يوسف أيها الصديق ح 51 – مقارنة بين بني إسماعيل وبني إسرائيل

تواصلا مع شرح سورة يوسف:

يوسف أيها الصديق ح 51 – مقارنة بين بني إسماعيل وبني إسرائيل

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ِلأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿111﴾.

بهذه الآية الكريمة نأتي إلى ختام أطول قصة في القرآن الكريم. لقد اتخذت القصة شكلا روائيا ولكنها بكل حكاياتها تمثل الحقيقة الصادقة بتصديق الذي يتحرك كل شيء بإرادته وعلى سمعه وبصره.

أظن بأن الذي يقرأ القصة كما هي في القرآن ويترك الإضافات التي أضافها القصاصون سواء من اليهود أو من المسلمين إليها فسيشعر بأن كل خطواتها تمثل المعرفة والعلم وأنها تنتج العبرة والاتعاظ. وأما العبرة فقد قال الراغب كلاما جميلا لبيانها وهو في مفرداته: والاعتبار والعبرة: (فهي مختصة) بالحالة التي يُتوصل بها من معرفة المشاهَد إلى ما ليس بمشاهَد.  انتهى.

هذا كلام مقبول لأن المقصود من ذكر القصة في القصة وخاصة في كتاب السماء هو إيصال المتفكر في سيره إلى حقائق كلية يستفيدها من قصص جزئية فيقول في نفسه: قد تتكرر هذه الحالة معي ومع غيري. ولولا العبرة لكانت القصة مجرد تسلية لقتل الوقت لمن لا يعرف كيف يستفيد من وقته.

والقصة المفيدة لا تُجدي إن لم تحتج معها إلى إعمال الفكر وبذل الجهد لفهم أسباب أحداثها ثم تفكر كيفية تجنب ذلك إن كانت النتائج كما تُروى لك ضارة أو تسعى لتكرار التجربة عند اللزوم إن كانت ذات فائدة.

ولذلك قيد سبحانه العبرة بأولي الألباب الذين يتعمقون في القضايا لمعرفة جذورها ولا يكتفون بالظاهر الذي قد لا يعني من لم يعيشوا مع أصحاب القصة مكانيا أو زمانيا.

فبَواطن قصة بني إسرائيل تمثل الحقيقة التي تعني كل إنسان على وجه الأرض. إنهم اليوم متداخلون في السياسة الدولية ويتحكمون في سياسة أقوى دولة على الأرض كما أنهم يملكون الكثير من المقومات المالية والعلمية والسياسية و الصناعية والتجارية التي تعطيهم القدرة على التحكم في المتغيرات أكثر من قدرة أصحاب الثروات النفطية مجتمعين.

وقد وعدهم ربهم أن يبقوا حتى يوم القيامة فلا ينبغي التفكير بالتخلص منهم بل يجب التعامل معهم. هناك الكثير من المشتركات بين المسلمين والمسيحيين وبينهم. والواقع أن مشتركات المسلمين معهم أكثر من مشتركات المسيحيين. لكن بعض المسلمين يجهلون التعامل معهم ويبثون الخوف في قلوبهم فليس لبني إسرائيل إلا أن يواجهوا المسلمين بكل قوة. وقوتهم لا يُستهان بها.

وأنا هنا لا أريد الخوض في الجوانب السياسية وما يقوم به الساسة من مكائد وإشعال للفتن بين المؤمنين من أتباع الديانات الثلاث فهؤلاء في الحقيقة يخلقون إفكا ويصنعون أوهاما لمجرد الحصول على الدنيا الزائلة، وإنما أتكلم بصفة عامة عن الناس العاديين بما هم مؤمنون بالله تعالى ومتبعون لتعاليم أديانهم سواء منهم المسلمون أو اليهود من ذرية بني إسرائيل أو المسيحيون، فأديان هؤلاء جميعا تأمر بالسلام والتعايش السلمي مهما اختلفت التحليلات العقائدية وتباينت فإن ذلك أمر ممكن علاجه.

يجب تطليق لغة القتل والتدمير والإبادة والطرد بشكل كامل والذهاب وراء لغة التعامل والجذب والتعاون وتحسس آلام الغير. وكلما مرّ بنا الزمان كلما ازداد الطين بلة فأرجو أن يعتبر الجميع بقصة يوسف فيطبقوا حالاتهم عليها ويطلبوا جميعا من ربهم المساعدة والمعونة وهو ليس بخيلا على إعانة عبيده إن أذعنوا له وحده ولم يشركوا به أحدا.

