ليلة القدر والفجر وليال عشر
ليلة القدر والفجر وليال عشر
قال عز من قائل في سورة القدر: {إنا أنزلناه في ليلة القدر 1 وما أدراك ما ليلة القدر 2 ليلة القدر خير من ألف شهر 3 تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر 4} نظرة دقيقة إلى الآية الثانية من هذه السورة الكريمة والتي تبدأ بـ ما أدراك، والبحث في كتاب الله والموارد التي فخمها هذا التفخيم العجيب وكلها تخص ما لا يمكننا إدراكه ومعرفته بالكامل مثل سقر و كذلك يوم الدين والقارعة الكونية ونجمة الطارق والسِّجِّين والعلِّـيُّون ونار الحطمة، سيهدينا أهمية ليلة القدر وبأنها ليست من الليالي التي يمكن لكل من تعلم بعض العلم أن يدلي فيها دلوه. ويقول تعالى في سورة الدخان: حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6). الحاء في كتاب الله تعالى حسب فهمي تشير إلى الحجة والميم تعني التمسك بما قبله والله العالم. فالقرآن هو حجة الله على خلقه والذي بقي بعد وفاة رسول الله عليه السلام. الهاء في إنا أنزلناه تشير إلى الكتاب المبين والهاء في “فيها يفرق” تشير إلى الليلة المباركة. وهي قطعا ليلة القدر والدليل عليه قوله تعالى: إنا أنزلناه. فهو يعني بأن التنزيل ليس مباشرا من الله تعالى بل هو عن طريق آخرين وهم الملائكة احتمالا. وسوف نتأكد أكثر عندما ندرك معاني سورة القدر بعد قليل بإذن الله تعالى.
والآيتان 4 و5 تدلان على أن هناك أمرا يخص الرسالة أو يعم الرسالة وغيرها ولأجلها أو لتحقق ذلك وغيره يُفرق كل أمر حكيم في تلك الليلة المباركة. وقد نعرف بأن هناك ليلة مباركة يفرق فيها كل أمر حكيم وبأن كان هناك رسالة سماوية مضمومة إلى الأمور الحكيمة في تلك الليلة. هذا يعني بأن الرسالات الكبرى تأتي في تلك الليلة المباركة. لازمة ذلك أن نرى الزمان الفاصل بين نوح وإبراهيم وموسى ومحمد الذين أتوا برسالات عامة للبشر أو رسالات كبيرة هي أزمنة ألفية. والواقع أن بين زمان ظهور نوح وهو أول الأنبياء ويوم ظهور رسالة إبراهيم هو احتمالا 1000 سنة وبينه وبين ظهور رسالة موسى 1000 سنة أيضا وبين موسى ومحمد في حدود 2000 سنة. أما الرسول عيسى فهو لم يأت برسالة جديدة بل جاء ببعض الأحكام الجديدة ولعل تجديد حكم واحد فقط ولكنه أمر باتباع التوراة. سلام الله على كل أنبياءنا الكرام.
وحتى نعرف معنى فيها يفرق كل أمر حكيم، فقد نحتاج إلى فهم التالي:
الحكومات القوية تضع لمستقبلها الخطط الخمسية والعشرية وأحيانا العشرينية وتضع لذلك منهجا تنفيذيا كاملا للوصول إلى الأهداف المرسومة في نهاية السنوات الخمس أو العشر أو العشرين. هكذا يبرمج الإنسان لمسائله الكبرى وأموره الحكيمة. إذا كان الإنسان قادرا على النظر إلى ما بعد عشرين عاما ووضع الخطط لها فحري بالخالق العظيم أن يبرمج لما هو أكثر من ذلك ويذكرها لنا بتفخيم مثل تفخيم ليلة القدر. مما لا شك فيه أن الله تعالى لمّا يتحدث عن المسائل العادية عند حديثه عن ليلة القدر. إنه هو الذي خلق الأنظمة الشمسية ووضع لكل منها قانونا تسير عليه إلى نهاية عمرها التي تربو أحيانا على عشرة بلايين سنة. يقول تعالى في سورة فصلت:12 {…وأوحى في كل سماء أمرها}.
هكذا يخطط الله تعالى لمستقبل المجموعات الطبيعية التي أوجدها. لكن هذه المجموعات تسير سيرا طبيعيا وفق نظام الطبيعة وليس من يقوى على التدخل في سيرها غير الله تعالى نفسه. وأما الكرة الأرضية وفي المقطع الحيوي منها حيث نشأ الإنسان وأُعطي الإرادة والقدرة على التدخل في سير الطبيعة فإن المسألة تختلف والحاجة إلى المزيد من التدخل الرباني واردة بشدة. لذلك فإنه تعالى: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون. سورة السجدة: 5.
الذين يعملون في المجالات الإدارية يدركون أن المدير يصدر الأوامر والتعميمات ثم تعود المعلومات التنفيذية إليه طوال فترة سريان الأمر أو التعميم ليطمئن على صحة التنفيذ ويتعرف على المشاكل التي نشأت خلالها لمعالجتها وإصدار الأوامر المؤقتة بشأنها. وكذلك الحال مع مدير الكون فإنه يصدر القوانين الإدارية لملائكته الذين ينفذونها ويعرجون إليه بالمسائل التنفيذية طوال فترة سريان الأمر كما أن الأمر بنفسه يعرج إليه باعتبار إحاطته سبحانه بكل شيء. أما مدة السريان فإن الآية السابقة تقرر أنها ألف سنة من سنواتنا نحن أهل هذا الكوكب. فخطة الله تعالى في أرضه خطة ألفية يعيد الله النظر في أرضه بعد مضي السنوات الألف ثم يصدر أمرا عاما جديدا للألفية القادمة.
