اضلاع القوة 6 : #الاقتصاد_المؤسسي ..رؤية اقتصادية 1

images (8)

اضلاع القوة : حلقة 6

#الاقتصاد_المؤسسي ….. رؤية اقتصادية 1

مرحبا دائما

من جديد نلتقي في اطار سلسلة اضلاع القوة التي من خلالها نفتح سوية بابا من أبواب المعرفة ، لنفهم سوية مجريات أحداث العالم ، ومسيرة الدول، ولكي أتذكر معكم مازلنا في اطار الضلع الأول (الاقتصاد) …

وكما ذكرت في المقال السابق سأسعى في هذا المقال ، لأضع بوضوح رؤية اقتصادية مبنية على أساس فهمي لنموذج اقتصادي شامل ، نموذج خطت من خلاله دول في القاع الى اعلى المنازل الاقتصادية ، نعم طرحي ليس جديدا فقد قدمته مسبقا ومن العام 2003 ، لكنني هنا أعيد تقديمه بصورة أكثر نضجاَ ..

وقبل أن أصل بكم للرؤية التي اقدمها ، لابد من وضعكم على مشكلات الاقتصاد اليمني الأبرز ، وهي مشكلات بارزة في كل الدول الشبيهة بالوضع اليمني ، بل ربما كل الدول النامية تقريبا … و أسعى ليكون النموذج قابلاً للتطبيق في كل تلك الدول ان شاء الله ….

سؤال سئلته وانا اقدم هذا الطرح في احدى جلسات تقديم أوراق العمل :

هل يمكنك أن تصنع هذا التغيير لو كنت في موقع السلطة ؟

كانت اجابتي مختصرة : لا يمكنني ان اصنع التغيير منفرداً ، البطل لا يصنع التغيير ، البطل بحاجة لفريق من الابطال ، بهم يصنع التغيير .

عموما دعونا نضع أيدينا على اهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد النامي والذي يقود لانهيار اقتصادي واليمن نموذجاً له :

1-     إدارة الاقتصاد :

–       هناك اقتصاد خفي يدور فيه مليارات الريالات خارج الدورة النقدية مما يؤدي الى تزايد الفجوة الاقتصادية بزيادة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

–       اعتماد الدولة في إدارة اقتصادها على اقتصاد النقد القائم على توفر العملة الصعبة وتحديدا الدولار مما يجعل تركيز الحكومة في توفير النقد بدلا من إدارة الاقتصاد الشامل

–       سيطرة القطاع الخاص الفردي على حقول حيوية في الصناعات مما يخلق عجزا في نوعية الاستثمار وعدم التحرك لبناء منظومة شركات اسهم عامة في المجالات النوعية والحيوية .

2-     المؤسسة الأمنية :

–       انفلات أمني ، وحروب محلية معلنة وغير معلنة  ، وانتشار كل أنواع السلاح والمخدرات وتجارتها

–       عدم وحدة وكفاءة وفعالية القوات المسلحة الوطنية بنتيجة تعدد ولاءات قياداتها ،  وعدم هيكلتها على أساس وطني

–       تعدد ولاءات في الكتائب والفرق التابعة للمؤسسة الأمنية

–  تداخل دور القوات الأمنية في عملها وتوجه العديد من قياداتها والقيادات الوسطة للعمل السياسي او الاقتصادي مما يجعلهم عرضة للمصالح بدلا من خدمة الامن والدولة …

(لكي نفهم الصورة الاقتصاد والسياسة ليسا محل علاقات بل محل مصالح فالمصلحة ترتفع فوق العلاقة )

3-     الفقر والجوع :

–       تفاقم ظاهرة الفقر إلى أن وصل أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر..

–       سوء تغذية بين الأطفال والكهول وفقر غذائي يصل إلى 10 مليون نسمة ( أكثر من ثلث السكان )

–       مصاعب وتحديات ديموغرافية وجغرافية تتعلق بمعدلات نمو سكاني عالي غير مخطط و دون تأهيل لتكوين مدن جديدة قابلة للنمو ،

– مع بروز التركيب الهرمي للسكان حيث يميل إلى أغلبية طفولية وشبابية، وتوزيع جغرافي سكاني غير متجانس ومتباعد ،

– ومساحة جغرافية كبيرة جدا تميل إلى التصحر أو قاحلة  وغير مسكونة ، ونسبة عالية من الأمية بين السكان

–       ازدياد حدة البطالة وبالذات بين فئة الشباب وهم اغلبية السكان.. والنساء تمثل في هذه الأغلبية 60%

