رسالة الى محمد خلاوي واكذوبة الحجاب
كتب شيخنا السيد احمد المُهري رسالة الى كاتب كتاب اكذوبة الحجاب جاء فيها :
الأستاذ الفاضل الدكتور محمد خلاوي المحترم
أما بعد السلام
فإني اطلعت على رسالتكم القيمة حول الحجاب أرسلها إلي أخي الأستاذ الدكتور أحمد مبارك بشير من اليمن. لست بصدد الرد على الآراء فلكل إنسان الحق الطبيعي ليرى ما يشاء من أفكار وليحكم كما يشاء على التاريخ. كما أن لكل إنسان الحق في أن يتبنى لغة خاصة بنفسه ويسميها كما يشاء ثم يكتب كتبا على أساس اللغة التي وضعها لنفسه ولكن عليه أن يشير في بداية كتابه إلى أن اللغة المتعارفة لو كانت عربية فهي غيرُ مرعية في ذلك الكتاب وعلى من يريد فهم الموضوع أن يدرس اللغة التي وضعها المؤلف لنفسه. حاله حال الذين يختارون بعض الكلمات من لغة من اللغات لوضعها على مفاهيم أكبر من الكلمة فتكون الكلمة حينئذ كودا تشير إلى تلك المفاهيم. تماما مثل كلمة الديمقراطية التي أضيفت أخيرا إلى اللغة العربية ولكنها مفهوم واسع لا يمكن إدراكه بمحض إلقاء اللفظ. وقد يكون مفهوم الديمقراطية مختلفة عند كل فرد أو مجموعة ولا ضير في ذلك ولكن يجب التنبيه إلى الأمر.
سيادتكم تستندون إلى أصوات الحروف وهي برأيي وبرأي الكثير من أهل الفضل الذين سبقونا من يوم اختراع هذا الفن هو فن خاطئ لا يمكن أن يُستند إليه إطلاقا. ولقد قام الأستاذ الدكتور كمال شاهين رحمه الله تعالى ببيان الكثير من الآراء حول أصوات الحروف في كتابه القيم: نظرية النحو العربي القديم ص 129 فما بعد تحت عنوان: الدراسات اللغوية الحديثة. هذا الكتاب مطبوع طبعة واحدة فقط مع الأسف عام 2002 بواسطة دار الفكر العربي في القاهرة. سترون هناك بعض الآراء الحديثة والقديمة حول أصوات الحروف. بالطبع أن الأستاذ كمال سألني ذات يوم عن رأيي فقلت له بأنه فن مستهجن لو كان لأصوات الحروف معاني طبيعية لكانت هناك لغة واحدة في كل الكوكب في حين أن اللغات في حدود 70000 واللغات الأصلية في حدود 10 لغات. اللغة المندرينية هي الأولى في الأرض ويتحدث بها حوالي بليون شخص (ألف مليون). والعربية لغة رسمية لما يقرب من 300 مليون شخصا فقط.
قال لي رحمه الله تعالى ما يقولونه حول أصوات الحروف كلام فاضي. هذا تعبيره في مكالمة أخوية غير رسمية طبعا. والمشكلة أن سيادتكم تريدون تفسير آيات من القرآن الكريم على أساس فهم خاص لكم للمفاهيم اللغوية. ما تفعلونه ظلم كبير وافتراء على الله تعالى. أين قال ربنا بأنه أنزل كتابه على أساس أصوات الحروف؟ إنه قال بأنه أنزله على لسان النبي محمد عليه السلام ولسان قومه. قال تعالى في سورة مريم: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97). فعليك بأن تبحث عن فهم الرسول عليه السلام لتلك الكلمات. ولو تعذر ذلك فتبحث عن فهم الذين عاشوا معه في تلك الفترة الخاصة وفي أم القرى في الواقع. لا أقصد فهم القرآن بل أقصد فهم الكلمات اللغوية المستعملة في القرآن.
