يوسف أيها الصديق ح 27 – ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
تواصلا مع شرح سورة يوسف :
يوسف أيها الصديق ح 27 – ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
إتمام لحديث يوسف عن رؤيا الملك !
لم يقل يوسف بأن البلاء سوف يستمر حتى يعود الناس إلى ربهم. وقد استعمل يوسف كلمة فسرها الله تعالى بالعام مرادفا للحول ومرادفا للسنة. ذلك لأن الحول يجمع العام والسنة باعتبار تكرار السنوات سنة بعد سنة 36.
وأما قوله الكريم على لسان يوسف: وفيه يعصرون، فإن المقصود هو أنهم يعصرون الخمر ولا شيء غيره. إن يوسف استعمل نفس الكلمة لبيان عصر الخمر ولا داعي لأن نغير المعنى ونتكلف التأويلات بدون أي دليل 37.
المهم بأن يوسف لم ينس أن يقدم النصح لصاحبه ما لم يتعارض مع نبوته.
لقد أخبره ضمنيا بأن لا خمر بعد فترة من بداية سني الجدب. إن مسؤولية يوسف أن يبحث عن أكل للناس وليس البحث عن الخمور من مهام الأنبياء. سوف يبدأ عام الخير بعد انتهاء أعوام الشدة دون شك وعلى الناس ألا يجلبوا لأنفسهم غضب ربهم فيستمر عليهم عام الخير سنة بعد سنة.
عاد الساقي بقوة وبوجه باسم يبشر الملك الفرعوني بأنه يحمل حل اللغز المحير لكل رجالات الدولة العظمى.
ليس هينا أن نحلل نفسية الساقي وسرعة خطواته نحو سيده الذي ينتظره بفارغ الصبر. إن كل الأبواب مفتوحة له والملك لا ينتظر ولا يستقبل أحداً غيره لعله يضع عنه دهشته وحيرته من المنام المرعب والمخيف الذي لا يفارقه لحظة واحدة.
كان التفسير بسيطا وسهلا وقابلا للقبول بكل رحابة وكانت الحكاية مرضية لقلب الملك الذي شعر بأنه الآن يتنفس براحة وكأن غليله قد ارتوى وخوفه قد انقشع. والحيرة تسبب كل وسوسة للمرء وخاصة لو كان يتحمل مسؤولية ضخمة مثل مسؤولية ملك أعظم دولة على وجه الأرض.
كان الملك يشعر بأن جهله وحاشيته بتفسير هذه الرؤيا الدقيقة التي تنبئ بكل صراحة عن حدث كبير ينتظر مصر، قد يحطم كبرياء الملك وقد يفقد الشعب العظيم ثقته بملكه.
واضح من سرعة تجاوب الملك مع القصة ودعوته الفوري للإتيان بيوسف بأن كل الحاشية اقتنعوا بالتفسير الصحيح ولم يشعر أحد منهم بأي نقص في فهم الرؤيا.
ولعلهم تعجبوا من البشارة الأخيرة التي يحتاجون للكشف عنها إلى نفس هذا العالِم ليوضح لهم. إن دعوة الملك لإحضار يوسف إليه شخصيا فور استماعه للتفسير الجدير بالثقة تنبئ عن تعطش كل المسؤولين لتقصي المخبر عنه لا الخبر.
لقد غابت صدمة تأويل المنام بسرعة، إثر انتباههم لإبقاء إنسان مثل هذا مسجونا منذ سنوات في سجونهم.
ولا يسعني أن أقرأ ما حصل للعزيز من شعور بالخذلان.
إنه يحب يوسف كثيرا ولا يدري لماذا نسي يوسف؟ كما لا يسعني أن أخمن ما دار في خلد امرأته التي تحب يوسف أكثر من حب العزيز ولا تدري هي أيضا كيف نسيته؟ فالنسيان لم يكن خاصا بالساقي بل نسي العزيز وزوجته بأنهما ومن معهما قصدوا إبعاده عنهم أياما لا سنوات.