ويتم إبلاغ الأمر الإلهي العظيم خلال ليلة واحدة تعطل فيها كل الحروب والمشاكسات ويعم الكرة سلام كامل حتى مطلع الفجر. يتم استلام أمر الله تعالى بواسطة الروح القدس احتمالا حيث يعممها على الملائكة المنفذين والمسؤولين عن هذا الكوكب وعمن يعيش على هذا الكوكب من البشر. ثم هم بدورهم ينقلون الأوامر إلى ملائكة الأفراد المسؤولين عن كل فرد حيث يتعلمون منهم كيفية التعامل مع النظام الجديد. ولعل السر في تأخير الإبلاغ إلى الليل هو أن الناس بطبيعتهم نائمون ليلا والسكون أكثر من النهار حيث الناس في تحرك طبيعي وتكون الملائكة أكثر فراغا في الليل. ثم إن الحروب هي أكبر عائق في سبيل تعميم الخطة الجديدة ولذلك فإن الله تعالى يقدر السلام في تلك الليلة حتى تتمكن الملائكة المسؤولون عن الأفراد من استيعاب الأمر الرباني والبدء بتنفيذه وفق الخطة المرسومة لهم.
ولا بأس بأن نعلم بأن تلك الليلة طولها 24 ساعة لأن الملائكة تبدأ من منطقة ما في الكرة الأرضية حيث الناس نائمين ويسيرون مع الليل حتى تنتهي المسيرة في الطرف المقابل من الكرة الأرضية حيث يكون الفجر مقبلا عليهم.
ولنلق نظرة إلى التاريخ البشري وإلى الحوادث الكبرى في الأرض لنرى وقع ليالي القدر على الأرض وآثار أوامر الله الألفية في هذا العالم.
حوالي 5100 سنة قبل الهجرة (4500 سنة ق م) بنى المصريون بناء على ما يعتقده علماء التاريخ، القوارب الأولية التي تطورت بسرعة لتستخدم في التجارة الساحلية. وإني شخصيا أحتمل أن تعليمات النبي الأول نوح عليه السلام هي التي وضعت أساس بناء السفن ولعله كان في نفس الزمان. كما أحتمل أن أول ليلة قدر كانت في عهد إمام الأنبياء نوح عليه السلام. فقيامه عليه السلام ببناء أول سفينة على وجه الأرض بأمر الله تعالى وبتعليم منه سبحانه يمثل مدخلا كبيرا للتوسع الحضاري. كلنا نعلم بأن السير في البحر على الرغم من خطورته ولكن السائر في البحر بالقوارب غير العميقة يضمن السير السوي دون ملاحظة الجبال والوديان والكثبان وغير ذلك مما يواجه الذي كان يسافر على ظهور الدواب. ولذلك فالسير في البحر يسهل التنقلات البشرية وغير البشرية فيتم تبادل الحضارات.
حوالي 4100 سنة قبل الهجرة (3500 ق م) قام السومريون باختراع أول كتابة ليبدؤوا بها التاريخ كما قاموا بتأسيس حضارة بشرية في وادي ما بين النهرين تبعهم مباشرة حضارة ثانية في ثلاثة وديان أُخر، هُنَّ: النيل بمصر ثم نهر السند مكان باكستان الفعلي ثم النهر الأصفر (هوانگ هو) بالصين. وذلك مع عدم وجود المواصلات بينهم. فوجود إرادة وراء قانون الطبيعة مؤكدٌ في تلك الحوادث المتشابهة وهي تأسيس حضارات بشرية في أربعة وديان نهرية في زوايا العالم في أوقات متزامنة. ولعل السومريون قاموا بتأليف الأعداد الحسابية وبصناعة العربات ذوات الدواليب في نفس الزمن. كانت ذلك فعلا طفرة حضارية أسرعت في توصيل البشر إلى تداول العلوم فيما بينهم مستفيدين من الملاحة البحرية التي أسسها نوح عليه السلام.
حوالي 2900 سنة قبل الهجرة (2300 ق م) أسس سرجون الأول الأكّدي أول امبراطورية في العالم باحتلاله أور و نيپور. وأسس الصينيون بعد عقود قليلة حضارتهم المعروفة. وفي نفس الزمان ولأول مرة اخترع المصريون الورق من ورق البردي. وقبله بقرنين اخترع المصريون الزجاج احتمالا كما أسس العراقيون أول مكتبة محتملة كما بدأت تجارة المسافات البرية الطويلة. ولعل إمام الناس جميعا إبراهيم الخليل عليه السلام كان قد ظهر في نفس القرن من الزمان. وإبراهيم هو أبو أنبياء بني إسرائيل وأبو أجداد مريم (أم المسيح) وأبو العرب احتمالا.
وهناك ملاحظة ضرورية حول صناعة الزجاج. نقرأ في سورة النمل: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44). لقد قام سليمان كما يبدو بإجراء اختبارين لملكة سبأ ليُعلمها بأنها ليست على علم كامل بالتطور الصناعي كما أنها لا تعلم الكثير عن قوانين اليمن. فالاختبار الأول كان إثبات ظهور اختراع الزجاج حيث لم تكن الملكة على علم بها ولذلك ظنت بأن الصرح أمامها لجة مائية فكشفت عن ساقيها لتعبرها. والاختبار الثاني كان هو أنهم أروها دستور أو قوانين مملكتها فلم تُظهر اليقين على صحة ما قالوا بل قالت: كأنه هو. هناك علمت المرأة بأنها أقل كفاءة من سليمان. هذه الحكاية لا تنفي أن المصريين صنعوا الزجاج كما يظنه علماء الآثار فسليمان كان يشتري من المصريين ولا ضير في ذلك. وأحتمل أن ملكة سبأ كانت غازية من فارس والعلم عند المولى عز اسمه.
حوالي 1900 سنة قبل الهجرة (1300 ق م) ولد النبي الكبير موسى كليم الله وقام بعد عدة عقود بدعوته المشهورة وأنزل الله تعالى عليه التوراة المقدسة. والتوراة كتاب تشريعي كامل ظل بقوته حتى بعد ظهور النبي العظيم عيسى بن مريم روح الله وكلمته. ويُعتقد أن الحثيين القدماء تعلموا صناعة الحديد والحديد الصلب عدة عقود قبله في آسيا الصغرى (مكان تركيا الفعلية). وكما يبدو أن إقدام العبدين الصالحين داود وابنه سليمان على صناعة القدور والأحواض الكبيرة لإذابة الحديد كانت بعد حوالي 400 سنة من قيام الحثيين باستخراج وتصنيع الحديد. ولقد قام النبيان الملِكان باستخدام الموجودات غير الإنسية مثل الجن والشياطين لتذليل الصعوبات أمامهما بأمر الله تعالى.