أما أن تنشئ لنفسك قاموسا خاصا على أساس غير واقعي ثم تفسر كلام الله تعالى فهو فعلا غير صحيح. هذا الفن يعود تاريخه كما يظن البعض إلى أفلاطون ثم في العصور الإسلامية الأولى إلى ابن جني وآخرين. ومحاولة صاحب مقاييس اللغة هي بمثابة عمل مرادف لما قالوه ولكنها على أساس الاستعمالات وليس على أساس أصوات الحروف غير السليمة. أراد المرحوم الرازي إثبات بعض القواعد القياسية على أساس السماع ليرد بها على الذين يظنون بأصوات الحروف. ولعلكم تعلمون بأن الرازي وابن جني معاصران ولكن الرازي يعتبر اللغة العربية وحيا ولذلك لا يمكنه قبول رأي ابن جني. والواقع أن كلاهما ما كانا صائبين.
ليست اللغة العربية وحيا بل هي ما تحدث به الأقدمون للتفاهم مع بعض كما تحدث غيرهم باللغات الصينية بمختلف إيقاعاتها وكذلك بقية فروع اللغة الألفبائية مثل اللغات اللاتينية وكذلك أخوات العربية مثل التركية والكردية والفارسية. استعمل القرآن لغة الناس ليفهموه ولم يستعمل لغة خاصة بالله تعالى. إنه سبحانه لا يحمل لغة خاصة به ويتحدث مع الملائكة بلا لغة وهكذا مع بقية الكائنات. إنما الأسماء اللغوية خاصة بالبشر ولذلك أنزل الكتابين السابقين بغير العربية. أما قول ابن جني فمع أنه أستاذ كبير في علم اللغات والنحو العربي لكنه كما يبدو لم يتفطن لبقية أهل الأرض الذين يتحدثون بلغات غير عربية ليرى بأن صوت الحرف لا يمكن أن يدل على المعنى.
على كل حال فإن الله تعالى يصرح بأنه ينزل الكتب على أساس لسان الأقوام ولعلكم انتبهتم بأنه سبحانه لا يستعمل كلمة اللغة بل يقول اللسان فقط. قال تعالى في سورة إبراهيم: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4). ولو كنتم مصرين على أصوات الحروف فأرجو منكم أن تقوموا بتفسير القرآن كاملة على أساس قاموسكم الشخصي كما أرجو أن تسبقوا التفسير بيان فهمكم الكامل لأصوات الحروف وللكلمات القرآنية على أساسها. هناك ستجدون بلا شك عندي بأنكم لن تقدروا على تفسير كامل القرآن على أساس أصوات الحروف. حتى تفسير جزء كامل قد يكون مستحيلا.
وأما قولكم في جواب من يسألكم عن مبدأ فهمكم الذي أسميتموه بالمعنى الفيزيائي للكلمة بأن الموضوع طويل وقد كتبته في الكتاب الفلاني فهو تعليق على شيء غير سهل الوصول. ردكم مشابه لردود الإخوة الفقهاء على من يطلب منهم الدليل. أنت تزور اللغة العربية وتقول لنا بأن علينا أن نراجع كتابا آخر وهل هكذا يقوم أصحاب الفكر برفض المعروف بين الناس أخي الفاضل؟ لقد صرفت الكثير من وقتك لقراءة أبحاث اللغويين التي نفهمها جميعا؛ فكنت قادرا بدلا عن ذلك أن تحدثنا عن معناك الفيزيائي الذي تدعيه. وكل مرة تكتب لنا الصفحة والطبعة للكتب اللغوية. نحن نراجع الكتب اللغوية على أساس الكلمات ولا نحتاج إلى الصفحة والطبعة.
بالطبع أنني لست من أنصار فرض الحجاب ولا أعتقد بأن عدم لبس الحجاب إثم يقتضي عقابا عند الله تعالى لأنه سبحانه لم يقل بذلك. لكن سيادتكم أردتم إثبات نفي الوجوب قرآنيا وروائيا. البحث في الروايات لم يكن كافيا وهو بحث تحتاج معه إلى كتاب أكبر بكثير مما كتبتموه. الروايات كثيرة ومتناقضة ويجب ذكر كلها إذا أردتم بحثا روائيا. وأما فهمكم للمحارم فاسمح لي بأن أسألك سؤالا: أليس العم والخال من المحارم فلماذا لم يذكرهما الله تعالى في آية النور؟
وأما تقسيمكم للجيوب من بدن المرأة فهو تقسيم لا دليل عليه من القرآن الكريم بغض النظر عن أن التقسيم غير سليم. فهل يجوز للفتاة أن تأتي أمام أخيها وأبيها بصدر مفتوح لأنك سمحت لهما برؤية ما بين الثديين وما تحتهما؟
الزينة أخي الكريم ليست في بدن المرأة والله تعالى قد وضح الزينة في نفس الآية الكريمة بأنها الحلي حينما قال تعالى: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن. فبما أنه سبحانه حدد معنى الزينة في نفس الآية فلا داعي لأن نبحث في بدن المرأة ونعتبرها زينة. المعنى الأولي للزينة هو الحلي وليس شيئا آخر. فلو أردنا تغيير المعنى الأولي فعلينا بأن نأتي بتصريح قرآني ولا تكفي التخرصات واللعب بالكلمات العربية وأصوات الحروف وغيرها.