ولعل هذه هي رسالة السورة حيث يختمها سبحانه بأن هذه القصص هدى ورحمة لقوم يؤمنون. والرحمة قد تكون عين الهدى ولكن الله تعالى عطفها على الهدى لأن الرحمة أكثر شمولا من مجرد بيان الطريق فتتعدى الهدى ليشمل إيصال المهتدي إلى الهدف المرجو إيصالا مكرما.

هذه حقيقة بأننا لو تعرفنا على من نتعامل معه بدقة فراعينا أحواله فسنفوز بالصداقة معه وسيخلق الله تعالى المحبة بيننا وبينه ولو محبة تقليدية. المقصود هو العيش بسلام واحترام حقوق بعضهما بعضا والتفاهم الكامل والمعقول في القضايا. لكنك لو لم تعرف حقيقة من تتعامل معه فتستفزه بدلا من أن تجذبه ثم إنك سوف تخسره. إنك ستلقي في قلبه الرعب فتدفعه لأن يفعل كل شيء للقضاء عليك. هذا هو الحاصل بين المتخاصمين اليوم. إن كل جانب يستعمل كل قوته ضد الآخر وهو أكبر خطإ.

مقارنة بين بني إسماعيل وبني إسرائيل:

أظن بأن الله تعالى الذي ساعد إسرائيل ويوسف أن يبنيا كيانا عائليا كما يحبان لبني إسرائيل في الأرض المقدسة وما حولها وساعد إسماعيل ليبني أمة مهتمة بإنسانيتها ومستضيفة لكل من يشاركهم في الحياة كما كان يحب إسماعيل في الأرض المحرمة وما حولها؛ فإنه سبحانه سوف يجاري بينهما يوم القيامة.

يشعر الذي يدرس المسألة ويحقق فيها بأن الله تعالى يملك حجة بالغة ضد العصاة من البشر لأنه قام بكل التجارب الممكنة بينهم؛ وقد نشر الله تعالى اليهود والمسلمين في الأرض كما نرى.

سوف يقول لنا ما اختلفنا فيه حول أهمية الاهتمام بالعائلة في مقابل الاهتمام بالعقود والقوانين التي تعتبر كل الناس سواسية بغض النظر عن عوائلهم وأنسابهم وأحسابهم.

سوف يظهر لنا جميعا بأن الاهتمام بالعقود كان خيرا من الاهتمام بالأنساب.

هذه مقارنة بين الأمتين العظيمتين ضمن النطاق الديني في الأرض مما ذكره الله تعالى نفسه في القرآن والذي أعلم بصحته ولا أشك فيه لنراهما كيف سارا جنبا إلى جنب فننظر أيهما أوفق لقوانين الألوهية. لعل هذا يساعد المؤمنين الذين يسعون لفهم الحقيقة أن يصححوا بعض معتقداتهم لتنسجم مع قوانين السماء.

يتبع …..

(هامش 86: قبل الدخول في المسألة يجب أن نرفع إشكالين تاريخيين كبيرين من بعض الأذهان.

أحدهما: مسألة منام إبراهيم وظنه بأن عليه أن يقتل أحد ولديه.

والإشكال الثاني: هو حكاية أم إسماعيل وهل كانت حرّة ام مملوكة.

الإشكال الاول:

لعل غالبية المسلمين يظنون بأن الولد الذي ظنّ ابراهيم أن عليه ذبحه هو إسماعيل ولكن بني إسرائيل ومن ورائهم المسيحيين وبعضا من مؤرخينا يظنون بأنه إسحاق.

لا يسعني ولا يساعدني وقتي أن أناقش المسألة من واقع الكتاب المقدس وأكتفي بأن أناقشها قرآنيا لنكتشف مقصود القرآن فقط. ذلك لأن أكثر من سيطلع على هذا الكتاب سيكون من المسلمين كما أحتمل.

إن أقل فائدة لهذا التحقيق هو إحباط الحجة علينا من واقع ما كتبه بعض مؤرخي ومحدثي المسلمين. لنقرأ قصة الذبح وهي في سورة الصافات:

 رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113).

يتضح من الآيات السابقة بأن الذبيح هو ليس إسحاق.

لقد بشر الله تعالى إبراهيم بغلام حليم ثم ذكر قص منامه لذلك الغلام ثم بعد ذلك بشره بإسحاق نبيا من الصالحين.

ولم يذكر القرآن لإبراهيم أكثر من ولدين هما إسماعيل وإسحاق. وقد وعد إسماعيل أباه بأن يصبر على الذبح كما في الآية 102 أعلاه. ثم يشير سبحانه إلى صدق وعد إسماعيل في سورة مريم:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (54).

ونعلم من الآية 102 أعلاه بأنهما كانا في السعي وهو في مكة ولم يذكر القرآن بأن إسحاق انتقل مع إبراهيم إلى مكة بل ينفرد إسماعيل في كل حكايات إبراهيم داخل الأرض المحرمة.