حوالي 1000 سنة قبل الهجرة (322-384 ق م) ظهر المعلم الأول أرسطو في اليونان وهو أكبر أستاذ للفلسفة اليونانية والذي وضع علم المنطق وأسس فلسفة المشائين المعروفة. و حينما وضع فلسفة الطبيعيات قرر أرسطو أربعة أنواع من العلل لكل تغيير في الموجودات الطبيعية. (العلة المادية ثم العلة الفاعلية ثم الصوَرية ثم الغائية) وهو الذي قال بأن الحركة نوع من التغيير كما أنه وضع فلسفة ما وراء الطبيعة أو الفلسفة الأولى حسب تعبيره. هذه الفلسفة تهتم بدراسة الذات الإلهية المقدسة باعتباره الذات دائمة الحياة الذي لا يطرأ عليه أي تغيير. وأما اسم ما وراء الطبيعة فقد وُضع على هذه الفلسفة قرونا بعد وفاة أرسطو. وظهر مع أرسطو مجموعة كبيرة من علماء اليونان وفيهم أستاذه أفلاطون. هذا ما يقوله الفلاسفة طبعا ولكنني شخصيا أعتقد بأن علم أفلاطون وأرسطو كان من سقراط رحمه الله تعالى، ذلك العالم العظيم الذي لم يمارس الفساد مثل أفلاطون ولم يتقرب إلى السلطة مثل أرسطو. وكان معلما عظيما غير مهتم بالشهرة وغير متسم بالكبرياء وعاش حياة عادية بعيدة عن الزهو والإسراف كما يقولون.
وأرسطو هو معلم ألكساندر المقدوني الكبير الذي أسس مكتبة الإسكندرية وقام بتغيير الكثير من معالم الكرة الأرضية.
على مشارف الهجرة المحمدية نزل القرآن الكريم مبشرا بخاتمة الأديان السماوية وبخاتم النبيين. إنه أعظم حدث في العصر المتوسط والقرآن هو الكتاب الذي ساد المكتبة العربية بسرعة كما ساد المكتبات الدولية بعد فترة غير طويلة. وهو الكتاب الذي تُرجم إلى كثير من اللغات ونهض المئات بل الآلاف من كبار العلماء لتفسيره وبيان آياته ولازالت آياته وسوره تتجلى يوما بعد يوم.
حوالي سنة 1000 هجرية (1500 ميلادية) بدأ العالم بالتزايد السكاني بصورة دراماتيكية. فحينما كان الناس في كل الأرض لا يتجاوزون 450 مليون آنذاك فقد بلغوا 1500 مليون في العام 1900. تزامن مع هذا التزايد: اختراع الطباعة، بداية العلوم التجريبية على يد گاليليو ، اكتشاف التلسكوب والمايكروسكوب، ظهور أول نظرية بشرية حول النشوء والارتقاء على يد صدر الدين الشيرازي تحت عنوان الحركة الجوهرية، اكتشاف أمريكا وإحياؤها بالهجرات وكذلك إبحار الأوروبيين إلى الهند وأفريقيا واستعمارها، الخروج على الكنيسة الكاثوليكية وظهور البروتستانت، كما ظهر كبرنيكوس وأثبت بأن الأرض ليست مركز الكون وأنها جرم صغير تدور حول الشمس فخالف النظرية البطلميوسية اليونانية إضافة إلى الكثير من الحوادث الأخرى المدونة في الموسوعات العلمية المعروفة.
والآن دعنا نعود إلى سورة القدر ساعين لفهم أدق. الضمير في “إنا أنزلناه” لا يمكن أن يرجع إلى غير القرآن. ذلك لأن الله تعالى يشير إلى شيء مفرد معلوم لدى المستمع وبأنه منزل من الله تعالى مباشرة أحيانا وعن طريق الروح القدس في غالب الأحيان. وهذا لا ينطبق على غير القرآن. إن القرآن كتاب فرد أنزله الله عز اسمه إلى عبيده في ليلة مباركة ليعطي الناس نظاما جديدا وتشريعا متكاملا يصلح للعمل به طيلة فترة الحياة الدنيوية دون الحاجة إلى الأنبياء والرسل. إنزال القرآن في ليلة القدر جزء من السياسة الربوبية في تسيير الكرة الأرضية من حيث الساكنين فيها من البشر والجن وهو تابع للأمور الحكيمة التي يفصلها الله تعالى في ليلة القدر. إنه بملائكته يطور فهم الناس ويوجههم الوجهة المناسبة لاستقبال الألفية القادمة فيحتاج الناس إلى تشريع يتناسب مع التطور الفكري لديهم ليتعرفوا على واجباتهم وعلى ما هو محرم عليهم خلال النهضة المرتقبة للناس.
بالطبع أنني لا أخفي بأني شخصيا أختلف قليلا عن المشهور في الضمير. لأن الله تعالى لم يذكر القرآن بالاسم لا في سورة القدر ولا في سورة الدخان فالمقصود في الواقع هو النظام القرآني وليس القرآن نفسه. النظام القرآني كما أظن هو مجموعة القوانين الخاصة التي أنزلها الله تعالى على رأس الألفية السادسة للملائكة السفليين ليتجاوبوا مع حركات الأفراد من البشر وفق نظام خاص يساعدهم على التطور والنهضة بما يتناسب مع النظام القرآني الجديد. هذه القوانين مشابهة لبرامج الكمبيوتر أو الحاسوب حيث يقول المبرمجون للكمبيوتر: إذا رأيت كذا فافعل كذا. البرمجة غالبا مؤلفة من مجموعة احتمالات تغطي كل ما يمكن أن يرسله مستخدم البرامج إلى البرامج. وهكذا الملائكة الذين يحيطون بكل واحد منا وهم تسعة ملائكة مذكورين في بداية سورة فاطر والعلم عند المولى عز اسمه.