هناك الكثير من الملاحظات ولكنني أريد أن أكون عونا للمحققين وأكره أن أكون ناقدا لهم. ولذلك أبعث مع هذا مقالة تختصر محاضرة قديمة لي حول اللباس والطعام في الإسلام ردا على زميلي الفاضل قصي الموسوي بعد ما أبدى تفسيرا غير صحيح برأيي لوجوب ذكر اسم الله تعالى على الحيوان قبل إراقة دمه للأكل. سأبعث المقالة إلى أخي الدكتور أحمد مبارك بشير لينشره في فيسبوك المركز فلو شئتم تراجعونه للمزيد من الاستدلالات.
تحياتي و دعواتي لكم بالتوفيق
أحمد المُهري
9/7/2019
#تطوير_الفقه_الاسلامي
وكتب الشيخ أحمد المُهري عن الحجاب :
سنة الحجاب:
ولننظر الآن إلى سنة الحجاب المنتشرة بين المسلمين بأشكال مختلفة:
1. النقاب الكامل بحيث لا يرى أحد أي شيء من جسم المرأة أو حجم جسمها وبعض المتشددين يسعون ألا يذكروا أسماء الفتيات والنساء بل يشيرون إليها بالكنى أو يختلقون أوصافا لهن.
2. تغطية وجه الأنثى من ساعة ميلادها حتى موتها بحيث لا يراها أبوها وإخوانها وزوجها! و ليت شعري كيف تتزوجن؟؟
3. الحجاب المعروف اليوم بالحجاب الإسلامي وهو تغطية الشعر وبقية البدن عدا الوجه والكفين.
4. الحجاب الإسلامي المصغر الداعي إلى وضع لفافة على الرأس فقط وترك الوجه والرقبة واليدين وحتى الساقين أحيانا مكشوفة بارزة.
فليست هناك سنة واضحة متوارثة من أيام الرسل المكرمين في الواقع بل الأمر خلافي بكل معنى الكلمة. وكل هذه الأنواع من الحجاب موجودة لدى اليهود وبعض المسيحيين مما يدل على أنها كانت معروفة بين أصحاب الديانات السماوية برمتها وكلها مختلفة وغير متفق عليها.
لكننا كمسلمين ننظر إلى التاريخ الإسلامي على ما ينطوي عليه من مفتريات لنجد بأن الرسول عليه السلام عاش مع الصحابة الرجال والصحابيات وكلهم يروون عنه. ولم يكن للرسول سماعات ولا أجهزة تلفاز بل جلسوا معا أمامه في مجلس واحد. كان الأمر كذلك برواية المؤرخين أيام الخلافة الراشدة وأيام بني أمية ولكن بني العباس فصلوا بين الرجال والنساء في مجالسهم.
والتاريخ المسيحي يذكر بأن المسيح تحدث إلى الجنسين معا ونرى عمليا بأن مسألة صعود المسيح عليه الصلاة والسلام إلى السماء بعد دفنه منسوبة إلى امرأة وليس إلى رجل كما يعتقد به المسيحيون.
ولا يذكر اليهود المتشددون أي تاريخ لديهم بأن موسى فرق في مجالسه بين النساء والرجال بقدر معلوماتي المتواضعة.
