نظرية ظهور العلم 16- جذر المشكلة

نظرية ظهور العلم 16-

جذر المشكلة

تقول فقيهتنا العظيمة:

“لستُ بحاجة إلى التأكيد علي أن سلسلة المقالات البحثية عن مدى الإسهام العربي في حقل العلم تستهويني للغاية بقدر ما تصدمني بعض تفاصيلها التي تؤكد على ما كنا نعيشه, وندرسه, ونحفظه, ونتيه به فخرًا من أننا أحفاد بناة حضارة الخمسة آلاف عام أو يزيد؛ وأن أزمتنا الراهنة ما هي إلا ‘كبوة’ جواد عربي أصيل، ما تلبث چيناته أن تُعيد بناء نفسها من جديد؛ فيقف لنا العالم كما عوّدناه إعجاباً وانبهاراً.”

والرد أن المشكلة ليست “كبوة جواد” كما أنها ليست “مشكلة جينات”.    لا تعود مشاكل البحث العلمي في الثقافة العربية إلى أسباب تقع جذورها في القرن العشرين أو القرن التاسع عشر, بل ولا إلى الثقافة العربية نفسها وإنما إلى الثقافات السابقة للثقافة العربية.    جذر المشكلة “الكبير والحقيقي” يقع في القرن السادس قبل الميلاد عندما سقطت  الإمبراطورية المصرية ومعها الإمبراطورية العراقية في اللحظة التي كان التراكم المعرفي في مصر والعراق قد أنتج فيها “كمية كبيرة من المعلومات تحتاج إلى التنظيم”.   أي في “اللحظة الحرجة” التي كان يمكن فيها أن تتحول الثقافة العراقية والمصرية من “صنع الحضارة” إلى “صنع العلم”. 

في اللحظة التي “تحدث فيها وفرة في المعلومات” وتظهر “الحاجة إلى ترتيب هذه  المعلومات” يظهر العلم.  العلم هو “تنظيم” المعلومات.   عندما تكون مشتبكا في بناء المنازل, والمعابد, والمخازن, فأنت مشتبك في “ممارسة البناء”.  في اللحظة التي تكون مشتبكا فيها في النظر في “طريقة بناء المنازل, والمعابد, والمخازن” فأنت مشتبك في “علم البناء”.  في اللحظة التي تكون مشتبكا فيها في وصف “النظام اللغوي العربي” فأنت مشتبك في “ممارسة وصف اللغة العربية”.  في اللحظة التي تكون مشتبكا فيها في النظر في “الأسس التي يقوم عليها وصفك للنظام العربي اللغوي” فأنت مشتبك في “علم اللغة”.  مارس قدماء المصريون بناء المنازل, والمعابد, والمخازن, كما مارسوا العشابة, كما اخترعوا الكتابة, إلا أنهم لم يخترعوا “الهندسة”, ولا “الصيدلة”, ولا “علم اللغة”.   كانت كمية المعلومات التي “أنتجتها” مراكز الحضارة في الهلال الخصيب قد وصلت إلى “النقطة الحرجة” التي تحتاج قطعا إلى تنظيم.  في ساعة الوصول إلى هذه اللحظة الحرجة, على أية حال, كانت الإمبراطورية المصرية قد “اهترأت” واهترأت جيوشها فسقطت وسقطت معها حضارتها, كما سقطت معها أيضا الإمبراطورية العراقية.   تركت العراق ومصر مسألة “استكمال مشوار التقدم” هذه إلى الإمبراطورية الناشئة في فارس والأخرى الناشئة في اليونان.    إذا كانت الحضارة قد ولدت في العراق ومصر فقد ولد العلم في اليونان.

مشكلة البحث العلمي في مصر, إذن, هي غياب “التفكير العلمي” من الثقافة المصرية.  والتفكير العلمي غائب من الثقافة المصرية لأن الثقافة المصرية لا تحتاج إلى التفكير العلمي.  فيما, بالله عليك, يحتاج الناس في مصر إلى التفكير العلمي؟  ما هي تلك المشاكل العصية على تفكير المرحلة الثانية والتي يحتاج حلها إلى تفكير المرحلة الرابعة؟ (أتحدث هنا عن مقياس جان بياجيه لمراحل التفكير)   ما هي تلك المشاكل التي واجتها مصر في القرن العشرين والتي كان من المستحيل حلها إلا باستخدام طرق التفكير الخاصة بالمرحلة الرابعة؟  ما هي مشاكل المجتمع المصري في القرن العشرين التي تحتاج إلى “تفكير عميق”؟  لم تكن لدينا مصانع تنتج سلعًا تحتاج إلى تطوير, ولم يكن هناك صراع داخل المجتمع يستحيل التوصل إلى حل له إلا بعد “تفكير” عميق.  لم يحدث على الإطلاق.  (وبالمناسبة, فعلى الإطلاق هنا تعني بنسبة 99,99% أي أن هناك مجال في حدود 1 في 10,000  لظهور مشاكل تحتاج إلى تفكير لحلها.  المشكلة أن هذه النسبة هي نسبة ضئيلة جدًا لا تكفي لتوليد “الكمية الحرجة” من المشاكل التي يستحيل حلها بدون استخدام التفكير العلمي والتي يمكنها أن تدفع المجتمع المصري إلى العمل على “ظهور التفكير العلمي” اللازم لحلها).   لم يكن هناك مصنع مصري واحد يتوقف استمراره على “حل مشكلة” لا يمكن حلها إلا باستخدام التفكير العلمي, كما لم يكن هناك صراع اجتماعي نبحث له عن “حل”.  الحل كان دوما جاهزا.  الحل كان دوما هو القوة.  كان الأمن المركزي باستمرار هو “الحل”.

يتبع….

كمال شاهين 

#نظرية_ظهور_العلم

#تطوير_الفقه_الاسلامي 

https://www.facebook.com/groups/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.