4-     الموارد الحيوية :

–       شحة موارد المياه ونضوبها أو استنزافها في اكثر من خزان جوفي كبير ورئيسي في معظم الوديان الرئيسة

–       نضوب الموارد النفطية وسوء استغلالها وارتفاع تكلفة إنتاجها ، وعدم الشفافية في كل مراحل الإنتاج والنقل والتسويق ، وعدم الاستفادة من مردوداتها بشكل نافع لتنمية المجتمعات التي تنتج فيها…

وبالتالي مؤسسة الحكومة في الدولة تبحث عن حلول سريعة ، لكن الحلول السريعة كما اكرر دائما ليست سوى جرعة مهدئة ، والمهدئات حلول مؤقتة ، تنتهي بعودة الألم، ومن ذلك سعت الحكومة لمعالجة سريعة عبر الجرعة السعرية أو رفع الدعم عن المحروقات .

نعم الدعم لم يكن صحيا ، وليس الا ترفا برز في الدول العربية بعد ثورات الخمسينات والستينيات من القرن الماضي ، الدعم الثاني على السلع ليس دور الحكومة لأنها تخرج الحكومة عن دورها الأساسي الى عمليات تجارية البيع والشراء بغرض الربح او تحقيق عائد عبر البيع والشراء لان مجالها تحقيق خدمة الناس والرفاه في المجتمع فهي ظاهرة اقتصادية غير صحية وتؤثر في سلامة الدورة الاقتصادية الطبيعية . وتدعم تشكيل الفساد الخفي .

ولكي لا نظن ان الوضع لا يتحرك ، هناك مصفوفة من الحلول مقدمة من اللجنة الاقتصادية المشكلة من رجال اقتصاد واعمال من المجتمع المدني التي تم اعتمادها من القيادة السياسية باسم (فريق الإصلاحات الاقتصادية  ) قام هذا الفريق بتقديم مصفوفة متكاملة الى القيادة السياسة ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية الرئيس : عبدربه منصور هادي… عنوانها :

مصفوفة خاصة بالإصلاحات المالية والاقتصادية  التي يفترض أن تصدر بالترافق مع الاصلاحات السعرية للمشتقات النفطية..

المهم سادتي

 نحن في مشكلة نعم… وهي كبيرة…

تحتاج لجهد ، وفي هذه المرحلة العمل التقليدي لن يصل بنا الى حل… هنا نحن بحاجة لعمل مبدع ،نحن بحاجة لتسوية حقيقة في إدارة الاقتصاد بصورة مختلفة .

هنا يبرز من جديد  إدارة الاقتصاد المؤسسي القائم على اقتصاديات الموارد ، وهذه الموارد قد تكون متوفرة الآن أو يمكن أن يتم تطويرها وصناعتها من خلال البدء في فهم ماهي الموارد الممكنة التي من خلالها يمكن صناعة اقتصاد اليمن الاتحادي وتطويره في المستقبل بصورة متكاملة  .

ولأجل فهم هذا المنظور علينا أن نؤكد :

  • الحكومة ليست هي الدولة بل هي أحدى مؤسساتها السيادية ، وبالتالي يجب الفصل بين الدولة والحكومة … لان الدولة هي :

”  كيان سياسي  ذا اختصاص سيادي في نطاق جغرافي إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة عبر مجموعة من القواعد المحددة التي تحدد السيادة لها في والاعتراف الإقليمي والدولي بها “

 و بالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي حدود إقليمية – مؤسسات سيادي كالحكومة والشعب ومؤسساته المتنوعة .

  • ومن هذا المفهوم أيضاً لم يعد الاقتصاد يركز على السوق بل صار السوق هو أحدى المؤسسات في تلك الدولة ، وهذه الفكرة نراها بارزة في التاريخ الإسلامي فمن أوئل المؤسسات التي ركز الإسلام على تأسيسها وتحديد سمة لإدارتها كان السوق ووضع لها نظام عرف بالحسبة .

  • على مؤسسات المجتمع المدني الاندماج في هيكل الدولة لانها المكمل لكل مالا تقدر او تعجز او تقل الحكومة عن فعله فهي مكملة في الضلع الاقتصادي وقوة فاعلة للمجتمع والناس .

  • لابد من العمل وفق منهجية الحوكمة القائمة على الفعل المؤسسي الذي يقر مبدأ انهاء تعارض المصالح ،والشفافية والمحاسبة والمشاركة المجتمعية .