علم العزيز وزوجته بأن يوسف قد خرج من قصرهم وسيدخل قصر سيدهم ولا يعرفان موقعه الجديد بعد؟ حتى الملك الذي أحب يوسف لا يعرف أين موقع يوسف في منظومة المُلك؟ إنهم لا يعرفون بأن الذي أنسى الساقي والعزيز وزوجة العزيز والباقين بأن يوسف الطيب العالم سجين في مصر هو الذي سوف يعين موقع يوسف بعد ساعات.
إنهم جميعا يجهلون يوسف ولا يعرفونه ويحتاجون إلى المزيد.
وحتى نكون مؤدبين مع كتابنا العزيز فلنرجع إليه لنراه كيف يختصر لنا الموقف بل المواقف في آية قصيرة نحتاج إلى زمان غير قصير من التفكير العميق لندرك معناها.
سنعلم بعد إعمال الجهد الفكري بأن هذه الآيات ليست أناشيد نستمتع بالتغني بها ولا يكفينا أن نتلوها أو أن نستمع إلى نصوصها. إن جمالها مخزون في أعماقها ولن نصل إليها إلا بالتدبر بكل عمق.
لسنا نحن الوحيدين في الغفلة فلننتبه إلى بدايات السورة بأنها آيات الكتاب الحكيم الذي كان شيخ المسلمين غافلا عنها أيضا.
إن مقدمة الخالق للقصة العجيبة تنطوي على أمر واضح بأن يترك المسلمون كلما سمعوه من أهل الكتاب في زمانهم من تفسيرات مريبة وبيانات محبطة لقصة صانع مجدهم وباني كيانهم. لنقرأ الآية معا:
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴿50﴾.
استمع الملك للساقي الذي أكمل شوط العودة إلى سيده، فأمر بإحضار يوسف إليه بعد ان ترك الأمر أثره عليه.
عاد الساقي إلى يوسف في الشوط الثالث، فرفض يوسف الخروج من السجن قبل تحقق شرطه في الشوط الرابع، فعاد الرسول في الشوط الخامس ليراه سيده وحيدا بدون يوسف، ولينقل لسيده شرط يوسف في الشوط السادس وأكد للملك بأنه هو الذي يجهل وهو رب الساقي ورب من في القصر ولكنه ليس رب يوسف الذي يعلم كل ما في قلوب النسوة في الشوط السابع.
هناك سبعة مواقف ومجموعة تحركات وسرد واضح لعدة قضايا وأشخاص متعددون مذكورون في مختلف مواقف الآية هم الملك والساقي الرسول وزوجات الوزراء، كلها مختزلة في آية تقل عن سطرين.
هذا هو القرآن فعلينا ان لا نكتفي إخواني وأخواتي بموسيقى الكلمات رغم أن فيها رنات موسيقية تتجاوز الخيال ولكن ربنا أنزلها علينا قرآنا لا أناشيد ويريد منا أن نتدبر آياته.
اكتفى الله تعالى بذكر واو الابتداء في غرة الآية ليشير بها إلى طبيعة عودة الساقي من حضرة النبي الأمين إلى حضرة الملك الفقير لعلم رسول الله وبيانه لكل ما دار بينه وبين يوسف ولكل ما يمكن للخيال أن يقرأه مما جال في خلد الملك وحاشيته الذين كانوا جميعا حاضرين عند ربهم منتظرين للنبأ العظيم.
قلنا في بداية السورة بأن القارئ يحتاج إلى الخيال والفكر العميق ليدخل في كل المواقف التي مضت عليها آلاف السنين ليعرف معاني آيات السورة العظيمة.
ولنجدد عهدنا مرة أخرى لنرى بأننا حتى الآن مررنا بخيالنا في بيت النبوة ورأينا وريث إسحاق المحاط بأولاد يهابونه ولكنهم يتآمرون ضده بكل وقاحة، ودخلنا معا الجبّ الذي أُلقي فيه يوسف بعد أن حضرنا جلستي المؤامرة المشينة لإخوان يوسف من بني إسرائيل في محاولتهم التخلص من الذي سيأتي لهم بالسيادة والعزة كما فهمه أبوهم ولكنه أخفاه عنهم خوفا من حسدهم. هو حسد بني إسرائيل الذي لا يفارقهم وعلينا أن ننتبه له حينما نعامل بني عمومتنا من أولاد إسحاق.
