يوم القيامة – القسم الثالث – ح 4 النفخة الثانية ويوم التغابن:

يوم القيامة – القسم الثالث – ح 4 النفخة الثانية ويوم التغابن:

النفخة الثانية:

نعلم اليوم بأن الكون في حال توسع وقد أخبر به تعالى في سورة الذاريات: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) ونعلم بأن التوسع غير قابل للبقاء الأبدي لمخالفته مع العقل. ولقد علمنا بأن الله تعالى سوف يستعمل أسلوب النفخ لتدمير الكون. وكما يبدو فإنه سوف يستعمل نفس الأسلوب مرة أخرى لتعمير الكون.

الكهف: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)

المؤمنون: حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ (101) فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)

سورة الزمر: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68)

يس: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا؛ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)

سورة ق :  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)

سورة طه:  مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً (101) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102)

وأما الصيحة المذكورة مع خروج الناس من الأرض فهي تمثل دعوة الله تعالى إلى البشر أن يخرجوا من الأرض خروجا نباتيا كالفطريات التي تخرج من الأرض عادة إثر الأمواج الصوتية الصادرة من الرعد. ولولا الرعد لما خرجت الفطريات بكثرة ولما تكونت في الواقع. إن الرعد هي التي تثير الفطريات لتتفاعل مع التراب وتخرج منه والناس يخرجون من الأرض بنفس الطريقة. قال تعالى في سورة الروم: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19). ومع أني لست مفسراً ِلمفهوم خروج الحي من الميت والعكس في هذا المختصر ولكني مضطر أن أتعرض لها بعض الشيء. ذلك لأن الإخوة المفسرين اضطربوا في تفسيرها كثيرا. فخروج الحي من الميت هو خروج النبات من الحبوب الميتة فعلا. وأما خروج الميت من الحي فهو خروج الحبوب من النباتات الحية والعلم عند الله تعالى. هذا المفهوم يتجلى تماما مع قراءة الآية التالية من سورة الأنعام: إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95).فإخراج الحبة الميتة من النبات الحي يسبق إخراج النبات الحي من الحبة الميتة الأم.  وأما ما قالوه بأن الله تعالى يخرج الإنسان المؤمن من الأبوين الكافرين فهو قول غير بليغ برأيي. فالمقطع الأخير من الآية 19 المذكورة أعلاه يعني إخراج البشر من الأرض والعلم عنده سبحانه وتعالى.

يوم الجمع أو يوم التغابن:

غب الدمار الشامل سوف نضيع في أعماق الفضاء مع بقية سكان السماوات والأرضين. ولا يخفى بأن لكل سماء أرض لقوله تعالى في سورة الطلاق: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)  ولا يخفى أيضا بأن أرضا من الأراضي التابعة لكل سماء قابلة للسكن لقوله تعالى في سورة نوح: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجًا (20) وعلى هذا فسيكون معنى السماء في مقابل الأرض هو الشمس. والسر في عدم ذكر الأرضين هو بأنها كلمة شاذة في اللغة العربية والله تعالى لا يحب أن يستعمل الشواذ في كتابه الكريم في ما عدا الشاذ الحسن. وقال تعالى في الزمر : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) كل ذلك يُشعر بأن الأرض ليست واحدة وبأن في كل سماء أرض وإلا لماذا خُلقت تلك السماوات.

 ولنعرف عدد سكان الأكوان الأخرى فعلينا بأن نضرب عدد المجرات التي تفوق 100 بليون (وأقصد بالبليون الكلمة الأمريكية والتي اتبعها بريطانيا فيما بعد وهي تعادل ألف مليون) في عدد نجوم كل مجرة وهي حوالي 100 بليون على أقل تقدير، ضرب عدد النفوس البشرية زائدا النفوس الجنية في كل أرض منها. لعل عدد أهل الأرض التي نعيش فيها في النهاية سوف تربو على 15 بليون إنسان غير الجن. هذا الكم الهائل من النفوس البشرية والجنية ستختلط ببعضها البعض في فضاء لا يعلم سعتها الواقعية إلا الله تعالى.

ولقد وعد الله تعالى بأن يجمعنا وآباءنا الأولين في الأرض المستقبلية. ذلك لعدم إمكانية القضاء بينهم إذا وقفوا يوم القيامة  مع نفوس الكواكب الأخرى. إذن فسوف يجمع كل فئة في أرضها وسوف يجمعنا نحن في الأرض المخصصة لنا. هي عملية غير ممكنة لغير الله تعالى وعمل عظيم جدا ولذلك نسبه الله تعالى إلى نفسه لأهميته. قال تعالى في سورة الشورى: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ (29) وقال في سورة الكهف: الكهف: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)

في ذلك اليوم وبعد أن اختلطنا بسكان الأكوان الأخرى سواء كنا يقظين أو نائمين فسنعلم بعض ما حصل، في ذلك اليوم سوف يشعر كل شخص بأنه مغبون فعلا. ذلك لأن كلاً منا سيرى ما عمله الشخص الآخر وما سيجنيه من ثمار إخلاصه وتوحيده وسعيه. فسوف يشعر كل واحد أنه مغبون في مقابل الشخص الآخر في ما غلب عليه هو من محاسن الأعمال كما يشعر الشخص الآخر في مقابل نفس الشخص بما تفوق فيه صاحبه عليه من نوع آخر من الأعمال. حصول هذا الشعور لدى الناس دليل على نجاح العمليات التي تمت في عالم البرزخ بغية إقناع الناس والجن جميعا وهكذا الملائكة بما سيقوم الله تعالى به من قسط في المحكمة الكبرى.

يتبع… 

أحمد المُهري

#يوم_القيامة

#تطوير_الفقه_الاسلامي

https://www.facebook.com/groups/Islamijurisprudence/

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.