اعادة تدوين 2006 : الكذبة 1

يمر بذاكرتنا حدث عظيم ، غير كما يقال منحى التاريخ ، وجعل له منحنيات عدة ، وتاريخ جديد ، هكذا يقال ، حدث هز العالم ، وأرعب أركان الدول ، الحادي عشر من سبتمبر ، أليس هذا ما يقال ؟ أو أنه الحقيقة الجلية والوحيدة من نوعها . ولكن هل هذه هي نقطة البداية ، أم أنها في الحقيقة هي النهاية ، فأي جريمة أو حدث ما ، نراه نحن بمنظورنا العادي أنه البداية لما تلاه ، وفي الواقع البحثي ، ومن أجل الحقيقة ، وفي سبيل البحث العلمي نرى بوضوح أنها كانت النهاية لتخطيط ، وتدبير طويل ، اجتمع فيه الفقير والغني ؛ القوي والضعيف ؛ القريب والبعيد ، كانت النهاية لفكر دبر وخطط ، وكان التنفيذ هو النهاية .

لو عدنا للوراء ، مع معركة الأفغان ضد الروس ، نجد في تلك المرحلة وقد كنا حضوراً وبقوة ، نسمع تلك الفتوى والدعم الحكومي الواسع لمساندة المجاهدين ، بل دعم مواقفهم ، والصرف عليهم ، لأننا أمة واحدة علينا أن نتكاتف ، وكانت كذبة صغيرة ، فالأم الكبرى تريد وبحرص شديد دفع أولائك الباذلين أرواحهم لتلك المعركة ، ولتلك المعركة بالذات ، وكان من أمرها ما كان ، ورأينا من المقاتلين شراسة وبذلاً ، وكانوا رجال الله في أرض الله ، وبحق لا ننقصهم حقوقهم ، وعلى رأسهم في ذلك الحين القائد الفذ عبد الله عزام ، وانتهت المعركة ، وانتصر الأبطال ، وهدأ عبد الله عزام ، وبدأ في التنسيق مع المجاهدين الأفغان لترتيب الوضع الداخلي للدولة ، لإقامة حكم رشيد ، وربط الدولة الجديدة بعلاقات حميدة مع مثيلاتها في الدول الإسلامية ، بل ورفاقها من الدول الغربية ، كان هذا الفكر الانهزامي الرجعي كما رآه زعيم جديد برز في الساحة ، ليس هو المطلوب ، وليس ما ينبغي أن تكون عليه القيادة ، لجماعة الأفغان العرب ، جاء من مصر طبيب عيون ، من عائلة فاضلة ، ولكن بفكر غريب ، تربى عليه ، وكانت لفكره في مصر قصة .

مصر الكنانة ، الجميلة الناعسة ، ترقد في صمت إعدادا للحرب ، وقائدهم في تلك المرحلة السيد أنور السادات ، لديه حرب داخلية مع أفكار شيوعية عمالية ، تحلم بالاشتراكية، وتراه شخصاً متسلقاً لا يستحق مقامه في رأس السلطة ، فدبرت المخابرات المصرية أمراً بليل ، لكي نقضي على هؤلاء الشلة ، أعيدوا النظر إلى مفكرة قديمة ، إنهم الإخوان ، ودعوهم يحاربون في جبهتنا ضد هؤلاء الحمقى ، ولكن لم يستجب الإخوان ، وبعد تفكير وجدوا صغار القوم ، شباب يحلمون بالغد وبنهضة الأمة النائمة ، وبدولة إسلامية ، حلم بها الخوارج في عهد الخليفة الكريم –رضي الله عنه – علي بن أبي طالب ، ومنهم برزت جماعة منشقة عن الإخوان ، بل جماعات عدة ، على رأس كل جماعة أمير ، ويدير اللعبة كما يظنون ظن السوء ، المخابرات المصرية ، ولكن السحر انقلب على الساحر ، أوجدوهم ، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينهوا اللعبة ، فكان من أشهر تلك الجماعات : التكفير والهجرة ، وبرزت بعد ذلك وبقوة جماعة الجهاد الإسلامي ، ولم يدعوا مفكراً ولا عالماً ولا أديباً ، ولا حتى من قال بخلاف رأيهم ولو بالخطأ ، صاروا جميعهم ، بلا ملة ، وجميعهم ، يستحقون القتل ، فكلهم ،بزعمهم كفاراً ، لبئس ما كانوا يصنعون . ودبروا المكيدة وقتلوا زعيم الأمة ذلك الوقت – أنور السادات – ، وحتى اليوم مازالت الحقائق غامضة حول موته . ولما يئس أولئك من العمل وضدهم الدولة ,والناس ، وتخلصاً منهم فتحت الدولة لهم الأبواب ، للهجرة ، وللجهاد في أفغانستان ، وكان لهم ما أرادوا ، وهناك بدأ التحالف الكبير .