ولننظر الآن إلى الطقوس الدينية:
إن أهمها هي الحج بالنسبة للأديان الثلاثة فنرى بأن الجميع يزورون القدس والكعبة وحائط المبكى دون تفريق بين الجنسين. المسلمون والمسلمات يختلطون تماما في الطواف والسعي والصلاة في المسجد الحرام ولا يفرقون بين الجنسين ولا يهتمون بأن تقف النساء خلف الرجال. كل المذاهب المختلقة بشريا تحرم تغطية الوجه للمرأة. وكلهم يقولون بأن أهل مكة كانوا يفرقون في الطواف بين الجنسين فيطوف الرجال في النهار وتطوف النساء في الليل ولكن الرسول منع من ذلك وأمر بأن يطوف الرجال والنساء معا ولا تغطي امرأة وجهها.
فمن أين أتى النقاب؟ ليس النقاب إسلاميا ولا مسيحيا ولا يهوديا.
إنه عادة بابلية ومجوسية للتفريق بين الحرائر والإماء ولا ارتباط لهذه العادة السيئة بالأديان السماوية.
ولننظر إلى القرآن لنختصر الطريق:
قال تعالى في سورة الأحزاب: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59) لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاّ قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (62).
فلننظر بدقة إلى الآيات التي سبقت ولحقت آية الحجاب لنراها تتحدث عن توجيه البهتان إلى بعض المؤمنات من قبل المنافقين وبأن حكم الحجاب نزل لحماية المؤمنات من مثل هذه التهم. لا تأمر الآية بإضافة أي لباس إلى المرأة بل تأمر بالاستفادة من جلابيبهن ليدنينها عليهن. والسبب في ذلك هو أن يُعرفن بالشرف والفضيلة فلا يتعرضن للأذى.
ثم لننظر إلى السبب الداعي إلى أن يأمر النبي وليس الرسول أزواجه وبناته بأن يدنين عليهن من جلابيبهن. ألا يعني ذلك بأن بعض أزواج النبي على الأقل وبعض بناته لم تفعلن ذلك من قبل؟ ومن هن بنات النبي؟ أنا شخصيا لم أر في القرآن أي بنات للرسول عدا فاطمة كما أنه عليه السلام لم ينجب ذكورا. قال تعالى في سورة الأحزاب: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40). ولو كانت الآية آية حجاب فإنهن لم يكن محجبات.
ثم ما معنى يدنين عليهن من جلابيبهن؟ لنقرأ آية الحجاب الثانية لعلنا نعرف المعنى:
قال سبحانه في سورة النور:
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31).
لنمعن النظر في الآيتين:
1. هناك أمر للمؤمنين والمؤمنات معا بأن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم. فكما أن المرأة مسؤولة عن غض البصر حماية للفروج فإن الرجل مسؤول أيضا دون تفريق بينهما. الغض يعني تخفيض النظر أو الصوت. فليس هناك منع كامل من النظر ولكن هناك منع من التعمق في البصر حماية للفروج. فمعناها بأن النظر غير المؤدي إلى الشهوات مباح ولكن النظر المصاحب للشهوات محرم على المؤمن وعلى المؤمنة على السواء. والآية تأمر كلا منهما أن يغضا الطرف حماية لفرجه وليس حماية لفرج الآخر. ولم يذكر القرآن الكريم عقابا لمن يخالف هذا الأمر فهو أمر إرشادي أكثر من يكون أمرا تشريعيا.
فما معنى الفرج: الفرج كما يقولون هو الشق بين شيئين وكني بنفس الكلمة عن السوأة حسب تعبيرهم فاستعمل الله تعالى الفرج للعضوين التناسليين للذكر والأنثى.
ولكنني أظن غير ذلك. وظني لا يغير المعنى ولكنني أظن بأن كلا العضوين فرجان ولكن العضو الذكري مقفول على باطنه وهو الجزء الحساس والعضو الأنثوي مصنوع على الأصل ولذلك اكتشفوا اليوم بإمكانية تحويل الجنس إلى جنس آخر دون إيجاد عضو الإنجاب أو الرحم وكذلك مستلزمات الرضاعة لدى المرأة. فاستعمال الفرج في القرآن للعضوين قد يكون استعمالا مقصودا وابتدائيا لعلم الله تعالى بهذه الحقيقة فهو قد يكون بمثابة إعجاز قرآني في الزمن الغابر.