وأما الآية الثانية فإنها تخبرنا بأن “ليلة القدر خير من ألف شهر”. وقد ذكر المفسرون قصصا تناسب المقام منها أن رسول الله عليه السلام علِم بشخص من بني إسرائيل جاهد في سبيل الله ألف عام فتأثر من تقلص الأعمار في قومه وعدم إمكانية تحصيل هذا الثواب لهم فوهب الله له ليلة يعبدون ربهم فيها ويكون بمثابة الأشهر الألفية للمجاهد الإسرائيلي! وقصصا أخرى مشابهة. ولقد انتبهوا إلى حقيقة أن هناك حوالي 83 ليلة قدر في ألف شهر فيكون نتيجة ذلك أن أول ليلة قدر تكون خيرا من ألف شهر بها ليلة قدر تكون خيرا من ألف شهر بها … وهلم جرا. وهذا تسلسل غير منطقي ومرفوض. ولذلك قالوا بأن المقصود ألف شهر ليست بها ليلة قدر! وكيف يتحقق ذلك، ثم كيف نستخلص هذا المعنى من هذه الآية الكريمة أو من أية آية أخرى في الكتاب المجيد؟ لا أدري. كلما أدري أنهم تصوروا 83 سنة خالية من شهر رمضان ليتحاشوا تسلسل ليلة القدر غير المنطقي!
ولم يقل سبحانه بأن العبادة في ليلة القدر خير من العبادة في ألف شهر كما ادعى المفسرون الكرام، بل قال بأن ليلة القدر نفسها خير من ألف شهر. لكنهم رحمهم الله تعالى غرقوا في بحر لجي من الظلام ولم يعرفوا كيف يخرجوا منه. ذلك لأنهم اهتموا بالأحاديث والروايات التي لا يمكن لها أن تفسر كلام الله تعالى وهو الكلام المبين في حد ذاته.
لكن تفسيري هو أن ليلة القدر الذي يفرق الله فيها كل أمر حكيم، هي ليلة كل ألف سنة وبها ألف شهر رمضان فيكون ليلة القدر الوحيدة فيها خيرا من الأشهر الرمضانية الألف التي تليها، حتى تقترب موعد ليلة قدر أخرى. ولا يوجد أية ليلة قدر في الأشهر الألفية التالية. كما أن الله سبحانه لم يقل بأن ليلة القدر ستكون حتما في شهر رمضان. لكن ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن كانت في شهر رمضان دون أدنى شك. ذلك لأن الله جل وعلا ذكر نزول القرآن في شهر رمضان كما ذكره في ليلة القدر احتمالا، فظننا بأن ليلة القدر التي نزلت فيها القرآن كانت في شهر رمضان والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
وأما تفسير الشهر بأنه شهر رمضان فهو من باب أن القرآن الكريم لم يذكر غير شهر رمضان بالاسم كما أنه يشير إلى شهر رمضان بالشهر بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. ثم إن مدار البحث في هذه السورة هو ليلة القدر التي كانت جزءا من شهر رمضان عام نزول القرآن. وشهر رمضان يشترك مع ليلة القدر في استضافته لكتاب الله الكريم.
تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر: التنزل هو الانتقال من الأعلى إلى الأسفل. فإما أن يكون العلو علوا فيزيائيا أو علوا مرتبيا. وكلاهما ينطبقان هنا. إن هناك ملائكة يعيشون في أعالي النظام الشمسي وباعتقادي أنهم يعيشون فوق المنطقة التي تستقر فيها المذنبات. إن هذه المنطقة تبتعد عن الشمس بحوالي سنة ضوئية ونصف السنة. ولعلهم هم الذين يسميهم الله تعالى “الملأ الأعلى” الذين يطلعون على الكثير من الحوادث الأرضية المستقبلية وقد منع الله عنهم الشياطين بعد نزول القرآن لألا يستمعوا إلى أسرار الأرض فيستعملوها لتصعيد وساوسهم في قلوب الناس، استعدادا لأرض تخلو من الأنبياء بعد نبينا عليه السلام. بالطبيعة أن الشيطان بنفسه هو من الملإ الأعلى بالنسبة لنا باعتبار أنه يرانا من حيث لا نراه وهو يرى الملائكة ويعلم بهم ولكننا نحن لا نراهم ولا نعلم بهم إلا عن طريق القرآن الكريم.
أولئك الملائكة العلويون ينزلون في ليلة القدر إلى الأرض ليرتبطوا بالملائكة الموجودين مع كل إنسان وعددهم تسعة من الملائكة مع كل شخص.
إنهم هم الذين يُعَلِّمون الملائكة الموكلين بالبشر ولعل الجن أيضا، واجباتهم لتغيير نظام المجتمع البشري لمواجهة الألفية المقبلة برئاسة الروح القدس وهو الملك المقرب جبريل. إنهم يسيرون مع الليل القدري الطويل الذي ينتهي بعد 24 ساعة، لأنهم يسيرون مع الليل في منطقة ما ليصلوا إلى الليلة الثانية في نفس المنطقة بعد حوالي 24 ساعة. فعدد الذين ينزلون منهم -كما يبدو- أقل من مجموع الملائكة الموجودين مع البشر حول القشرة الأرضية. ولا يخفى أن سرعة سير الملائكة العلويين أكثر بكثير من سرعة الضوء بظني القاصر! فالملائكة ليسوا أضواء بل هم كائنات أخرى أسميهم كائنات طاقوية لأنني أجهل حقيقتهم ولكنهم يجب أن يكونوا أسرع من الضوء ولعلي أشرح الموضوع مستقبلا بإذن الرحمن.
