التقريب بين السنة والشيعة
التقريب بين السنة والشيعة
نريد أن نتعرف على نقطة البداية الضرورية للتقريب بين المسلمين وبأنها من واجب الشيعة قبل أن تكون من واجب السنة. هذا المقال البسيط قد تساعدنا على فهم ذلك فليس من صالح أحد أن يقرأها ما لم يكن مستعدا لإكمال القراءة.
ظهرت الحركة الوهابية الحكومية قبل أكثر من قرنين ونصف باسم السلفية الإسلامية داعية إلى القتل والتشريد والنهب والتعذيب ضد كل مسلم لا يدين لمذهبهم حتى مكّن الشيخ محمد بن عبد الوهاب حليفَه الأمير محمد بن سعود لتشكيل الدولة السعودية الأولى. فمع ظهور هذا المذهب المتشدد شعر بعض علماء المسلمين بالخطر المحدق بهم جراء التفريق بين المسلمين واتخاذ المذاهب المتفرقة وسائل لهدم قوة المسلمين المتمثلة بالإيمان بالله الواحد الأحد وبرسوله خاتم النبيين وبكل المرسلين بلا استثناء وبالقرآن الكريم. أمة واحدة ودين واحد وكتاب سماوي واحد وصلوات يومية موحدة وحج متفق عليه وصيام لا يبيعونه بمال متمسكين به مهما شقت عليهم ظروف المناخ. وبجوار هذا الشعور قام مصلحون من الشيعة والسنة بالسعي للتقريب بين المذاهب الإسلامية للحيلولة دون ترويج الحزب الوهابي المضاد لدين الله تعالى ولسماحة الإسلام ولثقافة رسول الله عليه السلام الحضارية المتمدنة منذ نشأتها في القرن السابع الميلادي.
بالطبع أن الحركات الغربية سعت كثيرا للمواجهة مع الحركات التقريبية بالتعاون مع بعض الوهابيين والتي لا زالت موجودة مع الأسف لدى الكثير من زعماء الغرب السياسيين. في ذلك الخضم الموار من الحركات الإسلامية المتفاوتة، قامت مجموعة طيبة من كبار علماء السنة والشيعة بتأسيس دار التقريب في بيت المرحوم الشيخ محمد تقي القمي في القاهرة. فكما يبدو بأن الشيخ القمي الشيعي كان هو المحرك النشط لحركة التقريب. وتعاون معه كبار رجال الأزهر مثل الشيخ مصطفى المراغي والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ محمود شلتوت وكلهم تولوا مشيخة الأزهر. وكذلك الشيخ محمد محمد المدني والشيخ محمد علي علوبة باشا والشيخ عبد العزيز عيسى وزير شؤون الأزهر والشيخ حسن البنا المتحمس لتوحيد المسلمين وهو مؤسس حركة الإخوان المسلمين. والتحق بهم من زيدية اليمن الشيخ علي المؤيد. هم الذين أسسوا دار التقريب بين المذاهب الإسلامية قبل أكثر من سبعين عاما رحمهم الله تعالى. بالطبع أنني كنت طفلا حين تأسيس الجمعية ولكن والدي رحمه الله تعالى كان متحمسا جدا في الكويت وكنت أسمع منه في الطفولة اسم الشيخ شلتوت وكتابه إلى الشيخ محمد تقي القمي سكرتير دار التقريب في مصر وهو يشكو من تعاطف الشاه مع الصهاينة واعترافه بدولة إسرائيل الإجرامية الغاصبة. ولذلك فما أكتبه هو من مسموعاتي ومقروءاتي ولم أكن مشاركا بأي شكل مع تلك النخبة الطيبة.
قام الغربيون بمحاولات كثيرة لوأد تلك الحركة وأرسلوا إلى بعض شيوخ الأزهر الأفاضل كتبا قديمة للشيعة وهم ينالون من رموز السنة مثل الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين هم في الواقع رموز المسلمين. ويُقال بأن المجتمعين تأثروا بتلك الكتب وتحدثوا عنها في حضور المرحوم الشيخ سليم رافضين التقريب لعدم إمكانية ذلك. فاستمع الشيخ إليهم واعترف بوجود تلك الخلافات وقال لولا وجود الخلافات لما اجتمعنا. دعا الشيخ سليم إلى السعي لتجاهل تلك الخلافات وتوحيد المسلمين للمواجهة مع أعدائهم. كانت رسالة الشيخ هي أنهم لم يجتمعوا لمحاكمة السلف بل اجتمعوا لتوحيد الخلف ونسيان أو تجاهل ما كتبه السلف.
