محاضرة لي في جامعة ماليزيا للعلوم (التي تحتل المركز 113 على قائمة أفضل جامعات العالم) لخصت ما توصلنا إليه أنا والطلاب “سويا” فيما يتعلق بعلم اللغة النفسي وكيف أن “فهمي” لهذا الموضوع يتعارض معارضة واضحة وصريحة مع النظرية العلمية المستقرة في هذا الشأن. بينت كذلك أني عند تصحيح أوراق الامتحان سأكون سعيدا للغاية لو تبنوا ما ذهبت إليه في هذا الأمرعند الإجابة على أسئلة الامتحان إذ أن في ذلك اعتراف محمود بإسهامي في تطوير هذا العلم. قلت كذلك إني سأكون سعيدا للغاية أيضا لو تبنوا النظرية العلمية المستقرة في هذا الشأن إذ أن ذلك يعني أن لديهم كامل الثقة في أن اختلافهم معي لن يؤثر على درجة التصحيح وهو خير دليل على موضوعيتي. أشرت, وهذا هو المهم, إلى أنه سواء كانت هذه أو تلك فأنا لا يهمني أن يتفقوا معي أو يختلفوا معي, ما يهمني هو “الأساس الذي بناء عليه تبنوا هذه الفكرة”. كيف توصلوا إلى هذه الفكرة؟ لم أكتف, إذن, بإعطاء طلبتي آخر ما توصلت “أنا” إليه وإنما كان النقاش يدور باستمرار حول كيف توصلت إلى ما توصلت إليه وكان اختبار نهاية الفصل الدراسي اختبارا فيما إذا كانوا قد اكتسبوا القدرة على “تقييم” ما توصلت إليه. وهذا, بالضبط, ما لم يقم به الأئمة العظام.
أذكر, في هذا السياق, أن أحد أساتذة علم النفس (لا أذكر الآن اسمه) قال لطلبته “أنا لا أريد منكم أن تصدقوني, ولكني أريد أن تفهموا ما أقول”. في العلم لا يوجد تصديق. في العلم, المطلوب أن تفهم ما يقال, وكيف تم التوصل إليه, وما الدليل على صحته. إذا قمت بمذاكرة (لاحظ أنها “مذاكرة” لا دراسة, لاحظ أنها من التذكر لا من الدراسة) ما قاله المعلم لأنه رجل عظيم تجله, وتبجله, وتصدق كل ما يقوله, فأنت لا تفهم ما قاله. أنت فقط تردد ما قاله. هذا هو العلم. والسؤال الآن هو: هل كشف لنا أئمتنا العظام, شموس الإسلام, أسود السنة, وأحبار الأمة, عن طريقتهم في الحصول على العلم ودربونا على استخدامها بحيث نحل محلهم ونستمر في عملهم بعد وفاتهم؟ هل دربونا على الصيد أم اكتفوا بإعطائنا السمك؟ الإجابة واضحة. في نهاية القرن الخامس الهجري تقريبا, توقف العمل. مات الأئمة العظام وتوقف صيد السمك ولم يكن أمامنا إلا “حفظ السمك” الذي تركه لنا شموس الإسلام, أسود السنة, وأحبار الأمة. ألف عام لم يتم فيها إنتاج “جديد”. ألف عام من السمك المحفوظ”.
تذكرت اليوم هذه الرسالة لأهميتها بالنسبة لما يخبرنا به فضيلة الأستاذ الدكتور محمّد سلامه بخصوص الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها والتي تحوي القيم, والأخلاق, والمثل العلا, والفضائل, وتنزيه الله وتعظيمه. والرسالة مهمة لأنها تبيّن أنه:
“في العلم لا يوجد تصديق. في العلم, المطلوب أن تفهم ما يقال, وكيف تم التوصل إليه, وما الدليل على صحته. إذا قمت بمذاكرة (لاحظ أنها “مذاكرة” لا دراسة. لاحظ أنها من التذكر لا من الدراسة) ما قاله المعلم لأنه رجل عظيم تجله, وتبجله, وتصدق كل ما يقوله, فأنت لا تفهم ما قاله. أنت فقط تردد ما قاله. هذا هو العلم”.
وكأن ما تقوله هذه الرسالة هو أنه مهما كان فضيلة الأستاذ الدكتور عالمًا فاضلاً, مفكرًا رائدًا, فإننا لا يمكننا أن نردد ما يقوله. لا بد أن نفهم. لا بد أن نعرف كيف توصل فضيلته إلى ما توصل إليه. ولا بد أن يقدم لنا الدليل على صحة ما يحدثنا عنه. في العلم, لا أحد يصدق أحد والكل يريد الدليل.
Kamal Shaheen
#تطوير_الفقه_الاسلامي