  • الانسان هو القاعدة الأولى لصناعة اقتصاد قوي وهو المورد الحيوي والاهم ولذا سيكون كما قلت سابقا ان له مقال مستقل … عن المورد البشري …

اخوتي احبتي أقول وبهوء ورغم كل العواصف والزلازل التي تدك حياتنا اليومية ، التي برزت بصورة واضحة بعد احداث 2011 ، أنها لم تكن وليدة 2011 بل هي تراكمات سنوات طوال . ولاني على قناعة بان الماضي عبرة فيه تجارب نستفيد من الإيجابيات ، ونتعظ من السلبيات ونتجنبها  ، لذا أقول وأنا على قناعة تامة بإذن الله تعالى ، أقول وبهدوء المطمئن سنسير ويبزغ فجرنا، كما لم يره احد من قبل ، و سنضحك على هذه الايام واحزاننا فيها ،انما هي لحظة عابرة ردة فعل لما نظن اننا فقدناه…

رغم اننا لو حرصنا كل الحرص لفقدناه أيضا، الحزن ليس عادة دائمة وان صار تحولت كل نعمة الى نقمة ، أنما نفوض امرنا الى الله أن الله بصير بالعباد …

اذن علينا أن ننظر للغد وننسى اللحظة الحزينة، ولذا سنستمر في وضع افكارنا ، ونخط أحلامنا ، ونرسم مستقبلنا .

أيها السادة لست مدعٍ لمعرفة منفردة ..إنما أنا فرد في أمة مزدهرة ….

تعالوا نتعمق سوية في ما أفكر فيه ، ولكي افسر ما سيأتي خلال المقال هذا وما سيليه ، الفكر القائم على الموارد يحتاج لقوام مؤسسي ، لان المنظومة المؤسسية تحافظ عليه ، والنظام يبرز وتختفي الشخوص ، والنظام المؤسسي بطبيعته مفتوح ، يتحرك ويستمر في النمو ، مهما تغيرت الشخوص التي تدور في تلك المنظومة المؤسسية ..

لنبدأ الرؤية سوية :

أولاً : الموارد النقدية المهدرة التي تضيع يوميا من موارد الدولة وكيف يمكن الاستفادة منها :

1-     النقود : هناك الكثير من الأمثلة لحجم النقود التي تدور خارج مكينة الاقتصاد وادواته مما يعرض الدولة لحالة من الشلل والعجز في إيجاد السيولة النقدية لأحداث تغيير في اقتصاد الدولة  من ذلك يجب العمل على فصل بين خزانة الأموال التي تديرها الحكومة ، وبين البنك المركزي الذي هو مؤسسة سيادية مستقلة عملها الأساسي الاشراف على اصدار العملة والقوانين المتعلقة بالقواعد النقدية والاشراف على المؤسسات المالية النقدية في الدولة .

2-     السعي لعمل مؤتمر علمي مهني ديني لدراسة وفحص وتمحيص عمل البنوك التجارية والإسلامية والخروج برأي واضح فيها ( لعدم زج حلا حرام .. فيستغلها البعض في العمل الاقتصادي ويرهق المواطن الذي يهمه تنفيذ أوامر دينه ) والمجمع هذا يقرر ماهو الحلال والحرام .. ونخرج من متاهة عمل البنوك واشهار ذلك للناس لدفعهم بتفعيل البنوك والتعامل معها بصورة متكاملة لتجنيب اقتصاد الوطن من الإخفاق .

–       كما أضيف لابد من الاهتمام بتنشيط البنوك ومن ذلك فتح حسابات للموظفين في الدولة في البنوك وتحويل مرتباتهم إليها لننشط دور البنوك من جهة ونحرك الخدمات المختلفة للبنوك . ونساهم في تفعيل دورة النقد في الدولة عبر العمليات البنكية ومن إيداع وسحب .

–       تحرير البنوك من تبعية الحكومة وتبعية بعض المتنفذين في القطاع الخاص أو الحكومي ، مع تفعيل دور البريد وإحياء خدماته كبنية مصرفية وخدمية تابع لمؤسسة الحكومة  .

3-     وهناك مشكلة أخرى تبرز في الاقتصاد الخفي للدورة النقدية واليكم امثلة  (الأرقام الواردة تقديرية في تصوري لمحافظات صنعاء وعدن وتعز فقط) :

–       يوميا في المدن الرئيسية يتم تداول في المتوسط أكثر من مئة الف دولار امريكي تسقط في سوق (التسول) حتى صار التسول مهنة ، ولا توجد هذه الطريقة أي حل لمشكلة التسول بل تفاقمها ولا تنهي مشكلة الجوع ، ولا المرض ولا العوز ….. وهذه الدورة بعيدة كل البعد عن النطاق الاقتصادي الطبيعي فلا تشعر به الدولة بكل مؤسساتها .