ولعل مما حرك الشيخ القمي رحمه الله تعالى للسعي في التقريب بين المذاهب هو ما استوحاه من قيام الوهابيين في مكة المكرمة بإصدار حكم الإعدام الإجرامي ضد حاج إيراني شيعي مريض لم يتمكن من درء حالة الغثيان فاستفرغ في ملابسه سعيا منه لعدم تلويث أرض الكعبة المشرفة وهو يرفض الخروج من الطواف حتى تتحسن حالته. لكن اللغة لم تسعفه للدفاع عن نفسه فحكموا عليه بالإعدام بالسيف لأنهم كانوا يؤمنون بالتشدد ولا يفهمون معنى اللطف والكرامة وحب الإنسان للإنسان. كل ما يهتمون به هو الكراهية والحقد على البشر وخاصة لو لم يكن وهابيا. ذلك الإعدام المفجع حال دون قيام الإيرانيين بالاستمرار في فريضة الحج لعدة سنوات مع الأسف.
انتهت حركة التقريب بعد أكثر من ثلاثين عاما من النشاط الدائب وبعد أن حال الموت بين الكثير منهم. لكن الحركة بقيت أملا في قلوب المصلحين حتى يومنا هذا. نحن الذين كنا نشطين في ثورتنا ضد الشاه كنا متأثرين بحركة المرحوم الشيخ محمد تقي القمي ومن قبله حركة المرحوم الشيخ جمال الدين الأفغاني وكلاهما إيرانيان احتمالا. لكن الشيخ الأفغاني والذي كان اسمه قبل التغيير جمال الدين أسد آبادي، الذي انتقل إلى مصر فترة قبل الشيخ محمد تقي القمي كان كما يُقال هو المدبر لاغتيال الملك الفارسي ناصر الدين شاه قاجار قبل وفاته بسنة واحدة تقريبا. إنه معلم المرحوم الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر. لعله اختار مصر مكانا لثورته التقريبية لأنه رأى في الأزهر مجمعا أكثر واقعية من المجامع الشيعية المنتشرة في عدة مدن عراقية وإيرانية غير مفيدة للتحرك الثوري الكبير. كان الأفغاني متحركا يسافر بين الغرب والشرق من الهند إلى إيران وأفغانستان ومصر والعراق وباريس ووو.
فالحركة التقريبية كانت موجودة منذ أكثر من قرن في مقابل الحركة الوهابية التفكيكية والمحارِبة لأي تقريب بين المسلمين. لكن التقريب لم يُحصل في الواقع ولم يخرج من حوزة العلماء ورجال الدين وبعض الصحف والكتب الإصلاحية. بل انتهت إلى حركة مضادة للتقريب مثل حركة الإخوان المسلمين بعد الشيخ البنا. فبينما كان مؤسس الحركة المرحوم الشيخ حسن البنا من شركاء الشيخ القمي في تأسيس دار التقريب وكان الإيرانيون الإصلاحيون مهتمين بالتقريب فترة طويلة بعد موت دار التقريب، ومنهم السيد على خامنائي القائد الإيراني الفعلي الذي كان منهمكا في ترجمة كتب السيد قطب إلى الفارسية واشترك في جلسات الحركة في مشهد في شبابه، فإن حركة الإخوان أصبحت حركة معادية للشيعة فيما بعد.
ومن أغبى ما قام به الرئيس الإخواني المرحوم محمد مرسي هو أنه زار إيران لحضور مؤتمر إسلامي وقد اهتم الإيرانيون بتشكيل برنامج جيد لتقديمه إلى الشخصيات الإيرانية لا سيما القائد الذي كان مهتما بالإخوان المسلمين وإذا به يغادر المؤتمر ويتجاهل دعوات الإيرانيين له. كان ذلك عملا غير سياسي خيب آمال الكثيرين في شخصيته التي لم يتمكن من أن يدوم طويلا حتى في مسقط رأسه. ثم رأيناه بعد ذلك يوافق على قتل المرحوم الشيخ حسن شحاتة بطريقة وحشية مع بعض رفاقه.