وحينما نقرأ القصص بدقة نرى بأن الله تعالى قد وهب لإبراهيم ولديه إسماعيل وإسحاق في الكبر ولكن إسماعيل كان أكبر بكثير من إسحاق.

قال تعالى في سورة إبراهيم:

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39).

ثم قال في سورة هود:

وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73).

لقد تعجبت زوجته من أن تلد وهي عجوز كما ذكرت زوجها بالشيخوخة. هذا يعني بأن شيخوخة إبراهيم تحققت بعد ميلاد إسماعيل بفترة زمنية لتغير حاله من الكهولة إليها.

الإشكال الثاني: هل كانت أم إسماعيل عبدة مملوكة لإبراهيم؟:

يقول بنو إسرائيل بأنها أَمَة لإبراهيم. بالطبع إنهم في الواقع يعيروننا بأننا انحدرنا من الإماء وهو ليس محبذا لديهم.

والمسلمون من بعد وفاة خاتم النبيين عليه السلام وظهور الممالك العباسية والفاطمية أباحوا لأنفسهم الارتباط الجنسي بالإماء بلا زواج ولا مهر مخالفين النصوص القرآنية مع الأسف.

وأنا الآن لست بصدد بحث هذه المسألة الخطيرة وتبعاتها في النسل العربي وفي نسل المسلمين. لكني أحب أن أوضح بأن القرآن أنزله رب الطبيعة ورب هذا النظام المسيطر على الكائنات، فلا يمكن أن نتصور بأن أحكامه تتغير بدون تغير النظام.

والنظام لم يتغير فعلا لكن بعض الأحكام البسيطة تغيرت مع نزول الإنجيل ثم القرآن وهي أحكام عقابية ضد بني إسرائيل مثل تحريم شحوم الأنعام. فكان التحريم مؤقتا بطبيعته.

والله تعالى يؤكد كثيرا بأن هذا الكتاب مصدق لما قبله. ولنعرف بأن إبراهيم الذي لم نعرف شيئا عن كتابه، يحمل أولى الصحف السماوية. فهو لا يمكن أن يخالف نظام الطبيعة وهو أبو بني إسرائيل.

قال تعالى في سورة النساء:

وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27).

تلاحظون من الآية الأولى بأن الله تعالى يسمح بالنكاح مع الفتيات المؤمنات (المملوكات) إن لم نستطع ماليا على الزواج من الحرائر.

فالله لا يحب الزواج مع الفتاة غير الحرة ويؤكد سبحانه ذلك في نهاية الآية بـأن هذا الجواز هو لمساعدة الذي يخاف على نفسه الشدة والمشقة.

فهل كان إبراهيم في مشقة حتى يتزوج بعبدة مملوكة كما يدعيه اليهود؟، أم أنهم يريدون أن ينسبونا إلى الإماء؟

وإبراهيم هو مسلم لأنه نبي وكل الأنبياء مسلمون، وهو الذي أحب أن يمنحنا اسم المسلم اسم علم لنا.

وواضح أن المسلم العَلمي لا يمثل الإسلام الحقيقي بالضرورة لكن إبراهيم هو المسلم الحقيقي. كان العرب يصلون ويحجون قبل الإسلام بإرث من إبراهيم وإسماعيل.

وأما الآية الثانية أعلاه فهي توضح السبب في تفوق بني إسرائيل علميا.

إن سنتهم أن لا يتزوجوا مع الإماء لتقوية النسل والنسل القوي أكثر استعدادا من حيث الجينات للتفكر والتعقل.

إن هذه الحقيقة واضحة لمن يتدبر في عمق الآيات الحكيمة.

فالإنسان المفكر بحاجة إلى المزيد من الحرية وإلى المزيد من الشعور بالأمان الفكري والمرأة كأم تمثل أكبر وأهم عامل من عوامل البنيان البدني.

إنها هي التي تصنع الطفل وهي التي تغذيه وهو في بطنها ثم هو خارج البطن. فلو أنها لا تشعر بالحرية، فإنها تنقل هذا الشعور للطفل وهو الذي يسبب عدم مسايرة أولاد الإماء أو من في حكمهن مع الركب الحضاري الذي يتولى أمره الله تعالى بحكمته. وهو العرف في لغة القرآن الكريم.

والآية الثالثة تؤكد على المسلمين ألا يتبعوا الشهوات. وقد اتبع آباؤنا شهواتهم فعلا وتركوا تعاليم قرآنهم وسنوا وشرعوا لأنفسهم قوانين تخالف شريعة الله تعالى وسموها التشريع الإسلامي مع الأسف.