وجدير بالذكر أن نتعرف من هذه الحقيقة على حقيقة أخرى وهي أن جبرائيل أو جبريل لا يمكن أن يكون فريدا في الكون. إن في مجرتنا لوحدها ما لا يقل عن 100 بليون ولا يزيد عن 400 بليون نجمة كما يحتملون؛ ولعل الاحتمال الأقوى أنها 200 بليون نجمة. ومنظومتنا الشمسية واحدة من تلك المجموعة. ونقصد بالبليون ألف مليون حسب تعبير الأمريكان والإنجليز. فلو كان واحد بالمائة من هذه النجوم مشتركة معنا في الحياة فإن على جبرائيل أن يزور كلا منها مرة في كل ألف سنة ويصرف يوما كاملا في الأرض المسكونة. ولا يوجد أكثر من 365000 يوم في كل ألف سنة وهي أقل بكثير من مائتي مليون وهو 1% من معدل نجوم مجرة درب اللبانة. وهناك في الكون ما يقرب من مائة بليون مجرة. ولذلك فإن الروح القدس هو مسؤول عن نظامنا الشمسي فحسب، ولله أرواح قدسية كثيرة لإدارة الأنظمة الشمسية الأخرى. تبارك الله رب العالمين.
والذي يؤيد كلامنا هو ما ذكره الله سبحانه في بداية سورة الفجر: وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5). وقد أبلي المفسرون فيها بلاء دون أن يصلوا إلى ما يطمئن المتتبع و يا ليتهم عادوا إلى القرآن نفسه لمعرفة المعنى الدقيق تاركين أحاديثهم المريبة وراء ظهورهم. كنت أتمنى أن الذين يفسرون القرآن كانوا يتركون الغلو في رسول الله ويفكرون بأنه هو مفسر القرآن وقد أخذ كل علمه من هذا الكتاب العظيم وليس من غيره. ويمكن لكل شخص أن يقوم بنفس العمل في غياب رسول الله صلى الله عليه وآله؛ دون أن يحتاج إلى نقل الناقلين الذين لم يدونوا ما سمعوه من الرسول مباشرة.
فالفجر هو اللحظة التي ينتهي فيها الملائكة العلويون من تعليم الملائكة الموكلين بالبشر في المنطقة التي يظهر فيها الفجر ليسيروا في الظلام نحو منطقة أخرى في الأرض. وأما الليالي العشر فهي عمر الحياة البشرية في الكرة الأرضية منذ بداية النهضة إلى نهاية التكاثر البشري. إن الناس قد بدأوا بالتكاثر منذ أيام نوح عليه السلام. ولعله هو أول الأنبياء إذ لا ذكر في القرآن لنبوة آدم كما يدعيه السلف الصالح. إن في القرآن ما يدل على عدم تأهل الإنسان الأول لاستلام عهد الله بقوله تعالى في سورة طه: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115). والخلاصة فإن الفجر الذي يقسم الله به هو بداية الحياة الجديدة للناس وهو إيذان بنقلة نوعية في الحضارة البشرية.
وأما الليالي العشر فهي تمثل عشرة ليال قدرية في عشرة آلاف سنة. وقد أصبح اليوم أكثر من واضح بأن الذخائر النفطية والترابية وجملة المقومات الطبيعية للحياة بدأت بالفناء ولن تبقى أكثر من عدة آلاف من السنين. وبما أن عصر الرسالة المحمدية هي الوسط في هذه الليالي القدرية لقوله تعالى في سورة البقرة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143). هذه الوسطية هي وسطية ترتبط بالحركات المختلفة للأرض وسوف أشرحها في مقال خاص بإذن الله تعالى. تلك الوسطية تؤثر كثيرا في مناخ الكرة الأرضية من حيث الاعتدال فتساعد البشر على التفكر والتعمق في المسائل التي لا يرونها بعيونهم بل يفكرون فيها بقدراتهم الإدراكية وهي ضرورية لإدراك بعض الحقائق عن وجود القدوس العزيز جل جلاله وبعض صفاته التي ذكرها سبحانه في كتابه الكريم. وجدير بنا أن نعلم بأن الله تعالى أحد صمد ولا يمكن أن تكون له أكثر من صفة واحدة لكنه سبحانه جعل لنفسه صفات لتقريب الذهن فقط إذ أننا لا يسعنا التعرف على الصفة الوحيدة للقدوس العزيز جل جلاله.
لقد كانت ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن الليلة السادسة وليلة القدر التي قدر الله فيها تغيير نظام الفكر البشري ليتحول نحو التجربة هو الليلة السابعة وهناك خمسمائة عام أخر من يومنا هذا لتحل ليلة القدر الثامنة. لو كان استنتاجي صحيحا فإن عمر الحياة الطيبة المفيدة في الكرة الأرضية ستنتهي بعد 3500 عام. آنذاك سيبدأ أفول الأرض وسوف تؤثر درجة حرارة الأرض في فناء النوع الإنساني ويتوقف مسيرة التقدم لديهم ليبدؤوا بالانقراض بإذن الله تعالى.
و”الشفع” هم الملائكة العلويون حينما يرتبطون بالملائكة الموكلين بالبشر فيتحولون إلى ملائكة ثنائيين لينقلوا إليهم المعلومات والأوامر الجديدة و”الوتر” هو الروح القدس الذي ينزل معهم فريدا ليدير شؤونهم في تلك الليلة كما قال تعالى في سورة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4). سوف أسعى لبيان ما أعرفه عن الملائكة الكرام مستقبلا بإذن الله تعالى. وأعتذر من الوعود لأن المواضيع الغيبية في القرآن ليست سهلة المنال.