–       يوميا يتم تدوير أكثر من من ثلاثمئة الف دولار امريكي في سوق (المواصلات في التنقلات عبر الباصات “هايس ودباب”) ..ايضا يذهب مع الريح ولا يشعر به لا المواطن ولا السائق ولا الدولة بصورة عامة

–       يوميا يتم تدوير أكثر من عشرة مليون دولار امريكي في سوق العشبة الخضراء فقط للمقاوتة والمخزنين (أنها أسواق القات) لا اذكر المزارع ولا التوريد وخلافه فقط في أسواق القات … لا يشعر بها أي مواطن ولا تراها مؤسسات الدولة .

4-     ليس هدفي هنا سياقة الأمثلة وانما فتح العيون لإعادة النظر بحجم السيولة التي تدور في أسواق خفية ، ان تم الاستفادة منها صنعت فارقا في حياة الناس واقصد هنا كل أصحاب المصلحة من المستفيد الى المستهلك الى الدولة …

5-     إن الدولة بحاجة لتكوين مؤسسات عامة تقوم بدور إدارة عملية النقود في المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر مثلا ، لو اقمنا مؤسسة النقل الداخل في كل محافظة ، (نقابة ذات بعد مؤسسي ) يديرها اشخاص مهنيين يتم تدريبهم ودعمهم لإدارة هذه المصلحة ويتم تدويرهم عبر الانتخابات في الجمعية العمومية للمؤسسة التي يشكل قوامها أصحاب المهنة ، ولكي تقوم بدورها الفاعل على كل مشارك أن يساهم بمبلغ شعري مناسب واعتقد أن مبلغ 9000 ريال من كل سائق مناسبة لأنه يدفع هذا المبلغ أصلا في الفرز والمواقف لمنظمي الحركة وللمرور ، لكنه يدفعها بل قيمة حقيقة ، فلنجعله يدفعها في مقابل خدمات نوعية ، ستساعد هذه المبالغ المؤسسة في إدارة العمليات وتكوين مواقف مناسبة وتقديم خدمات تأمينية وصحية للسائقين ، وتطوير الطرق والخ ، هذه المؤسسة لكي تدور بشكل واضح ، يجب الا تديرها الحكومة بل تشرف عليها وزارتها النوعية اشراف الرقابة والحرص على المصلحة لا اشراف التدخل والروتين ، وتشرف عليها أجهزة رقابية مالية يتمثل في الجهاز المركزي للرقابة ..وعلى المؤسسة إيجاد آلية لتسعير النقل وطريقة لجعل النقود يتم تدويلها عبر مؤسسات النقد ، مثل ان يكون هناك كروت شحن يشتريها المواطن ، وعند صعوده الباص يكون هناك جهاز لتسجيل وسحب القيمة من البطاقة ، وبذا لن يتم تداول النقد المباشر الا نادرا وسيجد سائق الباص ان حسابه في البنك ينمو ، ولا يتم هدر المال بصورة عشوائية .

6-     من ذلك أيضا على الدولة العمل على تكوين شركات مساهمة عامة كبرى شركات مستقلة عن الدولة ولا تتبع الوزارات هي التي تقدم المنتجات النوعية و الخدمات للمواطنين، لأن تسليم السلع النوعية لشركات القطاع الخاص الفردي ، يجعل دوامة الطمع الشخصي تبرز أكثر من دوامة العمل المهني المؤسسي ، و أيضا نبعدها عن إدارة مؤسسة الحكومة حتى نجنب تلك المؤسسات النوعية دوامة الصراعات السياسية في الحكومات، تصبح تلك الشركات تنبثق عن محليات المحافظات ، وهذا سيحتاج لبروز أسواق الأسهم ، لتسهيل جذب الأموال المكنزة في البيوت ، وتحويلها الى دورة استثمارية عملاقة مثل (شركة قابضة للكهرباء ) (شركة قابضة لصناعة الغلال والحبوب ) (شركة قابضة عامة للموانئ ) ويمكن أن يكون هناك أكثر من شركة كهرباء في كل إقليم شركة وكلها تعمل بطريقة مختلفة ، وتحصل الحكومة منها على الضريبة ، والإدارة فيها إدارة ممتهنة متخصصة لان اختيارها يتم بناء على قدراتها بترشيحات من الجمعية العمومية ومن مجلس الإدارة ، الذي للحكومة كرسي فيه ،وبالتالي نبتعد عن شركات القطاع المختلط ومشاكلها الى صورة اقوى للشركات المنتجة ذات البعد المؤسسي المعقد والمركب، ونبتعد في نفس الوقت ان تكون شركات عائلية تسيطر على اقوات وحياة الناس ، ليس لها ثبات وكأنها شركات ملكية عتيقة ، وبنقلنا للنظام المؤسسي العام ننتقل لشركات النظام الديمقراطي المؤسسي المدني ، ومن ذلك لو تم اصدار اسهم بقيمة 2$ وكان رأس المال التأسيسي 10 مليون دولار فالشركة يمن أن تؤسس في يوم واحد لان هذا المبلغ هو ما ينفق أساسا وبصورة يومية في سوق القات في محافظات ثلاث فقط .

