يوم القيامة الجزء الخامس 2- قصة آدم وحواء باختصار 2

يوم القيامة الجزء الخامس 2- قصة آدم وحواء باختصار 2 

والأمر المهم بالنسبة لموضوعنا هو أن الله تعالى في حين أنه يتحدث عن لسان حال آدم وحواء في مرحلة خاصة من مراحل حياتهما فإنه يستعمل كلمات وجملا توضح لنا حقيقة الجنة ومعناها في الواقع. فجنات النعيم ليست مكانا للجوع البطني ولا الجنسي ولا للعطش الفيزيائي ولا العاطفي كما أن اللبس هناك ليس سترا للعورة وليست الشمس ساطعة في الجنة فطبيعة الجنة ألا تُرى فيها الشمس كما أن تظاهر الجنسين لبعضهما ليس مفتاحا للقاء الجنسي كما هي في الدنيا حيث لا جنس في الآخرة. كل المأكولات والمشروبات الفردوسية مُعَدَّةٌ للتمتع وليس لدفع الجوع والعطش. هذا يعني بأن الأحاسيس مختلفة تماما عما نحن عليه في الدنيا فنحن هنا نشعر بلذة الأكل لأننا نجوع كما نشعر بلذة الماء والمشروبات لأننا نعطش وبما أن الجوع والعطش ينغصان العيش الجميل فلا يمكن تصورهما في الجنة. وأما الجنس فإننا هنا نشعر بالجوع الجنسي فنستمتع بالعمل الجنسي كما أننا نشعر بالحاجة للتعاطف فنستمتع بالملاعبات والمداعبات الجنسية. وأما النهم الذي نراه لدى البشر بالنسبة لأكل بعض الأطعمة ولشرب بعض الكحول وكذلك للبحث عما يزيد في القوة الجنسية فهي بسبب الشعور بالحاجة إلى مزيد من اللذة نظرا لكثرة المشاكل فلا يجد الأغنياء والملوك ملاذا غير البحث عن مزيد من الأكل والشرب والجنس مبتغين في ظلالها المتعة التي تنسيهم همومهم.

ولقد استعار الله تعالى معاني الجنة بالنسبة لآدم ليسمي جنتهما الدنيوية جنة محضة كما يسمي لجوأهما إلى الجنس ابتعادا عن الجنة وطردا منها. ويعلل سبحانه ذلك بأنهما في تلك الحالة كانا قادرين على البقاء كما هو حال أهل الجنة ولكنهما بعد التلاقي الجنسي فعليهما إخلاء المكان لأولادهما. لذلك قال لهما سبحانه مع الشيطان الذي غرر بهما كما في نفس سورة طه: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123). فالعداوة باعتبار أنهما أطاعا عدوهما الحقيقي فابتليا بما سيحل بهما من موت قريب إذا توسع نسلهما بعد حين. فسيبقى الأولاد أعداء للآباء منتظرين موتهم ليرثوهم وسيبقى الشيطان يُفَعِّلُ فيهم مكره ووسوسته حتى يحاربوا بعضهم البعض مستعينا بموارد الضعف لديهم.

والهبوط ليس هبوطا من مكان كما أن طرد الشيطان من الجنة حينما امتنع عن مساعدة آدم لم يكن طردا من مكان أيضا. والدليل على ذلك هو أنه كان موجودا معهما فغرر بهما. لكن الطرد والأمر بالهبوط هو تنزيل مراتب التقوى إلى الله تعالى وينتج عنها الحرمان من بعض رحمته التي أتاحها سبحانه لكل نوع من أنواع خلقه بما يوفي حاجته كاملة. والحاجة إلى التشريع أصبحت ضرورية بعد تلك المعصية من أبوينا ولكن الله تعالى يترك كل شيء ليحين وقته في الواقع، إذ لم يكن لدى آدم أي هدى وأي تشريع في الحقيقة. إن أول تشريع عام هو تشريع التوراة على يد موسى عليه السلام.

وأما قولنا بأن الشيطان أراد لهما الحركات الجنسية في إغواءهما بأن يأكلا الزيتون فهو ثابت في الآيات التالية من سورة الأعراف: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18) وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24). فالذي ووري عنهما من سوآتهما هو أنهما كانا يظنان فيهما التبول ولا يعرفان سر الاختلاف الشكلي بين الآلتين لديهما. ولذلك لم يفكرا أبدا بضرورة إخفائهما في العراء. إنهما بالطبع كانا عاريين مثل بقية الحيوانات التي تعيش على الطبيعة. وقول الشيطان لهما بأن الله تعالى منعهما حتى يكونا ملكين يقصد عفيفين كالملائكة كما أظن.

ولم يكذب اللعين عليهما مخافة أن ينبههما الله تعالى على ذلك. إنه يعرف بأنهما لا زالا في جنة الله تعالى حيث يلهمهما ربهما بكل ما يحتاجان إليه من معرفة ليعيشا حياة طيبة. والله كفيل بأن يُعين من يتقبله في جنته على فهم الحقائق فلا يمكن أن يتركه عرضة للجهل حين الحاجة. ولذلك ترك الشيطان فهم المقصود من الملائكة لهما وكان صادقا وهو يحتمل أنهما سوف لا يقبلان الحياة الملائكية لأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تستمتع بالمتع المادية. قال تعالى في سورة الفجر: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30). هذه الجنة ليست جنات الفردوس بل هي الطمأنينة النفسية التابعة للإيمان الراسخ بالله تعالى إما باعتبار الإيمان الأول عند الطفولة أو الإيمان اللاحق حينما يترك المرء شهواته ويعود إلى ربه ليرى بأنه أكثر تطمينا له من كل الشهوات والملذات التي اهتم بها.

وأما حديث الشيطان: أو تكونا من الخالدين، فهو أيضا كلام خبيث ناقص متروك لهما لتفسيره. وكان يقصد بأن يظنا بأن الله تعالى أراد لهما ألا يتطورا ولا يتغيرا ويعيشا على وتيرة واحدة مملة غير ممتعة. وحالة الاختبار التي يعيشها الإنسان في الدنيا وكذلك الإنسان البدائي لا يخوله أن يتوقع من الله تعالى أكثر مما قاله له بألا يأكل من الشجرة المعرَّفة حتى لو كان في جنة الله تعالى الخاصة بالمؤمنين المطمئنين في الدنيا. وما أن أطاعا الشيطان حتى تحرك الشعور الجنسي لديهما وأحسا بالجوع والعطش الجنسي الذي كتب الله تعالى على نفسه ألا يُعْرِضهما لمثل تلك الحالتين الخطيرتين. وهكذا فإنهما عصيا بمحض إرادتهما فلم يستحقا المزيد من الهدى فقاما بالعمل الجنسي وشعرا بعده بالخجل من آلتيهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة. وتلك بداية السعي لستر العورة لدى الإنسان والظهور بمظهر مختلف عن بقية الحيوانات. والعلم عند الله تعالى وتقدس. 

يتبع…

أحمد المُهري

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.