وأما الليل إذا يسري فقد بات واضحا الآن بمشيئة الله تعالى أن الملائكة تسير في ليلة كاملة حول الكرة الأرضية لترتبط بزملائها من الملائكة الملازمين للبشر. فالليل بهذا المعنى هو 24 ساعة كاملة لا يرى فيها الملائكة العلويون نهار الأرض حتى ينتهوا من مهمتهم. هذه الليلة الطويلة التي يتم فيها إبلاغ الخطة الألفية للملائكة تستحق بأن يقسم بها ربنا سبحانه وتعالى. هي ليلة عمل مكثفة تتوقف فيها كل الحروب والنزاعات بأمر الله تعالى وتحصل مرة واحدة كل ألف عام. وهذه المسألة التي أصبحت الآن سهلة على الفهم، كانت معقدة وعاصية على فهم الذين سبقونا من مفسرينا الكرام رحمهم الله تعالى جميعا، فهي مسألة تحتاج إلى إعمال الفكر طويلا ومن أجله قال تعالى متسائلا في سورة الفجر: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)؟ والحِجر يُطلق على العقل. والعلم عند الله تعالى.
والآن لنعمل مسحا قرآنيا مختصرا لسورة القدر لنعرف موارد الضمير في “إنا أنزلناه” من موقعها في الجزء الأخير من القرآن فنبدأ بسورة التين:
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8).
باختصار فإن التين والزيتون فاكهتان تنبتان في طور سيناء ولا تنبتان في البلد الأمين مكة. فالله تعالى خلق آدم وزوجه وهما الإنسانان الأولان في مكة. سماها البلد الأمين هنا لأنه بلد حافظ بأمر الله تعالى على الأمانة الإلهية وهي البذرة الإنسانية الأولى حتى لا تختلط مع بقية الحيوانات وتتطور بهدوء لتصير إنسانا دون أن يمر بالمراحل التطورية للقرود وأمثالها. هي من بدايتها بذرة نباتية ثم حيوان إنسي ثم اختار ربنا أحد أفرادها ليصبح الوالد لما ولد فيُكوِّنان مع واحدة من أفرادها، الإنسانين الجديدين القادرين على استلام النفس الإنسانية. فخلق الإنسان في أحسن تقويم. ثم نقلهما إلى طور سيناء ليكونا بعيدين عن الحركات الجنسية للحيوانات ومنها أشباههما من البشر غير الإنسان. أراد ربنا ألا نُخلق ضعافا ولكن الشيطان وآدم وزوجه تعاونوا معا فخُلقنا ضعفاء. ولما ارتبط آدم قبل موعده بزوجه جاء الولد الضعيف الأول وهو أبونا أو أمنا جميعا بعد أبويه ولعل النتاج كان توأما.
“والتين والزيتون” تشير الآية الكريمة إلى خلق آدم في مكة ونقله إلى طور سيناء فالحديث عن آدم وزوجه وأن ما فعله ربنا دليل على عدله وسعيه لهدايتنا فلا داعي لأن نكذب بيوم الدين لأنه جزء من تلك العدالة.
وبعدها سورة العلق:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلاّ إِنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلاّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19).
اقرأ يعني اجمع كما جمع الله الحيمن والبويضة فأتى بكائن جديد أقوى منهما هو الإنسان الجديد. فالسورة أتت بعد بيان خلق الإنسان وضعفه الناتج عن عمل غير إلهي، فيمكنه أن يتلافى ضعفه بالتجميع. يجمع المسائل ويفكر فيها ويتدبر في كل أجزائها فيتعلم من التجميع مسائل جديدة. وبما أنه تعالى علم الإنسان الذي بدأ ضعيفا ما لم يعلم أصبح الإنسان لائقا للتكليف ففرض الله عليه الواجبات وحرم عليه ما يضره. أمره بالتقوى فالتقوى والخوف بالنسبة له يمثل أساس الاحتمالات والتدبير للمستقبل. فالذي لا يخاف فهو متهور لا يمكن أن يهتدي بهدى. والتقوى أساس متين لألا يطغى الإنسان ولا يشعر بالاستغناء عن الغير. لقد أصبح الإنسان بفضل العلم قادرا على أن يستلم الإنذار ويتفاعل معه.
ثم نأتي إلى سورة القدر: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5). هذا الإنسان بالوصف السابق ضعيف من الأساس ولكنه قوي بالعلم والتدبير. والعلم الاختياري لن يتأتى إلا بأن تكون له إرادة يمكنه أن يستعملها في طريق الخير أو الشر. فهو يحتاج الآن إلى تشريعات تتناسب مع تكوينه العلمي والفكري وكذلك سيره التطوري. ولذلك فإن الله تعالى يبرمج كل ألف سنة مسائل وأنظمة جديدة متطورة تتناسب مع الركب الحضاري الذي يتواجد بأمر الله تعالى مع نظام التطور. لن يغير الله التشريع ولكن يغير تعامل الملائكة مع الإنسان.
سيبقى القرآن الكريم تشريعا نهائيا يناسب الكيان الإنساني ولكنه كإنسان مريد يتطور ويحتاج الملائكة إلى أنظمة جديدة تناسب تطور الإنسان لإعداده للتكيف مع تشريعات السماء ومع توسع الحضارة. فيقدر كل ألف شهر رمضان نظاما جديدا للملائكة ليعلموا كيفية التفاعل مع الإنسان وحركته مع تطور الحياة العلمية والعملية. فارتباط ليلة القدر بالإنسان ليس مباشرا ولا علاقة لنا كبشر بما يفعله الله تعالى لإدارتنا وتسيير مناهجه المفيدة لمن يريد أن يساير الركب الحضاري. إنما نرتبط بليلة القدر بصورة غير مباشرة وقد ذكر الله تعالى لنا حكاية البرامج الجديدة للملائكة الكرام لنزداد علما فقط. لقد أمرنا رسل الله تعالى ومن سار على دربهم بالتقوى والخوف من نظام الألوهية الصارم فنحتاج إلى تغييرات كبيرة في مسيرتنا الفكرية وفي نظام الحماية لنا وكذلك في بقية التفاعلات الغيبية التي يقوم بها الملائكة المكرمون تجاهنا. كل ذلك تقوم به الملائكة ونحن إذا عرفنا ذلك جددنا عهدنا مع ربنا بعلم ودراية وتطورنا مع تطور الحياة وتركنا الماضي وأفكار الماضين.
