ليظهره على الدين كله
كثيرا ما أرى بعض الإخوة يستشهدون بجملة قرآنية كريمة مكررة ثلاث مرات في القرآن ليقولوا بأن الله تعالى لم يظهر دينه على الدين كله بانتظار المهدي المنتظر ليُظهره على الدين كله. يظنون بأن ما يتفضلون به دليل قاطع على وجود المهدي وظهوره. بالطبع لا توجد أية إشارة في الآيات إلى المستقبل البعيد أو إلى شخص المهدي ولكنهم يتوهمون تفسيرا غير دقيق ويضيفون من عندهم آمالهم بظهور المهدي في مستقبل غير معين.
فلنحلل الآيات في السور الثلاث ثم نرى هل يمكن ان تشير الآيات الثلاث إلى شخص مزعوم لدينا نحن الشيعة ولا ذكر له في القرآن الكريم.
1. قال تعالى في سورة التوبة: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33). لقد صرحت الآية الكريمة بكل وضوح بأن الله تعالى أرسل رسوله ليظهر دينه. فكيف نربط الوعد بالمهدي المنتظر؟ فاعل الإظهار هو الله تعال ووسيلة الإظهار هو الرسول وليس شخصا نظن نحن بأنه سيأتي بعد آلاف السنين بدون أي دليل من القرآن الكريم. هذا غيب لا يمكن أن يعلمه إلا الله تعالى ولا سيطرة لنا على غيب الله إطلاقا عدا ما ذكره في القرآن.
2. قال تعالى في نفس سورة التوبة: لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48). هذه الآية الكريمة متأخرة عن الآيات أعلاه ويختصر الله تعالى نفس الآيتين أعلاه بصورة خبرية. ابتغوا الفتنة، لماذا؟ ليطفؤوا نور الله. حتى جاء الحق وظهر أمر الله. يعني جاء دين الحق وتم له الظهور يعني التفوق.
3. أرسل الله تعالى سورة كاملة باسم الفتح ليقول لنا بأن دينه قد ظهر وفتح الله تعالى مكة لنبيه واستولى على كل الأمور وقضي على دين المشركين. قال سبحانه في نهايتها: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29).
لقد دخلوا المسجد منتصرين لأن الله تعالى وعدهم بأن يظهر دينه على الدين كله.
4. قال تعالى في سورة الصف: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9). هم يريدون ليوقفوا رسالة السماء والله تعالى يريد غير ذلك. إنه هو الذي أرسل رسوله ليظهر دينه. لقد جاء الرسول عليه السلام وأظهر دين الله تعالى وتمت له الكلمة وفتح مكة منتصرا هازما كل الأحزاب المعارضة له.
5. وهل اكتفى القرآن بذلك؟ هناك آيات كثيرة تشير إلى نصر الرسول وقد أنزل ربه سورة كاملة باسم النصر: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3). لقد رأى الرسول بعينه أن الناس يتركون أديانهم ويدخلون في دين الله أفواجا وسبح بحمد ربه واستغفره وتمت له الفرحة الكبرى. إذن ظهر تفوق دين الحق على بقية الأديان ورأى رسوله ذلك وليس هناك وعد مستقبلي.
6. قال تعالى في سورة التوبة: قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29). ألا تعني ذلك بأن الدين الإسلامي قد ظهر عمليا على الديانتين اليهودية والمسيحية. وهما الديانتان الوحيدتان المعترف بهما في القرآن والبقية ليست أديانا في الواقع. فأهل الكتاب إما أنهم آمنوا ودفعوا الزكاة أو لم يؤمنوا فعليهم أن يدفعوا الضريبة القانونية التي سماها القرآن الجزية وهم تحت إمرة رسول المسلمين عليه السلام.
7. ما معنى ظهور الدين على بقية الأديان؟ لو كان ظهور الدين علميا فالقرآن خير الكتب وخير مظاهر هذا الدين وقد أكمل الله الدين. قال تعالى في سورة المائدة: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ ِلأِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3). هذا آخر حكم نزل في القرآن وهو نفسه آخر حكم نزل في التوراة. لقد أكمل الله تعالى بذلك الحكمِ الدينَ وأتم النعمة ولم يبق شيء للمهدي إخواني وأخواتي الكرماء.
ولو كان الظهور عمليا فإن الإسلام سيطر على كل الجزيرة العربية ووصل إلى سوريا وبعض البلاد الأخرى أيام الرسول عليه السلام ثم استمر في الانتشار عدة مآت من السنين حتى وصل الشرق الأقصى ودخل الصين ودخل الغرب ولا زال مستمرا في الظهور دون الحاجة إلى المهدي المزعوم.
واليوم نرى الدين الإسلامي المتمثل في القرآن ظاهرا فعلا على كل الأديان. وإن كنتم في ريب من ذلك فإني أدعوكم لتقرأوا الكتاب المقدس كمثال وهو مترجم باللغة العربية وتقارنوا بينها وبين القرآن ولا تحتاجون في ذلك إلى أي تحقيق علمي. فالقرآن مشع ظاهر لا يمكن تجاهله والكتاب المقدس ينادي بأعلى صوته بأنه كتاب بشري غير منزل من السماء باعتراف الكتاب نفسه الذي يطبع أسماء مؤلفيه في بداية الكتاب. وبقدر بحثي وتحقيقاتي في الكرة الأرضية فلا يوجد كتاب في الأرض يدعي بأنه تنزيل رب العالمين غير القرآن. اليوم بفضل التطور العلمي وبكل سهولة ويسر نرى ذلك في الإنترنت مثلا. أليس ذلك تفوقا ظاهراً على كل الأديان؟
8. يصرح القرآن الكريم بأنه كتاب كامل ولا يسمح لأحد بأن يضيف عليه شيئا أو ينقص منه شيئا. قال تعالى في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (159). فكيف يقولون لنا بأن المهدي هو الذي سوف يُظهر هذا الدين؟ أليس هذا إضافة غيبية إلى كتاب الله؟ هل يجوز لأحد أن يضيف أمرا من عنده إلى كتاب فصله الله تعالى بنفسه؟ قال تعالى في سورة الأنعام: أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116).
وقال تعالى في سورة الأعراف: كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (3). وقال فيها أيضا: وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52).
وأخيرا فإن هذا القرآن يصرح في سورة النحل بأنه تبيان لكل شيء: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89). فهل تريدون أن تبينوا لنا ما قد بينه الله تعالى فعلا في نفس القرآن؟ أليس ذلك إثما إخواني الكرماء؟
تحياتي ومعذرة من أنني أخالفكم فيما تعتقدون به
أحمد المُهري
22/7/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/