التقيت بالشيخ حسن مرة واحدة في أحد المراكز الإسلامية في لندن ليلة عاشوراء. كان الناس جالسين على الأرض وكنت عاجزا عن الجلوس مثلهم فرأيت هناك عدة كراسي لأمثالي واخترت واحدة منها. هناك جاء الشيخ حسن وجلس بجواري وأصبح يكلمني ويناقشني كداعية شيعي حول تأويل بعض الآيات القرآنية لصالح الأئمة. رديت عليه فشق عليه ولكنني كنت مؤدبا معه ولذلك سعى بكل احترام ليرد علي دون جدوى. كان منطقه الأحاديث ومنطقي القرآن وأنى للحديث أن ينافس كتاب الله تعالى. تكوَّن صداقة مؤقتة بيننا وتعرفنا على بعضنا البعض ولم يدم طويلا ولم نتمكن من التواصل لكثرة أعمالي وكثرة انشغاله بالتجمعات الشيعية الجديدة. تألمت لمقتله ولو أنني كنت مخالفا معه في حركاته غير المبررة ضد الرموز الذين كان يقدسهم هو وسلفه من قبل أن يتشيع.
ذكرت قصة المرحوم الشيخ حسن باختصار لأقول قولي الخطير في التقريب بين المذاهب الإسلامية. إن هدف التقريبيين كما يبدو ليس هو التقريب الفقهي كما يعلنون بل إن الشيعة منهم يريدون تحويل السنة إلى شيعة والسنة منهم يريدون تحويل الشيعة إلى سنة. هذا ما أقرأه وراء السطور بظني القاصر. وأنا أوافقهم على نواياهم. إنهم أناس طيبون في الحقيقة ويريدون أن يستفيدوا من القوة المسلمة الكبيرة في الأرض لحماية المسلمين من دسائس أعدائهم ولكنهم بعد أن يخوضوا أعماق أفكار الشيعة والسنة فإنهم لا يرون الطريق مفروشا بالزهور بل إن الصخور كثيرة وكبيرة لا يمكن تطهير الأرضية منها.
ولذلك فإن رأيي بأن التقريب بين الفقهين غير عملي ولكن يجب تطهير الفريقين من بعض العقائد الفاسدة ليتوافقوا قبل أن يتحدوا ولا أرى طريقا أخرى أمامنا. يجب إقناع الشيعة بأن الخلفاء الثلاثة كانوا أناسا طيبين وهم الذين اختارهم الرسول عليه السلام لتجهيز بيت فاطمة في زواجها مع علي عليهما السلام. ألا يعني ذلك بأنهم كانوا من خواص رسول الله وموضع ثقته. فكل ما كتبه سلفنا الشيعي حول عداء الخلفاء مع علي ليست إلا فرية شيطانية للتفريق بين أبناء الدين الواحد. يجب أن يقوم مصلحو الشيعة ببيان الحقائق المزورة للإيرانيين ولبقية شيعة الخليج وأفغانستان وباكستان وغيرها. يجب أن يقتنع الشيعي بأن عمر بن الخطاب كان يحب بني هاشم ومن أفعاله التي أنتقده عليها هو أنه رضي الله عنه كان يعطي الهاشمي سهما أكبر من بيت المال لنظيره من غير بني هاشم. بمعنى أن عمرا كان يفضل بني هاشم على نفسه وعلى بني عدي في العطاء.
مشكلة رجال الدين الشيعة هي عين مشكلة رجال الدين السنة وهي الجهل بتاريخهم مع الأسف. أضف إلى ذلك جهلهم بالقرآن الكريم وهو مصيبة كبرى لأتباعهم. أشعر بأن هناك بينهم من الفريقين من يحب الوحدة ومن لا يطمع في السيطرة على الناس لجني المكاسب السياسية والمالية لكنهم يجهلون الطريق مع الأسف. التاريخ مزور وهناك مسائل تاريخية مشتركة بين السنة والشيعة لصالح الشيعة ويتخذها الشيعة ذريعة لرفض السنة. يتبع الشيعة سياسة المظلومية وهي سياسة مرفوضة قرآنيا.
وبجوار تلك فإن الشيعة ظانين بأن رموز السنة ظلموا رموزهم فسيطروا على السلطة واغتصبوا الخلافة من علي وأولاده، فيقومون بالمقابل باللعن على رموز السنة ليروحوا عن أنفسهم. والذي يزيد الطين بلة هو مآتم عاشوراء المغالى فيها ومقتل السيدة الزهراء الكاذب دون أدنى شك عندي يُشعل نيران الفرقة بين الشيعة والسنة. يجب على علماء الشيعة أن يثبتوا عدم صحة هذه القضايا ويجب أن يتركوا عاداتهم غير الصحيحة في تضخيم قضية عاشوراء المؤلمة دون ريب.