7-     أما موضوع التسول ، فإن أقمنا مؤسسات مجتمعية سليمة يمكنها تدوير تلك النقود في صالح أولئك المتضررين لان الهدف هو (اطعامهم –توفير العلاج – السكن –رعاية الايتام – العجزة …)  وفكرتي هنا مرتبطة بتغيير نوعي في إدارة الأوقاف سأذكرها لاحقا وعلى العموم ، يتم تكوين مؤسسات نوعية في مقرها قريب من الجامع الكبير في الاحياء السكنية تدير عملية الأموال تلك ، في بقية المساجد في المنطقة بحيث لا ترتبط بمسئول الجامع وانما لها آلية في جمع النقود وتحويلها الى الصالح العام عبر إيجاد اسهم يمكن ان تتضح الصورة في الرؤية المتعلقة بالأوقاف لاحقاً .

8-     يحتاج ما سبق لوضع اطار قانوني وتشريعي لتكوين هذه المنظومة وحمايتها وديمومتها وهذا دور المؤسسة التشريعية في الأقاليم والولايات والمؤسسة التشريعية الاتحادية .

ثانياً : الأوقاف والزكاة والأرض :

إن أي دولة وأي حضارة تسعى لإيجاد سبل تغطية النفقات المالية لمشاريعها الإنمائية لكي تستمر، ومن هنا وضعت الحضارة الإنسانية الإسلامية نواة مميزة ، صارت به قدوة تحتذى بها في دول العالم، لا يوجد وعلى الإطلاق مشاريع إنمائية كبرى إلا ولها مصدر تمويل ، وعرف هذا المصدر بالوقف .

فلو أخذنا جامعة كبرى كجامعة هارفارد الأمريكية نجد أن أوقافها التابعة لها تصل إلى أكثر من نصف مليار دولار أمريكي تقريباً ، لو رأينا جائزة كجائزة نوبل فلها وقف بالملايين لتغطية تكلفة الجائزة السنوية والقائمين عليها . ولو سمعنا عن إعلام كمجموعة الـBBC  العالمية … وهكذا .

وهكذا كانت حضارتنا ، فلا يوجد مشروع عام إلا وله وقف للإنفاق عليه ، أكانت مدارس أو جامعات ، مساجد أو مستشفيات أو ما عرف بالميرستان ، حتى هناك فنادق أو خانات لعابري السبيل عليه وقف للإنفاق عليها .

 هل سمعتم أنه في عهد الخلافة الأموية والعباسية كانت هناك مساحات مفتوحة وخاصة لها أوقاف خاصة خصصت للحيوانات الضالة  والتي فقدت المأوى !!!!!!!!!!!!

فلا يوجد أبداً مشروع مهم إلا وله وقف أكبر وأهم .

من هنا تتم معالجة الفاقد في ميزانية المشاريع الإنمائية ، فلكل إنفاق مصدر تمويل .

أن أكبر كارثة حدثت عندما تم ضم الأوقاف وادارتها لإدارة الشئون الإسلامية أو وزارات الارشاد ، رغم أن وزارة الارشاد هدفها تنموي توعوي وليس هدفها ، العمل التمويلي ، وهذا الربط تم في بدايات القرن العشرين ، بدأ في نهاية الحكم العثماني ، حتى يتم السيطرة على أراء العلماء والفقهاء بوضعهم في موضع ، يصعب على الزاهد فيها أن يتحول الى مجرد تاجر أو مبتز ليصبحوا تحت سطوة النظام الحاكم .. واستمر الوضع ، رغم ان مؤسسات الوقف في البداية كانت مؤسسات مجتمعية مستقلة ثم تطورت في عهد الامويين لإدارة وزارية عرفت بديوان الأوقاف .