شاب نبيه ، من عائلة في قمة الثراء ، وفي قمة المجد ، كل هذا لم يعم ِ عينيه ، ولم يزل ينمو في فكره ، أمر ، هو يبحث عن فرصة لمساعدة هؤلاء الناس ، كيف يجعل من دولة المسلمين قوية مهابة ، ذات سطوة ، ولها كلمة ، ترعرع الفكر ونمى ، وهاجر مع الشباب الذين دعمتهم المملكة ، للجهاد هناك في أفغانستان ، وبذل الروح ، والمال ، وبلا حساب ، وعاد بعد الهجرة الأولى كما عاد غيره إلى بلدانهم ، ولكنهم قوبلوا بجفاء من دولهم ، ومنعوا ، وعزلوا ، فكبر في نفوسهم الأمر ، وغيرهم استسلم للأمر ، وبدأ حياته من جديد ، ولكن الآخرين فشلوا ، فصاروا خبط عشواء يبحثون عن هدف لحياتهم ، وكان هو منهم ، رغم الثراء الذي هو فيه ، رأى أن من واجبه فعل شيء لهم ، طلب من حكومته مساعدته في تكوين جيش للدفاع عن الحقوق في الدول التي زاد فيه ظلم الظالمين ، فقوبل بالرفض والهجر والتوبيخ ، فغادر عائداً إلى البلاد الوحيدة التي ستقبله ، مر قبلها بالسودان ، ليبني ويعمر المصانع ، ويبني في الوقت نفسه الجيش الإسلامي الذي يحلم به ، فلما شعر بالخيانة منهم ، غادرهم وعاد لقومه الذين سيحتضنونه ، ويلبون رغبته ، وعاد من جديد لمؤسسته الحقيقية ، إنها القاعدة مركز استقبال الوافدين ، من كل أنحاء العالم الإسلامي ، ليجدوا عملاً لهم ، ومكاناً يقبلهم ، و هدفاً يسعون لتحقيقه ، وكان هو في انتظاره ، لتلتقي الأفكار ، ويرى رجل مصر في رجل المملكة ، طريقه للوصول إلى الهدف ، دولة إسلامية واضحة المعالم كما يزعم .

وهناك في أفغانستان أصدقاء الأمس أعداء اليوم ، لقد دخل بينهم الطمع ، والبحث عن السلطة والمجد ، ولعبت مخابرات عدة لعبتها ، فلما رأت أن دور هؤلاء انتهى ، عملت على تحريك جماعة جديدة ، لتضرب كلا الطرفين بسلاح من نوع جديد ، يحمل أفكاراً يعشقها طبيب مصر ، ويتبناها مليونير السعودية ، وكأن الساحة عدت ، وتم تجهيزهم بالأسلحة ، من جهزهم ؟ ، أنت عرف الجواب ، مخابرات من طرف خفي تلعب لعبتها الخفية ، وتتفق مع مخابرات دول عدة ، وتجار الموت لن يتعبهم ، البحث ، فالذخائر في المخازن ، خذوا ، اشتروا ! ، ولتلعبوا ، ولتمرحوا ، ولم يفهم أحد ما ، أي أحد كان ، أن اللعبة بدأت ، وعليها ، فلتجعل الصغار يمرحون . وليمرح الطالبان .

وهكذا كان ، واستمرت الأحداث ، وبدأت اللعبة الكبيرة ، بدأت بالعبث مع الحوت الكبير ، و انفجارات كينيا ، كانت البداية ، كما يزعمون ، وبدأ البحث والمطالبة ، برأس التدبير ، أسامة بن لادن ، وبرز صيته ، وعظم شأنه ، رجل منا قال لأمريكا : لا!! ، ولكنه قالها بشدة وبصورة موجعة ، هكذا تبدو الأمور ، والساعات تتحرك ، والجميع يتفرج ، مسرحية كوميدية ساخرة ، وفي الخفاء يلعب الكبار ، ذيول المخابرات ، ترصد ، ترى ، تسمع ، تشعر ، وتعلم . والسياسة تقود كل ذلك .