لا يجوز للرسول عليه السلام أن يوصي لأحد بولاية العهد فهو لم يكن ملكا بل كان رسولا لا يمكن لأحد أن يخلفه. كان الرسول حاكما مدنيا اختاره أهل المدينة ومن بعدهم أهل مكة ولا سيما بعد الفتح ليرأس النظام فحكمه ليس ملكا يورثه لأحد. كان الإمام علي يرفض أن يوصى له ويعتبر ذلك دليلا على ضعف الموصى به فكيف يهتم الإمام بوصية كاذبة مفتراة على الرسول عليه السلام. قال الشريف الرضي في نهج البلاغة في الكلام التالي ضمن الخطبة 67:
– و من كلام له ( عليه السلام ) ، قالوا لما انتهت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ( عليه السلام ) ما قالت الأنصار قالوا قالت منا أمير و منكم أمير قال ( عليه السلام ) :
فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَ يُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ قَالُوا وَ مَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) لَوْ كَانَ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ. انتهى النقل.
فهل مثل هذا العملاق يرضى بأن يصل إلى السلطة بوصية من سلفه عليه الصلاة والسلام؟
إذن ليس هناك شيء اسمه اغتصاب الخلافة وليس هناك في الواقع خلافة اعترف بها عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم بل هناك إمارة للمؤمنين بانتخاب وموافقة ومبايعة من المؤمنين أنفسهم. يعتبر بنو جلدتي الشيعة كتاب نهج البلاغة أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وقد جمعه أحد بناة التشيع وهو الشريف الرضي رحمه الله تعالى. هذا الكتاب يخلو من أي ادعاء بخلافة رسول الله بقدر اطلاعي فأين مصدرهم التاريخي بأن عليا عليه السلام ادعى الخلافة. كل ما نراه في نهج البلاغة هو أن عليا كان يعتبر نفسه أولى من غيره في الحكم فقط.
ومن أروع ما يمكن أن نفهمه من نفس نهج البلاغة هو أن المسلمين بعد مقتل عثمان لم يروا شخصا أكثر لياقة من الإمام علي لخلافة عثمان. والإمام علي يرفض الخلافة هناك. هذا ما ذكره الشريف الرضي في نهج البلاغة مما يدل على تنصل الإمام من الخلافة والملك:
92- و من كلام له ( عليه السلام ) لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان :
دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وَإِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيرا. انتهى النقل.
ثم إنه عليه السلام يصف هجوم الصحابة عليه ليقبل الحكم هكذا في الخطبة الشقشقية المعروفة في نهج البلاغة وقد عنون الشريف المقطع كما أظن بـ مبايعة علي:
فَمَا رَاعَنِي إِلا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. انتهى النقل.
هذا هو الإمام علي عليه السلام فكيف نقول بأن الرسول عينه خليفة واغتصب زملاؤه الخلافة منه؟ وكان الإمام علي موجودا قبل انقطاع الوحي ولم يذكر القرآن اسمه ولم يتحدث عن خلافته لحكومة الرسول فهل يجوز لنا أن نذهب وراء هذا الجدل التاريخي الذي لا أساس له لا في القرآن ولا في أصح كتاب عندنا وهو نهج البلاغة؟
والخلاصة أن التقريب يبدأ من إنهاء فرية وصية الرسول لعلي عليهما السلام والأمر بمدح الخلفاء الراشدين علنا على المنابر وتخفيض مراسم عاشوراء ورفض مقتل السيدة الزهراء عليها السلام من ناحية الشيعة. هذه هي البداية للتقريب، بمعنى أن على الشيعة أن يبدأوا وليس على السنة.
والسنة بصورة طبيعية سوف يصادقون الشيعة بعدها وسوف يشعرون بأن الشيعة إخوان حقيقيون لهم وتنتهي المشكلة. بالطبع أن علماء السنة يجب أن يسعوا لبيان حقيقة الأخوة الإسلامية بين أبناء الدين الواحد وبأن ما فعله السلف قد يكون خاطئا ويتوقفوا عن تقديس أي بشر ويخصوا الله تعالى بالتقديس دون شريك في تلك الصفة التي تليق به سبحانه.