فيعني بأن على المؤمن ألا يسعى لتحريك شهوته بالنظر إلى المؤمنة وعلى المؤمنة مثل ذلك. فقولهم بأن على النساء ألا يحركن شهوات الرجال غير وارد في هاتين الآيتين. لكن العقل يحكم بذلك لأن تحريك شهوة الفرج مشترك بينهما لكن التأكيد على حماية النفس أكثر من التأكيد على حماية الغير. فمن حمى نفسه من طغيان الشهوة فإنه يحمي الطرف الآخر أيضا فيتحقق الحكم العقلي بهاتين الآيتين الكريمتين.
2. يضيف الله تعالى حكما آخر على حكم غض البصر للمؤمنات وهو: ولا يبدين زينتهن. فما هي الزينة أولا؟ إن الزينة مشروحة في آخر الآية الكريمة وهو: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن. والزينة الخفية التي تظهر بضرب الرجل هي الخلخال الذي يطوق الساق. نعرف من المقطع من الآية الكريمة بأن الحديث عن المؤمنة التي تخفي سيقانها فنعرف بأن إظهار السيقان غير مسموح. فليست الزينة بدنية ولكنها الحلي والمجوهرات التي تزين البدن.
3. نحن نعرف من آية سورة النساء بأن العم والخال مَحرمان للمرأة ولكنهما غير مذكورين في الآية الكريمة؛ كما نعرف بأن العبد غير محرم مع المرأة ولكنه من المسموح له بأن يتعرف على زينة مخدومته. ونعرف من سورة يوسف بأن علاقة الشهوة بين العبد ومولاته غير مصانة بل هي قابلة للظهور بقوة كما حصل من زوج العزيز بالنسبة ليوسف. مع ملاحظة هذه المسائل يضطرب موضوع الحجاب من هذا المقطع من الآية على الأقل. فبداية الآية عن الحجاب ولكن عدم إظهار الزينة ليس مرتبطا بالحجاب. والتفسير المعقول لهذا المقطع الكبير من الآية الكريمة هو أن الله تعالى يريد المحافظة على النساء من اللصوص الذين يطمعون في سرقة زينة النساء فقد تصاحب السرقة اعتداء على شرفهن أيضا. ولذلك يفقد العم والخال أهمية درايتهما بما تملك المرأة من زينة لسبب آخر وليس لبيان المحرمية. لكن الله تعالى سمح للمرأة ألا تخفي زينتها عن صديقاتها بقوله نسائهن وكذلك عن خدمها لأنهم يعرفون ما تملك سيدتهم من زينة ولا خطر عليها من ناحيتهم. وأما العم والخال فقد يكونا فقيرين ويريدان أن يطلبا يد الفتاة الغنية لأحد أولادهما فالله تعالى يحب ذلك كما يبدو لي ولكن لا يحب أن تبدي الفتاة الغنية زينتها لهما فيخجلا أو يتباطئا في طلب الزواج. بالطبع هذا مجرد احتمال.
4. وأما ما ظهر من الزينة المذكور في بداية المقطع الكبير من الآية فهي القطع الذهبية الصغيرة التي تتحلى بها النساء كالخواتم والأسورة التي لا تنطوي على المزيد من الذهب وغير ذلك.
5. والآن نعود مرة أخرى إلى المقطع الكبير من الآية بعد انتهاء الأمر بغض البصر لنراها مؤلفة من جملتين مختلفتين. فالنهي من إبداء الزينة مكررة يبدأ بموضوع كامل ثم تبدأ جملة أخرى حول عدم إبداء الزينة. الجملة الثانية اقتصادية والجملة الأولى ليست اقتصادية في الواقع. إن تلك الجملة هي التي تمثل حقيقة الحجاب الواجب وهو واجب على كل المؤمنات سواء كن حرائر أم إماء. هي هذه فلنقرأها مرة أخرى ونفكر فيها: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ. هكذا فرق الله تعالى بين المؤمن والمؤمنة في وجوب حماية الفروج بإضافة هذه الجملة الكريمة في الآية المباركة. فيجوز إظهار بعض الزينة التي هي فوق الجيوب وهي الزينة المضافة إلى الوجه ولكن الجيوب غير مسموحة. فما هي الجيوب؟
الجيب والجوب متقاربان في المعنى وهو الخرق ولكنهم استعملوا الجوب لقطع الصخور ولقطع الكلام جوابا واستعملوا الجيب لخرق في القميص ليدخلوا فيه الرأس. وأما الجيوب المتعارفة بيننا فهي لم تكن مستعملة يوم نزول القرآن احتمالا. وبما أن النساء كن ولازلن مهتمات بتضخيم الشعر أحيانا كسمة من سمات الجمال وكن يستعملن الدهون والزيوت المعطرة ولذلك كن يكبرن جيوب القمصان ليدخل الرأس في القميص دون أن يمس الشعر. ولا ننس بأن الخيوط المطاطية والأزرة لم تكن متوفرة آنذاك. ولو كان الله تعالى يريد إخفاء الشعر لأمرهن بأن يقلصن من فتحات الجيوب لكنه سبحانه لم يفعل ذلك، كما أنه سبحانه لم يأمر بإضافة قماش أو منديل لتغطية الصدر بل قال: وليضربن بخمرهن على جيوبهن. بمعنى أنه سبحانه علَّمهن أن يضربن وهو مثل يرمين طرفا من أطراف خمرهن على جيوب القمصان حتى يخفين الصدور لأنها أكثر الأعضاء إثارة للجنس الآخر.