وبالتالي لابد من معالجة نوعية وجذرية لهذه المسألة …

ومن هذا أضع رؤيتي في هذا المضمار :

1-     لابد أولا من فضل وزارة الأوقاف والإرشاد وتكوين وزارة مستقلة لإدارة الأوقاف وربطها بوزارة المالية مثلا … أما الارشاد يمكن ان نسميها وزارة الإرشاد والتنمية البشرية فاختصاص الإرشاد هي شئون المساجد والمتعلقات الدينية أكانت للمسلمين أو لغير المسلمين من مواطني الدولة في بلادنا ، وغيرها من الاختصاصات المتعلقة بذلك، ومنها العمل على وضع المعايير الواضحة للتنمية البشرية ، عبر الوسائل المناسبة للمسلمين ولغيرهم  .

2-     أما وزارة المالية و الأوقاف فهي وزارة سيادية  تشرف على  ( بيت الوقف والزكاة و المصرف المركزي ….. )

3-     تشمل الأوقاف جميع الأملاك التي للدولة والتي عبرها تجني الأموال من أجل الصالح العام . وكذا المتابعة والموافقة والإشراف على الأوقاف الخاصة التي يضعها أهل الخير لغرض عام أو خاص . و منها أراضي وعقارات الدولة ، ومنها جميع الأوقاف التابعة للمساجد وللدور رعاية الأيتام والمعاقين والمصحات النفسية، وهي تشمل عمارات الأوقاف والمباني الخاضعة والتي يسلم المستفيد منها مالاً  يخدم الوقف وهي تشمل التأمينات المختلفة وجميع الأرضي المباعة بالتأجير للغير، ولذا فعلينا أن نهتم أبداً عند بناء أي مسجد أو مستشفى أو مصحة نفسية أو دور لرعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة أو دور عبادة لغير المسلمين  ،أو غيرها ……أن نهتم ببناء الوقف أو وضع الوقف الذي تجني الأوقاف منه المال لتنفق على هذه المراكز والمساجد بل وتفرض الأوقاف فرضاً على من يرغب ببناء المساجد أو أي دور عبادة أو غيرها من أجل الصالح العام بناء الوقف الذي سينفق عليها ، وفوق ذلك تقوم الأوقاف بصفتها التأمينية بتأمين الأوقاف الخاصة لرعاية العجزة والشهداء وكبار السن والعاجزين عن الزواج ومساعدتهم ، بل وبناء مصرف خاص للقروض الحسنة (القروض البيضاء)  لمن تجد الدولة فيهم القدرة بل وتساندهم على سداد القرض لبناء المشاريع الصغيرة من رجال ونساء الأمة ، وتعطيهم الفرصة المناسبة والأجل المناسب للسداد .

4-     وكما سردت سابقا يتم تقسيم الهيئة المالية للدولة إلى :  ( الخزانة العامة المركزية والخزانة لكل أقليم ) (البنك المركزي الاتحادي) ( أسواق البرصة في الأقاليم الاقتصادية ) ( بيت الوقف والزكاة ) وفيه يتم جمع أموال الوقف وأموال الزكاة وكذا الصدقات الخاصة والعامة.

5-     بيت الوقف والزكاة : أن وجود هذه الهيئة بصورة مستقلة يضمن حقوق الناس والضعفاء وخاصة الزكاة التي تمثل كل ما يمكنه جنيه من زكاة وليس تحويلها الى جباية مالية ما يحدث الان مما ابرز الغبن والسحت والشح ، لان الزكاة لها مصارفها الثمانية المحددة ولها مصادرها المتنوعة والتي من بينها النقود ، حيث تشمل الزكاة (موارد غير نقدية مثل الانعام والحبوب ) فهي تحتاج لهيئة مستقلة لإدارتها بصورتها التي أرادها الله تعالى .ولو جمعت وفق ذلك لما ظل فقير على ارض اليمن او جائع لان تلك الموارد تغطيه وتفيض ، وهذه الهيئة المستقلة ليس تقدم كل تسهيلاتها وتعاملاتها ودعمها لكل جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بصورة تجعل تلك المؤسسات اكثر فاعلية وحيوية ويمكن من خلال ذلك انهاء ما يعرف بظاهرة التسول المزعجة والعقيمة … تخيل اخي لو تم جمع زكاة المال فقط لوصل حجمه في العام لأكثر من مليار دولار امريكي ….. فما بالنا ببقية المصادر ..وجود تلك الهيئة على صورتها الحالية جعلها عبارة عن أداة لجباية المال لا اكثر ولا اقل وصارت اكبر تجمع للفاسدين وآكلي السحت …للأسف !