ثم خرجنا معه من الجب وسافرنا مع التجار الذين أسروا هذا العظيم الذي ينتظره أعظم رأس في عالم زمانه بفارغ الصبر ولا زال في انتظار أن يستجيب ذلك الإمام العظيم لدعوته بالخروج من السجن باختياره فقد فتحت أبواب السجن له وهو الذي أبى أن يخرج!!
لنتذكر بأننا دخلنا قصر العزيز وعشنا مع يوسف لحظات الغرام الأحادي ثم الغرام الجمعي ورأينا يوسف صامدا لا ينجذب لأي منهن.
ثم عشنا معه حينما أدخلوه السجن ظلما، ظانين أنهم يتحكمون بالأمر وهم لا يدرون بأن يوسف استقبل السجن برحابة صدر فرحا جذلان بأن ربه استجاب دعاءه.
ظنوا بأنه مرعوب وتعجبوا من كبريائه التي حالت دون أن تظهر على وجهه آثار الخوف الذي كانوا واثقين من تعرض يوسف له.
رأينا كيف أنهم أخطأوا ولم يعرفوا بأنهم المغلوبون وبأن يوسف هو الغالب. عشنا مع يوسف كثيرا من لحظات التوبة والتماس العفو من الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فعلينا أن نستعد الآن لنصاحب مؤسس الاسرة العبرية الكبير في دولته وحكمه وسيطرته على قلب فرعون مصر.
بدأنا نشعر بأن شخصا غريبا يدخل قصر الحكم الفرعوني المهيب بكل قوة ليقول لهم بأنه لا يحتاج إلى أن يقوم باغتيال الملك ولا أن يحرك الشعب المصري للثورة ضده ما دام يحمل العلم الغزير ويتمتع بالتقوى والخوف من سيد الكائنات جل جلاله.
سيأتي يوسف بعد قليل ليحكم مصر بأمر ملك مصر وبرضا منه ودون أن يؤذي أحدا أو ينتقم من أحد.
وأهم ما ينبغي أن يعلمه الجميع هو أن قائمة الرسل طيلة القرون الماضية لا تنطوي على إنسان لا يحب الناس ولا تنطوي على كراهية من أي منهم ضد أي شخص حتى الذين ظلموهم.
ليعلموا جميعا بأن صاحب القلب الكبير لا يضمر إلا الخير لإخوانه وللعزيز ولزوجته ولملك مصر ولكل الشعب المصري ولكل الناس دون أن يطمع في شيء مما يملكونه.
إنه مستمتع بذكر ربه ولن يتخلى عنه أبدا. إنه يعرف بأن ربه يدعوه دائما وأبدا كما يدعو غيره للعودة إليه ليغفر لهم ويمن عليهم بواسع رحمته.
لحن حديث الملك يدل على أنه فقد اتزانه حينما استمع إلى الساقي. ليس من دأب الملوك أن يأخذوا قرارا في مثل هذه القضية لصالح شخص سجنه نخبة وزرائهم قبل أن يستشيروهم وقبل أن يستشيروا الحاشية المقربة.
يبدو بأن الملك نسي كل تشريفاته التي وضعها بنفسه أو ورثها من سلفه للدخول عليه. لنتصور ملكا يريد أن يطلب سجينا لأي سبب. عليه أولا أن يأمر بإطلاق سراحه ثم إعداده للحضور في البلاط. يتطلب ذلك الكثير من التشريفات لإزالة آثار السجن أولا ثم إعداد الملابس الخاصة له، ثم تعليمه بروتوكول اللقاء مع الملك والمرور بالحرس وببقية المسئولين الإداريين.
هناك موظفون في القصور مهمتهم أن يتعرفوا على الضيف ويعملوا معه صداقة لجلب انتباهه حتى يستيقنوا من خلو الضيف مما يخل بآداب الملك. فالملوك مهما كانوا فإنهم يعيشون على هذه التشريفات المعقدة التي تصنع من شخصياتهم العادية أناسا فوق بقية الناس.
نسي فرعون كل البروتوكولات المعهودة في مثل هذه المناسبات وأمر بإحضار يوسف فورا إليه، وهذا معنى قوله: ائتوني به.