لا يحب الله تعالى أن نسير على خط الماضين بل يحب أن نركب سيارة الحضارة بكل قوة. قال تعالى في سورة البقرة: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134). التسليم لله تعالى ينجينا وليس تقليد الماضين فلهم ما كسبوا بقدر ما أعطاهم الله تعالى ولنا ما نكسب بقدر ما يطور الله تعالى عطاءه لنا.
ثم يوضح الله تعالى لنا بعد ذلك في نفس السورة بأن المطلوب هو التسليم لله تعالى الذي يتولى تطوير الكائنات وليس المطلوب التسليم للسلف ولو كانوا رسلا لأنهم مرتبطون بأزمنة سابقة والله تعالى يطور الناس؛ فأكمل سبحانه الموضوع بعد ذلك في سورة البقرة نفسها هكذا: وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138) قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (141).
نهتم بصبغة الله تعالى ونتبع مقدار تسليمهم لله تعالى ولا نصطبغ بصبغة الماضين. هم رسل الله ونحن مسلمون لله لا لإبراهيم ولا لموسى ولا لمحمد عليهم السلام. لا تفيدنا أعمالهم ولا مذاهبهم فلسنا نعيش في زمانهم وليست الأزمنة واحدة. ألا نرى بأن كيفية العيش والحياة بكل مظاهرها في تطور وتغير مستمر فما فائدة تقليد الماضين وما معنى السلفية؟ نحن متجددون بأمر الله تعالى ولكننا نحافظ على تسليمهم لله تعالى لنسلم لربنا ونسعى لتكون درجة تسليمنا لله فقط مثل درجة تسليم إبراهيم وإسماعيل وبقية الرسل الكرام عليهم السلام. أما الكيفيات فإن الله تعالى يكيفها وعلينا أن ننتظر ما يفعله الله في الكون فنسايره.
وتعرض الله تعالى في حكاية تطورية كبيرة حول عدم التسليم لغير الله وعدم تقليد أحد في نهاية سورة البقرة وهي سورة مفصلية عظيمة: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286). أرجو من الإخوة والأخوات ملاحظة الضمائر الفردية التي تعود إلى الله تعالى وحده ثم إلى أفرادنا:
ملائكته، كتبه، رسله، لا نفرق بين أحد من رسله؛
لا يكلف الله نفسا إلى وسعها، لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت.
ثم يكمل سبحانه سور القرآن الكريم بعد القدر مباشرة بسورة البينة والبينة هي الرسول الباقي وهي القرآن وليس الرسول البشري عليه السلام الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى بجوار ربه: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاّ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8). فحينما ينزل الله الكتب السماوية فإنه تعالى يوجب على عبيده أن يتبعوا الكتب السماوية التي تبقى بعد وفاة رسلهم ولا يخالفوا تلك الكتب. هكذا نخلص الدين والالتزام لله تعالى وحده لا لغيره، وهكذا نكون حنفاء تركنا كل شخص وكل هوى وكل شيء واتجهنا باتجاه القدوس الملك العزيز جل جلاله.
ثم يوضح الله تعالى التغييرات المستقبلية في حركة الطبيعة في سور الزلزلة والعاديات والقارعة لنعلم بأن غير الله تعالى ليس مسيطرا على الطبيعة وما فيها لعلنا نشعر به سبحانه ولا نظن بأننا مدينون لعبيده ما صلحوا وطابوا. إنهم جميعا عبيد صالحون قاموا بأدوارهم وسيكفيهم الله تعالى جزاءهم المناسب لهم وليسوا بانتظار تجميع الناس حولهم. ومما يضحكني أو يبكيني أحيانا بأن المسلمين وكذلك المسيحيين واليهود يظنون بأننا أمة أولئك الرسل. ففي الواقع نحن عبيد الله تعالى ونحن أمة ما يوحد كياناتنا في مختلف الأعصار والأمصار ولسنا حقيقة أمة الرسل. إن أمة كل رسول قد خلت كما خلى الرسول نفسه؛ لها ما كسبت ولمن يأتي بعدهم ما يكسب. نحن أمة العرب وأمة المكان الذي نعيش فيه وأمة الزمان الذي طوره الله تعالى صناعيا أو زراعيا أو اجتماعيا. لكننا نحب الرسل الكرام حبا جما لأنهم نماذج للتسليم إلى الله تعالى وإلى قوانينه الشاملة سواء التشريعية المماثلة لبعضها أو التطورية التي تتغير بتغير الزمان والمكان كما نرى.
حاولت أن أضع القارئ الكريم على سيارة يمكنه بكل سهولة أن يعرف ترابط سور كتابه السماوي مع بعضها البعض. فلو نرجع إلى ما قبل التين أو نكمل القارعة بما بعدها فسوف نرى الترابط واضحا بين السور كما سنرى التطور المعرفي والتربوي جليا في سور القرآن الكريم مما يزيدنا علما بأن القرآن ليس عملا بشريا لا في سوره وآياته الكريمة ولا في تناسق سوره وتتابعها والعلم عند المولى عز اسمه.
أحمد المُهري
15/7/2007
الإضافات الجديدة:
قمت بما يلي في رسالة إلى الأخت الدكتورة هالة كمال ضمن مركز تطوير الفقه الاسلامي ضمن قضايا المسلمين في موضوع تعليقي على قوانين الدكتور شحرور لتأويل القرآن:
ولعل سيادتكِ أو سيادة الدكتور شحرور أو من يطلع على هذا المختصر تطلبون المزيد عن أهمية تلك الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم أمرا من عند الله تعالى. تلك الليلة التي أنزل الله تعالى في إحداها النظام القرآني على ملائكته الموكلين بنا ليتعاملوا مع الخطة الألفية الجديدة، فأقول: إن الحياة تتعذر على الناس لو لا تلك الحركة الإلهية لمساعدة البشر في الألفية التي سوف يتغير فيها الكثير من متطلبات الحياة. ذرونا نتصور بأن الله تعالى ما كان ناشرا علم الكمبيوتر في الفترة الأخيرة فكيف كنا نعيش اليوم؟ تخيلوا أن تفتح البشرية عينها صباح غد لترى بأن كل أجهزة الكمبيوتر قد توقفت، أو أن السيارات والطائرات والسفن توقفت عن الحركة، أو أن الكهرباء قد توقفت عن العطاء أو أن المضادات الحيوية عجزت عن مكافحة الجراثيم أو أن الناقلات الطبيعية للذبذبات توقفت عن نقل المعلومات من وإلى الأقمار الصناعية أو أن حركات النقل توقفت تماما؛ فما الذي سيحصل لنا نحن البشر؟
بكل سهولة سوف نبدأ بالانقراض ونموت أفواجا.