6-     ويمكن في اطار بيت الوقف والزكاة انشاء مؤسسات تعتمد على دورة النقد التي يتم سكبها في ايدي المتسولين ولا تعود بالنفع العام لهم او للامة وهذا يجعلنا نقدم وتشجيع أسهم الوقف والتي تحقق أهداف نوعية أساسية منها  :

  • بناء مشاريع استثمارية تابعة للمؤسسة وتشرف عليها ريعها يعود لدعم جهود المؤسسة

  • بناء عمارات ومحلات سكنية وتأجيرها لدعم ريع الهيئة .

  • بناء أوقاف سكنية شعبية بسيطة لدعم لتجميع (أبناء الوطن في الشوارع والازقة) والحالات الخاصة من الشوارع .

  • بناء أوقاف لدعم مراكز تأهيل وتربية اللقطاء والأيتام من الشوارع .

  • توفير مرتبات أو تغذية لكل من لا يملك عملا او فقده وترعى اسرته وتؤهل ولده

7-     ومثال لتلك الأسهم :

  • سهم تجارة مع الله لدعم مجهود بناء المراكز والمحلات . ومن ذلك يتم في المحلات تقديم خدمات مجانية أو شبه مجانية للأسر المرهقة وتقديم البيع بأقل فائدة ممكنة في بقية العمل .

  • سهم أوقاف الخير لتأسيس مشفى مسجد مدرسة

  • سهم آوني لتوفير سكنى لعابري السبيل والضالين في الشوارع ولا يملكون مأوى أو من يأويهم .

  • سهم أسقني توفير سقاية للناس

  • سهم أكنسي لتوفير معامل ومغازل أو دعم مجهودات مشاريع لتوفير الملابس

  • سهم فلا تقهر للأيتام

  • سهم فلا تنهر للمساكين

  • …….

8-     يتحصل شاري الأسهم على وثيقة وقف لله تعالى بقيمة أسهمه وتحدد مجالها وموقع أنفاقها .

9-     ربط الجمعيات التعاونية والاجتماعية والخدمية والخيرية  ببيت الوقف والزكاة بعد حصولها على التصريح المناسب حتى يمكن تقديم الدعم لهذه الجمعيات سنوياً بمبالغ مالية من بيت الوقف والزكاة بقدر مناسب لعملها ولدورها في خدمة المجتمع ومن خلال الجمعيات سيصل الخير لمستحقيه، كما على تلك المؤسسات تقديم  إقرارها المالي وخاصة المتعلق باستلام الزكاة نيابة عن بيت الوقف والزكاة ، حتى لا يتم منع الناس من تقديم زكاتهم حيث يرونها مناسبة فهو حر وغير مكذب .

10-    على هيئة (الوقف والزكاة) أن تدفع نيابة عن المساجد ودور العبادة وغيرها المرتبطة بها  جميع المبالغ المستحقة من الخدمات المقدمة لها من الكهرباء والماء والنظافة والترميم وغيرها ،  دفعاً مستحقاً لهذه الخدمات غير مؤجل . عيب أن تترك هكذا في إهمال متعمد ومقصود.

11-    إعادة النظر في قانون التأمينات وقوانين العمل بحيث يكون العامل في المؤسسة الحكومية او العامة او الخاصة يحصل على نفس الامتيازات ، ولو كان العامل في عمل حر مستقل ليس مرتبطاً بأي شركة أو كيان مؤسسي

12-    البيع المباشر للأراضي البور أو الموات والسعي لتجديد فقه إحياء الأرض التي تخرج عن النطاق المأهول وليس لها مالك إلا الدولة…  ليزيد الأعمار والنماء.. بمعنى العودة لتأسيس مدن حضارية جديدة ، في مواقع هي مواقع موات ..وبالتالي لن تكون هناك مشكلة في نمو السكان بل على العكس سيكون هناك وفر في الخير …