والصحيح أن يقول: حسنا، ادعوه للمثول أمامنا. فلم يستعمل الدعوة ونسي بأنه لا يتحدث عن نفسه بالمفرد بل يستعمل كلمة الجمع. ثم إن الملوك يحيطون دعواتهم بنوع من الكلمات التي تدل على أنهم في غنى عن رؤية الناس ولكنهم يمنون عليهم بالإذن لهم.
فمثلا كان عليه أن يبتسم ويقول: لا بأس بأن ندعوه إلى حضرتنا؛ كما يفعله كل كبار زعماء الأرض، وهو أكبر ملك في ذلك اليوم.
لو نقرأ قصة دعوة كبار الملوك للملوك الصغار فإنهم يمنون عليهم بأن يدعوهم. وعادة ما لا يفعلون ذلك بل يأمرون حاشيتهم بأن يتحدثوا إليهم ليطلبوا المقابلة مع الملك.
لكن ملك مصر ترك كل الرسميات وأمر بأن يأتونه به. ويعني بأن يحضروه إليه بكل احترام وإلا قال أحضروه عندي. إيتوني به يعني بأنني متشوق لرؤيته فبلغوه دعوتي إياه لمقابلته.
أصبح الساقي بأمر الملك رسولا من الملك وليس ساقيا يقدم كؤوس الخمر للملك ولضيوفه.
وحينما نمعن في البيان القرآني نرى بأن الله تعالى في هذه الآية يخفي لنا مقارنة بين نفسية فرعون مصر الذي يفوق الفراعنة علما وأدبا كما سنعرف، وبين نفسية عبد له أخلصه لنفسه سبحانه وتعالى.
فالآية تشير إلى أن عظيم الأرض انهار أمام علم يوسف وهو دليل على أنه كان يحب العلم والمعرفة ويحب أن يستزيد منه وسنعرف بعد قليل بأن الملك كان بوده أن يعين العلماء وزراء له.
هذا الفرعون العليم لم يتمكن من إخفاء تأثره بعلم يوسف وهو على عرش مصر ولكن السجين يوسف أبدى عدم تأثره بدعوة عظيم مصر له بل وقف صامدا ليملي طلباته عليه.
أرسل يوسف أعظم رسالة شهدها الملك في حياته حتى ذلك اليوم على الأقل، لأن تفاعله دليل واضح على أنه يواجه أول تجربة من نوعها في حياته الملكية.
لم يكن الملك ولا أيا من حاشيته ينتظرون من سجين أكرموه بأكثر من أن يهرع للقاء سيد الأراضي المصرية بكل خضوع.
ولعل اختيار الساقي الذي سبق له أن عاش أياما مع يوسف في السجن هو خير اختيار لا يمكن أن نراه بعيدا عن التقدير السامي لذي الجلال والإكرام.
لولا صحبة الساقي مع يوسف لما تمكن من أن يعود إلى سيد مصر بدون يوسف. وفي المقابل يحمل اعتراضا على تصرفات وزرائه تجاهه.
ولأول مرة يواجه أكبر رأس في الأرض رفضا لدعوته من سجين في محابسه. وسنرى بعد لحظات كيف يفقد الملك اتزانه للمرة الثانية.
لنقرأ تعبير يوسف ردا على دعوة الملك: ارجع إلى ربك. مرة أخرى يرفض يوسف بأن الملك يمن عليه بل يؤكد بأنه رب الساقي وليس ربه، ويقول للساقي ارجع بمعنى أنك لم تأت بما يرضيني فعد إلى من أرسلك وأبلغه شروطي.
يا لله؛ سجين لا يفكر في خلاصه من السجن بل يفكر في أن يكون حضوره لأكبر قصر في الأرض حضورا فخما يفوق خيال الملك نفسه.
والآن قارنوا بأنفسكم بين النفسيتين. قارنوا بين نفسية الملك على العرش ويوسف في السجن ثم قارنوا بين نفسية يوسف الأمس الذي اختلى بالساقي ليطلب منه أن يذكره عند ربه ونفسية يوسف الجديد الذي يرفض دعوة الملك نفسه للحضور أمامه! هكذا يؤدب الله تعالى أنبياءه ليجعلهم أقوياء لا يهتمون إلا به وحده سبحانه فسيكفيهم ربهم القوي العزيز جل جلاله وذل أمامه الكائنات برمتها.