دعنا نتصور المسألة بشكل آخر: لو أن البشرية كانت قد اكتشفت النفط مع نزول القرآن قبل 15 قرنا، أو أنهم صنعوا المدمرات البحرية والجوية قبل تشكل هيئة الأمم المتحدة، أو أنهم حرروا العبيد كاملة مع ظهور موسى الكليم، أو أنهم عرفوا الديمقراطية بمفهومها الفعلي أيام نمرود فلم تتشكل الإمبراطوريات ولم تتحرك سيارة العلم كما ظن البعض وهو الصحيح عندي، أو أنهم عرفوا حقيقة المرأة قبل التكاثر الكبير في القرن العاشر الهجري أي مع الألفية التدبيرية التي نعيشها اليوم، أو أنهم تعرفوا على القدرات النووية قبل تكامل الارتباطات الدولية وخروج المعلومات عن سيطرة الحكام؛ فكيف كنا اليوم؟
بكل بساطة كنا ميتين ولم يكن للبشرية وجود اليوم.
ولذلك: هل في ذلك قسم لذي حجر؟؟؟ والعلم عند الله تعالى.
6/3/2013.
كما قمت بالتعليق التالي وأرسلته إلى مركز تطوير الفقه الاسلامي:
أنا من الموافقين مع أخي سيادة المستشار أحمد ماهر وأضيف إلى ما قال سيادته:
1. لم يقل الله تعالى بأنه أنزل القرآن في ليلة القدر بل تكلم بالضمير دون ذكر القرآن ولم يقل بأن ليلة القدر في رمضان ولم يقل بأن ليلة القدر تتكرر كل عام. لكن التوجه العام لمن ظنوا بأنهم علماء المسلمين علمنا هكذا ليعطي الفرصة لتجار الدين أن يضيفوا ليلة القدر إلى قائمة متاجرهم.
2. ليس في القرآن أي أمر أو وعظ بعدم النوم وناشئة الليل هي كما قالوا عن لسان السيدة عائشة رضي الله عنها بأنها تعني أن تنام ثم تفيق. هو كلام صحيح برأيي ولقد فسرت الآية على أساسه. يجب على العقلاء من المؤمنين أن يناموا ويرتاحوا ليسمعوا وعظ ربهم ويتركوا مواعظ التجار بظني.
3. ليس لليلة القدر أي ارتباط مباشر بالناس بل هي مرتبطة بحركة الملائكة في تلك الليلة التي تتكرر كل ألف سنة وليست كل سنة. قال تعالى في سورة السجدة: يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5). وقال في سورة الدخان: حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍحَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5). لاحظوا بأن تفريق كل أمر حكيم ليس في الكتاب بل في الليلة المباركة.
4. في تلك الليلة فقط يعم السلام وليس في الليالي التي يزعمون فيها. وسيادة المستشار على حق حينما سعى لتصحيح المعنى باعتبار أن البشرية مرت وتمر برمضانات لا سلام في أية ليلة بل وأية ساعة منها. هذا السلام سلام مفروض لضرورة وضحتها في الشريط الذي بعثه الزميل عادل للمركز وقد وضحت هناك ارتباط سورة القدر بعدة سور قبلها وبعدها ووضحت كل المسائل المرتبطة بها بما فيها الشفع والوتر المذكوران في بداية سورة الفجر وهما فريقان من الملائكة وليسا صلوات كما قالوا، وكذلك معنى الليل إذا يسر والحمد لله. وبداية الفجر تشير إلى نفس الموضوع بظني، فمن أراد المزيد فليس الأمر مكتوبا عندي مع الأسف ولا مفر من مراجعة الشريط. يكفي لأخواتي وإخواني في مركز التطوير أن يلاحظوا بأن الله تعالى يؤكد في سورة القدر بأن رسوله لا يعلم شيئا عن ليلة القدر وليس القدر من شأنه: وما أدراك ما ليلة القدر. وليلة القدر خير من ألف رمضان أنزل في أحدها القرآن. إن هناك تغييرا جذريا في كامل البرامج الربوبية المرتبطة بالبشر في تلك الليلة الألفية. وفي تسمية تلك الليلة الطويلة بطول يوم كامل من أيامنا (24 ساعة) دليل آخر على احتمال الصحة فيما كتبته حول صيام رمضان في البلاد البعيدة عن خط الاستواء.
5. أرجو من الإخوة والأخوات أن يفكروا قليلا بأن الحكومات والشركات الصناعية يضعون خططا لخمس أو عشر أو عشرين أو خمس وعشرين سنة فهل يغير الله تعالى تخطيطه كل سنة؟! أليس هذا الكلام ينم عن جهل المفتري بعظمة رب العالمين وعظمة برامجه المستقبلية؟ لقد قلت في الشريط معنى الخطط الألفية وأتيت بنماذج -حسب فكري المتواضع- عما حصل في كوكب الأرض ضمن الألفيات الستة الماضية.
تقبل الله تعالى صيامكم وشافى الله تعالى مرضاكم ومنهم العبد الفقير لنعود إلى الصيام مثلكم. وشكرا جزيلا لأخي الكريم أحمد ماهر الذي لا يفتأ يذكرنا بالمسائل الإسلامية المهمة ويسعى لتصحيحها. جزاه الله تعالى وإيانا خير جزاء المحسنين.
أحمد المُهري
31/7/2013
#تطوير_الفقه_الاسلامي
https://www.facebook.com/Islamijurisprudence/