13-    كذا علينا الاهتمام بالمساحات الاقتصادية مثالها مدينة عدن .. التي اكلها البناء العشوائي وغاب عن الناس أن هذه الجوهرة تستنزف بهذا الشكل. فلا بد من نقل الإسكان الى خارج المنطقة الاقتصادية من قلب عدن.. يجب أن يتعود الناس أن حياتهم المتكاملة مبنية على وجود قوة اقتصادية أما باستنزاف كل الموارد المتاحة فنحن سنحيل أنفسنا الى الفقر المدقع أو الهجرة.. وبالتالي يمكن بذا تعويض أصحاب المساكن في قلب المدن الاقتصادي الى مناطق خارج تلك المدن ، ومع تسهيل توفير وسائل النقل لم يعد هذا بالأمر الصعب

14-    النظر باهتمام إلى المساجد ودور العبادة والمدارس وإعادة تأهيلها، من حيث النظافة والقائمين عليها ، وأئمتها وهذا الدور متعلق بوزارة (الارشاد)

15-    ولكي يتسنى إدارة الحي بصورة منظمة يجب إقامة مكاتب وقفية بالقرب من وسط الحي يسمى (مجمع الحي) به مكتبة عامة وبه مكاتب خدمات الحي كمكتب مجلس الحي  ومأذون الحي وغيرها ..

16-    ولما كنا في الوقف ، فإن من المهم التطرق لموضوع الأراضي والتي مررت عليها مرور الكرام ، ولأن القانون هو الحكم ، والعرف هو الفيصل ، فإن :

  • للدولة كل الحق في استرداد كل الأراضي التي وزعت خبط عشواء هنا وهناك ، واستنزفت الأراضي بالهكتارات لأفراد معروفين ومحددين بعدد لا يزيدون عن عدد أصابع اليدين ، هذه الأراضي التي تمثل هماً و ألماً في مناطق مهمة في الدولة.. علينا أن نعي انه عندما نحتكم للقانون وللصالح العام فالأراضي ملك للدولة، هذه واحدة ، و الكلام يقاس على الكبير قبل الصغير ، المسئول قبل الغفير ..

  • والثانية إن العبث بالمساحات الحرة وتضييق المدن بالمباني المهترئة سيسبب صدمة لهذه المدن إلّم يكن اليوم ففي الغد ، وستهلك الأرض والإنسان بهكذا أفعال. فلابد من النظر ان العمران السليم يعتمد على قاعدة 40% للمساكن و60% مساحات خدمية مثل المساحات المخصصة للحدائق العامة ، ومنتزهات الأطفال ، و الطرق ووووو وهذا ينطبق على مساحات الممالح والشواطئ والحدائق والمتنزهات والنوادي و الدور الخاصة والمدارس والمساجد و الأماكن التعبدية والسياحية ..  وما سواها . وعلى مؤسسات الدولة الحفاظ على هذه المساحة من الأرض لأنها مورد لا يمكن تعويضه .

  • الثالثة علينا الترفع عن عقلية ردة الفعل إلى عقلية الفعل، والتحول من العشوائية إلى التنظيم ، وبذا يجب السعي لتطوير أسلوب البناء إلى الأسلوب الحديث (الهيكلي ) والسعي لاستخدام الطرق والمواد الأرخص والأفضل للبناء اليوم، فالطرق التقليدية في البناء أهلكت المال والوقت والجهد، وليس من العيب أن نعتمد على دول ذات خبرة حتى لو قامت هي بتنفيذ المشاريع وخاصة السكانية ، وعلينا الإسراع بالعمل على تطوير المدن الحديثة بما يتلاءم مع ظروف كل مدينة وكل وولاية واقليم،

  • تأسيس مدن ذات المساكن الرخيصة لتوفير السكن للجميع …مع السعي لتسكين أولاً أصحاب العشوائيات وإعادة تلك الأماكن الحيوية منها للدولة عبر التعويض لساكنيها، فأغلب العشوائيات تقع في وسط المدن الحيوية و في قلب الحركة الاقتصادية لتلك المدن.

  • وأكرر دعوتي للنظر في بناء المدن الحديثة ، و تطوير البناء بالنظم والمواد الحديثة التي تخفف من استخدام المواد الحرارية ، والحفريات الكبيرة

  • علينا الا نجعل هدفنا هو خدمة الافراد وهو جزء من أهدافنا.. بل توسيع أهدافنا والتركيز لبناء الدولة الحديثة التي هي لنا جميعا و للأجيال التالية . تذكروا نحن من سيكون الملام يومها عندها وسنلعن والله يرحم ويلطف.

سادتي الرؤية لم تنته … وللمقال بقية ومازالت السلسة مستمرة

القاكم بخير إن شاء الله

شكرا

أحمد مبارك بشير

4/9/2014

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.