لقد تغير يوسف وأصبح اليوم قادرا على أن يحمل رسالة الشرف العظيم من رب السماوات والأرض إلى عبيده في أرض مصر ليعودوا إليه وليحتضنوا بني إسرائيل.
تلك مقدمة لنزول التوراة العظيم بعد عدة قرون. وذلك إعداد للمصريين لاستقبال التوراة وإن أخفقوا فسوف يختار الله تعالى من بينهم من يستقبل أول تشريع سماوي لكل أهل الأرض.
هكذا أدخل الله تعالى أمة كبيرة وهي في طور ميلادها ضمن أمة كبيرة موجودة فعلا ومتمثلة بأعلى حضارات الأرض وسيرى الناس بأن الراحة والثروة والترف لا تزيد الناس علما كما يفعله العيش الوسطي والحالة العادية التي يصفها الله تعالى بالحياة الطيبة.
وما هي رسالة السجين يوسف إلى مليك مصر؟
(هامش 36: السنة باعتبار انتهائها في آخر الأشهر الإثني عشر. سواء كانت سنتنا طبيعية شمسية أو توافقية قمرية. فإذا قلنا سنة أو استعملنا فعلها وهو (سَنَهَ)، فإننا نقصد بأنها انتهت في نهاية الشهر الثاني عشر. قال تعالى في سورة البقرة 259:
.. فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ…
بمعنى أن طعامه وشرابه لم يبق سنة واحدة. ذلك لأن السنة تنتهي بعد انتهائه وتبدأ سنة جديدة.
أظن بأن عامة المفسرين لم يصيبوا في تفسير المقطع أعلاه من سورة البقرة كما لم يصب الكثير من أرباب اللغة العربية في توضيح معنى السنة. حتى الراغب لم يكن صائبا كثيرا حينما قال بأن السنة تُطلق على سني الجدب أكثر. إنه أوهم الكثيرين بأن الفرق بين العام والسنة مرتبط بالتفريق بين الحول الحسن والحول الشديد. وأما العام فهو باعتبار تكرار الحول. والحول طبعا يدل على المعنيين. فقولنا عام الخير لا يدل على أن الخير محصور في 12 شهرا.
ولو كان ذلك مقصود يوسف فإن الخير سيبقى لسنتين على الأقل. ذلك لأن الغيث لو يبدأ من أي وقت ويستمر 12 شهرا فإن الزرع في السنة الأولى يستغيث في بدايته مثلا وفي السنة الثانية في نهايته. ثم إن النيل سوف يمتلئ ويبقى فائضا فترة أطول من فترة الأمطار. فزمان التروي للزرع يزيد على أربعة أشهر، يكفي الزرع أن يرتوى شهرا واحدا منها. نهاية الهامش 36.)
(هامش 37: وليس خطأ لو قلنا بأن يوسف أراد تنبيه صاحبه بأن عمله في حال تأرجح في سني الجدب. سوف تتوقف صناعة الخمر لفقدان العنب. فعليه هو أن يستعد لذلك أيضا. عليه بأن يتعلم تعتيق الخمر مثلا لسني الجدب أو يبحث عن عمل آخر لنفسه في القصر الملكي الذي لا يحب أن يتركه.
لا يمكن ولا يجوز ليوسف أن يعلم الناس كيفية تعتيق الخمر. لم نسمع بأن الأنبياء كانوا يشربون الخمر قبل نزول القرآن إلا من الإنجيل المحرف مثلا، ولا عبرة بالكتب المحرفة إنجيلا أو توراة.
كان الأنبياء جميعا مسلمين ومن لوازم الإسلام أن لا يحتسوا الخمرة ليجتنبوا ما يُذهب بالعقل. إنه يؤدي الى فقدان الرشد والصواب فيفقد المرء عزيمته، والعزيمة شرط أساسي للنبوة. ولذلك نقول بأن آدم لم يكن ليتشرف بالنبوة لأن الله تعالى شهد عليه بأنه لم يجد له عزما. نهاية الهامش 37.)
يتبع …
أحمد المُهري
تابع مركز #تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/
ان كان لديكم الرغبة في الانضمام لمجموعة النقاش في المركز برجاء ارسال بريد الى :