وها نحن نمد يد الاستعانة إلى سوانا ليساعدونا علميا وصناعيا وسياسيا.

وأما ما نراه اليوم من استهانة اليهود بالمرأة – وهي بالطبع ترى أقل مما تراه المرأة من تحقير لدى الشعوب المسلمة- فهو ليس من التوراة كما أن ما يفعله المسلمون ليس من القرآن.

حتى التاريخ غير الموثوق الموجود بين أيدينا يذكر بأن النساء كن يجلسن مع الرجال منذ عهد الرسالة المجيدة وحتى في عهد الأمويين والذين فرقوا بين الرجل والمرأة هم بنو العباس.

والقرآن قص لنا قصة مريم وأمها وقد مدحهما الله تعالى بما لم يمدح به رجلا ولا امرأة أخرى. ونرى بأن أم مريم نذرت ما في بطنها دون الرجوع إلى زوجها عمران بدليل أن الله تعالى لم يذكر إذن الزوج لها في القرآن. ولو كان إذنه ضروريا أو واجبا لذكره ربنا حتى لا نقع في الضلال.

ونرى بأن مريم كانت تعيش في النهار مع أهل المسجد أو أي مكان لعبادة القدماء من بني إسرائيل. ونرى بأن كفيلها هو زكريا وهو كما يقولون ليس من محارم مريم. ونرى بأنها اتخذت مكانا شرقيا لنفسها في المعبد وهو المكان الذي يستلم نور الشمس ليكون أكثر إشراقا من غيره.

فأين هذا السواد الذي لبدنا به نساء المسلمات اليوم ونحن ندعي بأنه شريعة الله؟!

نحن غير صادقين فالله تعالى بحسب تواريخهم أمر النساء أن يطفن مع الرجال حول الكعبة حينما كان العرب يفرقون بين الجنسين في الطواف. كان الرجال يطوفون في النهار والنساء في الليل.

وأمرهم جميعا بأن يصلوا معا حول الكعبة. فمن أين أتوا بحكم أن تصلي المرأة خلف الرجل وجوبا؟ إنهم يخالفون سنة الرسول.

ألم يفكر المسلمون الذين يذكرون لرسولنا الحبيب عليه السلام صحابيات في كيفية كونهن صحابيات؟ إنهم يعتبرون بعض النساء من رواة الأحاديث فكيف روين الأحاديث إن لم يختلطن مع الرجال في مجالس الرسول؟  

لننتبه بأن الرسول لم يملك مايكروفون ولا مكبر صوت ولا أشرطة ولم يقل أحد بأن كان له مجلسان للرجال والنساء.

أرجو أن يفكر المسلمون اليوم قليلا ويعيدوا النظر في أحكامهم الجائرة التي نسبوها إلى الله تعالى والله لم يأمر بها قطعا. ليس لله كتاب بين أيدينا غير القرآن فكيف ننسب أمرا إليه سبحانه وهو ليس في كتابه؟ لنتقي الله تعالى فإن عذاب ربنا غير مأمون لأنه عادل لا يمكن أن يظلم.

أنا لا أريد مناقشة أحكام العلاقات بين الرجال والنساء فهي علاقات غير سليمة في تشريعاتنا وغير منطبقة مع كتاب الله تعالى. وقد ذكرت ما ذكرت حتى أضمن قلة الإشكالات علي في بياني لأسرار سورة يوسف وللمرأة أدوار أساسية في هذه القصة.

يكفي بأن نرى رسولا عظيما مثل يوسف عليه السلام يعيش مع امرأة غير محرم ويجالس مجموعة من النساء في متكإ خاص بهن. ولم يذكر القرآن بأن دخوله على امرأة العزيز كان خطأ وغير شرعي بل ذكر بأن محاولة المرأة للزنا كانت خاطئة.

وأنا أخاف على أهلي أن يواجهوا العذاب القاسي يوم القيامة متبوعا بالنار الأبدية لما قاموا به من ظلم للمرأة ولما نسبوا هذه الحقوق الرجولية والفقه الذكوري غير الصحيح إلى سيد الكائنات جل جلاله.

فكأن الله تعالى خلق المرأة ضعيفة وخلق الرجل قويا! ولو نقرأ آية أخرى بعد ما ذكرتها أعلاه من سورة النساء لنرى بأن جميعنا ضعفاء في هذا الكوكب والسبب ليس هو من الله تعالى بل هو من أبوينا آدم وحواء. قال تعالى في سورة النساء بعد ما ذكرناها أعلاه:

يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا (28).                نهاية الهامش 86.)

أحمد المُهري

تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/Islamijurisprudence

ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :

islamjurisdev@gmail.com

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.