هناك مشكلة الحكومات السنية والشيعية وبالأحرى مشكلة السعودية وإيران. تلك في واقعها مشكلة سياسية أكثر من أن تكون دينية ولكن الدين بتعريف وهابي هو مستمسك السعودية والدين بتعريف أخباري شيعي هو مستمسك الشيعة. وللحق أقول بأن إيران تسعى منذ فترة طويلة ولا سيما بعد تولي السيد خامنائي قيادة إيران للمشاركة مع السعودية. لكن سياسة الولايات المتحدة الخفية تحول دون ذلك. أما السياسة المعلنة فحتى انتهاء رئاسة أوباما كانت غير مزاحمة لتوافق الدولتين. ومن أقوال أوباما حين ولايته أن دعا السعودية وإيران للتوافق على مناطق النفوذ بينهما. لكن السياسة الخفية والتي أعلنها الرئيس المستهتر ترامب أخيراً هي التفريق بين النظامين السعودي والإيراني.
لا أدري كيف يتأتى للمصلحين أن يحركوا الشعبين الإيراني والسعودي لحث حكومتيهما على التوافق والاتحاد والأخوة؟ لعل المقصر في هذا المجال هو الحكومة السعودية أكثر بكثير من تقصير حكومة إيران. ولعل أغوار المشكلة هي جهل الحاكمين في البلدين بالمستقبل غير المضيء بل المظلم. أضف إلى ذلك الأطماع الشخصية لتوسيع السيطرة والتي لا تتوقف عند من يبدأ بالطمع؛ والشياطين الجنيون والإنسيون كفيلون بتشجيعهما على التحارب والشقاق.
وأظن بأن مصلحة الشعبين والحكومتين السعودية والإيرانية ومصالح كل منطقة الخليج أن تبقى الدولتان قائمتين لصيانة التوازن في المنطقة كلها. فمن خير السعودية أن تتوقف عن السعي للفوضى في إيران عن طريق تجمعات سنية مثل إخواننا البلوش أو تجمعات شيعية مثل مجاهدي الخلق وغيرهما فسعيه لا يخفى على السياسيين. ومن خير إيران أن تتوقف عن إغراء الشعب الإيراني لاتباع الكتاب الشيطاني المعروف بمفاتيح الجنان ورميه في البحر. لو كان المرحوم عباس القمي عاقلا لما أحيا عبادة البشر وهو يعلم بأن الغلو ليس وسيلة مثلى لهداية الناس. إنه يتحدث ضد الغلو في مقدمة كتابه المعروف ثم يقوم بالغلو ونشر الزيارات والأدعية المفرقة بين المسلمين وإلى الشرك بالقدوس العظيم عز اسمه. يدعو في زياراته الشركية مثلا إلى صلاة الزيارة قائلا ضع القبر بينك وبين الكعبة وصل ركعتين. ما معنى ذلك؟ إنه يشرك صاحب القبر بالله تعالى مع الأسف. أو هكذا يتراءى لنا.
ليس عباس القمي مشركا وليس معاديا للمسلمين وليس شيطانا يكره الإنسان. لكنه كان رجلا جاهلا يعلم علما ناقصا لا يفيده ولا يفيد غيره. فعلى الإيرانيين أن ينسوه ويتجاهلوا كتبه التي لا تفيدهم في الآخرة وتضرهم في الدنيا. ليس كل من قام بعمل شركي مشركا في الواقع ولكنه جاهل. الشرك موجود بين كل المسلمين مع الأسف ويجب محاربته بعلم ودراية. اتباع فتوى البشر لقتل إنسان واتباعه لكسب الرضوان شرك واضح بالله تعالى. فالوهابيون يقومون بالشرك أكثر من الشيعة وأنا لا أسميهم مشركين. إنهم أيضا جاهلون يريدون محاربة الشرك ويشركون في سبيله لجهلهم بمعنى الشرك.
وفي النهاية أرى بأن العمل العلمي للتوعية العامة واللجوء إلى القرآن وحده الذي يوحد المسلمين ويسعى لتوحيد المؤمنين بالله وبرسل الله جميعا ونبذ كل الكتب البشرية هو العلاج الناجع لمحاربة البغضاء بين المسلمين ولدرء الشرك عنهم جميعا.
تحياتي للجميع
أحمد المُهري
1/2/2020
#تطوير_الفقه_الاسلامي