فقولهم بأن الخمار يمثل غطاء الرأس لهو قول سخيف فهل يُعقل أن نتصور بأن النساء كن يغطين شعورهن ولكنهن يفتحن صدورهن؟ لو فعلت أنثى ذلك لقلنا بأنها تدعو إلى الفاحشة وتريد أن تتنكر حتى لا يتعرف عليها أهلها وهذا الأمر غير وارد في أمة مسلمة تحتضن أعظم كتاب في الأرض وتحتضن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. فالخمار ليس غطاء الرأس وسبب تسميته بالخمار هو باعتبار أن الخمر يُسكر فهو لباس جميل يسكر الجنس الآخر وقد يكون هو المرط أو الجلباب أو أن يكن ملابس مشابهة لها ذيول.
والآن نرجع إلى الآية الأولى التي تركناها من سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل ِلأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59). فالجلباب كالخمار لباس كن يلبسنه وله ذيول أيضا ولكن الجلباب احتمالا يغطي قسما من الصدر ولعلهن كن يلبسنه حينما يصنعن شعورهن على شكل ضفائر دون نفش فقال سبحانه بأن يدنين من هذا الجلباب شيئا إلى أبدانهن ولم يتحدث عن الجيوب. فالجلباب أيضا ينطوي على ذيول قد يغطي المتن وتنزيلُه باتجاه الصدر يساعد على تغطية الصدور فيختفي عضو الجاذبية في الصدر. هذا كل الحجاب في القرآن ولم يذكر الله تعالى أي عقاب لمن لا يعمل بالحجاب فكل ما يقولونه من عقاب دنيوي أو أخروي فهو كلام بشري لا ارتباط له بالقرآن الكريم ولو نسبوه إلى الله تعالى اعتبرناه فرية وكذبا على الله العظيم جل جلاله.
وفي الختام أعود فأكرر رأيي بأن تلتزم الأخوات المكرمات بالحجاب لسبب آخر وهو ليس سببا شرعيا ولا دينيا ولكنه اجتماعي. واسمحوا لي أن أشق ذلك السبب شقين:
الشق الأول: أن الحجاب أصبح علامة المرأة المسلمة الملتزمة كما أنه علامة المرأة اليهودية والمسيحية الملتزمة فكيف يروق لأخواتنا المكرمات أن يرين المسيحيات واليهوديات المؤمنات يرتدين الحجاب المعقول وهو تغطية الرأس وإظهار الوجه وقسما من اليدين ولكنهن يتمثلن بغير الملتزمات؟
الشق الثاني: هو أن الله تعالى أمر رسوله بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومدح أهل مكة بأنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف كما قال في سورة آل عمران: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110). والمعروف اليوم بين نساء المسلمين أن يرتدين هذا الحجاب البسيط الذي لا يخالف أمر الله تعالى بأن يتعاون الناس مع بعض وبأن يسير الجنسان جنبا إلى جنب كما هو في مركزنا الأساسي في مهبط الوحي الختامي مكة. ومن المؤكد أن النقاب وما شابهه يفصل المرأة عن الرجل وقد يكون محرما لأسباب أخرى لا مجال لذكرها هنا.
أحمد المُهري
#تطوير_الفقه_الاسلامي
بقية المقال اللباس والطعام في القرآن :
اللباس والطعام في القرآن- عن الحجاب والطعام