رأوه ، سمعوه ، ولكن الأوامر لم تصدر للقضاء عليه، أو للقبض عليه ، فهو جزء من اللعبة ، لو انتهى ، فلن تكون هناك أي داع ِ لما سيكون بعد ذلك ، وهم يضحكون ، وبرز الرعب الجديد ، سموه إرهاباً ، طال الجميع ، الكبير والصغير ، المسكين ، والقوي ، الغني والفقير ، لم يترك أحداً ، قال طريقهم للخلاص من الظلم ، وكان طريقة لتوطيد الظلم ، بل نموه ، وتشعبه ، والخطة تمضي إلى هدف مرسوم .

وكانت اللطمة الثانية ، تفجيرات المدمرة كول ، وكان ماكان ، ويا سادة يا كرام ، ما يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي عشية يوم من الأيام ، والناس غارقون في التفكير والحديث المباح ، والحرام ، جاءت الصفعة الكبرى ، والضربة القاسمة ، كما قيل ، وصدقنا الكلام ، ومات من مات ، ومنا الآلف في خبر وكان ، ومنا الآلف في النيجر يموتون كل يوم ، والصمت سيد الموقف الآن ، وكما قيل ، لابد من تأديب الأوغاد ، وضربهم في عقر دارهم ، والغريب أنهم كانوا وبسهولة ، وبلا كل هذا الذي كان ، لهم كل القدرة ، ولهم المعرفة في القضاء على بن لادن ، وجماعته ، وحتى القبض على من يزعمون أنهم قادوا طائرات الموت، كل هذا علمناه وتأكدنا منه ، وكل يوم يأتي دليل تلو الدليل ، أن وراء هذه اللعبة مخابرات ، تعشق الوصول للهدف ، فلو مات بن لادن قبل الحادي عشر من سبتمبر ، فلما كل هذا الذي صار ، ولو مات بعد أحداث سبتمبر ، فكيف لقوات التحالف توسيع المعركة ، وغزو أفغانستان بالكامل ، ومن ثم غزو العراق ، ماهو التبرير ؟ ، بعد ذلك للتدخل في شئون الدول ، صغيرها وكبيرها ، حتى صار لحذاء ، كوندليزا رايس حجمه ، وسعره ، لضرب من يرفض الانصياع ، فالحجة هنا ، محاربة الإرهاب .

وتتكرر النكتة ، ونرى الوحش الكبير القاعدة ، وكأنه دولة لا حدود لسطوتها ، تغزو العالم بإرهابها ، ونحن نصدق ، فأين الأمن الذي تزعمه تلك الدول ، نرى أسلحة ، تفجيرات ، تحمل بصمة واحدة للجميع بوضوح ، مخابرات !!!!! ، نراه نسمعها ، ثم نكذب أنفسنا ، إنها القاعدة ، لن تستطيع أي جماعة اللعب بهذه القوة مالم تستند على قوى داخلية في أمن تلك الدول ، ترعاها ، وتسهل لها الطريق ، وتعد لها العدة ، والحقيقة واضحة جلية ، لقد عشنا كلنا في كذبة كبيرة .

وهل ينتهي كل شيء هنا ، لا يا سادة ، (( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )) ، حقيقة واضحة ، مهما حاولوا ، ومهما صنعوا !!، الجميع يعلم بوضوح من هم المسلمون ، وماهو دينهم ؟ وألما يدعون ؟؟ ، حقيقة ، ولو طالعنا أول وثيقة دستورية إسلامية كتبت في عهد محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – صحيفة أهل المدينة ، فنجد من نصوصها : (( ..لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ؛ إلا من أظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته ……….وإن ليهود الأوس مواليهم وأنفسهم على ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن من أهل هذه الصحيفة …. )) . ويكفيني ويكفيكم قوله تعالى : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب )) .

وفي الأخير أقول مقولة طاها حسين : ( نحن نريد أن نكون أحراراً في بلادنا ، أحراراً بالقياس إلى الأجنبي بحيث لا يستطيع أن يظلمنا أو يبغي علينا ، وأحراراً بالقياس إلى أنفسنا بحيث لا يستطيع بعضنا أن يظلم بعضاً أو يبغي على بعض ).

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.